Menu

"احتجاز جثامين الشهداء" الموتُ.. هو قضيّة الباقين

تشرع جرافات الاحتلال بهدم منزل عائلة الشهيد بعد ساعات فقط من إعلان نبأ الاستشهاد

بوابة الهدف_ بيسان الشرافي

"ربّما أبناؤنا في الثلاجات الآن، لكنّهم يشعرون بدفء الحاضنة الشعبية التي لا يُمكن لصقيعٍ أن يُغطّيها"، بهذه الكلمات المختصرة، عبّر المحامي محمّد عليّان، والد الشهيد بهاء عليّان، عن اتّساع الحملة الشعبية لاستعادة جثامين الشهداء الفلسطينيين، المحتجزة لدى سلطات الاحتلال.

حراك شعبي واسع

المحامي عليّان وفي حديثه لـ"بوابة الهدف" أشار إلى أنّه "وفي كل مناطق الضفة الغربية المحتلة هناك وقفات احتجاجية وتظاهرات تُطالب بإعادة جثامين شهداء الانتفاضة، ففي الخليل هناك وقفة دائمة أمام الصليب ومسيرات مستمرة في جبل المكبر و القدس كل يوم جمعة، وبرام الله أيضاً تُنظّم الفعاليات والوقفات التضامنية".

وتابع: هذا بالإضافة للحراك الإعلامي بمختلف قنواته، وعشرات الساعات التي تُخصّص للحديث عن قضية الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال، عبر الفضائيات المحلية والعربية، متحدّثاً عن الحراك الحكومي الأخير "بطيء الفعل والتأثير بشكله وحجمه الحالي".

أمام مقر الصليب الأحمر الدولي، بمدينة رام الله وسط الضفة، نظّم أهالي الشهداء ظهر اليوم وقفة احتجاجية، وتم تسليم مذكّرة تفصيليّة من قِبل ذوي الشهداء والفعاليات السياسية والشعبية، حول مخالفة إسرائيل لكافة المواثيق الدولية والشرائع الدينية، بمواصلتها احتجاز جثامين أبنائهم الشهداء.

"موت و خراب ديار"

إنّ المعاناة التي تبدأ بعد استشهاد الفلسطيني سواءَ قرّر الاحتلال احتجاز جثمانه أم لا، تتجسّد في ملاحقة مستمرة من قبل "السلطات الإسرائيلية" لأفراد عائلته، من استدعاءات واعتقالات وتحقيق، وصولاً إلى الطامّة الكبرى وهي هدم منازلهم وتشريد العائلة المكلومة، وهذا ما يتمّ بغمضة عينٍ هذه الأونة، فقد تشرع جرافات الاحتلال بهدم المنزل بعد ساعات فقط من إعلان نبأ الاستشهاد.

هو واقعٌ، دفع بذوي الشهداء والجهات الحقوقية للضغط الشديد على الحكومة الفلسطينية كي تتحرّك إزاء هذه الاجراءات "الإسرائيلية" الشرسة بحق عوائل الشهداء.

وفي هذا السياق أطلعنا المحامي محمّد عليّان خلال لقائه مع "بوابة الهدف" على تشكيل الحكومة لفريقٍ من المحامين عقب عدّة لقاءات وضغط على الرئاسة الفلسطينية من قبل رئيس هيئة شئون الأسرى عيسى قراقع ، ومستشار ديوان الرئيس لشؤون القدس، أحمد الرويضي، الذي أعلن مؤخراً عن تشكيل الفريق القانوني لتوحيد الجهود المبذولة في قضية استعادة جثامين الشهداء، وستكون مهمته متابعة ملف الشهداء كاملاً.

عليّان أفاد بأن الفريق الذي أوكلت مهمّة استدعائه للاجتماع لنقابة المحامين لم يعقد أية جلسة حتى اللحظة.

"قانون نيوتن الأول" في السياسة أيضاً!

احتجاز جثامين شهداء انتفاضة القدس الشعبية، جاء تنفيذاً لقرار "الكابنيت الإسرائيلي"، استجابةً لاقتراحٍ قدّمه وزير الأمن الداخلي، جلعاد آردان، بعدم إعادة جثامين الفلسطينيين مُنفّذي العمليات ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه.

ويُواصل المستشار القضائي "الإسرائيلي "رفض التماسات الجهات القانونيّة التي تُقدّم لإعادة جثامين الشهداء التي تجاوز عددها منذ مطلع أكتوبر الانتفاضة، أربعين جثماناً.

هذا القرار السياسي من حكومة صهيونية لا تعرف إنسانيّةً أو قانون، أول من يُفترض به التحرّك لصدّه، هو الجانب الرسمي الفلسطيني، ممثلاً بالحكومة بزعامة محمود عباس ، والتي لها من الإمكانيّات ما يمكّنها –بالفعل وليس القول- من خلع المُحتل من أرضنا خلعاً. سواءً على صعيد المواجهة السياسية محلياً أو في المحافل الدولية.

وحول الجهود والوعود الحكومية المعلنة في هذه القضية، قال المحامي عليّان: اجتمعنا مع رئيس الوزراء رامي الحمد الله ووعد بمتابعة ملف احتجاز إسرائيل جثامين الشهداء، ووضعِه على رأس أوليات الحكومة. "ولم يحدث شيء حتى الآن"

والد الشهيد لم يُخفِ شكوكه حول جدّية تصريحات ووعود الحمد الله، فقال: نحن نعلم أن الحكومة الفلسطينية عليها الكثير من القيود، لذا نحن نعوّل أكثر على الضغط الشعبي.

وفضّل عليان أن يُقدّم تصريحاته الخاصة، برسالةٍ يوجهها لحكومة الكيان فقال: إن احتجاز جثامين أبنائنا يزيدنا قوة، ولا يمكن أن تضعنا الإجراءات "الإسرائيلية" العقابية في موقف ابتزاز أو مساومة".

ورقة رابحة "مُهمَلة"

في سياق متّصل، يُمكن للحكومة الفلسطينية الاستفادة من الانقسامات الواضحة بين القادة السياسيّين والأمنيّين في دولة الاحتلال، على خلفية هذا الملف، فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يأمر بمواصلة هذا القرار الإجرامي لتحقيق مكاسب شخصية من خلال إرضاء حزبه المتطرف والأصوات المنادية بمعاقبة الفلسطينيين وردعهم، بينما يُنادي قادة في الجيش "الإسرائيلي" وأجهزة المخابرات على رأسها "الشاباك" بالعكس، لقناعتهم بعدم فاعليّة هذا الطريق، وفشله في وقف العمليّات البطولية، وأن كل ما يحدث هو مزيد من سكبٍ للزيت في نار الانتفاضة. وهذه ورقةٌ رابحة إن عرفت السلطة الوطنية الفلسطينية كيف تستغلّها.

ورقة أخرى رابحة وأعمق تأثيراً، يُمكن أن يستثمرها المستوى السياسي الفلسطيني، هي التنسيق الأمني مع "إسرائيل"، قطع هذا الطريق المظلم، أو حتى التلويح بهذا تبعاً لقاعدة "أضعف الإيمان"، يُمكن أن يجعل السلطة هي الضاغط الأكبر في  ملف الانتفاضة ككل بما يخدم الانتفاضة ويُعيد حقوق الشعب المغتصبة.

الموت.. قضيّة الباقين

المحامي محمّد عليّان يقول اليوم، وبعد نحو شهريْن على استشهاد نجله البطل "كنا في البداية نخشى أن تنفضّ خيمة العزاء بعد ثلاثة أيام، ونصبح وحدنا غارقين في وجع فقدان الابن وما يقترفه الاحتلال بحقنا من إجراءات عقابية، لكن الشهيد صار اليوم ملكاً للوطن، ويتم متابعة الكثير من الأعباء التي كانت تثقل كاهل عائلته.

لنجدَ أنّ ما تشهده هذه الانتفاضة في ملف الشهداء، هو بالضبط ما تحدث عنه بطل الكلمة الشهيد غسان كنفاني حين قال" إن الموت ليست على الإطلاق قضية الميت، إنها قضية الباقين".

والشهيد بهاء عليّان ارتقى بتاريخ 12 أكتوبر 2015، بعد تنفيذه عملية مزدوجة داخل حافلة "إسرائيلية" في جبل المكبر بالقدس المحتلة، مع الشاب بلال أبو غانم، المعتقل بسجون الاحتلال الآن، قُتل فيها 3 مستوطنين، وأُصيب آخرون "إحصائية إسرائيلية"، ولا تزال دولة القتل تحتجز جثمانه الطاهر