Menu

ترجمة خاصة..

تشريع التسلح والتدريع الغربي: كيف تستفيد "إسرائيل" من الأزمة الأوكرانية؟

بوابة الهدف

قوبل الغزو الروسي لأوكرانيا بموجة من المقاطعات وسحب الاستثمارات والعقوبات في "الغرب"، حتى وصلت إلى مستوى عروض الفنانين الروس، والبعض منها اتخذ منحى مروعًا، بإلغاء تدريس دوستويفسكي مثلاً، أو إلغاء تسمية قاعة على اسم كارل ماركس في ألمانيا، على الرغم من أن كارل ماركس لم يكن روسيا أصلاً.

المسافة بين إضفاء الشرعية على مثل هذه الإجراءات الاحتجاجيّة عندما تعارض روسيا، وحظرها الصريح عندما يتعلق الأمر "بإسرائيل" واحتلالها للأراضي الفلسطينية، كانت سببًا واضحًا للمرارة بين الفلسطينيين الذين لا يستطيعون إلا أنّ يروا النفاق، حتى عندما يتعاطفون مع معاناة الأوكرانيين.

ويمكن للمرء، وأعتقد أنه ينبغي، أن يجادل في أن هذا الوضع الراهن المتمثل في الاستثناء فيما يتعلق "بإسرائيل"، يعزز حصانة "إسرائيل" من العقاب كلما طال أمدها - إنه ببساطة تطبيع لحصانة "إسرائيل"، وقد استمر هذا منذ عقود، لكنه أصبح أكثر وضوحًا من أي وقت مضى في ضوء الاستجابة غير المقيدة للدعوة للعقوبات ضد روسيا.

سعت "إسرائيل" إلى لعب دور الوسيط في الأزمة - لكن يبدو أنّ هذا في الغالب لبيس سوى لعبة تقوي الشرعية الروسية، وقد يثبت أنه ثمة ثمن باهظ للغاية على "إسرائيل" أن تدفعه. مع ذلك، هناك زاوية واحدة للأزمة الأوكرانية قد تتحوّل إلى انتصار مباشر لشرعية "إسرائيل" وتعزيز حصانة تجارة الأسلحة الدوليّة.

ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل منذ أيام، أن مخزونات شركة الأسلحة العملاقة Elbit ارتفعت بنسبة 40 في المائة منذ منتصف فبراير، وأشاروا إلى أن "البلدان في أوروبا، بما في ذلك ألمانيا، القوة الاقتصادية، قرّرت تحديث قواتها المسلحة وزيادة الإنفاق العسكري منذ الغزو الروسي"، وفي الأسبوع الماضي، قالت شركة Elbit إنها حصلت على عقد بقيمة 27 مليون دولار مع السويد لشراء ذخيرة دبابات.

وشركة إلبيت، هي عامل تمكين رئيسي للقمع ضد الفلسطينيين، وهذا هو أيضًا سبب استهدافها لسنوات من قبل حملات النشطاء لإغلاقها - مع بعض النجاح الملحوظ الذي حققه الناشطون مؤخرًا في المملكة المتحدة بتطبيق إجراءات مباشرة (احتلوا بشكلٍ متكرّر شركات تابعة لـ Elbit).

أصبحت Elbit، بطائراتها بدون طيار وقذائفها وأنظمة المراقبة المتطورة الخاصة بها، بالنسبة للكثيرين، رمزًا للقمع العسكري الوحشي للفلسطينيين، والذي أكد عدد من مجموعات وخبراء حقوق الإنسان الفلسطينيين والدوليين وحتى "الإسرائيليين" على أنه فصل عنصري، وآخرهم المقرر الخاص للأمم المتحدة مايكل لينك الذي يسميه "الفصل العنصري الذي لا يرحم"، يلاحظ لينك أن هناك جوانب مختلفة في هذا الفصل العنصري الذي لا يرحم والتي هي أسوأ حتى من النسخة الجنوب أفريقية:

هناك سمات قاسية لحكم "الفصل الإسرائيلي" في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي لم تُمارس في جنوب إفريقيا، مثل الطرق السريعة المعزولة والأسوار العالية ونقاط التفتيش الواسعة، والسكّان المحصنون، والضربات الصاروخية وقصف الدبابات على السكان المدنيين، والتخلي عن الرفاه الاجتماعي للفلسطينيين وإحالته من الدولة المحتلة غلى المجتمع الدولي.

ولكن الآن، قد تكون شركة Elbit قادرة على تحسين صورتها، لأنه الآن، إذا قام الغرب بتسليح نفسه بأسلحة Elbit من أجل معارضة روسيا، فقد يُنظر إلى Elbit ومعها "إسرائيل" على أنهما ممولان للسلام والأمن. وكلما زاد عدد الدول المستثمرة في مثل هذه الصفقات مع شركة Elbit وشركات الأسلحة "الإسرائيلية" الأخرى، قل احتمال المعارضة لها، لأن الصفقات الكبيرة تمر عبر موافقة جهاز الدولة "الإسرائيلية"، ومعظم المشترين هم دول وبالذات أوربية.

الأسلحة والطاقة

تدرك الدول في أوروبا أن أيديها مقيّدة عندما يتعلق الأمر بروسيا، نظرًا لوجود اعتماد كبير على الموارد الروسية. ففي الدانمارك مثلاً، تأتي معظم واردات الغاز الطبيعي من غازبروم، وفي أوروبا بشكل عام حوالي 40 بالمائة، من الغاز الطبيعي يأتي من روسيا، وخمسة وعشرون بالمائة من الوقود الذي تملأ به السيارات في الدنمارك هو روسي، ويتحدثون هنا عن التحرّر من هذا الاتصال في غضون عام، لكن الأمر معقد للغاية عندما يكون لدى عمالقة الطاقة مثل Orsted عقود مع روسيا تصل إلى عام 2030 ولا يجرؤون على انهاكها.

هناك دفعة كبيرة في هذا الاتجاه، من المفهوم عمومًا أن المال هو القوة، وإذا كنت تعتمد على سلع من شخص ما، فيجب أن تعاقب، حسنًا، إذن لديك مشكلة. وبالعودة إلى "إسرائيل" والأسلحة، تم إضفاء الشرعية إلى حد كبير على صناعة الأسلحة في رد مباشر على العملية الروسية، كان هناك قبول "غربي" رئيسي حتى لفكرة زجاجات المولوتوف التي يستخدمها المدنيون ضد الغزاة الروس، وهذا مثال آخر من تلك الأمثلة المدهشة التي تُظهر مدى اختلاف أن تكون فلسطينيًا.

يُنظر إلى الجانبين - تقليل الاعتماد على الموارد الروسية، فضلاً عن زيادة الإنفاق العسكري، على أنهما وجهان لعملة واحدة هنا.

قال رئيس الوزراء الدنماركي ميت فريدريكسن يوم الأحد إن الدنمارك ستزيد بشكل كبير ميزانيتها الدفاعية وتهدف إلى الاستقلال عن الغاز الطبيعي الروسي ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا. ستزيد الدولة الاسكندنافية من إنفاقها الدفاعي تدريجياً لتصل إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2033، أي ما يعادل زيادة في الإنفاق الدفاعي السنوي بحوالي 18 مليار كرونة دنماركية (2.65 مليار دولار) بموجب اتفاق بين الأحزاب البرلمانية الرئيسية.

تعتبر هذه الأوقات تاريخية:

قال فريدريكسن في مؤتمر صحفي في كوبنهاغن: "العصور التاريخية تتطلب قرارات تاريخية"، مضيفًا أن هذا كان "أكبر استثمار في الدفاع الدنماركي في الآونة الأخيرة" ... قال فريدريكسن ... "إن نضال أوكرانيا ليس فقط كفاح أوكرانيا، إنه اختبار قوة لكل ما نؤمن به، قيمنا، ديمقراطيتنا، حقوق الإنسان، السلام والحرية".

الآن يمكن أن يصبح هذا النوع من الكلام مشكلة "لإسرائيل" - إذا تم رسم أوجه الشبه بين قمع الفصل العنصري وروسيا، ولكن إذا كانت ستساهم في جهود التسليح "الغربية" ضد روسيا، فيمكنها بالفعل كسب نقاط الشرعية في هذا الأمر.

"إسرائيل" حريصة على بيع الحرب على أنها سلام: الحرب هي السلام

في "إسرائيل"، من الطبيعي على ما يبدو أن يكون مؤسس حركة "السلام الآن" مسؤولًا تنفيذيًا كبيرًا في شركة إلبيت.

قبل أسبوع، كتب نير جونتارز مقالاً في صحيفة "هآرتس" إلبيت عنوانه "كم يكسب أحد مؤسسي حركة" السلام الآن "كمدير في شركة أسلحة؟ تحقق من ذلك" بدأ بمحاولة الاتصال مع المديرين التنفيذيين لشركة Elbit عبر الهاتف لمعرفة سبب رعاية Elbit لكتاب يبرئ الجيش البلغاري، الذي طارد اليهود وطردهم في الحرب العالمية الثانية. يريد غونتارز أن يعرف سبب قيامهم بذلك، "بخلاف ما هو واضح، أنك تبيع أسلحة للجيش البلغاري"، بعد أن تم إجباره على الركض حول الأدغال عدة مرات، وصل غونتارز في النهاية إلى يولي تامير. تامير هي سياسية عمالية سابقة، وشغلت مناصب وزارية مختلفة بين عامي 1999 و2007. كانت إحدى مؤسسي حركة السلام الآن في عام 1978، وكانت ناشطة في راتس (سلف حزب ميرتس اليساري الصهيوني) في 1980-1985. كانت رئيسة الجمعية الإسرائيلية للحقوق المدنية.

تامير أكثر انفتاحًا للمناقشة من الآخرين الذين أغلقوا الخط، لذلك في النهاية سيسأل غونتارز ما يلي: "أخبريني بالمناسبة، كيف يأتي أحد مؤسسي حركة" السلام الآن "للعمل كمدير في شركة تنتج الأسلحة وتصدرها؟" تامير: "إلبيت تفعل الكثير للدفاع عن إسرائيل". جونتارز: "تبيع أيضًا أسلحة هجومية". تامير: "حسنًا، إنها تفعل أشياء مختلفة، أنا أحد الأشخاص الذين يؤمنون بأن دولة إسرائيل بحاجة إلى الدفاع عن نفسها، وبالتحديد في هذه الأيام عندما يرى الجميع ما يحدث في أوكرانيا، من الواضح أن الدولة بحاجة إلى الدفاع عن نفسها، على وجه التحديد إذا كانت تريد أن تقف على موقفها ولا تنقرض من ناحية، يحتاج المرء إلى التسلح والتقدم، ومن ناحية أخرى يحتاج إلى مد يده من أجل السلام".

بدلاً من الإجابة عما تكسبه من إلبيت بدت تامير بلاغية جدًا، وأنشأت خطابًا غير مفهوم، رغم أن المبلغ علني أصلاً، لكن سماع ذلك من فمها يجعلها غير مرتاحة، لذلك تقول "حينها تنقرض دول مثل أوكرانيا".

هذا التبادل هو صورة مصغرة للعلاقات العامة الليبرالية التي تود ألبيت و"إسرائيل" نشرها، عندما يتحدثون عنها أخيرًا. الآن أصبح الأمر حقًا "لنتحدث عن أوكرانيا"، كوسيلة لتجنب الحديث عن "إسرائيل"، لأن أوكرانيا قضية تحظى بتعاطف وتفهم شديد وواسع النطاق في "الغرب"، ويتخلى الكثير من الناس الآن عن قناعاتهم السلمية لصالح المقاومة المسلحة. و"إسرائيل" تريد أن تستفيد من كل تلك العسكرة. وعندما يكون هناك الكثير من الضجيج حول أوكرانيا، يمكن أن تقوم "إسرائيل" بتدويرها لتكون بمثابة إسكات للنقد والإدانة ضدها، وإضعاف المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات لتحميل "إسرائيل" المسؤولية عن انتهاكاتها المنهجية، وهي تحتاج إلى قطع أوجه الشبه بينها وبين روسيا، لكن النفاق هائل ويمكن "لإسرائيل" للأسف أن تؤمن لنفسها مكاناً آمناً في "الغرب".

تقريبًا كل جانب من جوانب هذه الأزمة - التصحيح: كل جانب من جوانبها دون استثناء - هو دراسة حالة في النفاق الغربي والمعايير المزدوجة، وفي أغلب الأحيان عن العنصرية أيضًا. على سبيل المثال، فإن روسيا محقة تمامًا في التأكيد على أن أوكرانيا وثيقة الصلة بالتاريخ الروسي وتطور الثقافة والهوية الروسية، ومع ذلك، لا يعتقد أي شخص في عقله الصحيح أن هذه الحقائق التي لا جدال فيها تمنح روسيا حقوقًا سياسية في أوكرانيا، وتمنح روسيا الحق في غزو واحتلال حتى بوصة مربعة من الأراضي الأوكرانية، ناهيك عن الاستيلاء على البلاد بأكملها والمطالبة بها. ومع ذلك، في حالة فلسطين، يعتبر الغرب منطقًا بديهيًا أن وجود "الإسرائيليين" في تلك الأرض منذ عدة آلاف من السنين يمنحهم الشرعية الآن!

حتى 24 فبراير/ شباط، تم إدانة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشكل روتيني لتجرؤه على الاستفسار عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، وفجأة صارت مؤسسة ذات قيمة خاصة لأنها تدين الاحتلال الأجنبي والانتهاكات الملازمة لهذا الوضع، و في خطابه الذي ألقاه أمام المجلس في 1 آذار/ مارس، نجح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في إدانة روسيا، والتأكيد على أنه لا توجد دولة خارجة عن المساءلة، وطالب المجلس بوقف التحقيق مع "إسرائيل" كل هذا في غضون دقيقتين، وفعل ذلك دون خجل أو رفة جفن، لذلك فإن أولئك الذين يعتقدون أن الرد الدولي على أوكرانيا سيجعل الغرب أكثر حساسية تجاه الحقوق الفلسطينية، والقانون الدولي في الشرق الأوسط، أو لاجئي المنطقة، يحتاجون فقط إلى قراءة كلماته لفهم أن هذا مجرد وهم.

*المصدر: جوناثان أوفير. عن موقع "موندويس"