Menu

في تاريخ الصهيونية..

خاصالهستدروت والحكومةُ والأقليّةُ العربيّةُ في "إسرائيل": خلالَ سنواتِ الحكمِ العسكريّ

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

بعدَ إنشاء الكيان الصهيونيّ، أسّس "الاتّحاد العام للعمّال العبريّين في أرض إسرائيل" (فيما يلي: الهستدروت) نفسه مؤسّسةً غيرَ عسكريّةٍ رئيسيّة، وفي كثيرٍ من الحالات المؤسّسة الوحيدة التي تعمل بين العرب - المواطنون الفلسطينيّون الذين بقوا في بلدهم بعد الغزوة في التأسيس الصهيوني، وكانت الهستدروت من نواحٍ كثيرةٍ بسبب طبيعتها وخبرة القائمين عليها وتقاليدها النقابيّة العميقة أقوى وأكثر تنظيمًا من "الدولة" الفتيّة، وتعملُ في مجموعةٍ متنوّعةٍ من المجالاتِ في المجتمعِ العربيّ.

في تلك السّنواتِ أسّس النظامُ علاقات العمل في "إسرائيل" نظامًا نقابيًّا، يتّسمُ بتنظيم سوق العمل على أساس المفاوضات بين اللاعبين الأساسيين في نظام علاقات العمل. أساس علاقات القوّة في هذا النهج هو التوازن، حيث لا يملكُ أيُّ طرف القدرة على فرض إرادته على الآخرين، ما يؤدّي إلى ديناميكيّة التسوية مع الاعتراف بتضارب المصالح بين الأطراف.

ترى معظمُ الأبحاث الحالية التي تتناول العلاقة بين العرب الفلسطينيين والهستدروت أن الهستدروت في الأعوام 1966-1948 كانت ذراعًا للدولة، وكانت أهداف أفعالها بين العرب هي قمعهم وابتزازهم. ولكن هذا المقال يقترح تحليلًا مغايرًا، وأكثر تعقيدًا لتاريخ لتاريخ العلاقات بين الهستدروت والحكومة الصهيونية فيما يتعلّق بتصميم السياسة تجاهَ السكان العرب الفلسطينيين، ويجادل المقال الذي نستعرضه لاحقا في هذ النص  في أن هذه العلاقات قد تشكلت بموجب نظام علاقات عمل اتّسمت بالتعاون والتنسيق من جهة، وتضارب المصالح من جهةٍ أخرى. زاعمًا أنّ أهداف نشطاء الهستدروت اليهود الذين عملوا بين السكان العرب والفلسطينيين كانت في الجوهر تعزيز الدولة وسيطرة مباي، لكنهم كانوا من الناحية العملية منتبهين لأصوات العرب الفلسطينيين، وعملوا على تلبية احتياجاتهم ودمجهم في الهستدروت

الهستدروت

وصفت الهستدروت باعتبارها منظمة يهودية، بأنها منظمة لتوفير الاستجابة اشلاملة لاحتياجات العمال اليهود المفلسين الذين جاؤوا إلى فلسطين من أوربا، وكذلك كرافعة للعمل الميداني الصهيوني في فلسطين. وبالتالي لا يمكن النظر إليها في حال من الأحوال، إلا باعتبارها أداة إضافية من صندوق أدوات الاستيطان الصهيوني في فلسطين، ووسيلة – قد تكون ناعمة- تكمل عمل الأدوات الأخرى العنيفة بشكل عام.

رسميا، هي منظمة عمالية عبرية تأسست رسميا العام 1920، وعُقد المؤتمر التأسيسي لها في حيفا في شهر كانون الأول العام 1920. ولم يخف المؤسسون لهذه المنظمة إلى الدور الصهيوني الذي ستلعبه. ومما جاء في الاعلان الافتتاحي: ("هدف المنظمة هو تشكيل اتحاد للعمال والفلاحين دون التدخل في شؤون الآخرين، وتعمل المنظمة على دعم الاستيطان وبناء مجتمع عمال يهود") ومن الأهداف الأخرى دعم الهجرة اليهودية وتوطين المهاجرين والسيطرة على فلسطين وإقامة اقتصاد يهودي مزدهر فيها. وتعمقت قوة الهستدروت في الأوساط العمالية اليهودية وغدت من اقوى الهيئات الداعمة للمشروع الصهيوني. وباعتبارها أ]ضا ذراعا للحزب الحاكم فيما بعد ما باي، فقد شاركت بشكل حثيث في تثبيت أركان الدولة الصهيونية وجميع عملياتها وخططها تجاه الأقلية الفلسطينية التي صمدت في أرضها بعد النكبة.

في أيام مجدها، طالما اعتبرت الهستدروت بمقابة حكومة ثانية في "اسرائيل"، فلها هيئاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد بقي حزب العمل ومن قبله مباس مسيطرا عليها حتى حدث انقلاب 1984 عندما خسر لحزب لصالح قائمة عمالية جديدة باسم (رام) أسسها عضو منشق عن حزب العمل هو حاييم رامون وآخرون، مع العلم أن هذه القائمة متعاطفة مع مواقف حزب العمل والحركات العمالية اليسارية، بحيث ان مؤسسها عاد إلى صفوف حزب العمل فيما بعد تاركاً قيادة الهستدروت لعضو الكنيست عمير بيريتس. هذه الإشارة تأتي عابرة هنا كون التاريخ التنظيمي لهذه المنظمة هو بعيد عن اهتمام هذا النص.

لم تكن الهستدروت مجرد منظمة عمالية بل كانت قوة اقتصادية هائلة ما جعلها قوة اجتماعية لا تقل وزنا مع تاثيرات سياسية كبيرة، حيث كان لها معاهد أبحاث اقتصادية وعمالية، وجريدة خاصة بها (دافار) ودار نشر وحركات واندية رياضية (هبوعيل).

لعبت الهستدروت دورا تاريخيا في مأسسة المشروع الصهيوني في شقه الاقتصادي وهذه المأسسة تعود إلى عام 1933 بتبلور نموذج (البناء من فوق) حيث سيطر القطاع العام كليا على الاقتصاد "الإسرائيلي" – الصهيوني، هذا القطاع العام الذي ضم الدولة والهستدروت، العنصرين الوحيدين اللذين امتلكا رأس المال الضروري للاستثمار في المنشآت الضخمة مثل الصناعات الجوية والبتر وكيماويات والالكترونيات ومشاريع البنية التحتية الكبرى.

وكانت الوكالة اليهودية قد لعبت قبل الدولة دور مركز السيطرة والتوجيه ومصالحة المتناقضات وحشد الموارد والإرادة والعمل. وهكذا سيطر الهستدروت على أكبر بنك في إسرائيل(هبوعليم) وكذلك المجمعين الاقتصاديين الضخمين (كلال) و (كور) إضافة إلى مجالات واسعة من فروع البناء والزراعة والتأمين وغيرها ورغم قيام نموذج البناء من فوق على خطة مركزية استهدف عبرها إطلاق أقصى ديناميات اجتماعية ممكنة وتقوم على شقين الأول: النظام الديمقراطي بشكله الانتخابي البرلماني الذي استدعته صعود المشاركة الشعبية وتعدد السياقات والتيارات داخل النظام الناشئ. والثاني: حفظ دور مكانة القطاع الخاص الإسرائيلي في إنتاج واستهلاك الثروة ربطا بخطة مركزية.

رغم هذين البندين إلا أن كون حزب العمل كان هو المسيطر المباشر وشبه الوحيد على الدولة والهستدروت خلف سلطة شبه استبدادية وفتح المجال لظاهرة الفساد المرافقة لكل جسم بيروقراطي عبر توزيع المناصب الإدارية في الدولة والهستدروت وعبر السيطرة على المنشآت الاقتصادية المختلفة الضخمة والمكاتب الاقتصادية في الخارج حكرا على المقربين من حزب العمل.

قبل انعقاد المؤتمر التأسيسي للمنظمة سبقه تأسيس النقابة المشتركة لعمال القطار عام 1919 في اللد بمبادرة من عمال يهود من الشرق أو ربما كانوا متأثرين بالثورة الروسية. وكانت سكك الحديد والمطارات في السنوات الأولى للانتداب البريطاني الصناعة الأكبر في البلاد، ووصل عدد العمال فيها عام 1926 إلى 3354 عاملا. منهم 2836 عاملا عربيا تقريبا و 518 يهوديا.

وسرعان ما دفعت هذه المباادرة بمستخدمي البريد والتلغراف إلى التنظيم النقابي فشكلت نقابة عمال القطار والبريد والتلغراف. وصيف 1921 انضم العمال العرب الذين عملوا في مركز الصيانة التابع للقطارات وسكة الحديد في حيفا إلى النقابة والى الهستدروت المشكلة عام 1920. ثم انضمام مئات العمال العرب حول هذه النقابة الأولى بمشاركة عربية يهودية. وقد توسعت اللجنة الإدارية اليهودية بداية لتضم 5 عمال عرب عام 1925 هذا النضال ساهم به 410 عمال عرب ومهد الطريق لتطوير العمل النقابي الفلسطيني المستقل الأول.

استيعاب العرب في نقابة عمال القطارات والبريد لم يكن أمرا مفروغا منه، واقتضى نقاشات مستمرة في صفوف الهستدروت الذي اضطر لقبول العرب لأسباب عديدة منها قلة عدد العمال اليهود في صناعة القطارات وأغلبية العمال العرب. في النقاشات برز الخوف من تشكيل العرب نقابة مستقلة. أربعة من أصل خمسة أحزاب في الهستدروت أجمعت على موقف ينص على الانسجام القائم بين حاجات الاستيطان ومصالح العمال العرب. بن غوريون أول رئيس للهستدروت كان الزعيم البارز الذي طرح هذا الموقف واقترح إن تبادر الهستدروت إلى اقامة تنظيم نقابي عربي مستقل يخضع لسيطرة المنظمة الأم ودعا نقابة عمال الحديد والبريد والتلغراف إلى حل نفسها لأنها أشركت العرب على أساس متساو.

بتأسيس الكيان الصهيوني عام 1948 منح الهستدروت مكانة مركزية وكانت العامود الفقري لحزب ماباي الحاكم ونظام الحكم العسكري الذي فرضته إسرائيل كاستمرار لحربها على العرب تجسد في رفض التعامل على العرب كأصحاب حق في العمل وكم بالحري الانضمام للهستدروت.

مع الحاجة لليد العاملة لتعبئة النقص ظهرت بوادر استيعاب السيادة وكان هناك شرط غير مكتوب هو لمن يرغب الحصول على العمل هو الانضمام إلى الهستدروت وحمل الدفتر الأحمر بالتالي التصويت لحزب مباي نفس الحزب الذي فرض نظام الحكم العسكري.

خلال هذه الفترة، وباعتبارها دولة رعاية اجتماعية ضمنت إسرائيل لمواطنيها حاجاتهم الاجتماعية من تعليم ومرافق تربوية رخيصة وصحة وأماكن عمل في منشآتها الحكومية وتأمين البطالة والتأمين الوطني والشيخوخة والتعليم الجامعي شبه المجاني.

وكان دور الهستدروت خلال هذه الفترة خلق توازن بين الرأسمال والعمل من أجل خدمة أهداف الصهيونية والمحافظة على الطبقة الوسطى التي تلعب دورا حاسما في صقل وبلورة الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية كلاعب مركزي يراوح بين الطبقات الفقيرة والغنية ضاربة بين هذين الطرفين شبكة أمان في وجه تدهور الدول إلى غياهب الفروقات الفاحشة التي لابد لها أن تؤدي إلى انهيار اقتصادي حتمي.

لم يكن تأسيس الهستدروت خارجا عن طبيعة وأهداف الحركة الصهيونية وحزب ماباي في الأساس، إذ مع بروز طبقة عاملة يهودية وعربية ، كان لابد من أن يتولى جهاز عملاق إخضاع الأجراء الواعين سياسيا لرقابة دائمة وأن يتأثر كذلك الأقل وعيا ولاسيما المستخدمين على المستوى الأيدلوجي وتتم إعادة دمجهم جزئيا في تعاون طبقي فعلي، ولعل ما يسهل هذه المهمة عدم وجود نقابة بالمعنى الغربي للكلمة للعمال ويدل على ذلك أن الهستدروت وهي ثاني أكبر صاحب عمل في الدولة لم تكن نقابة عمالية أبدا، فقد كان قسم التنظيم المهني في الهستدروت مجرد أحد الأقسام مثله مثل الشركات التي تمتلكها الهستدروت (سوليل بونيه، المنظمة الرياضية، هبوعيل، صناديق المرضى، حركة الكيبوتسات ، بنك هبوعليم، منظمة تسويق الإنتاج،الزراعي تنوفا.. الخ) دون أن يكون لديه أولوية على باقي الأقسام. وبالتالي كان من الطبيعي أن تهرع الحركة الصهيونية ومعها الهستدروت لتدمير تحالف العمال الفلسطينيين واليهود عام 1947 عندما رأت الحركة الصهيونية أن هذا التحالف وما يمكن أن يفتحه من آفاق يؤثر بشكل خطير على أهدافها.

فيما يلي، نراجع باستفاضةٍ وتنقيح مقالة عوديد مارك المنشورة في مجلة أيونيم (مجلة متعدة التخصصات لدراسة إسرائيل). بعنوان "الهستدروت والحكومة والأقلية العربية في إسرائيل خلال سنوات الحكم العسكري".

مقدمة:

كانت مسألةُ الموقف من المواطنين الفلسطينين مسألةً رئيسيّةً واجهت المنظّمة العماليّة الصهيونيّة منذ إنشائها. وبالعودة إلى المؤتمر التأسيسي للهستدروت عام 1920، كان قد تمَّ رفض اقتراح بقبول العمال العرب في المنظمة. منذ ذلك الحين وحتى إنشاء الكيان الصهيوني، عكست راية الهستدروت تناقضه المركزي، ما يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ فكرة أن تكون "إسرائيل" ديمقراطيّة، و"يهوديّة". فقد كتب على أحد وجهي راية الهستدروت أن يتّحد "كل العمال الذين يعيشون في أرض إسرائيل" ومن الناحية الأخرى لبناء "جمعية العمل العبري في أرض إسرائيل" هذا التناقض عالجته الهستدروت بإجراءٍ بسيطٍ هو التركيز على "العمل العبري" والتخلي إلى حدٍّ كبيرٍ عن كونها نقابة جميع العمال. ولكن كما ذكرنا أعلاه، بعد قيام دولة "إسرائيل"، رسخت الهستدروت نفسها مؤسّسةً غير عسكريّةٍ رئيسيّة، وفي كثيرٍ من الحالات المؤسسة الوحيدة، التي عملت بين المواطنين العرب الفلسطينيين في "الدولة" الذين بقوا داخل حدودها.

عملت الهستدروت في مجموعةٍ متنوّعةٍ من المجالات في المجتمع العربي، بما في ذلك التوظيف والأجور، وتطوير البنية التحتية، ونشر الكتب والصحف باللغة العربية، والأنشطة الثقافية والترفيهية. وإلى جانب نشاط الهستدروت الواسع والمتنوع بين السكان العرب الفلسطينيين، كانت عملية دخول هؤلاء إلى الهستدروت تدريجية ورافقها نزاعات وصراعات، داخليًا ومع الحكومة. مع التذكير دائما أن الهستدروت لم يقبل العمال لعرب في صفوفه في السنوات الأولى لتأسيسه.

كانت أولى علامات التغيير في عام 1952، عندما قرر مجلس الهستدروت إدراج الفلسطينيين العرب في الأطر النقابية لكن دون عضوية. وبعد سبع سنوات، في عام 1959، تقرر فتح أبواب الهستدروت للعرب الفلسطينيين للحصول على العضوية الكاملة. وقد جرت عملية انضمام العرب الفلسطينيين إلى الهستدروت وتوسع عمليات الهستدروت في المجتمعات العربية بالتزامن مع سياسات الحكومة العسكرية من حظر التجول، وحظر التنظيم السياسي المستقل، والالتزام بحمل رخص العمل. حيث كان معظم الأقلية العربية الفلسطينية ما زالوا معزولين عن السكان اليهود، خاضعين للسيطرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة.

على الرغمِ من الاجتماعِ الواسع النطاق بين الهستدروت والسكان العرب الفلسطينيين في "إسرائيل"، لا تزال الأبحاث حول العلاقة بينهما محدودة حتى الآن. و بطبيعة الحال، كانت الأبحاث حول العرب الفلسطينيين في الهستدروت، في معظم الحالات، جزءًا من خطاب البحث العام حول الفلسطينيين في "إسرائيل" والتي اتسمت جوهريا باطابع الأمني، والتي مرت بتغيرات كبيرة في العقود الأخيرة.

حتى نهاية السبعينات من القرن العشرين، كان النهج السائد في البحث في مجال التحديث هو النهج الذي بموجبه تعيش مجموعات مختلفة في دولة "إسرائيل" عملية استيعاب إيجابية في المجتمع، تتميز بتفكيك التقاليد والهياكل واعتماد المعايير "الحديثة"، والتي تعتبر أكثر تقدمًا. تم نشر الدراسات النقدية تجاه سياسة الحكومة فيما يتعلق بالأقلية العربية الفلسطينية منذ أواخر الستينات، لكن تأثير هذا النوع من البحث زاد في الثمانينيات والتسعينيات.، مع تطوير أبحاث ما بعد الاستعمار حول الحركة الصهيونية و"دولة إسرائيل"، بما في ذلك علاقات الدولة مع مواطنيها العرب الفلسطينيين. وبدأ الباحثون، وخاصة في مجالات علم الاجتماع والتاريخ، في تحليل العلاقة بين الأقلية العربية الفلسطينية والدولة علاقةً بين مجموعة من السكان الأصليين وحركة استعمارية هدفها نزع الملكية والقمع.

مساهمةُ هذه التطورات في فهم مكانة الأقلية القومية العربية الفلسطينية في "إسرائيل" وموقف الدولة منها ليس موضع شك. و عندما يتناول أي بحث العلاقة بين الهستدروت والحكومة في سياق صياغة سياسة المؤسسات تجاه السكان العرب الفلسطينيين. يصف معظم الباحثين الهستدروت بأنها "جزء من مؤسسة صهيونية متجانسة ذات أهداف موحدة تجاه الأقلية العربية الفلسطينية، والتي تنعكس في سياسة موحدة للفصل ونزع الملكية"، لكن هذا المقال الذي نراجعه هنا يهدف إلى تبيان أن العلاقة بين الهستدروت والحكومة لم تكن موحدة ومستقرة كما زُعم حتى الآن. كانت المؤسستان تحت سيطرة حزب العمال الصهيوني (فيما يلي: مباي)، لقد تعاونا، وتم تنسيق العديد من الحالات بينهما. ومع ذلك، كما سنرة في هذا النص، فقد تصرّفوا أيضًا من دوافعَ مختلفةٍ ومتضاربةٍ في بعض الأحيان فيما يتعلق بالسكان العرب الفلسطينيين، وكانت أهدافهم ونتائج أفعالهم مختلفة .

النموذج المؤسسي إطارًا نظريًّا للمناقشة:

للإجابةِ على هذا الهدف، يخوضُ النص في العلاقة بين الهستدروت والحكومة بمساعدة النظريات والنماذج المطورة في مجال أبحاث علاقات العمل والنظرية المركزية في مجال البحث هي نهج النظم؛ وفقًا لذلك فالجهات الفاعلة الثلاثة التي تعملُ في نظام علاقات العمل الرأسمالي الصناعي هي الدولة، العمال ومنظماتهم، وأرباب العمل ومنظماتهم.

وتشكّلُ العلاقات بين الفاعلين الثلاثة، التي تتميز في كثير من الحالات بأنها صراع على السلطة والوصول إلى الموارد، معايير سوق العمل. ويميز الباحثون في مجال علاقات العمل بين النماذج المختلفة التي تنظم علاقات القوة بين الفاعلين. والنموذجان الرئيسيان، اللذان يستخدمان في دراسة النماذج المتناقضة أو المعاكسة، هما النموذج المنفذ القائم والنموذج التعددي و يتميز النموذج التعددي لعلاقات العمل بتنظيم العلاقات في سوق العمل من خلال المنافسة بين اللاعبين، خاصة بين أصحاب العمل والعاملين، دون تدخل الدولة. في النموذج التعددي لعلاقات العمل، لا توجد آليات تشجع المفاوضات المركزية بين اللاعبين أو مشاركتهم في قرارات الدولة.

تميلُ البلدانُ التي يكون فيها نظام علاقات العمل تعدديًا، مثل الولايات المتحدة، وإلى حد كبير إنجلترا، بانخفاض معدلاتِ العضوية في النقابات العمالية أو العمال المشمولين بالاتفاقيات الجماعية ومستوى عالٍ من عدم المساواة في الدخل. في الوقتِ نفسه، عادة ما تتميز أنظمة علاقات العمل هذه بالعديد من الإضرابات والنزاعات العمالية بسبب نقص الحوافز التي تشجع على حل النزاعات من خلال التسوية.

النموذجُ المركزي الآخر، الذي يعمل إطارًا تحليليًّا لهذه الدراسة، هو النموذج المؤسسي، الذي يتميز بتنظيم نظام علاقات العمل على أساس المفاوضات بين اللاعبين المركزيين، وأساس علاقات القوة في هذا النهج هو خلق ديناميكية التسوية مع الاعتراف بتضارب المصالح بين الأطراف. الأهداف الرئيسية في هذا النهج هي الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي من خلال خلق توازن، وبالتالي لا يمكن لأي طرف أن يفرض إرادته على الآخرين.

تميلُ البلدان التي يكون فيها نظام علاقات العمل شركاتية، مثل الدول الإسكندنافيّة وبعض دول أوروبا الغربية، إلى ارتفاع معدل العضوية في النقابات العمالية، ووجود آليات مركزية تشجع المفاوضات الأفقية ومستوى عالٍ من المساواة في الدخل. عادة ما يعتمد النموذج النقابي على تركيز تمثيل العمال في أيدي العديد من النقابات الكبيرة والمركزية، التي تحافظ على اتصال مستمر مع الحكومة. تميل النقابات في نظام علاقات العمل هذا إلى تحقيق المزيد من الإنجازات لأعضائها ولجميع الموظفين من خلال الأدوات المركزية مثل أوامر التوسيع واتفاقيات الفروع. من ناحيةٍ أخرى، تميلُ النقابات العمالية إلى تصويرنفسها على أنها أقل تشددًا لأنها غير مهتمة بتحدي القواعد الحالية للعبة، التي تمنحها قوة كبيرة بسبب تعقيد نموذج النقابية، فهو مليء بالتوترات والتناقضات الداخلية. أحد الأمثلة على ذلك هو التوتر بين القيادة المركزية للنقابة وبين المجموعات "داخل المنظمة". وتقوم سلطة القيادة النقابية من جهة على قدرتها على التوصل إلى حل وسط مع الدولة، مما يعطي الاتحاد مكانته المركزية، ومن ناحيةٍ أخرى على تلبية مطالب أعضاء النقابة.

كانت خصائص نظام علاقات العمل في دولة "إسرائيل" في السنوات المعنيّة ذات طابعٍ نقابيٍّ بشكلٍ واضح، وأبرزها ارتفاع نسبة العضوية في النقابات العمالية نسبيًا، ووجود آليات مركزية لتنظيم معايير سوق العمل، ومستوى مرتفع نسبيًا من المساواة في الدخل، وتركيز تمثيل الموظفين في أيدي الهستدروت، ومشاركة الهستدروت العميقة في القرارات على المستوى الوطني، لا سيما في تحديد الأجور وتنظيم سوق العمل. و هذا البيان مهم لجانبين رئيسيين من المناقشة. أحد الجوانب هو تحليل العلاقة بين الهستدروت والدولة كعلاقة نقابية. حيث كانت الهستدروت منظمة عمالية قوية ومركزية ومركزية، استفادت من قوانين الحماية والترتيبات الاجتماعية، وزادت من قوتها.

اتّسم التفاعلُ بين الهستدروت والحكومة من جهةٍ بالتعاون والتنسيق، وكان الهدفُ منه تعزيز كلّ من المؤسسات والحزب الذي يسيطر على كليهما - مباي، حيث حاول كل طرف تعزيز استقلاليته، وسيوضح المقال أن هذه الديناميكية النقابية كانت موجودة أيضًا في سياق سياسات المؤسسات تجاه السكان العرب الفلسطينيين، والجانب الآخر هو تحليل دوافع الهستدروت.

باعتبارها منظمةً عماليّةً مركزيّةً في نظامٍ نقابي، كانت الهستدروت مدفوعة بالرغبة في زيادة عدد أعضائها من أجل تحسين القدرات التفاوضية، والحفاظ على هيكل سوق العمل من خلال منع توظيف العمال غير المنظمين. علاوة على ذلك، كان الهستدروت خاضعًا لتأثير المجموعات "داخل المنظمة"، التي سعت إلى زيادة استقلاليتها المحيطية. طبعا لم تنعكس هذه الأمور في كل خطوة أو قرار يتخذه كل ناشط في الهستدروت فيما يتعلق بالفلسطينيين العرب في "إسرائيل"، لكن تحديدها مهم في فهم سياسة الهستدروت التي يصفها المقال.

من الأبحاثِ المهمة التي خدمت تحليل سياسة الهستدروت تجاه السكان العرب الفلسطينيين. بحث مايكل شاليف، الذي يعتبر بمثابة ركيزة في دراسة الهستدروت ونظام علاقات العمل في دولة "إسرائيل".

كان استنتاجه الرئيسي فيما يتعلق بسياسة الهستدروت فيما يتعلق بالسكان العرب الفلسطينيين هو أن الهستدروت عملت على الحفاظ على دونية الفلسطينيين العرب في سوق العمل من أجل الحفاظ على قوة مجموعات أقوى من العمال وخدمة مصلحة الدولة - من خلال السيطرة على الأقلية القومية التي تعيش في مكان قريب. الاختلاف الرئيسي بين بحث شاليف وهذه المقالة، التي اشتق منها أيضًا استنتاجاته المختلفة، هو استخدام نموذج الشركات أداةَ بحث.

ينتقد شاليف نموذج الكوربوراتية "الإسرائيلي" [هي نظام للتنظيم الاجتماعي والسياسي تقوم فيه الدولة بالسيطرة والتقييد وأحيانا احتكار، بل وخلق جماعات المصالح أو المجتمع المدني الذي يدور في فلكه] ويدعي أن الهستدروت استفاد من القوة المستمدة من التعاون مع الحكومة، لكنه لم يترجم هذه القوة إلى إنجازات للطبقة العاملة. وادعاءه هو أن نظام علاقات العمل في "إسرائيل" كان له سمات نقابية، لكنه ليس نقابيًا في جوهره. و يحاول بحثه الإجابة على سؤال لماذا الهستدروت ليس ما يتوقعه المثقفون اليساريون منه، أي لماذا لا يتصرف بالطريقة التي من المفترض أن تتصرف بها منظمة عمالية في نموذج مؤسسي مثالي، وفقًا لمعاييره. تتبنى المقالة نهجًا مختلفًا فيما يتعلق بنموذج الشركات كأداة بحث تساعد في تحليل سلوك المنظمات، بدلاً من نموذج بجوهر محدد مسبقًا أو نتائج من قبل مصمميها.

العقد الأول (1948-1958): تشكيل النظام النقابي وتأثيره على سياسة الهستدروت تجاه السكان العرب الفلسطينيين

كان قبول خطة التقسيم في الأمم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 بمثابة بداية الحملة بين القيادة الصهيونية حول موقف الدولة في الطريق تجاه الأقلية العربية الفلسطينية التي ستبقى داخل حدودها. ومن الأسئلة المطروحة على جدول الأعمال مكان "العرب الفلسطينيين" في الهستدروت، الذين لم يتم قبولهم حتى ذلك الحين في صفوفها.

اجتمعت لجنة خاصة تم اختيارها نيابة عن مركز ماباي للتعامل مع قضية معاملة العرب في البلاد بعد خمسة أيام من استلام خطة التقسيم. وشارك في هذا الاجتماع، بينشاس ليفون، عضو اللجنة التنفيذية للهستدروت في ذلك الوقت و في وقت لاحق، قدم سكرتير المنظمة خطة تدريجية مدتها خمس سنوات لإدماج العرب في الهستدروت، مع اتجاه واضح بأن الفترة الانتقالية يجب أن تنتهي بتأسيس حركة عمالية واحدة مشتركة بين "الشعبين".

في الاجتماع نفسه عارض رؤوفين بركات، رئيس القسم العربي في الهستدروت، خطط الاندماج على أساس أن اليهود "يواجهون صعوبة في قبول الأجانب". ونقض ليفون كلامه وقال: "بركات ورفاقه لا يؤمنون بإمكانية التعايش بين اليهود والعرب، وبالتالي يعتقدون أن الترحيل في النهاية هو الحل. إنهم يحافظون على الفصل من أجل تسهيل الإخلاء عندما يحين الوقت". وقد تحقق تحذير ليفون من خطط ترحيل المواطنين العرب الفلسطينيين في النصف الثاني من عام 1950 في المجدل، وهي مدينة فلسطينية قريبة من ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​، شمال غزة.

كانت المجدل مركزًا اقتصاديًا وتجاريًا للمستوطنات المحيطة. عشية حرب 1948، كان يعيش هناك حوالي 10.000 عربي، واشتهرت المدينة بصناعة النسيج. وقد فر الكثير من سكانها تحسبا لجرائم الجيش الصهيوني قبل وصوله إلى المدينة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1948.

بعد الحرب وتطهير المجدل عرقيا، أقيمت مدينة عسقلان كمدينة يهوديةعلى أنقاض المجدل. وبقي حوالي 2500 عربي داخل حدود المدينة، وتركز هؤلاء في منطقة مسيجة ومحروسة. وقد تم وضع خطط إجلائهم من المجدل في كانون الثاني (يناير) 1949، أولاً من قبل قائد الجبهة الجنوبية، إيغال ألون، ثم خلفه، قائد المنطقة الجنوبية الجديد اللواء موشيه ديان، الذي سرعان ما أصبح القوة الدافعة الرئيسية للخطط. تضمنت خطط دايان في البداية نقل السكان العرب إلى بلدات أخرى، ولكن سرعان ما تم وضع خطة لنقلهم إلى غزة. وقد أعطى رئيس الوزراء دافيد بن غوريون الضوء الأخضر لخطط ديان .

زعمت حكومة الاحتلال أنه تم تقديم عملية الإخلاء كاستجابة لرغبة السكان في لم شملهم مع عائلاتهم عبر الحدود في غزة – في الواقع تم تطبيق ضغوط اقتصادية على السكان وترهيبهم من أجل تشجيعهم على المغادرة. وقد اشتدت هذه الضغوط حتى صيف ذلك العام، وفي حزيران / يونيو بدأ نقل العشرات من السكان إلى غزة في شاحنات .

كان تخفيض عدد العرب في الدولة الناشئة هدفا صهيونيا مركزيا وفي قلب الخطة الصهيونية كانت محاولة توسيع أراضي الدولة مع تقليص عدد العرب الذين سيعيشون هناك كمواطنين. بمعى (عرب أقل أرض أكثر). وجاء إخلاء المجدل في هذا السياق. وعلى الرغم من ذلك، كان إخلاء المجدل حدثًا غير عادي، وهذه هي الحالة الوحيدة المعروفة لإبادة منظمة ومخططة لمدينة عربية بأكملها بعد انتهاء الحرب.

وأثناء إخلاء سكان المجدل، واجه موشيه ديان وأعضاء الحكومة العسكرية مقاومة من الهستدروت الذي كان قد بدأ العمل في المجدل بعد أيام قليلة من احتلالها في تشرين الثاني / نوفمبر 1948، مع إنشاء فرع محلي لاتحاد أمل فلسطين (تحالف عمال إسرائيل، فيما يلي: التحالف).

كان التحالف منظمة راعية للهستدروت تعمل بين السكان العرب الفلسطينيين. فرع المجدل، مثله مثل الفروع الأخرى للتحالف، كان يعمل بشكل أساسي كمكتب توظيف - سيتلقى الفرع مهام لوظائف مؤقتة، ويوزعها على أعضائه والتأكد من حصولهم على رواتب تتماشى مع سياسة الهستدروت. بالإضافة إلى ذلك، عمل الفرع بالتعاون مع الدائرة العربية للهستدروت والقسم الاقتصادي على إنشاء جمعيات تعاونية إنتاجية واستهلاكية في المدينة تحت رعاية الهستدروت. لم يكن تأسيس الجمعيات في المجدل غريباً، ,وسيتبين فيما بعد أنها ميزت جهود الهستدروت في إقامة اتصال مع السكان العرب الفلسطينيين من خلال تطوير البنية التحتية ومصادر التشغيل في البلدات العربية. حيث أعطيت أهمية خاصة، في المجدل وهي محاولة لتأسيس "بلدة" هناك

يكمن سبب انتشار الهستدروت في المجدل تحديدًا في الإمكانات التي حددها أعضاء القسم العربي، يعقوب كوهين وإيمانويل نحميا مول، كنموذج ناجح لتنظيم النشاط بين السكان العرب الفلسطينيين. . وفي رأيهم، تنبع الإمكانات من شخصية المدينة وسكانها.

على عكس صورة مخيم اللاجئين المهمل والقذر، التي " طبقها '' الصحفيون أو العسكريون عليها، رأى كوهين ومول أنهh مدينة حديثة وصناعية، وسكانها متعلمون ولديهم خبرة في تكوين الجمعيات المهنية. وبالتزامن مع نشاطه بين سكان المجدل، عمل كوهين في مشروع آخر. في اليوم الذي صادق فيه مسجل الجمعيات التعاونية على تسجيل جمعية النسيج في المجدل، اكتملت عملية تسجيل جمعية تعاونية أخرى - كيبوتس أحفا، ما زعم أنه أول كيبوتس عربي في "إسرائيل"، تأسس تحت رعاية القسم العربي. الهستدروت. مع العلم أن الكيبوتس بحد ذاته فكرة استعمارية وهذه المحاولة لمطابقة حياة السكان الأصليين بالشكل الاستعماري المستحدث هي جزء من عملية الأسرلة المستمرة، عبر تدمير البنى الأصية للمجنمع العربي الفلسطيني وإحلال بنى جديدة.

عندما علم يعقوب كوهين بخطط الإخلاء سابقة الذكر في تموز/ يوليو، بدأ بمنع ترحيل العائلات المسجلة إلى مدينة العمل وإقناع عائلات أخرى بالتسجيل. وبسبب هذا النشاط، بدأت الحكومة العسكرية في تسريع وتيرة عمليات الإخلاء. يصف بيني موريس صيف ذلك العام بأنه مطاردة قط وفأر - فمن ناحية، يطالب أعضاء الهستدروت بتفسيرات وإيضاحات من الجيش ورئيس الوزراء للشؤون العربية فيما يتعلق بما يحدث في المجدل، وما إلى ذلك. من جهة أخرى، طمأنهم أعضاء الحكومة العسكرية لكنهم زادوا من الضغط على السكان للمغادرة.

تلقى أعضاء الهستدروت، بقيادة يعقوب كوهين، التأكيد مرارًا وتكرارًا على أن التسجيل في جمعيات الهستدروت يمكن أن يستمر كالمعتاد. بل إن الحكومة العسكرية وافقت في آب / أغسطس على تأجير الأراضي لإنشاء جمعية تعاونية زراعية لتحالف المجدل، رغم أن رؤساء الحكومة العسكرية والمستوى السياسي (مستشار رئيس الوزراء للشؤون العربية) بالفعل اعتبر إخلاء السكان العرب من المجدل أمرًا واقعًا. علاوة على ذلك، وُعد كوهين بأن أي شخص يغادر المجدل سيفعل ذلك بمحض إرادته. حتى أن بعض السكان الذين تم إجلاؤهم وقعوا على بيان جاء فيه: "نعلن بموجب هذا". وفي رسالة إلى يعقوب كوهين، ممثل لجنة العمل في الهستدروت بحضور الحاكم العسكري، قالوا: "لا تفرض علينا وعلى من نحن مرسومًا بعدم الذهاب إلى غزة".

نظرًا لظروف كتابة البيان وبسبب محتواه، بما في ذلك مناشدة شخصية مباشرة إلى يعقوب كوهين، عضو الهستدروت، فمن المحتمل أن أعضاء الحكومة العسكرية أملوا البيان على أولئك الذين كانوا وقعوا من أجل إرضاء أعضاء الهستدروت ومواصلة الإخلاء المخطط له دون انقطاع.

في أيلول/ سبتمبر، تغلبت الحكومة العسكرية على سكان المجدل، وتوقفت الحكومة العسكرية عن إمدادهم بالطعام. سمع مسؤولو الهستدروت وعودًا كاذبة مرة أخرى، والتي بموجبها كل من يغادر يفعل ذلك بمحض إرادته ولا يوجد تدخل في أنشطة الهستدروت، لكن أصدقاءهم في المجدل رسموا لهم صورة مختلفة تمامًا. وأبلغ أعضاء الجمعيات التعاونية يعقوب كوهين كيف أن أعضاء الحكومة العسكرية يخيفونهم بعد كل زيارة يقوم بها أعضاء الهستدروت ويحثونهم على التخلي عن علاقاتهم مع الهستدروت. وبالفعل، انخفض عدد العائلات المسجلة في مدينة العمل تدريجياً. في تشرين 1/أكتوبر، سادت الضغوط الشخصية على العائلات التي كانت أعضاء في الجمعيات التعاونية. اتصل هؤلاء بأعضاء الهستدروت، وطلب أعضاء الهستدروت توضيحات من الحكومة العسكرية والحكومة نيابة عن اللجنة التنفيذية للهستدروت. وأبلغوا أن سياسة الحكومة قد تغيرت وأنه سيتم إخلاء المجدل خلال أيام قليلة، وبلغت المواجهة بين الهستدروت والحكومة العسكرية في المجدل ذروتها في 10 أكتوبر، ووصل موظفو الدائرة العربية إلى تم منع دخولهم، وبعد ساعات من الجدال والمحاولات، وصل ديان بنفسه إلى الموقع وطرد أعضاء الهستدروت، واكتمل ترحيل عرب المجدل، ولم يبق سوى 17 عائلة من الهستدروت. وهي العائلات التي لم توافق على التخلي عن الانضمام إلى مدينة العمل. بعد تدخل سكرتير الهستدروت بنحاس ليفون، توقفت عملية الترحيل، وبعد لقاء مشترك بين بن غوريون وديان وليفون، تقرر إبقائهم في الدولة، ولكن ليس في المجدل. كان ليفون غاضبًا من القرار، لكن بن غوريون انحاز إلى موقف ديان. وفي 13 تشرين أول/أكتوبر ، تم نقل العائلات إلى اللد، حيث استمرت جمعية النسيج في العمل لعدة سنوات.

لا يتوافق الخلاف بين قيادة الهستدروت وبين الحكومة والحكومة العسكرية بشأن إخلاء المجدل مع النهج السائد في الأدبيات البحثية حول الهستدروت خلال سنوات الحكم العسكري، والتي عرضت بإيجاز في المقدمة، التي تفيد بأن الهستدروت شريك لمؤسسة صهيونية ذات أهداف موحدة فيما يتعلق بالسكان العرب الفلسطينيين. صحيح القول إن قيادة الهستدروت ورؤساء أقسامها العربية كانوا على اتصال مستمر مع رئيس الوزراء يوا للشؤون العربية وأعضاء الحكومة العسكرية.

وقد تم تنسيق العديد من أعمال الهستدروت وسط السكان العرب الفلسطينيين مع هذه الأطراف، ووافقت عليها كذلك لجنة الأمن المركزي. واستخدمت الحكومة العسكرية موارد الهستدروت كأداة لتشجيع التعاون معه. ومن الأمثلة على ذلك نقل قوائم أسماء نشطاء التحالف الذين سعوا للعودة إلى أراضي الدولة بعد حرب عام 1948 إلى رئيس الوزراء للشؤون العربية لمنحهم الجنسية "الإسرائيلية"، وبالتالي كسب دعمهم. ومن الأمثلة على ذلك تعيين متعاونين مع الحكومة العسكرية أو جهاز الأمن في مناصب في الهستدروت.

ومع ذلك، في قصة ترحيل المجدل، يمكن ملاحظة أن التعاون الموصوف أعلاه كان جانبًا واحدًا فقط من العلاقة بين الهستدروت والحكومة في كل ما يتعلق بالسكان العرب الفلسطينيين. يكشف الاطلاع على المصادر الأولية من تلك الفترة عن المزيد من حالات الخلاف بين ممثلي الحكومة وممثلي الهستدروت، حتى وإن لم تكن دراماتيكية مثل صدام المجدل، فيما يتعلق بمعاملة العرب الفلسطينيين. في تموز 1951، على سبيل المثال، تقدّم محمد إبراهيم شعبان، من سكّان عكا، بطلب إلى الضابط الإقليمي للأقليّات في حيفا للحصول على بطاقة هوية "إسرائيلية". سبب الطلب هو ادعائه أن زوجته لديها بطاقة هوية قانونية. طُلب من شعبان تقديم زوجته وعاد بعد أيام قليلة إلى مكتب الضابط برفقة ليس فقط زوجته ولكن أيضًا ناشطان بارزان من الهستدروت في حيفا والجليل - أمنون لين وسليم جبران، اللذين شهدوا لصالحه. وبحسب يهوشوا بالامون، مستشار رئيس الوزراء للشؤون العربية، فقد نشأت المشكلة بعد شهرين تقريبًا من الموافقة على طلب شعبان وإصدار بطاقة هويته، اتصل شعبان مرة أخرى بالسلطات لطلب منح بطاقة هوية لزوجة وابنة "تسللوا" من لبنان إلى إسرائيل. ثم تبين أن المرأة التي أتت مع شعبان إلى مكتب الضابط في حيفا لم تكن زوجته بل زوجة أخيه. وادعى فلامون أن لين وجبران، عضوا الهستدروت، كانا على علم بتفاصيل القضية مقدمًا وطالب رئيس القسم العربي في الهستدروت باتخاذ إجراء ضدهما. حتى أنه هدد بأن الحدث سيجبره على إعادة النظر في توصيات التحالف والهستدروت في كل ما يتعلق بشهادات الجنسية.

تختلف الحالتان الموصوفتان أعلاه - إبعاد المجدل وبطاقة هوية شعبان - عن بعضهما البعض من حيث نطاقهما ونتائجهما، لكنهما متشابهتان من حيث موقف نشطاء الهستدروت وقت وقوع الحادث. .

في كلتا الحالتين، استخدم نشطاء الهستدروت قربهم من الحكومة ووصولهم إلى مراكز صنع القرار لتغيير تصرفات الحكومة تجاه العرب الفلسطينيين، إما من خلال التصادم المباشر مع ممثلي الحكومة العسكرية، كما في حالة المجدل، أو من خلال محاولة تضليل مسؤوليها. في كلتا الحالتين، أراد أعضاء الهستدروت تحسين أوضاع "العرب الفلسطينيين" الذين كانوا على اتصال بهم لتحسين صورتهم بينهم، حتى ولو كان ذلك على حساب الإضرار بعلاقتهم بممثلي الحكومة.

ليست قضية شعبان الوحيدة التي قام فيها مستشار رئيس الوزراء للشؤون العربية بتوبيخ أعضاء الهستدروت وطالبهم بالولاء و "جبهة موحدة" في مواجهة الأقلية العربية الفلسطينية. في عام 1950، قرر مؤتمر في PAI (تحالف عمال أرض إسرائيل) إدانة الحكومة العسكرية والمطالبة بإلغائها وعودة اللاجئين العرب إلى قراهم . ردًا على هذا القرار، التفت بالامون إلى أعضاء قسم العرب في الهستدروت وسألهم عما إذا كانوا يتفقون معه. حتى أن بالامون طرح على أعضاء الدائرة العربية سلسلة من الأسئلة، مثل "من سيتولى جميع أدوار المشرف والأمن للعرب في غياب الحكومة العسكرية؟" أم هل يعلم جماعة القسم العربي أن معظم القرى المهجورة هُجرت أثناء الحرب ؟ وزعم بركات، رئيس الدائرة العربية، ردا على ذلك أن الدائرة العربية "لا ترى ضرورة لمنع اتخاذ القرار" وأن الهستدروت لا تحدد مواقف إيجابية أو سلبية من القضايا الأمنية. إن رد بركات المراوغ على شكوى بالامون يعبر إلى حد كبير عن صعوبة تعبير أعضاء الهستدروت عن موقف مؤيد أو معارض فيما يتعلق بوجود الحكومة العسكرية.

الياهو أغاسي، مسؤول كبير آخر في الدائرة العربية في ذلك الوقت، وعضو في حزب مباي، أعرب عن معارضته للحكومة العسكرية، بل وشارك في مظاهرة في الناصرة تطالب بإلغائها. ولد أغاسي في بغداد عام 1909، ووصل إلى فلسطين في سن 19. انضم إلى أنشطة الهستدروت في عام 1932 كناشط بين العمال الفلسطينيين في منطقة حيفا، وقال أغاسي إنه شعر أنه يتعين عليه القيام بهذه المهمة "كرجل جاء من دولة عربية". وقال "كانت الحكومة العسكرية بمثابة حاجز للاندماج، وكان الهستدروت لسنوات عديدة الممثل الإيجابي للدولة اليهودية في كل قرية. تميز الوجود اليهودي الإسرائيلي الجيد بوجود الهستدروت في القرى. كانت الإدارة عاملا مقيدا. كانت الهستدروت عاملا منح الحقوق وخيارات ".

في هذه المرحلة، من المهم التأكيد - إن تعبيرات أغاسي وبركات عن انتقاد الحكومة العسكرية، وكذلك تصرفات يعقوب كوهين وأمنون لين التي وصفتها أعلاه، لم تنبع من موقف تخريبي تجاه المؤسسة الصهيونية أو من المعارضة لسيطرة الدولة على الأقلية العربية الفلسطينية. حسب رأيهم، كانت أفعالهم تهدف إلى تعزيز المصالحة بين الفلسطينيين العرب في "إسرائيل" مع وضعهم، وتخفيف مظاهر المعارضة وتقوية حزب مباي. أي تسهيل تمثل العرب لواقع الأسرلة وإخضاعهم للدولة وتدمير هوتهم الأصل.

في الواقع، كما وصف أغاسي في كلماته التي نقلتها أعلاه، كانت سياسة الهستدروت في ذلك الوقت مختلفة عن سياسة الحكومة العسكرية. قيّدت الحكومة العسكرية حركة المواطنين العرب، وراقبت المواطنين العرب، واستخدمت أساليب العنف والتهديد للسيطرة على السكان. ومن ناحية أخرى، عملت الهستدروت في معظم الحالات باعتبارها الهيئة المدنية المؤسسية الوحيدة في المستوطنات العربية. تم هذا العمل بالتنسيق الكامل مع الحكومة. كذراع لها، في اجتماع عقد في أغسطس 1949 بحضور رؤساء الهستدروت ومجلس رئيس الوزراء للشؤون العربية، تقرر أن الهستدروت ستنسق تسويق منتجات الاقتصاد الزراعي العربي، وتخطيط ترتيبات النقل، وإنشاء الجمعيات التعاونية للائتمان والإمداد بالمياه، وأكثر من ذلك لأنها الهيئة الأكثر ملاءمة للقيام بهذه الأعمال.

في الواقع، بدأ الهستدروت في تلك السنوات في ترسيخ مكانته باعتباره الهيئة المركزية والأكثر نشاطًا في المجتمع العربي الفلسطيني. كان إنشاء الجمعيات التعاونية في المستوطنات العربية أحد مسارات العمل الرئيسية، والتي وصفتها أعلاه أيضًا في سياق المجدل. بحلول أغسطس 1950، تم إنشاء العشرات من الجمعيات التعاونية، بما في ذلك جمعيات تسويق المحاصيل الزراعية والجمعيات التعاونية الاستهلاكية وغيرها. كانت الهستدروت مسؤولة أيضًا عن توفير المياه وأحيانًا توفير الكهرباء للمستوطنات العربية، وتم إنشاء عشرات الجمعيات التعاونية الأخرى لتزويد مياه الشرب والري تحت رعايتها.

في مجلس الهستدروت عام 1952 الذي اجتمع في أكتوبر 1952، تقرر السماح للعرب الفلسطينيين بالانضمام إلى نقابة عمال الهستدروت. كان المعنى العملي للقرار أن العمال العرب الفلسطينيين سيتمكنون من التمتع بالعديد من الحقوق التي يتمتع بها العمال اليهود، بما في ذلك تحسين ظروف الأجور والقدرة على المساومة، والعضوية في صناديق التأمين وصناديق الادخار في الهستدروت، والعضوية بشكل عام في صندوق الصحة والحق في التصويت للجان العمالية والمجالس النقابية. ومع ذلك، فقد حُرموا من حق الاختيار والترشح لمنظمات الهستدروت لأنهم لم يُقبلوا بالعضوية الكاملة في المنظمة. جاء قرار قبول العمال العرب الفلسطينيين في النقابات العمالية نتيجة ضغوط من نشطاء التحالف. كانت بداية الخمسينيات فترة توتر واستياء في سوق العمل "الإسرائيلي".

قاتلت مجموعات مختلفة من العمال، بما في ذلك الممرضات وسائقي القاطرات والبحارة، لتحسين ظروف عملهم، في كثير من الحالات دون موافقة القيادة المركزية للهستدروت. وعلى الرغم من أن نشطاء التحالف كانوا يخضعون لحكومة عسكرية، ولم يتمتعوا بنفس القدرات التي كانت تتمتع بها مجموعات العمال الأخرى، فهم يدركون أن قيادة الهستدروت لا تستجيب للضغوط التي تمارس عليها ولا يمكنها تجاهل مطالبهم.

في شباط من ذلك العام، بدأوا في تقديم مطالب إلى رؤساء الأقسام العربية، بما في ذلك زيادة ميزانية التحالف، وزيادة عدد الموظفين، ونقل مقر سكرتارية التحالف من تل أبيب إلى حيفا. وزعم الياهو أغاسي أن نشطاء التحالف سيحضرون اجتماعات مشتركة مع أبناء الدائرة مدروسين ويقظين ومليئين بالادعاءات كالقنابل اليدوية أنه إذا لم يتم تلبية مطالبهم في غضون أسبوعين، فإنهم سيعلنون عن توقفهم عن العمل.

وصف الصراع بين قيادة التحالف والدائرة العربية في الصحف آنذاك بأنه صراع داخلي بين رجال الأعمال من مباي اليهود بين معسكر أبا هوشي ومعسكر بن غوريون "تم حله بإقالة اثنين من نشطاء الدائرة العربية - أمنون لين وموشيه مطري - المتهمين بقيادة تمرد بين نشطاء التحالف في الشمال ومحاولة السيطرة عليه.

أظهرت دراسة لمصادر أولية أن إقالة لين ومطري كانت فقط إحدى النقاط البارزة في عملية تشكيل التحالف في حيفا والجليل كمنظمة اعتبرها النشطاء العرب الفلسطينيون فيه منظمة مستقلة. بأجندة مستقلة، والتي كانت مطلوبة من وقت لآخر للقتال مع الهستدروت من أجل تعزيز شؤونها ونظرتها للعالم. وبالفعل، سُمعت لاحقًا أيضًا عبارات الاستنكار بين نشطاء التحالف.

العقد الثاني (1958-1966): اشتد الجدل

في نهاية عام 1958 حدث تغيير آخر في سياسة الهستدروت تجاه العرب الفلسطينيين: فُتحت أبواب المنظمة أمامهم للحصول على العضوية الكاملة، وجاء التغيير في سياسة الهستدروت في نفس الوقت مع سلسلة من التنازلات من قبل الحكومة العسكرية في عام 1958 - 1959 متضمناً إلغاء الحاجة إلى تراخيص الانتقال إلى مناطق (يهودية) غير خاضعة لسلطة الحكومة العسكرية وتمديد صلاحية رخص العمل لمدة سنة واحدة. في الواقع لم يكن التخفيف من القيود التي فرضتها الحكومة العسكرية ودخول العرب الفلسطينيين إلى الهستدروت إيذانا بنهاية الخلاف بين الحكومة والهستدروت بشأن السياسة تجاه الأقلية العربية الفلسطينية. بل خلال تلك الفترة، نمت الخلافات بين سياسة الحكومة وسياسة الهستدروت، واشتدت الخلافات بين الهيئات. وقد ميز هذا الاتجاه العلاقات بين المؤسسات في مناطق أخرى في ذلك الوقت أيضًا. في الأعوام 1957-1965 تميز سوق العمل في "إسرائيل" بالعضوية الكاملة. وأدى التوظيف الكامل إلى تعزيز الهستدروت وزيادة القدرة على المساومة مع الحكومة. كان أحد التعبيرات عن ذلك سلسلة من الإنجازات التي حققها الهستدروت في مجال قوانين العمل في إسرائيل، وكان أبرزها قانون الاتفاقات الجماعية الذي سُن في عام 1957. " وكان الغرض من القانون وسلسلة من القوانين الأخرى التي تم سنها في ذلك الوقت ضمان استقلال الهستدروت في مجال علاقات العمل. كان التعبير الآخر هو النضال من أجل الأجور.

اعتبر عام 1960 كنقطة مركزية في النزاعات بين الحكومة والهستدروت في مسائل الأجور وشروط التوظيف، وفي كثير من الحالات خرج الهستدروت بزمام الأمور. إلى جانب تعزيز الهستدروت في مواجهة الحكومة، كان للعضوية الكاملة أيضًا آثار داخل الهستدروت. العضوية الكاملة تزيل عن العمال خطر الاستعاضة عنهم بعمال عاطلين، وهذا يؤدي إلى تعزيزهم وزيادة مطالبهم لتحسين ظروف عملهم. بدأت مجموعات الضغط داخل الهستدروت في زيادة مطالبها تجاه قيادة المنظمة، سواء من حيث الإنجازات في المفاوضة الجماعية أو من حيث درجة استقلاليتها داخل المنظمة.

أثر طموح الهستدروت في زيادة استقلاليتها في مواجهة الحكومة وحاجتها للاستجابة لمطالب جماعات الضغط الداخلي على سياستها تجاه الأقلية العربية الفلسطينية. بعد أشهر قليلة من افتتاح الهستدروت أمام "العرب الفلسطينيين"، عيّن سكرتير المنظمة، بنشاس ليفون، ناحوم يحلوم، رجل جهاز الأمن الذي "وصل" ليفون إلى الهستدروت، في منصب رئيس القسم العربي. بدلاً من رؤوفين بركات، الذي شغل المنصب منذ ما قبل قيام الدولة. أعلن ليفون أن ياهلوم سيعمل بشكل مستقل تمامًا عن الحكومة العسكرية ووفقًا لوجهات نظر الهستدروت، في الواقع، في ذلك الوقت، لأول مرة منذ قيام الدولة، نشأ انفصال واضح بين قيادة الهستدروت والحكومة العسكرية.

كانت السياسة التي أدخلها ياهلوم في منصبه كرئيس للقسم العربي هي التخلي عن "النظام المتميز"، حيث بنى جماعة مباي في الهستدروت والحكومة قوتهم في المجتمعات العربية على تقديم خدمات لأرباب الأسر الكبيرة. أو مع المجموعات التقليدية. وبدلاً من ذلك، عمل على إقامة اتصال مع الشباب المتعلم، الذين، حسب تصوره، هم القادة في السلطة للجمهور العربي في البلاد، والذين سيحددون صورة المجتمع العربي في البلد، أنشأ القسم العربي تحت إدارته دوائر متعلمة في مناطق مختلفة. استبدل ياهولوم أيضًا جزءًا من طاقم قسم اللغة العربية ووسع مجموعة منشورات الهستدروت باللغة العربية. وبسبب هذه الأعمال، تعرض لانتقادات من قبل قيادة مباي في الحكومة والحكومة العسكرية، بل وزُعم في بعض الحالات أن الحكومة العسكرية جندت الشباب العرب لإثارة المعارضة في المجتمعات العربية لأنشطة الهستدروت.

المثال الذي يوضح بوضوح العلاقة بين الهستدروت والحكومة فيما يتعلق بالموقف تجاه الجمهور العربي الفلسطيني في "إسرائيل" في أوائل الستينيات هو مجلة الهدف، وهي مجلة شهرية للشؤون الثقافية والاجتماعية باللغة العربية تم نشرها من قبل الهستدروت عام 1962-1960، وطبع 25 عددا، وتوزعت حوالي 200000 نسخة.

كان هذا جزءًا من مجموعة واسعة من الهستدروت لإنتاج مواد للقراءة باللغة العربية. حرر المجلة توفيق شموس، وهو يهودي من أصل سوري، شغل مناصب مختلفة في عدة وسائل إعلام عربية. وعمل معه نائبا تحرير: مصطفى مرار، كاتب ومدرس من جلجولية، والشاعر جمال قعوار، كاتب وداعي من الناصرة. تأسست الهدف كجزء من تغيير السياسة الذي روج له ليفون ودايموند، والذي وصف أعلاه، والذي يتمحور حول جذب طبقة شابة متعلمة من السكان العرب الفلسطينيين.

في مجال المطبوعات باللغة العربية، شمل التغيير في السياسة قبول الهستدروت مسؤولية إنتاج وتوزيع صحيفة اليوم الحكومية اليومية، وإصدار مجلة للأطفال أسبوعية، وكما ذكرنا، إنتاج مجلة الهدف.

وكانت مناشدة الهستدروت "لجميع السكان العرب في إسرائيل" تقول: "مع فتح أبواب الهستدروت أمام العمال العرب، يرى" الهستدروت "ضرورة" إصدار صحيفة يومية وثقافية اجتماعية شهرية "ستكون بمثابة التعبير المخلص والصريح والصادق [كما في الأصل] عن مشاكل ومطالب المجموعة العربية للتوظيف". ولضمان ذلك، صرح الهستدروت بأن "معظم المشاركين في تحرير وإدارة الصحيفة الشهرية سيكونون [...] متعلمين وعربًا"، وستستخدم المجلة الشهرية "كمنصة مجانية للصحف" التعبير عن السكان العرب الإسرائيليين ".

كشفت الهدف، عن صورة أكثر تعقيدا للعلاقة بين محرري المجلة والهستدروت بالحكومة. فمن الناحية العملية، كانت مجلة الهدف خاضعة للتوتر طوال فترة نشرها بين طموح فريق التحرير في إنتاج مجلة جذابة للمثقفين العرب الفلسطينيين، الذين كانوا ينتقدون الحكومة "الإسرائيلية" علنًا في ذلك الوقت وبين الحاجة إلى يأن يظلوا موالين للهيئات التي كانت إلى حد كبير موضوع هذا النقد - الهستدروت والحكومة وماباي.

شكل التوتر الموصوف إلى حد كبير محتوى المجلة وقائمة مؤلفيها. من ناحية أخرى، كانت صحيفة الهدف بلا شك مجلة موالية للحكومة. ومن مظاهر هذا التعاطف التغطية الإيجابية في أغلب الأحيان لسياسات الحكومة أو الأحداث التي كانت مهمة للحكومة، والتوسط فيها لقراء المجلة مع تجاهل المجالات الحساسة التي أثارت الجدل.

من ناحية أخرى، تكشف دراسة أكثر عمقًا لصفحات الهدف عن أمثلة على معارضة السياسة الحكومية . في النقاش حول موضوع "واجب المثقف العربي تجاه المجتمع" الذي دار في العدد الأول من مجلة الهدف، انتقدت نجوى قعوار فرح الكاتبة المولودة في الناصرة الحكومة وزعمت أن المجتمع العربي في "إسرائيل" مجبر على التعامل مع الظروف السياسية، بما في ذلك الحكم العسكري، والتمييز، ونقص الأراضي والقيود المفروضة على الحركة. وأعمدة الرأي مثل هذه استخدمت في كثير من الحالات كآلية لإطلاق العنان وأداة لتأهيل المطبوعات باللغة العربية التابعة للحكومة.

لكن إذا كان من الممكن تصنيف موقف قعوار فرح على أنه مجرد تنفيس عن الزخم، فإن المثال الأكثر وضوحًا على انتقاد سياسة الحكومة تجاه الجمهور العربي الفلسطيني في إسرائيل كان افتتاحية محرر المجلة توفيق شموس التي نُشرت في الجريدة الرسمية. بداية العدد السابع.

تتناول المقالة الذكرى الثالثة عشر "لاستقلال دولة إسرائيل". يصف شموس في المقال إنجازات الدولة في مختلف المجالات، لكنه في مرحلة معينة يتخلى عن كلمات المديح وينتقل إلى النقد. يدعي شموش أنه على الرغم من الإنجازات العديدة، "لا تزال هناك مشاكل جدية، وعلى رأسها مشكلة الحكم العسكري، والذي بالرغم من رفع بعض القيود عنه، إلا أن إلغائه ضروري، ومشكلة توفير فرص العمل للشباب العربي المتعلم والتي هي لا يزال بعيدًا عن الحل، وأخيرًا قانون مصادرة الأراضي، الذي أثار معارضة شديدة ضده والذي وعد وزير الزراعة بإدخال إصلاحات مهمة فيه. ومشكلة أراضي البطوف التي تتطلب توضيحاً وعلاجاً. نكرر أملنا في أن يعمل المسؤولون على حل هذه المشاكل وغيرها".

يمكن العثور على تعبير آخر عن محاولة الهدف لجذب المثقفين العرب والفلسطينيين، حتى على حساب الانحراف عن الخط الرسمي للحكومة، في قائمة الكتاب الذين نشروا فيها.

إلى جانب أسماء الفنانين الذين غالبًا ما ينشرون على منصات مرتبطة بالنظام، مثل جمال قعوار وستافا مرار، يمكن للمرء أن يجد المزيد من الأسماء المدهشة، وعلى رأسهم محمود درويش وسميح القاسم، اللذان نشر كل منهما قصيدتين في الهدف. .

لم يكن قد أطلق على الشاعرين الشابين لقب "شعراء المقاومة" (سيُلحق هذا اللقب بهما لاحقًا في من قبل االشهيد غسان كنفاني في كتابه شعراء المقاومة في ألرض المحتلة)، لكنهما كانا معروفين بالفعل بآرائهما السياسية المناهضة للمؤسسة، وكانا خاضعين للمراقبة والقيود من قبل قوات الأمن. .

ومن المثير للدهشة أن درويش بالهدف جاء في العدد الأول من المجلة، حيث نُشر كتابه الأول من الأشعار "عصافي بلا أجنحة" و وصف الكتاب في الإعلان بعبارة "أربعون قصيدة عن الحب والإنسانية والوطنية، من أجمل ما كتبه الشاعر". وكلمة (الوطنية) تخلق الانطباع بمحاولة استقطاب المثقفين العرب الفلسطينيين وابتكار عرض لصحيفة تعكس العديد من الآراء، وكما زعمنا سابقاً، لم تكن الهدف كذلك في معظم الحالات.

في فبراير 1960، قرر مؤتمر ماباي تم طرد بنحاس ليفون من العضوية في الحزب بعد الأحداث السياسية التي سميت "القضية" أو "الأعمال القذرة"، ولهذا السبب، تم عزل ليفون من منصبه كسكرتير للهستدروت. وجاءت تنحيته تتويجا لمنافسة سياسية مريرة بينه وبين زعيم الحزب ورئيس الوزراء بن غوريون . بعد ذلك، أقيل ياهولوم من منصب رئيس الدائرة العربية. تسببت إقالة ياهولوم في إثارة ضجة في أروقة الهستدروت، بين نشطاء مباي والصحف العبرية في ذلك الوقت. ادعى أهارون بيكر، بديل ليفون كسكرتير للهستدروت، أن ياهولوم طرد بسبب عدم ملاءمته للمنصب، ولكن ورد في خطاب إقالة ياهولوم أن سبب الإقالة هو "عدم التنسيق مع الحكومة العسكرية ". يعتقد معارضو بيكر والنقاد أن سبب الإقالات هو محاولته تغيير سياسة الهستدروت بين العرب. وكتب عطا الله منصور في صحيفة "هآرتس": "كان السيد يحلوم مدعوماً من قبل دوائر واسعة من الشباب غير الحزبيين، بينما تحدث رجال الأعمال في حزبه وأنصاره وكبار الشخصيات في دفاعه [...] أصيب الشباب بخيبة أمل. في محاولة للإطاحة بيهولوم، يرون انتصارًا للخط الهجومي ضد العرب".

على الرغم من طرد ليفون ودياموند، يبدو أنه في أواخر الستينات تراجعت العلاقة بين الهستدروت والحكومة العسكرية. في اجتماع لمنسقي الأجهزة الأمنية عقده رئيس الوزراء للشؤون العربية أوري لوبراني في فبراير 1963، اشتكى المنسقون من عدم تعاون أفراد الهستدروت في "المنطقة العربية". وتحدث إلياهو ليفي، أحد المنسقين، عن مدرس أقيل من وظيفته في كفر دبورية بناء على توصية من جهاز الأمن. بعد طرده، تم تعيينه في منصب سكرتير نادي الهستدروت في البلدة. وبحسب ليفي، فإن هذا "يقلل من قيمة السلطات في نظر السكان". ورد ميشبانا ليفي ممثل الحاكم العسكري على هذا السؤال: "الهستدروت لا يطلب خطابًا". يقصد توصية أمنية.

كما اشتكى منسق جهاز الأمن في منطقة عكا مناحيم هيرمان من أن الهستدروت حذر سكرتير الهستدروت في كفر ياسيف من الاجتماع مع منسقي الأجهزة الأمنية والتعاون معهم. بصرف النظر عن خيبة أمل المنسقين إزاء عدم تعاون أعضاء الهستدروت، يتضح في كلماتهم أنه من وجهة نظرهم حدث تغيير في سياسة الهستدروت في الميدان وأن التعاون كان كثيرًا في الماضي. أقر يتسحاق تسور، منسق آخر، على سبيل المثال، كيف أنه في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي كان من الممكن فصل المعلمين العرب الذين تجرؤوا على دعم القائمة الديمقراطية، وهي حزب معارض لماباي، في حين أن المعلمين اليوم لم يعودوا يخشون التعبير عن آرائهم، منذ ذلك الحين نقابة المعلمين تحميهم من الطرد.

يمكن العثور على مثال آخر للانفصال المتزايد بين الهستدروت والهيئات الحكومية في عملية إنشاء مجلس عمال الناصرة. كانت الناصرة المدينة الفلسطينية الوحيدة التي نجت من النكبة دون أن تصاب بأذى تقريبًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى مكانتها الدينية والدولية، وبعد الحرب كانت أهم مركز سياسي وثقافي فلسطيني في "إسرائيل". وبعد 1948، اشتدت الخلافات بين المنظمات العمالية للسيطرة على المدينة.

حاربت الهستدروت والتحالف الحزب الشيوعي وتنظيمه العمالي، ومؤتمر العمال العرب، من أجل قلوب عمال المدينة. في بداية الخمسينيات، كان محور النضال هو السيطرة على مكتب التوظيف في الناصرة، وفي وقت لاحق في هذا العقد - السيطرة السياسية على المدينة.

في مايو 1962، تم وضع حجر الأساس لمقر الهستدروت في الناصرة وبعد ذلك بوقت قصير بدأت المناقشات بين الهستدروت ومكتب مستشار الشؤون العربية حول إنشاء مجلس عمال منتخب في المدينة. في آذار / مارس 1965، قرر الهستدروت إجراء انتخابات لاختيار رئيس مجلس عمال المدينة. "هذه ليست مسألة تافهة - هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها مجلس عمالي في بلدة عربية انتخابات ديمقراطية" وقد أثار قرار الهستدروت مخاوف وانتقادات من الحكومة العسكرية في المنطقة الشمالية ومستشار رئيس الوزراء للشؤون العربية. عارض هؤلاء إنشاء مجالس عمالية وفقدان السيطرة السياسية على المسؤولين المنتخبين في البلدات العربية "وخشوا خسارة مباي في انتخابات المدينة". في الخلفية كانت انتخابات اتحاد عمال البناء التي جرت قبل أسابيع قليلة في هذه الانتخابات، حصل ماباي في الناصرة على أقل من خمسين بالمائة بقليل من الأصوات وتمكن أخيرًا من الحفاظ على الأغلبية فقط بفضل اتفاق فائض مع حزب الوحدة العمالية.

الهستدروت لم تكن مستعدة للتنازل عن إجراء انتخابات مجلس العمال. في عام 1965، وهي فترة التشغيل الكامل وقبل الركود العظيم، كانت الهستدروت في أوج قوتها في مواجهة الحكومة. كما ذكرنا، في الوقت نفسه، كانت القيادة المركزية للهستدروت حساسة في ذلك الوقت للضغط من المجموعات داخل المنظمات التي طالبت بزيادة استقلاليتها. منطقة الناصرة، وخاصة أعضاء الحزب الشيوعي وحزب مبام جميعهم ضغطوا لإجراء انتخابات، وكان رأي الجمهور في الناصرة، نظرًا لأهمية المدينة، أساسيًا في نظر الهستدروت. بعد إصرار الهستدروت على إجراء الانتخابات، اقترح إليعازر تسافير، ممثل مستشار الشؤون العربية في الشمال، إجراء انتخابات مشتركة لمجلس العمال في الناصرة ونتسيرت عيليت (الناصرة العليا) المدينة اليهودية المجاورة، وكان الهدف من الاقتراح هو ضمان أغلبية ماباي. في الانتخابات، حيث كان عدد أعضاء الهستدروت الذين لهم حق التصويت في مدينة نتسيرت عيليت أكبر من عدد أعضاء الهستدروت في الناصرة، وفاز فيها مباي بأغلبية أصوات الناخبين .

كان أعضاء قيادة الهستدروت يتجادلون: من ناحية، أرادوا إجراء انتخابات، وبالتالي إرضاء الرأي العام في الناصرة، من جهة أخرى هددت الانتخابات قيادة الهستدروت في الناصرة برئاسة جورج سعد الناشط المخضرم في التحالف وسكرتير النقابة العمالية في المدينة، والذي كان يطمح إلى انتخابه رئيسًا لمجلس العمال. إلى جانب ذلك، كان اقتراح دمج الانتخابات مع نتسيرت عيليت إشكالية أيضًا للهستدروت.

لذلك، عرض الهستدروت اقتراحه الخاص بالموافقة على إجراء انتخابات مشتركة مع نتسيرت عيليت، في ظل ثلاثة شروط: (1) يكون أمين مجلس العمال جورج سعد ؛ (2) ثلثا أعضاء مجلس النواب. ستكون السكرتارية من الناصرة، وثلثها فقط من نتسيرت عيليت ؛ 3- كل مصنع موجود أو جديد في نتسيرت عيليت ملزم بتوظيف عمال من الناصرة.

يبدو أن اقتراح الهستدروت هدف إلى إفشال فكرة الانتخابات المشتركة. هذه شروط اوضحت للجميع أن أعضاء مجلس عمال الناصرة العليا لن يوافقوا عليها. علاوة على ذلك، حرصت قيادة الهستدروت على تحريض عناصرها في الناصرة ضد سكان نتسيرت عيليت، "[وهم] سيأتون ويعارضون بشدة التعاون مع نتسيرت عيليت في مجلس عمالي واحد". حتى أن الهستدروت حذرت عضويتها في الناصرة ورئيس البلدية من أن سيطرة الناصرة العليا على مجلس العمال هي الخطوة الأولى في طريق استيلاء اليهود على المدينة بأكملها. كتب تسفير لرؤسائه في مكتب مستشار رئيس الوزراء للشؤون العربية أنه "يعتقد أن هناك حاجة ملحة للعودة وتوضيح للمؤسسات العليا في الهستدروت مخاطر إجراء الانتخابات في الناصرة".

في النهاية، لم يتم قبول اقتراح النقابة، فقد جرت الانتخابات الأولى لمجلس عمال الناصرة في تشرين الأول من ذلك العام، حيث فاز ماباي بستين في المائة من الأصوات. ولضمان فوز مباي في الانتخابات، استثمر الهستدروت بكثافة في الناصرة في العام الذي سبقه. تم بناء مقر الهستدروت الرائع وعيادة إقليمية وملعب في المدينة .

يشير الخلاف بين الهستدروت وبين الحكومة العسكرية ومستشار الشؤون العربية بشأن إجراء انتخابات مجلس عمال الناصرة إلى أنه في منتصف الستينيات لم يكن اندماج العرب الفلسطينيين في الهستدروت مستقرا بعد ومتفقا عليه. على الرغم من تخفيف الحكم العسكري الذي ذكر أعلاه، سعت الهيئات الحكومية إلى زيادة السيطرة على السكان العرب الفلسطينيين وعارضت سياسات الهستدروت التي سعت إلى دمجهم في التنظيم. تصرفت الهستدروت وفقًا للدوافع النقابية التي وصفت سابقًا. وسعت إلى توسيع قاعدة عضويتها والاستجابة لمطالب مجموعات الضغط الداخلية لإدراجها في إطار الشركات. بعد هذه العملية، في مؤتمر الهستدروت العاشر الذي انعقد في عام 1966، والذي شارك فيه أعضاء عرب "فلسطينيون" لأول مرة باعتبار أن لهم حق التصويت، تقرر حذف "العبرانيين" من اسم الهستدروت، و ومنذ ذلك الحين أطلق عليه اسم "الهستدروت العام للعمال في أرض إسرائيل"، وحتى في هذه الحالة، كانت معارضته بارزة عن بن غوريون.

ملخص:

خلال الفترة التي تمت مناقشتها في هذا المقال، كان للهستدروت والحكومة أهدافًا مشتركة، وفي مقدمتها تعزيز الدولة وتنميتها، بالإضافة إلى تعزيز قوة حزب ماباي الحاكم. وقد انعكست هذه الأهداف المشتركة أيضًا في سياسة الهستدروت تجاه السكان العرب الفلسطينيون، الذي كان يهدف إلى تعزيز قبول حكم مباي بينهم وتخفيف التعبيرات المعارضة للواقع المفروض على هؤلاء السكان - للعيش كأقلية في دولة يهودية في ظل حكومة عسكرية. كانت الهستدروت بالتأكيد جزءًا من المؤسسة الصهيونية وعملت كعامل مركزي في سياسة إسرائيل للسيطرة على الأقلية العربية الفلسطينية. ومع ذلك، فإن الأحداث التي وصفتها وحللتها أعلاه تظهر أن الهستدروت والحكومة كان لهما أيضًا أهداف مختلفة ودوافع متضاربة. في نموذج الشركات، سعت كل مؤسسة عبره إلى زيادة قوتها ودرجة استقلاليتها. وقد انعكس هذا النضال أيضًا في سياسات الهستدروت

فيما يتعلق بالسكان العرب الفلسطينيين. اهتم الهستدروت بتوسيع عملياته في المجتمعات العربية وإضافة فلسطينيين عرب إلى صفوفه، وذلك لزيادة عدد الأعضاء في المنظمة وتقليص نطاق العمل غير المنظم. لقد فهم أعضاء الهستدروت أنه لهذا الغرض، يجب أن تجتذب المنظمة، التي تكون عضويتها طوعية، عرب فلسطينيين، وقد أدى ذلك من وقت لآخر إلى صراعات بين أعضاء الهستدروت وبين ممثلي الحكومة والإدارة العسكرية و زيادة نشاط المؤسسات المنظمة في المجتمعات العربية.

رأى الأعضاء اليهود في الهستدروت أنفسهم على أنهم يخدمون مصالح ماباي وشركاء في جهود دولة "إسرائيل" للسيطرة على الأقلية العربية الفلسطينية، لكنهم في الواقع كانوا أكثر انتباهاً من نظرائهم في الحكومة وفروعها لأصوات العرب الفلسطينيين، كانت أفعالهم تهدف إلى تلبية احتياجات السكان العرب "الفلسطينيين"، وكانت نتائجهم في بعض الحالات تحسين ظروفهم المعيشية واندماجهم في مؤسسات الهستدروت. إن حاجة الهستدروت إلى ضم أكبر عدد ممكن من العمال جعلتها تستجيب للتحدي الذي يمثله النشطاء العرب الفلسطينيون من خلال تقديمهم للهستدروت. يعبر رد الهستدروت عن مفارقة متأصلة في نموذج الكوربوراتي (النقابي) - أراد الهستدروت تهدئة السكان العرب الفلسطينيين من خلال منحهم منبرًا للتعبير عن أصواتهم، وبالتالي عزز في الواقع قدرته على التأثير على واقع حياتهم، والنقابية كان من المفترض في نظر مصمميها، أن تكون عاملاً مقيدًا يلطف مطالب مجموعات الضغط، وفي الحالة المعنية لتخفيف مقاومة أقلية قومية - وتوفي منصات لخلق الاستقلال والمطالب الجماعية.