نظّم مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي، اليوم الاثنين، ندوة عصف فكري حول طاولة مستديرة لتبادل الأفكار بين مجموعة من الباحثين والسياسيين في قطاع غزة تحت عنوان: "الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وسبل المواجهة فلسطينيًا".
وافتتح اللقاء الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو بمقدمةٍ قصيرةٍ أوضح خلالها أنّ النقاش سيتركّز حول التحول السياسي العميق في الكيان الصهيوني في ظل الحكومة الجديدة بقيادة بنيامين نتنياهو المتحالف مع الصهيونية الدينية بزعامة ايتمار بن غفير وبتسلإيل سموتريش، لافتًا إلى أنّ الندوة تسعى إلى الخروج بتوصيات سياساتية لصناع القرار في فلسطين لمواجهة هذه الحكومة الصهيونية الأكثر يمنية.
بدوره، قال الكاتب والمختص بالشأن "الإسرائيلي" حسن لافي إنّ نتائج الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني أظهرت متغيرَين مهمَّين داخل "إسرائيل": الأول ذو علاقة بالصراع مع الفلسطيني والثاني له علاقة بالتناقضات داخل المجتمع اليهودي.
وأضاف: فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطيني أنهت هذه الحكومة الحديث حول حلّ الصراع عبر طرح "حلّ الدولتين" وبدأت في طرح سؤال جديد وهو كيف نتعايش مع هذا الفلسطيني إلى أنّ نستطيع تكرار النكبة في الضفة الغربية المحتلة وتهجير الفلسطينيين منها سواء عبر مشروع ترانسفير طوعي أو جبري.
وتابع: فيما يتعلق بالتناقضات داخل المجتمع اليهودي هو وجود خطر حقيقي على علمانية و"ديمقراطية" الدولة في "إسرائيل" إذ تطرح نفسها فيما يسمى "وثيقة الاستقلال الإسرائيلية" كدولة يهودية/ديمقراطية، ومفهوم الدولة عند المؤسسين الأوائل هو مفهوم علماني فيما تتبنى الصهيونية الدينية مفهوم الدولة اليهودية التوراتية وهو ما يدخل الدولة في تناقضات تمس هويتها، مشددًا على أنّ هذه التغيرات، نحن كفلسطينيين، لسنا سببًا أساسيًا فيها، ويعد تأثيرنا فيها محدود جدًا.
واعتبر لافي أنّ الفلسطيني الآن أمام تهديد؛ لأنّ هجمة الصهيونية الدينية ضده ستكون أكثر شراسة، بينما هو أمام فرصة لاستثمار التناقض في داخل المجتمع اليهودي بمحاولة تعظيمه لإضعاف المشروع الصهيوني في فلسطين.
بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي إسماعيل مهرة إنّ ما جرى غداة الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني هو "انقلاب" وهو نتاج تراكمات تاريخية نشأت تحت السطح وها هي تنفجر وتصعد إلى قمة النظام السياسي وتحول "إسرائيل" الدولة الفاشية الكولونيالية الاستعمارية العنصرية إلى دولة تتحكم بها عصابات أكثر تطرفًا.
وأضاف: أعتقد أنّ الضجيج الإعلامي الغربي حول ما يحدث في "إسرائيل" يتعلق بشكل أساسي في مخاوفهم من تأثيرات هذا التحول على نظام الحياة العلماني الديمقراطي داخل "إسرائيل" لا على مستقبل الصراع مع الفلسطينيين، خاصة أنّ الاتفاقات الائتلافية التي أنشأت الحكومة الحالية تمس بنموذج الحريات الليبرالية التي يطرحها النموذج الغربي وقوننة العنصرية.
من ناحيته، اتفق المختص في الشأن الصهيوني أنور صالح مع التوصيفات التي قدمها المتحدثون الذين سبقوه، مؤكدًا أنّ الصهيونية الدينية وجدت الفرصة السانحة للعمل على إزاحة العلمانيين الصهاينة والانقضاض على الدولة لإقامة النموذج التوراتي، و"إنهاء خدمة العلمانية للمشروع الصهيوني الديني" وفق تصوراتهم.
وأضاف: أنّ ما يجري في "إسرائيل" هو يقلق أجهزة الأمن الصهيونية وعلى رأسها الجيش؛ لأنه يخشى أن تظهر ممارساته أمام المجتمع الدولي كنوع من الجرائم الدينية لا كـ" سياسات أمنية علمانية" ليستطيع تسويق هذه الجرائم إلى المجتمع الدولي على أنها نوع من حماية "المدنيين الصهاينة" من خطر "الإرهاب" الفلسطيني.
بدوره، رأى الكاتب والمحلل السياسي محسن أبو رمضان ألّا جدال في وجود تحول دراماتيكي/سياسي في الكيان الصهيوني تجاه اليمين وصولًا إلى تحالف اليمين الصهيوني القومي مع اليمين الصهيوني الديني الذي أنتج الحكومة الصهيونية الأخيرة، وهي الحكومة الأكثر تطرفًا في دولة الاحتلال، معتبرًا أنّ هذا التحول خطير.
وأضاف أنّ: أخطر ما يحدث الآن هو أن الحكومة الحالية تتبنى بشكل علني خطط التهجير القسري والتمييز العنصري تجاه الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى تسريع وتيرة التهويد الصهيوني للأرض.
وتابع: إذا ما نظرنا إلى المشروع الصهيوني منذ قرن فإننا نلاحظ وجود محاكاة للنظام السياسي الصهيوني في فلسطين للتحولات في النظام الدولي، موضحًا أننا إذا ما تتبعنا تاريخ هذا النظام نجد منذ عام 1948 وما قبلها كان هذا النظام يتبنى أفكارًا "اشتراكية وعمالية" وها هو مع صعود اليمين في العالم يتبنى أفكارًا يمينية تتناغم مع الأفكار اليمينية الصاعدة في الدول الغربية.
وعليه، قال أبو رمضان إنّ المطلوب فلسطينًا هو إحداث تحوّل نوعي في الموقف الفلسطيني يستند إلى تأصيل الرواية التاريخية الفلسطينية للصراع، بحيث تؤكد على أنّ القضية الفلسطينية هي قضية شعب هُجّر من أرضه عام 1948م تحت ضربات الصهيونية الدينية تارة والصهيونية العلمانية تارة أخرى، لا قضية شعب احتُلّت أرضه عام 1967م. والرهان في تحصيل الحقوق الفلسطينية على النفس لا على الآخرين أو الموقف الأمريكي.
من ناحيته، قال المدون والكاتب مصطفى إبراهيم إنّ سبل المواجهة الفلسطينية حاليًا هي بالعمل على نزع الشرعية عن الاحتلال الصهيوني أمام العالم، عبر الدبلوماسية الفلسطينية النشطة، وتفعيل المقاومة بكافة أشكالها لمواجهة إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، معتبرًا أنّ ما يجري فرصة تاريخية لمواجهة المشروع الصهيوني وتعريته، وتنظيم الفعل المقاومة وفق خط سياسي نستطيع من خلاله تحقيق منجزات وطنية حقيقية للشعب الفلسطيني.
ودعا الناشط في مؤسسات المجتمع المدني عبد الكريم عاشور إلى إعادة الوحدة الفلسطينية ووضع برنامج وطني موحد لمواجهة الاحتلال، مشددًا على ضرورة إجراء تغيير في تركيبة النظام السياسي الفلسطيني الذي يسوق الوهم إلى الجماهير معتبرًا أن اتفاقية "أوسلو" انتهت تمامًا، وحان الوقت ليفكر الفلسطينيون بعقل جمعي موحد مستثمرين القدرات الفلسطينية كاملة دون خضوع إلى الرهانات السلبية، تارة بانتظار حدوث تغيّر ديمغرافي على الأرض لصالح الفلسطينيين، وتارة بالرهان على المواقف الخارجية الأوروبية والأمريكية.
بدوره، دعا الباحث والناشط المجتمعي رامي مراد إلى الانتقال من ردة الفعل إلى الفعل؛ بالعودة إلى الصراع مع الاحتلال الصهيوني على أساس أنّ المقاومة هي الخيار الحتمي لأي شعب تحت الاحتلال، معتبرًا أنّ الاختلاف على الأدوات والآليات في مقاومة هذا الاحتلال هو الممكن، أما حديث حركات التحرر الوطني عن قيام سلطة وطنية تحت احتلال أمر غير ممكن.
وأضاف: أنّ الانقسام هو تعبير عن حالة العجز وهو مخرج من مخرجات أزمة النظام السياسي الفلسطيني وأضحى مع الوقت مدخلًا ومخرجًا، في آن، لهذه الأزمة، معتبرًا أنّ القيادة السياسية المتنفذة في منظمة التحرير حين ذهبت إلى توقيع "اتفاقية أوسلو" ذهبت في إطار ردة الفعل على تشرذمها وخروجها من لبنان، وأنّ هذه الأزمة تكررت على مدى سنوات الصراع بأشكال مختلفة إلا أنّ الجماهير الفلسطينية سرعان ما كانت تعدّل البوصلة على شكل انتفاضات شعبية (الأولى والثانية)، ومسيرات جماهيرية (كـ"مسيرات العودة") وأخيرًا على شكل مجموعات مسلحة ميدانية (كـ"عرين الأسود" و"كتيبة جنين").
وعليه، رأى مراد أنّ قطاع غزة قدّم نموذجًا متميزًا في مقاومة الاحتلال يجب البناء عليه، مشددًا على أنّ هذا النموذج بلا شك يعتريه الكثير من الإشكاليات التي يجب معالجتها بما يضمن عدم فصل غزة أو تحييدها عن ساحة الاشتباك الوطني في فلسطين التاريخية.
من جهتها، اختلفت الكاتبة والأكاديمية عبير ثابت مع توصيف التطورات الأخيرة في "إسرائيل" على أنها "انقلاب" سياسي، معتبرةً أنّ ما جرى هو انزياح تدريجي نحو اليمين ويجري منذ عقود في الكيان الصهيوني.
وأشارت إلى أنّ الخلافات الداخلية في "إسرائيل" هي خلافات على توزيع الصلاحيات بين مجرمين يتسابقون في إيقاع الأذى في شعبنا الفلسطيني وتقويض مسيرته في تحصيل حقوقه، مشددةً على أنّ التحدي الأول الذي يقع على عاتقنا في هذه الظروف هو محاولة إظهار جرائم الاحتلال أمام المجتمع الدولي.
وأكدت ثابت أنها لا ترى فرقًا جوهريًا بين مجرمي الاحتلال الصهيوني سواء يائير لابيد أو بيني غانتس أو بنيامين نتنياهو ولا حتى بن غفير أو سموتريش، مشيرةً إلى أنها لا تعتقد أنّ الحكومة الصهيونية الحالية قادرة على حسم الصراع بالطريقة التي طرحتها خلال دعاية أعضائها الانتخابية.
وفي مداخلة له، قال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كايد الغول إنّ تشكيل الحكومة الصهيونية الأخيرة يشكل فرصة للفلسطينيين ودافعًا من أجل البحث بشكل أشمل وأعمق، على سبل، للخروج من الحالة السياسية الراهنة؛ لأنّ طبيعية برنامج هذه الحكومة وأجندتها المعلنة ستؤدي إلى انزياحات لا داخل المجتمع "الإسرائيلي" فحسب بل داخل المجتمع الفلسطيني، أيضًا، لصالح تفعيل المواجهة الشاملة مع هذا الاحتلال.
وأضاف أنّ هذا التغيير سيؤدي حتمًا إلى انحسار قدرة وحجم القوى الفلسطينية، التي كانت وما زالت تراهن على إمكانية تحقيق الحل السياسي مع الكيان الصهيوني، مستدركًا: ليس بالضرورة أنّ يحدث هذا التحوّل بشكل فوري، فهو بحاجة إلى نقاش عميق وجدّي لوضع خطوات متدرجة نستطيع من خلالها المضي قدمًا على طريق تحقيق الوحدة الوطنية والبرنامج الوطني المشترك.
وتابع: أعتقد أنّ هذه الحكومة الصهيونية، كما سابقاتها، أنهت "حل الدولتين" ولم يعد يصدقه أحد، معتبرًا أننا أمام فرصة لإعادة الاعتبار إلى تعريف المشروع الصهيوني في فلسطين باعتباره مشروعًا استعماريًا إجلائيًا، ثم إعادة الصراع إلى أصوله الأولى كصراع شامل ومفتوح مع هذا الكيان، ثم نعمل على رسم برنامجنا للتحرر الوطني على هذا الأساس.
وشدد على أنّ برنامج التحرر الوطني يجب أن يشمل جميع أشكال النضال، موضحًا أنّ تعريف الصراع مع الاحتلال كصراع وجودي لا ينفي أشكال النضال الأخرى ومنها الدبلوماسي، ويجب ضمن هذا السياق صياغة مهام كل تجمع فلسطيني سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو الداخل المحتل عام 1948.
وأكّد أن مهمات كل تجمع فلسطيني في هذه اللحظة الراهنة مختلفة، معتبرًا أنّ هذه المهام تنقسم إلى مهام ميدانية مباشرة خاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث يجب استخدام كل وسائل النضال في مواجهة الاحتلال، ومهمات أخرى لأهلنا في الداخل المحتل عام 1948، وأخرى للتجمعات الفلسطيني في الشتات سواء في الدول العربية أو حول العالم، ووفق هذه الرؤية يجب صياغة البرنامج الوطني الفلسطيني بما يتناسب مع مجموع المهمات المتنوعة للتجمعات الفلسطينية كافة.
وأوضح الغول أنّ مهمتنا تتمثل برسم هذه المهمات بما يعمّق الأزمة في الكيان الصهيوني لأنّ هذه الحكومة، بكل تأكيد، عكست الأزمة في الكيان، وفي هذا السياق يشير الكثير من الخبراء الصهاينة إلى أنّ هذه الأزمة تتجه إلى أنّ تتعمق، وعليه يجب علينا نحن كفلسطينيين الدفع باتجاه تعميقها أكثر فأكثر.
واعتبر أنّ تعميق هذه الأزمة يُعد أحد المهمات الرئيسية لأهلنا في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948؛ لأنّ تعميق الأزمة في الكيان الصهيوني يعني مزيدًا من الضعف وبالتالي زيادة قدرتنا على تحقيق انتصارات عليه.
وأشار إلى أنّ مهام أساسية تقع علينا عمومًا كفلسطينيين لتعميق أزمة الكيان وهي، أولًا: محاصرة هذه الحكومة؛ لأنّ نتنياهو سيمارس سياسة مزدوجة تتمثل في ترويج خطاب خارجي لتخفيف الضغوط على حكومته، وفي ذات الوقت تمرير السياسات التي التزم بها أمام أطراف ائتلاف هذه الحكومة، موضحًا أنّ حصار هذه الحكومة يجري عبر فضح وتبيان طبيعة هذه الحكومة الفاشية عبر الوسائل المختلفة ومن بينها المقاطعة والدبلوماسية النشطة.
وأضاف في الظرف الحالي نحن أمام فرصة تاريخية لمحاصرة التطبيع؛ بتظهير طبيعية المشروع الصهيوني ومخاطره على الدول العربية كافة، وفضح ما تمارسه هذه الحكومة من جرائم بحق الفلسطينيين، وهذا من شأنه أنّ يساعدنا في تَكتِيل قطاعات أوسع في ضوء المعركة لمواجهة التطبيع.
وختم بالقول: إنّ مقاومة المشروع الصهيوني يجب أن تجري بجميع الأشكال، معتبرًا أنّ نموذج المقاومة المباشرة في الضفة الغربية يجب أن ينتظم مع الأشكال الأخرى، وفق ما تم الاتفاق عليه سابقًا، بتأسيس القيادة الفلسطينية الموحدة، وهذا لن يتم إلا بإنهاء الانقسام، نافيًا عدم صلة التشكيلات الميدانية في الضفة الغربية بالفصائل الفلسطينية، مؤكدًا أنّها مزكّاة من جميع القوى الفلسطينية الرئيسية.
وفي نهاية الندوة قال مدير مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي أحمد الطناني إنّ ندوة اليوم هي الأولى في خطة المركز للعام الجديد، وإطلاق لبرنامج حوار النخبة والرأي العام ضمن سلسلة ندوات تهدف لتعزيز التفكير الاستراتيجي والحوار المعمق في القضايا ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والمشروع التحرري، مشددًا على أنّ اختيار عنوان سبل المواجهة الفلسطينية لمخططات الحكومة الصهيونية المتطرفة هو عنوان يمثل أولوية للكل الفلسطيني.
وأشار إلى أنّ المركز يهدف من خلال هذه الورشة إلى تقديم استخلاصات لصناع القرار الفلسطيني حول السبل الأكثر نجاعة لمواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص ضمن مشروع التحرر الوطني الفلسطيني.