Menu

الحصاد: ٢٠٢٢ عام المقاومة والتحدي.. هل يكون ٢٠٢٣ عام الانتفاضة؟

طارق أبو بسام

ونحن نودع عام ٢٠٢٢ بعد أن حزم حقائبه وحمل عصاه وبات يهم بالرحيل مودعًا.

عام مضى بكل ما فيه من سلبيات وايجابيات.. اخفاقات ونجاحات، عام رحل فيه العديد من الشهداء، عام ازدادت فيه أعداد الأسرى والمعتقلين، عام توسع فيه الاستيطان واتسعت مصادرة الأراضي، عام ازدادت فيه عمليات القمع والتعذيب وهدم البيوت عام تعمقت وازدادت فيه الهوية العنصرية والفاشية لدولة الكيان الصهيوني.

وحسب أحدث تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة (اوتشا)، فلسطينيًا هناك ٢٣٠ شهيد منهم ١٧١ في الضفة الغربية و٥٣ في غزة و ٦ في مناطق ال ٤٨، كذلك ٩٣٣٥ إصابة في المواجهات مع قوات الاحتلال وعصابات المستوطنين، ٦٥٠٠ حالة اعتقال، ٨٣٣ مبنى تم هدمهم

٧٩٣ هجمة من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، اقتلاع ١٣١٣٠ شجرة زيتون.

وبالرغم من كل ذلك وما عداه يمكننا القول: أن عام ٢٠٢٢ كان عامًا للمقاومة الفلسطينية وتصعيدها بامتياز... عامًا شكلت فيه المقاومة في القدس وجنين ونابلس وبلاطة والدهيشة، كما عمليات وبطولات كتائب المقاومة وأسود العرين، عنوانًا للصمود والتحدي... عامًا أعاد الاعتبار لخيار المقاومة والكفاح المسلح، كونه الطريق الوحيد للتحرير، بعد ان فشل خيار التسوية وسقط خيار المفاوضات... عامًا تجسدت فيه المقاومة بأرقى أشكالها من خلال العمليات النوعية في جنين ونابلس والخليل وقباطية ويعبد، وفي الداخل المحتل عام ١٩٤٨، في تل أبيب ويافا، وصولًا إلى النقب، عمليات جسدت الروح الكفاحية التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني واصراره على مواصلة النضال من ناحية، وأكدت  فشل كافة الإجراءات الأمنية التي اتخذها العدو من ناحية أخرى...

عامًا أثبت فيه الشعب الفلسطيني أنه لا سلام ولا استقرار في هذه المنطقة دون عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه وزوال الاحتلال وإقامة دولته على كامل ترابه الوطني.

لقد كان الحصاد كبيرًا ونوعيًا، تمثل في تنفيذ أكثر من ٢٢ عملية نوعية في الداخل وعلى امتداد مساحة الوطن، من جنين إلى نابلس، ومنهما إلى الخليل وقلقيلية ويعبد والقدس وشعفاط والنقب واللد وتل بيب ويافا.

لقد كان لارتقاء الأقمار الثلاثة صائب عباهرة وخليل طوالبة من جنين وسيف أبو لبدة من طولكرم، ومن ثم استشهاد محمد السعدي ونعيم الزبيدي على أيدي قوات الاحتلال، الى بداية مرحلة جديدة في مواجهة الاحتلال توجت بالعديد من العمليات النوعية منها:

_ عملية النقب في بئر السبع بتاريخ ٢٢/٣/٢٠٢٢ ونفذها البطل محمد أبو القيعان وقتل فيها اثنان من الصهاينة وأصيب آخرون.

_ عملية الخضيرة بتاريخ ٢٧/٣/٢٠٢٢ نفذها الأبطال أيمن وإبراهيم اغبارية من أم الفحم، حيث جسدت وحدة الشعب والأرض، وأكدت أن فلسطين واحدة وشعبها واحد لا يقبلا القسمة، عملية قتل وجرح فيها عدد من الصهاينة.

_ عملية رامات غان بتاريخ ٢٩/٣/٢٠٢٢ ونفذها البطل ضياء حمارشة وقتل فيها خمسة صهاينة وأصيب عدد آخر.

_ عملية أرييل بتاريخ ٢٨/٤/٢٠٢٢ نفذها يوسف مرعي ومحمد عاصي وقتل فيها ثلاثة صهاينة وأصيب عدد آخر.

_ عملية العاد بتاريخ ٥/٥/٢٠٢٢ نفذها الأبطال: أسعد الرفاعي وصبحي أبو شقير وأدت إلى مقتل ثلاثة صهاينة وإصابة عدد آخر بجروح.

_ عملية غور الأردن بتاريخ ٤/٩/٢٠٢٢ نفذها وليد ومحد تركمان أوقعت عدد من الإصابات في صفوف العدو.

_ عملية حاجز الجلمة بتاريخ ١٤/٩/٢٠٢٢، حيث أدت إلى مقتل ضابط صهيوني واصابة عدد أخر من الجنود.

_ عملية شعفاط بتاريخ ٨/١٠/٢٠٢٢ نفذها البطل عدي التميمي وأدت إلى مقتل مجندة في الجيش الصهيوني وإصابة عدد آخر.

_ عملية الخليل بتاريخ ٢٩/١٠/٢٠٢٢ ونفذها البطل محمد الجعبري وأدت إلى قتل مستوطن وإصابة آخرين.

_ عملية القدس المزدوجة بتاريخ ٢٣/١١/٢٠٢٢ وأدت إلى مقتل اثنين من الصهاينة.

_ عملية سلفيت بتاريخ ٢٥/١١/٢٠٢٢ منفذها البطل محمد صوف وأدت إلى مقتل ثلاثة صهاينة وجرح عدد آخر.

عمليات المقاومة الفلسطينية إلى جانب العمليات النوعية التي أوردناها سابقًا، وفق احصاءات وكالة حرية نيوز ٧٢٠٠ عمل فلسطيني مقاوم، ٤١٣ حادث إطلاق نار أوقعت في صفوف (الإسرائيليين) ٣١ قتيل و ٥٠٠ جريح.

لم تتوقف المقاومة عند هذه العمليات النوعية، بل تنامت واتسعت وزاد دورها، حيث تم تشكيل كتيبة نابلس في حزيران ٢٠٢٢ ومن ثم انطلاق عرين الأسود في آب ٢٠٢٢ بعد استشهاد البطل ابراهيم النابلسي. وتكتسب عرين الأسود أهميتها من خلال كونها عابرة للتنظيمات أولًا ومكونة من جيل الشباب ثانيًا، هذا الجيل الذي ولد في مرحلة أوسلو، وهذه الأمور تحمل الكثير من المعاني والدلالات والتي كتبت عنها سابقًا.

ومن المفيد التأكيد على أن ظاهرة عرين الأسود تحظي بشعبية كبيرة في صفوف الفلسطينيين وهذا ما شاهدناه من خلال الاحتضان الجماهيري لها والاستجابة لدعواتها والمشاركة الواسعة في تشييع شهداءها، وهي لا شك ظاهرة ولدت من رحم الشعب الفلسطيني ونضاله وهي ليست معزولة عن الفصائل المقاومة وإنما امتدادًا لها.

إن ما ميز هذا العام هو تنامي المقاومة في كافة أرجاء الضفة الغربية بشكل أساسي، وتصلب عودها، حيث تمت في هذا العام آلاف عمليات المواجهة مع العدو على الحواجز وفي الميادين المختلفة، إلى جانب العمليات النوعية أصبحت المقاومة فعل يومي وظاهرة يصعب كسرها والسيطرة عليها، وهذا لا شك يتطلب من كل القوى الوطنية وفصائل المقاومة تأمين الحماية لها كما يتطلب من السلطة وقف الملاحقات والاعتقالات في صفوفها.

إن أهم ما ميز عام ٢٠٢٢، إلى جانب نمو ظاهرة المقاومة، هو ظاهرة الالتفاف الجماهيري حولها ودعمها، حيث أدركت الجماهير بحكم تجربتها، أن خيار المقاومة هو الحل وأن خيار اوسلو الحق أكبر الضرر بالقضية الوطنية.

ونحن نتحدث عن عام ٢٠٢٢، لا بد أن نذكر معركة وحدة الساحات في شهر آب ٢٠٢٢، التي خاضتها سرايا القدس وبمشاركة من الجبهة الشعبية وبعض القوى الأخرى، رغم عدم مشاركة حماس، هذه المعركة التي أثبتت قدرة المقاومة على مواجهة العدو وعدم قدرة العدو على كسرها.

وفي ظل الحديث عن مميزات عام ٢٠٢٢، وبعد أن توقفنا أمام الجانب الكفاحي، لا بد أن نتوقف أمام الجانب السياسي وأهم ما حصل فيه:

_ أولًا: استمرار الانقسام في الساحة الفلسطينية، وعدم حصول أي تقدم ولو بسيط تجاه تحقيق الوحدة الوطنية، بل بالعكس رأينا تفاقم الانقسام، وتجسد هذا منذ بداية هذا العام عندما تمت الدعوة لعقد المجلس المركزي بصورة غير شرعية، وغياب الفصائل الأساسية عن المشاركة في أعماله ومنها حماس والجبهة الشعبية والجهاد وهي تمثل أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، واتخاذ هذا المجلس اللاشرعي مجموعة من القرارات ساهمت في تكريس الانقسام، منها انتخاب اعضاء جدد في اللجنة التنفيذية للمنظمة وأمين سر لها والاستيلاء ومصادرة صلاحيات منظمة التحرير في خرق وتجاوز واضح للدستور واللوائح المنظمة للعمل وكرست الهيمنة وغياب الشراكة، إلى جانب غياب أي مراجعة وتقييم جدي لمجمل مرحلة أوسلو الكارثية وبدلًا من ذلك تم التمسك بها.

_ ثانيًا: إن ما ميز هذا العام أيضا هو انسداد كامل للحل السياسي وفشل ذريع لسياسة المفاوضات بفعل سياسات الحكومة الصهيونية أولًا، واستمرار تمسك السلطة والقيادة الفلسطينية بخيار وحيد فقط هو المفاوضات، رغم ما أثبتته التجربة طوال الأعوام الماضية عن كون هذا الخيار خيارًا عقيمًا لا فائدة منه في ظل موازين القوى الحالية.

_ ثالثًا: زيادة حدة القمع (الإسرائيلي)، من خلال المزيد من بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وحملات الاعتقال وغيرها من الممارسات العنصرية والفاشية بحق شعبنا، والتي كانت أبرز تجلياتها في الفترة الأخيرة استشهاد القائد ناصر أبو حميد، بسبب الإهمال الطبي المبرمج وإبعاد المناضل صلاح الحموري عن وطنه وغيرها الكثير الكثير

_ رابعًا: فوز اليمين الصهيوني الأكثر تطرفًا في الوصول إلى السلطة في دولة الكيان بعد حيازته على أغلبية المقاعد في الكنيست (الإسرائيلي)، وتوزير عتاة المتطرفين مما يجعلنا أمام مرحلة جديدة ستكون أكثر تطرفًا وقمعًا وممارسات وحشية، وهذا يستدعي المواجهة بأساليب جديدة أهمها الوحدة الحقيقية القائمة على أساس الشراكة والغاء أوسلو والتنسيق الأمني وسحب الاعتراف بدولة الكيان ووقف المراهنات على الشرعية الدولية، صاحبة المعايير المزدوجة، كما يتضح جليا في الموقف من أوكرانيا والموقف من فلسطين، حيث نشهد تراجع الاهتمام الدولي والعالمي بالقضية الفلسطينية، بسبب انشغال العالم في الحرب الدائرة في اوكرانيا

_ خامسًا: تأكيد الموقف الشعبي العربي في مناصرة القضية الفلسطينية واعتبارها قضيته المركزية وهذا ما رأيناه جليا في مونديال قطر ، حيث عبرت كافة الشعوب العربية عن رفضها لاتفاقيات ابراهام والتطبيع مع العدو وأكدت انحيازها ودعمها الكامل للشعب الفلسطيني في ممارسة نضاله وحقه من أجل استعادة أراضيه وتحريرها، وهذا يتطلب العودة إلى تقوية العلاقات مع الشعوب العربية وقواها الوطنية.

في الختام: أتمنى ان يكون عام ٢٠٢٣ أفضل من سابقه وأن تتوسع فيه رقعة المقاومة والاشتباك مع العدو وأن يتصلب عودها وأن يكون عام انطلاق انتفاضة شعبية شاملة لا تتوقف إلا بعد زوال الاحتلال، وهذا بالتأكيد لن يتم إلا بتوفير الشروط اللازمة التي بات يعرفها الجميع.