Menu

هل قدر غزة أن تبقى خزان الدم؟

مصطفى ابراهيم

قدر غزة منذ نكبة الفلسطينيين في العام ١٩٤٨، أن تكون أسطورة، ورافعة المشروع الوطني الفلسطيني وخزان الوطنية الفلسطينية الاستراتيجي للمقاومة، ربما لأن ٧٠٪؜ من أهلها لاجئين، ويجب أن يكونوا دائما على أهبة الاستعداد في المواجهة في مشروع التحرير والعودة.

منذ ٧٤ عاما تحمل غزة ملامح الوطن وسماته المختلفة، باللاجئين الذين طردوا وهجروا من مدنهم وقراهم المحيطة والقريبة من غزة، والتي تم تدميرها من قبل العصابات الصهيونية، ولاحقتهم بعد تأسيس ما تسمى (إسرائيل) بالقتل والعدوان، فمعاناة غزة قاسية وقديمة بقدم النكبة والاحتلال وجرائمه وعنصريته.

معاناة غزة مستمرة بأشكال مختلفة بالحصار والعقاب الجماعي المفروض عليها، من العدو ومن القريب والصديق، وهو ليس قدراً مكتوباً عليها أن تبقى كذلك، هي تحاول مقاومة محاولات الاحتواء وتفريغ صمودها ومقاومتها من مضمونها في مواجهة الاحتلال، والتغلب على مشكلاتها وفصلها جغرافيا وعزلها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في كانتون مغلق بالجدران، هي تكيفت مع أزماتها، لكنها لم تستسلم لها، وتدور حولها قصص البطولة والشجاعة، ودائماً مطلوباً منها أن تكون البطلة وهي الضحية.

وفي ظل العدوان الإسرائيلي المستمر الذي يستهدف الكل الفلسطيني في الاراضي المحتلة، يدور الجدل والخلاف والاختلاف المستمر منذ سنوات الانقسام، والذي يبرز في كل لحظة حول الحال والأحوال وغياب الرؤى والروية الجمعية حول كل شيء. ويتجدد الجدل الفلسطيني هذه الأيام وتزداد حدته، بالاتهامات المتبادلة حول من قاوم ومن لم يقاوم، وأدوات ووسائل المقاومة الفلسطينية، في غياب استراتيجية وطنية للمقاومة، ورد غزة على اغتيال اثنين من القادة وخيرة شباب فلسطين، وحقها في الدفاع عن نفسها، ومحاولة استباحة غزة بمزيد من الدم والقتل.

الشعور بخيبة أمل والإحباط وترك غزة وحدها من دون دعم وتضامن حتى من أبناء جلدتهم، لكن الناس لم ينكسروا ولم يهزموا، ولم تستطع دولة الاحتلال كي وعيهم، فهم يعلموا حقيقة إسرائيل العدوانية، وهم أرادوا بضعفهم تحقيق انتصار أو إنجاز ما يكسروا من خلاله إسرائيل، ويعززوا ثقتهم بأنفسهم ووحدتهم. وتدور التناقضات والصراع الداخلي بين العقل الباطن واللاوعي وضرورة الانتقام حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، في المقابل هم يدركوا ثمن الرد العسكري وذلك من خبراتهم السابقة، والأثمان التي دفعوها، ومع ذلك يظل هذا الشعور يتملكهم في كل لحظة. وسرعان ما تعود التناقضات والحرب الداخلية بتوجيه الاتهامات لأنفسهم وانتصارهم لهوياتهم الحزبية، ويتملكهم اللاوعي، وعدم قدرتهم على استجماع وعيهم وحقيقة حالهم الكارثي وغياب الفعل الوطني الجمعي، وهذا ما يحتاجه الفلسطينيون وهو موقف وطني جمعي لمواجهة أنفسهم قبل مواجهة الاحتلال وسياسته العدوانية القائمة على إيذاء الفلسطينيين وسرقة أراضيهم، وهم بأمس الحاجة للوحدة الآن.

يبدو أن الفلسطينيين لا يدركوا أهمية ما حققوه خلال العدوان الأخير برغم الدم والإرهاب والقتل، أو ما حققوه العام الماضي في سيف القدس وهبة الكرامة في القدس وغزة والضفة ومناطق الـ ٤٨، وما حققوه من وحدة وطنية جمعية حول قضية اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة.

توقف العدوان العسكري الإسرائيلي الأخير إلى حين، لكنه مستمر بأشكال مختلفة، فالحصار هو عدوان وجريمة مستمرة منذ عقد ونصف، وما جرى خلال الأيام الثلاثة الأخيرة والمهمة الرئيسية كانت هي القتل والإرهاب، وارتكاب مزيد من الجرائم، وهي جولة من جولات المقاومة في الأراضي المحتلة، والحقيقة هي أن العنوان الأساسي هو استمرار الاحتلال في جميع الأراضي الفلسطينية.

وبرغم توقف القتال، إلا أن الناس في قطاع غزة يقولون نحن رافعة المشروع الوطني، لكن لسنا خزان الدم النازف، ونحن جزء من الوطن، وهم تنفسوا الصعداء، في انتظار الجولة القادمة مع أنهم لم يتعافوا من حرب أيار/ مايو الماضي، ولم يتم إعادة إعمار المناطق المدمرة وما تم إنجازه فقط ٢٠٪؜ من المنازل والمنشآت والطرق والبنية التحتية.

المقاومة حق و فلسطين هي للفلسطينيين مهما طال الزمن والقناعة بالحق في الحرية وتقرير المصير حتمية تاريخية، والمطلوب عدم بيع الناس الوهم والهم واحترام إنسانيتهم وحقهم بحياة حرة كريمة، لكن كل هذا بحاجة إلى مراجعة حقيقية، ونقد الذات والتعلم من التجربة وتفادي الأخطاء القاتلة التي كلفتنا فقدان أطفال ونساء ورجال.