اعتادت حركة حماس على نصب اللافتات ذات المضمون السياسي، في شوارع قطاع غزة، وهي ظاهرة تعزّزت في السنوات العشر الأخيرة، منذ بداية سيطرتها على مفاصل الحكم في القطاع، تهدف من خلالها توجيه الرسائل سواء للجمهور الداخلي، أو الخارجي.
واستناداً إلى المثل القائل "ان لا دخان من غير نارٍ"، فهذه المرة، نصبت حماس لافتةً، في واحدٍ من أكثر المفارق حيويةً بمدينة غزة، بالتزامن مع ظرفٍ سياسيّ وأمني حساس جداً، يمر به القطاع، قد يفتح آفاقاً حياتيّة واسعة أمام سكّانه، وقد يُطلق صافرة إنذارٍ مُدويّة لكارثة مُحققة.
"يافطة"، طولها عدة أمتار، حملت -على ما يبدو-رسائلَ عابرة للحدود، مُوجّهة لجمهورية مصر العربية، كُتب عليها "المقاومة لا توجه سلاحها إلى الخارج.. البوصلة نحو فلسطين".
وكانت مصادر خاصة كشفت لـ"بوابة الهدف" ما طالبت به المخابرات العامة المصرية، من وفد حماس، خلال لقاءات القاهرة، فعلى الصعيد السياسي، طالبت المخابرات بأن تؤكّد حماس أنها حركة "فلسطينية ولا علاقة تنظيمية وإدارية لها مع حركة الإخوان المسلمين".
وعلى الصعيد الأمني، تم بحث عدة قضايا تفصيلية لها علاقة بما يجري في سيناء، منها أن تضمن حماس حدود القطاع مع مصر، وأن تسلّم بعض المصريين المتواجدين في القطاع، والمتهمين بقضايا أمنية لدى مصر، إضافة لأن تعترف حماس بالنظام المصري القائم حالياً، وأن تبتعد وسائل إعلامها عن استخدام مصطلح "الانقلاب".
وحسب المصادر، فإن مصر رهنت إعادة رعايتها لملف المصالحة باستجابة حماس للمطالب السابقة.
عضو المكتب السياسي لحماس، موسى أبو مرزوق، قال عن زيارة وفد الحركة الأخيرة لمصر، بأنها "فتحت صفحة جديدة، وخطاب مودة مع الأشقاء في مصر، وهي زيارة لها ما بعدها، وأنه لن يأتي من قِبلهم إلا الخير والسلام".
ولفت أبو مرزوق إلى كثرة التكهّنات حول الزيارة "فمنهم من أفشلها في منتصفها، ومنهم من وضع شروطاً ونسبها إلى مصدر أمني ومنهم من نصّب نفسه متحدثاً باسم الشعب، ومنهم من هدد وفد الحركة، بل طلب منهم أن يأتوا ومعهم الأكفان" مضيفاً أن "زيارة مصر العزيزة انتهت، ولم نجد من هذه التكهنات شيئاً بل على العكس تماماً وجدنا مسؤولين يحملون ل فلسطين كل الحب، ولقضايا مصر كامل المسؤولية".
خطوة جيّدة !
المواطن معتصم عواجا، كتب عبر "فيسبوك"، تعليقاً على مضمون اليافطة "أرى أن مُبتدع التصميم كان موفقاً في وضع أقدام المقاتل داخل الحدود المصرية ووجهته نحو الأخرى (حدود القطاع)، وهي رسالة بأن المقاومة ستحمي الحدود فقط، كما صرحت القيادة السياسية، عقب طلب مصر من حماس استخدام مقاتليها للسيطرة على الأوضاع الملتهبة بين الجيش وأهل سيناء".
على خلاف جزئي مع الرأي السابق، كتب الصحفي محمد وشاح، عبر صفحته الشخصية، على "فيسبوك": الرسالة التي تقصدها حماس موجهة للجميع بلا استثناء، وليس مصر فقط، بأن هناك بوصلة موجهة نحو القدس ، راح خلالها العديد من رجال الإعداد شهداء، ومن أراد أن يُبقي البوصلة، في مسارها الصحيح بالدعم المالي والعسكري والسياسي غير المشروط فهو مرحب به، ومن أراد أن يحرف مسارها بمطاحنات هنا وهناك، وحروب لا ناقة ولا جمل لقضية القدس فيها، فلا يشغلنا عما نحن فيه".
أما المواطن محمد خريس، قال لـ"بوابة الهدف" أن "خطوة حماس جيدة، باتجاه ادراك الحركة لأولوية البعد الوطني على أي أبعاد أخرى، وأولوية الصراع مع المحتل الصهيوني على أية رهانات تتعلق بالمنطقة المضطربة".
ورأى المواطن محمد حجازي خلال حديثه لـ"بوابة الهدف": حماس ردّت على الاتهامات التي وجهها النظام المصري لها، بالمساس بالأمن القومي المصري، وهو موقف ستُترجمه خلال الفترة القادمة.
التعليقات الساخرة، وجدت مكاناً أيضاً بين آراء المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فكتب المواطن حسين جمال أبو سكران "أنصح بأن يتم تركيب يافطة إلكترونية بدلاً من هذه اليافطة، لأنها صارت تعبر عن توجهات السياسة الخارجية لدولة حماس،..، وبالتالي تطويرها الكترونياً سيسهل تغيير الموقف السياسي كل أسبوع حسب المصلحة".
وبين اليافطة، وترجماتها في الشارع الغزّي، يبدو أن حركة حماس خرجت من طور البحث والدراسة، واتّخذت قرارها، وهي ماضيةٌ في إثبات موقفها وسياساتها، لـ"أم الدنيا" مصر، و غيرها من الأطراف العربية و الإقليمية والدولية.