Menu

#مش_طالع رد على كيّ الوعي

المقدسيين سامر أبو عيشة وحجازي أبو صبيح

بوابة الهدف_إيمان الحاج

خيمتان في الساحةِ الخارجية لمبنى الصليب الأحمر ب القدس المحتلة، شبان يتناولونَ إفطارهم عصراً بعد عودتهم من أعمالهم حول مدفأة حطب، برفقة اثنين تركا منزليهما واختارا تلك الخيمتين كي لا يضطر أحدهم ترك قدسه مجبراً بقرار احتلال.

"لا مجال للتراجع"

"لا مجال للتراجع"، هذا ما كرره المقدسي سامر أبو عيشة في مقابلة خاصة لـ "بوابة الهدف" حول ما بدأه ورفيقه حجازي أبو صبيح، في معركتهم ومعركة الفلسطينيين بالقدس المحتلة وباقي الأراضي الفلسطينية في مواجهة سياسة الاحتلال في الضغط على أهل القدس، إذ بدأ الاثنين اعتصامهم في مقر الصليب الأحمر في حي الشيخ جراح مساء الجمعة الماضية، عقب قرار أصدره الاحتلال يقضي بإبعادهما عن مدينة القدس.

أبو عيشة (29) عام شاب متزوج يعمل في مجال الصحافة وهو ناشط سياسي من سكان البلدة القديمة، اعتقلته قوات الاحتلال بتاريخ 17 أغسطس الماضي، حيث أمضى (44) يوماً في زنازين التحقيق، بعدها تم الإفراج عنه بشرط الحبس المنزلي المفتوح، بعد قضاء (81) يوم في الحبس المنزلي تم تسليمه قرار قضائي بتاريخ 21 ديسمبر يقضي بانتهاء الحبس المنزلي وقرار إبعاد عن القدس المحتلة لمدة 5 أشهر.

الشاب أبو صبيح (33) عام، أب لثلاثة أطفال أكبرهم خمسة أعوام وأصغرهم عام ونصف، يعمل في محل للحلويات في شارع الواد، داهم عناصر مخابرات الاحتلال بتاريخ 8 ديسمبر أحد المحلات التجارية في شارع صلاح الدين أثناء تواجده فيه، وقاموا بتسليمه قرار الإبعاد لمدة 6 أشهر.

قرارات الإبعاد تقضي بعدم بقائهم أو دخولهم أو تواجدهم بالقدس وفقاً لما أشارت له الخريطة المرفقة بأمر الإبعاد.

شهد العام الحالي إصدار قرارات إبعاد عن مدينة القدس المحتلة تتراوح ما بين 5 إلى 6 شهور لسكان مقدسيين، صدرت عن جهة أمنية وليست قضائية، وهو ما يسمى بـ "القائد العسكري للمنطقة الداخلية" لدى جيش الاحتلال، وجاء في فحوى القرار أنه "ضروري للحفاظ على أمن الدولة وسلامة المجتمع والحفاظ على النظام العام"، وتصدر تلك القرارات استناداً إلى قوانين طوارئ سُنّت في فترة الانتداب البريطاني في فلسطين، ولا يزال الاحتلال يستخدمها حتى الآن.

وآخرين ممن عانوا من تلك القرارات خلال هذا العام، كل من عنان نجيب، محمد الرازم، عبادة نجيب. وكانت قرارات مشابهة قد صدرت العام الماضي بحق كل من داوود الغول، مجد درويش، صالح درباس، أكرم الشرفا، وفارس أبو غنام.

الحاضنة الشعبية

تحدّث الباحث القانوني في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، مراد جاد الله، في ندوة بمقر الصليب الأحمر خلال فترة الاعتصام، حول الفرصة التي تمكّن صبيح وأبو عيشة من اغتنامها أكثر من غيرهم، من خلال الالتفاف الشعبي الذي وفّرته الانتفاضة الحالية، أي في الفترة التي تم كسر عدة حواجز بالنسبة للمواطن المقدسي في مواجهة الاحتلال أكثر من الفترات السابقة.

منذ اليوم الأول من الاعتصام حضر المقدسيين لمساندتهم ومساندة قرارهم والمضي قدماً في هذه المعركة التي فرضها صبيح وأبو عيشة على كل الفلسطينيين لتغيير المعادلة في القدس المحتلة، لكي لا يمرّر قرار تلو الآخر لقمع المقدسي وترهيبه، تعتبر هذه الخطوة امتداد للجهد الشعبي في مواجهة القرار "الإسرائيلي" الذي يقضي بتفريغ القدس من سكانها الأصليين.

الفلسطيني بدأ بإفراغ جعبة الاحتلال من العقوبات التي يفرضها على كونه "فلسطيني" فقط، حملات إعادة بناء منازل الشهداء والأسرى التي يقوم الاحتلال بتدميرها وهدمها، أو تحرّك أهالي الشهداء لاسترداد جثامين أبناءهم ورفض شروط الاحتلال، أو حتى القرار الذي اتخذه مؤخراً والد الشهيد بهاء عليان بعدم قبول استلام جثمان ابنه "قالب من الثلج". أو أولئك الشبان والفتية الذين يواجهون دفع الغرامات المالية ويعاندون قضاء الاحتلال بـ "فش مصاري".

يشار إلى أن حملة شعبية انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي باسم #مش_طالع لمتابعة ونشر كافة مستجدات قرار الإبعاد والاعتصام.

أبو عيشة لم يلجأ لمقر الصليب الأحمر كحماية، منزله "على مرمى حجر من مقر الصليب" كما وصفه، ولكن اختار أن يُخرِج القضية من بيته وبيت أبو صبيح وآخرين إلى الشارع، ليَخرُج من "شخصانية" الأمر ليتحوّل إلى معركة أخرى يخوضها الفلسطيني مع المُحتل.

مقابل هذا الالتفاف والتحرك الشعبي تجاه معظم القضايا الحرجة التي يواجهها أهل الضفة والقدس المحتلة مؤخراً مع الاحتلال، لم يظهر أي تحرك رسمي يذكر سواء من مؤسسات حكومية أو غير ذلك.

صهر الوعي الفلسطيني

"لقد عبّر قادة إسرائيليون عن مخطط صهر وعي الفلسطينيين بما فيهم الأسرى كطليعة، فشاؤول موفاز أطلق على عملية إعادة احتلال المناطق الفلسطينية عام 2002 أو ما تسمى السور الواقي، كيّ الوعي أو الحسم الوجداني، مدير السجون السابق يعقوب حانون عبّر عن هذه الرغبة في السيطرة عندما قال في إحدى ساحات سجن جلبوع بعد تسلّم وزير الأمن الداخلي جدعون عزرا الوزارة عام 2006، موجّهاً حديثه للوزير على مسمع من الأسرى: اطمئن، عليك أن تكون واثقاً بأنني سأجعلهم يرفعون العلم الإسرائيلي وينشدون التكفا، وصرّح قائد الأركان الإسرائيلي السابق بوجي يعلون أثناء سنوات خدمته العسكرية في الانتفاضة، بأنه لا بد من إعادة صهر الوعي الفلسطيني."

هذا ما ذكره الأسير الفلسطيني وليد دقّة في كتابه "صهر الوعي"، حول ما يحاول الاحتلال القيام به من تغيير مفاهيم الفلسطيني و"تأديبه" بطرق مختلفة، الإبعاد لا يختلف كثيراً عن الأسر داخل أحد غرف سجون الاحتلال، ترك بيتك ومدينتك أو قريتك وعائلتك وعملك، بقرار إجباري من المحتل لا يعني شعور أقل بالقهر وسلب الحرية، السجّان على أبواب الغرف والأقسام في سجون الاحتلال يقابله سجّان آخر في شوارع القدس، لديه القدرة على قتلك في كل لحظة، الغرامات المالية التي تفرضها سلطات الاحتلال أو حتى الإبعاد أو الاعتقال، في محاولة لتصل بالفلسطيني مرحلة يراجع قراراته وتصرفاته وحياته.

مقابل ذلك، المقدسي والفلسطيني عموماً لم يرفع العلم الإسرائيلي ولم ينشد "التكفا"، لم يعد يخشى في هذه المرحلة التفكير في مراجعة قراراته أو المواجهة، فكل حالة قبول بقرار للاحتلال هو طريق لقبول قرارات لا تنتهي، تسعى لإنهاء وجود الفلسطيني في أرضه ما لم يصبح ذلك "الفلسطيني الجديد" الذي يخشى مجرد التفكير، إذ أصبح قادر على تحمّل دفع الثمن مقابل حريته وشكل حياته وهويته التي يريد، لا التي يفرضها عليه الاحتلال.

الاحتلال لا يلقي اهتمام لـ "فطرة الإنسان" للدفاع عن بقاءه، وأنه مهما طالت عملية كيّ الوعي فغريزة الإنسان تتغلّب دائماً، ما الذي تبقّى في جعبة الإسرائيلي ليهدد هذه القدرة على الاحتمال والمواجهة؟

أبو عيشة وصبيح اختصرا الأمر برمّته بإصرارهم على #مش_طالع