استيقظت شعوب العالم صباح يوم الاثنين ومع إشراقة الشمس على صوت زلزال مدمر وقع في تركيا وسوريا، زلزال الحق الدمار الهائل في المباني والمنشآت العامة والخاصة وترك خسائر كبيرة في اقتصاد البلدين، لم يتم تحديدها حتى الآن؛ إضافة إلى حصد أرواح الكثيرين من مواطني البلدين، هذه الإعداد التي وصلت إلى 4800 شهيد و15000 جريح حتى الآن وما زالت الأعداد في تزايد مستمر مع استمرار عمليات رفع الأنقاض وسحب الجثث والجرحى من تحت البنايات المدمرة.
لقد سارعت دول العالم قاطبة وتسابقت في تقديم العون والمساعدات الإنسانية إلى تركيا بمختلف أنواعها الطبية والغذائية والمالية واللوجستية، وهذا شيء جيد، يعبر عن روح التضامن بين الشعوب، ندعمه ونؤيده بكل قوة، إلا أن المفارقة العجيبة كانت في غياب الضمير وسقوط الأخلاق عند أغلبية دول العالم ومن بينها العربية التي قدمت كل شيء لتركيا وكأنها الوحيدة التي تعرضت للزلزال وتجاهلت سوريا، ولم تقدم لها شيء وكأنها لم تسمع أن الزلزال وقع فيها أيضًا ونجم عنه خسائر كبيرة في صفوف الشعب السوري والحق دمارًا هائلًا في البلاد، وهنا تجلت الفاشية والعنصرية في أكثر مظاهرها وقاحة وعدوانية.
سوريا لم تكن في أي يوم من الأيام إلا في طليعة الدول التي تقدم المساعدات لكل الدول المنكوبة ومن يحتاجها، سواءً من تعرض منها للعدوان أو الكوارث الطبيعية وتاريخها، يشهد لها على ذلك وهي تستحق الدعم والتأييد من قبل الجميع، خاصة الأشقاء العرب الذين خذلوها في معظمهم ووقفوا ضدها، في حرب مدمرة وفرضوا عليها الحصار وخضعوا لقانون قيصر الأمريكي.
لقد فعلوا كل ذلك تحت ذريعة حماية الشعب السوري واليوم ينكشف زيف ادعاءاتهم أكثر من أي وقت مضى، وهم يديرون ظهورهم لهذا الشعب، في ظل مأساة الزلزال المدمر كما أداروها من قبل أثناء جائحة كورونا.
إنهم يكذبون.. قالوا: بدعم الشعب السوري وهم يقتلونه. قالوا: بتحقيق الديمقراطية وهم أبعد ما يكون عنها... رفعوا شعار حقوق الإنسان وهم أبعد ما يكون عن الإنسانية.
اليوم واجب على الجميع أن يرفع صوته عاليًا لدعم سوريا ومساندتها ورفض سياسية ازدواجية المعايير: لماذا كل الدعم إلى تركيا (نحن لسنا ضد ذلك) وكل العقوبات والحصار عل سوريا؟ لماذا كل الدعم لأوكرانيا بالمليارات وتجويع سوريا؟ أليس الشعب السوري بشر كغيره من الشعوب يستحق الدعم والتأييد؟!
يأتي هذا الزلزال المدمر اليوم الذي وقع في سوريا كي يفتح الباب ويعطي فرصة لكل من وقف ضد سوريا، خاصة أبناء جلدتها كي يعيدوا حساباتهم، ويعلنوا بوضوح وقوفهم إلى جانب سوريا وفك الحصار عنها وتقديم الدعم لها قولًا وعملًا. ألم ترسل الدول العربية مئات الملايين من الدولارات والطائرات الحملة بالمساعدات إلى أمريكا وأوروبا عندما حلت بها الكوارث الطبيعية، وهي غير محتاجة لذلك وتتوفر لديها الإمكانيات؟
سوريا اليوم هي أحوج ما تكون لهذه المساعدات والوقوف إلى جانبها. إن المقياس الحقيقي في الوقوف إلى جانب الشعب السوري يتمثل في دعمه.
إنه عار كبير على كل دولة أو مؤسسة دولية أو جمعية أو إنسان عنده ضمير، يشاهد ما يحصل في سوريا ويتخلى عن تقديم الدعم لها.. إنها وصمة عار في جبين الإنسانية أن يتم تسييس الأمور... ما وقع في سوريا مسألة إنسانية بامتياز. فالزلزال لم يفرق بين مسيحي ومسلم، بين كردي وعربي، بين رجل وامرأة بين طفل وشيخ.. وأخيرًا، بين معارضة وموالاة. ما حصل مأساة انسانية كبرى وعلى الجميع أن يتقدم بمد اليد والمساعدة.
لقد فتح هذا الزلزال الطريق لعودة العلاقات مع سوريا من البوابة الإنسانية، بعد أن بقيت الأبواب السياسية مقفلة.
كنت أتمنى ومعي الكثيرين من أبناء هذه الأمة: أن نشاهد الطائرات العربية، تأتي من كل مكان، محملة بالمساعدات، كاسرة للعقوبات وقانون قيصر وهي تهبط مطار دمشق والمطارات السورية، معلنة بداية مرحلة جديدة.
كنت أتمنى: لو أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، أسرع بالحضور إلى دمشق وعقد مؤتمرًا صحفيًا، طالب فيه بتقديم المساعدات إلى سوريا وعودة العلاقات معها.
كنت أتمنى: لو أن الأمين العام للأمم المتحدة وصل إلى دمشق وامتلك الجرأة والشجاعة، وأعلن أن العقوبات على سوريا، ليست شرعية، وطالب بفك الحصار عن سوريا وتقديم المساعدات لها.
نقول لكل هؤلاء: كفى قتلًا للشعب السوري.. كفى تدميرًا لسوريا.. كفى فرضًا للعقوبات.. كفى تجويعًا للشعب.
نعم أقول: هذه فرصة الجميع لمراجعة حساباتهم وفتح صفحة جديدة مع سوريا، التي تحملت الكثير من الظلم من أشقائها، وهو الظلم الأكبر. وكما يقول الشاعر: (وظلم ذوي القربى أشد مضادة عليا من وقع الحسام المهند).
المطلوب اليوم وقبل الغد.. تقديم كافة أنواع المساعدة والدعم لسوريا وهذه المهمة الأكثر إلحاحًا، وعودة العلاقات العربية معها إلى وضعها الطبيعي وعودة سوريا إلى الجامعة العربية وحضن أمتها العربية؛ لتمارس دورها مجددًا كما عرفناه، وهذه مسؤولية تتحملها كافة الدول العربية، خاصة أصحاب القرار منهم.
في الختام أقول: إنه من العيب والعار على كل من لديه حس إنساني وضمير ويدعي العروبة، أن لا يقف إلى جانب سوريا وشعبها، عار ما بعده عار، أن يستمر الحصار،
عار ما بعده عار، أن يقوم أحد الأثرياء العرب بشراء تذكرة لحضور مباراة كرة بدم، بين فريقي ميسي ورونالدو بقيمة 2700000$، بينما يجوع الشعب السوري والفلسطيني.
على الجميع: أن يستيقظوا ويتحملوا مسؤولياتهم.. التاريخ لن يرحم والشعوب لن تغفر ولن تسامح.
كل التحية للدول العربية والصديقة، التي سارعت في تقديم المساعدات لسوريا وقامت بواجبها.. التحية للجزائر وإيران و الأردن ولبنان وتونس والعراق وروسيا والصين... ولكل من وقف إلى جانب سوريا في محنتها هذه ومد لها يد العون.. فسوريا لن تخضع... ولن تركع... وستنتصر.