أيّام قليلة، تفصلنا عن بدء العام الدراسي الجامعي الجديد، وما أن يبدأ الطلبة في التسجيل للفصل الدراسي تبدأ معركة إعلامية طاحنة بين الجامعات وتبدأ الإعلانات بالتنافس للحصول على أكبر عدد من المسجلين بهدف تحقيق أكبر قدر من الأرباح على حساب جيوب المواطنين الكادحين الذين يعملون ليل نهار من أجل ضمان حصول فلذات أكبادهم على حقهم المشروع بمواصلة مسيرتهم التعليميّة.
رسومٌ مرتفعة جداً تفرضها الجامعات الفلسطينية، لا تتناسب مع الدّخل المتدني والمحدود جداً لغالبية سكان القطاع، وكأنّ الجامعات أضحت شركات تجاريّة ربحيّة ووسيلةً لجمع المال وتحقيق الثراء الفاحش لفئات معيّنة، متناسيّة رسالتها النبيلة رسالة العلم والمعرفة وتنوير العقل وبناء الوعي.
آلاف الطلبة المتميزين الذين حصلوا على أعلى المعدلات في الثانويّة العامة تحرمهم الحاجة من مواصلة تعليمهم وتحقيق أحلاهم، حتى وصل الأمر في بعض الجامعات بمنع الطلبة الذين لم يتمكنوا من تسديد رسومهم الجامعية من دخول قاعات الاختبار.
الفقر وضيق الحال، وعدم القدرة على مواصلة العمليّة التعليميّة وانسداد الأفق دفع خيرة شبابنا وأبنائنا لركوب المجهول للبحث عن أي بصيص أمل خارج البلاد، يبحثون عن الوطن في غير أوطانهم، وكانت النتيجة أن يلقى العشرات من أبنائنا حتفهم في قوارب الموت وفي معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
وللاطلاع أكثر على أوضاع الطلبة الجامعيين، تواصلت الهدف مع منسقة سكرتاريا الأطر الطلابيّة براء النّفار، التي أكّدت على وجود أزمات جديدة تواجه الطلبة حيث عملت بعض الجامعات على رفع سعر الساعة الدّراسية إضافة إلى تثبيت سعر الدينار مقابل 5.5 شيكل، متجاهلةً الأوضاع الاقتصادية الحالكة التي يمر بها شعبنا الفلسطيني.
وأشارت النّفار إلى أنّ هناك تراجعاّ ملحوظاً في نسب الطلاب الذين يلتحقون بالتعليم الجامعي نتيجة قيام إدارات الجامعات بتخفيف الأعباء التي تقع على عاتقها من خلال تحميلها للطالب، في الوقت الذي كان فيه من الأجدر لهذه الجامعات أن تساعد الطالب وتمكنه من مواصلة العملية التعليمية.
وتساءلت: "في حال استمرار ارتفاع الرّسوم الدراسية المتواصل، إلى أين سيصل الحال بشبابنا وطلابنا؟، إذا كان بإمكان الجامعات توفير التعليم المجاني لأبناء موظفي الجامعات، ألا يمكنها توفيره للطلبة الفقراء؟".
وفي سياقٍ موازِ، لفتت النّفار إلى أنّ هناك مستلزمات أخرى غير الرّسوم الدراسية يحتاجها الطالب، ومن بينها رسوم التسجيل، ورسوم الكتب الدراسية الإلزامية، وأجرة المواصلات، معربةً عن رفض أي إجراءات من شأنها زيادة الأعباء على الطلاب.
على صعيدٍ آخر، أكدت النّفار على ضرورة تحريك ملف انتخابات الأطر الطلابية في كافة الجامعات، وضرورة ضمان التعليم المجاني للفقراء في ظل ازدياد عدد الأسر الفقيرة والمهمشة خاصّة في قطاع غزة، مؤكدة على واجب الجامعات بدعم المتميزين وإعطائهم الحوافز للاستمرار في تميزهم الذي من شأنه أن يعود خيراً: أولاً على صعيدهم الأسري وثانيا على صعيد المجتمع ككل.
وترى النّفار، أنّ هناك مسئولية وطنية تقع على عاتق الأحزاب والفصائل الفلسطينية في الضغط على إدارات الجامعات من أجل تحقيق مطالب الطلبة في الوصول إلى تعليم جامعي مجاني.
وفي سياق حديثها، أشارت النّفار إلى أنّ هناك عدد كبير من المنح والإعفاءات الدّراسية التي لا يتم الإعلان عنها في القنوات الرّسمية، ما يثير الشبهات حول النحو الذي يتم عليه توزيع هذه المنح، منوّهةً إلى أنّ بعض المنح تعطى لأبناء الموظفين ومنح أخرى تخضع للوساطة والمحسوبيّة.
وأكّدت النّفار على ضرورة أن تخضع المنح لمنصات إعلان رسميّة، تضمن وصول الإعلان إلى جميع الطلبة للتنافس عليها بشكل نزيه وشفاف، والأهم أن تضمن وصولها لمحتاجيها وللأشخاص المنّاسبين، مشددة على ضرورة الامتثال لمطالب الطلبة بتخفيض الرسوم الدراسية وإيقاف أي معيقات تحول دون تمكنهم من مواصلة الدّراسة.
وخلال إعداد التقرير، تواصلت "الهدف" مع أحد خريجي الثانويّة العامة الذي فضل عدم ذكر اسمه، كاشفاً لنا عن معاناة كبيرة يواجها، حيث يقع بين نارين، إمّا أن يواصل تعليمه ويشكّل عبئاً إضافيّاً على أسرته أو أن يتخلى عن حلمه وسنوات طويلة من الجهد الحثيث الذي بذله خلال مسيرته التعليميّة التي كللت بالتفوق الباهر من أجل أن يحصل أشقاؤه على لقمة كريمة.
وبحسرة بالغة تابع القول: "حتى لو تمكنت من الحصول على منحة دراسيّة، سيكون على والدي اقتطاع جزء من لحمه الحي ومن قوت إخوتي الصّغار لتأمين مصروف المواصلات والكتب الدراسية، وغيرها من المستلزمات الدّراسيّة".
وأشار الشاب الذي انعكست سمات الذكاء والفطنة على ملامح وجهه إلى أنّه كان يطمح بأن يواصل تعليمه الجامعي، ليتمكن يوماً ما من إنقاذ عائلته من براثن الفقر والمعاناة، وأن يساعد والده في الإنفاق على أسرته، "لكن تأتي الرّياح بما لا تشتهي السفن".
وأثناء حديثه تدخلت والدته قائلة: "أبناء المسئولين والقيادات مش أحسن من ابني، مش حرام هما يصيروا وزراء ومسئولين زي آباءهم ويمسكوا بكرة مؤسسات البلد، وابني المتفوق لا؟، مش من قلة البلد ضايعة".
وخلق خطاب نائب الأمين العام للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين جميل مزهر خلال إحياء ذكرى القائد الوطني أبو علي مصطفى ، جدلاً واسعاً في الأوساط الصحفيّة والثقافيّة التي باتت تتساءل عن إمكانية الوصول إلى تعليم مجاني للفقراء المتميزين، حيث صرّح مزهر خلال خطابه الأربعاء الماضي : "إنّ هدفَنا ألّا يُحرمَ طالبٌ من حقِّهِ في التعليم؛ لأنَّ الحصارَ والعدوانَ وفشلَ الحكومة، وارتهانَها اقتصاديًّا قد حرمَهُ من حقِّهِ في التعليم، لنقلها بوضوح إنّ أولويةَ هذهِ المنحِ للمحرومين والفقراء والمناضلين وليس لجيوبِ المسؤولين أو لأبناء هذا الفصيلِ أو ذاك".
ودعا نائب الأمين العام إدارةَ الجامعاتِ إلى وقفِ سياسةِ التغوّل على الطلبة عبرَ فرضِ الرسومِ الباهظةِ عليهم في ظلِّ ظروفٍ اقتصاديّةٍ صعبة، "وكأنّ التعليمَ بات حكرًا على أبناءِ الأغنياءِ واستثناءِ أبناءِ الفقراءِ حتى لو كانوا متميزين"، مضيفاً القول: "نريد جامعاتٍ وطنيّةً توفّر التعليمَ المجاني للفقراء، وهذا هو لسان حال أبناء شعبنا البطل المكافح".
ممّا لا شك فيه أنّ مجانيّة التعليم ترسي مفهوم تكافؤ الفرص، فلا يعقل أن يحرم مواطن من هذا الحق الإنساني بسبب فقره وعوزه، ألا يدرك المسئولون مدى حجم القدرات والإمكانيات التي تم دفنها لضعف الإمكانات الماليّة، ألا يدركون أنّ التعليم الجامعي ضرورة مجتمعيّة للنهوض بمجتمعنا وصولاً لتحقيق أحلام شعبنا بالحريّة والاستقلال؟!