Menu

نكبة فلسطين: السياق والحقبة والتعريف

أ. د. مكرم خوري – مخول

السياق والآلية

التفكير ومجريات الأحداث وتخطيط العمليات في الحركة الصهيونية يشير الى أن استهداف فلسطين حصل في منتصف القرن التاسع عشر. إلا أن رأس الحربة (الشخصي) كان في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من العقد الأول في القرن العشرين إذ كان قد أصبح ثيودور هيرتسيل “مدير التسويق” الرئيسي للحملة الصهيونية العالمية.

 وإذا ما رأينا اصدار ثيودور هيرتسيل في عام ١٨٩٦ لكتابة دولة اليهود (دير جودينستات) عاما واحدا قبل انعقاد المؤتمر الكونغرس الصهيوني في “بازل” عام ١٨٩٧ فنستنج أن المخطط كان يعمل وفقا لرسم واضح المعالم لهم.

 إن الإمعان في هذه الحقبة (أي منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية) يشير إلى أن “وثيقة بلفور” الصادرة في ٢ نوفمبر ١٩١٧ كانت “تحصيل حاصل” وعبارة عن الوصول الى “أوج الضغط” الصهيوني في أوروبا وعلى بريطانيا بالتحديد وذلك لمصالح بريطانية اقتصادية خاصة بها.

إن الطمع الرأسمالي للإمبراطورية البريطانية جعل بعض “مدراءها” يشعر وأنه بإمكانه التصرف بأي بلد محتل وكأنها كانت بلاده وملكة ويعطي ويوزع ويأخذ متى شاء لمن شاء وكيفما شاء ولكن وفقا لأجندة تخدم مصالح الإمبراطورية البريطانية أولا ولكي يستفيد المنتفع ثانية ولو على حساب طرف ثالث، وحالة فلسطين هي الأبرز والأكثر إجراما.

الحقبة الزمنية

من هنا أدعي بأن الإمعان فيما حل بالشعب الفلسطيني بالتحديد منذ إصدار ما هو معروف شعبيا بـ “وعد بلفور” هو تاريخ التوقيع الرسمي لبدء النكبة الفلسطينية.  يتطلب هذا الادعاء تعريفاً جديداً أو على الأقل تحديثاً لتعريف النكبة السائد إلى الآن.

ونقول إن من المُسَلّم به على نطاق واسع أن نكبة الفلسطينيين حدثت زمنياً في ظل الانتداب البريطاني (١٩١٧-١٩٤٨) ما بين خطة وقرار التقسيم الصادر في ٢٩ نوفمبر عام 1947 واتفاقيات الهدنة عام 1949 (مع كل من مصر وسوريا ولبنان والأردن. جدير بالذكر إلا أنه لم يكن هناك أي اتفاق في إطار “الهدنة” أو غيرها مع الشعب الفلسطيني: ذاك المطرود أو الباقي في وطنه. وعليه ما زال الصراع ولغاية يومنا هذا في الذكرى ال ٧٥ مع الشعب الفلسطيني مفتوحاً: هيمنة صهيونية على فلسطين ومقاومة فلسطينية ضد احتلال فلسطين.

كمن نشأ وترعرع في مدينة يافا ما بعد احتلال شرقي فلسطين (القسم الثاني من فلسطين في حرب 1967 والمعروفة بالنكسة) في بيت جده الراحل البروفيسور أديب سعادة الخوري وتحت كنف شخصية تربوية عملاقة (هي جدتي بلاجيا ضومط بلان حمصية المولد، والمعروفة آنذاك في يافا بـ “مدام خوري” – “التيتا”) التي شيدت فضاء البيت بشعارها الذي تحول إلى “مانترا” (تعويذة): “أفضّل أن أموت في منزلي في يافا على أن أصبح لاجئة” ناقشة في مخيلتنا عملية الإصرار على البقاء في الأرض. وكمن أخذ أيضاً يستمع ويطالع المقالات السياسية الحماسية المتتالية لوالده الكاتب السياسي (نعيم يوسف مخول) المتعلقة بالنكبة والأرض والزراعة والصمود؛ ومقالات، ومسرحيات، ومقابلات، ومحاضرات والدته (الكاتبة والروائية) أنطوانيت أديب الخوري، وبعدها الانتقال إلى بريطانيا والتمعن بفلسطين وبلندن كمركز للقرارات الاستعمارية البريطانية رأيت وبناءً على هذه التجربة الشخصية المكثفة أن أقوم أيضاً بتدعيم ادعائي (الوارد أدناه) بمشاهدات صحافية طوال عقدين من الزمن (في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في فلسطين تحديداً) إضافة إلى عقدين من البحث الأكاديمي في الشأن الفلسطيني في بريطانيا على وجه الخصوص وأن أقدم مساهمة لمشروع موسع أسرد في أدناه فكرته الأساسية باختصار.

ذروة النكبة

وعليه، تود هذه الورقة تقديم عدة مصطلحات لتفكيك عملية النكبة وآثارها على الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده المتعددة وتوسيع رقعة المصطلحات التي يقترح كاتب هذه السطور، تبنيها كشرح في الأدبيات السياسية – التاريخية الفلسطينية المستقبلية.

  كان جزء من هذه الورقة\المقالة قد تم تقديمه في محاضرة في جامعة فرايبورغ في ألمانيا عام 2011؛ والجزء الآخر في محاضرة في مؤتمر “باندونغ” (عدم الانحياز عامي2015 و2022). والمناسبة الثالثة كانت في مقالة تحت عنوان “ما بين بلفور وعرين الأسود: مساهمة في تعريف نكبة فلسطين” (تم نشره في 10 تشرين ثاني 2022).

تدعي هذه المقالة أن نكبة الشعب الفلسطيني بدأت تُنسج تراكميا عبر الكثير من المراحل التحضيرية وفقا لمخطط صهيوني وبناء على عمل الضغط الصهيوني في أوروبا على وجه الخصوص من قبل الرأسمالية الصهيونية في منتصف القرن التاسع عشر إلا أن التاريخ “الرسمي” الذي تم فيه الإعلان خطيا والالتزام به كان تماماً في ٢ نوفمبر ١٩١٧ مع إطلاق رسالة وزير الخارجية البريطاني آنذاك أرثور جيمس بلفور إلى زعيم الحركة الصهيونية روثتشييلد فيما أصبح يسمى شعبياً “وعد بلفور” في الـ 2 من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917، والذي تلاه احتلال بريطانيا لفلسطين، وكانت منخرطة في الحرب العالمية الأولى (خصوصاً القدس من قبل الجنرال اللنبي) في كانون الأول/ديسمبر عام 1917  أن النكبة ليست فقط أنها بدأت آنذاك، وإنما تشمل كل الذي حصل منذ ذلك الحين (وحتى الآن) ولكن بالتأكيد أن هذه الكارثة النكبوية وصلت إلى ذروتها، ما بين عامي 1947 و1949(متمثلة في طرد نصف الشعب الفلسطيني من وطنه وتدمير غالبية بنيته الاقتصادية والثقافية والتجارية والاجتماعية) وهذا ما نسميه “ذروة النكبة”، إلا أنها لا تزال فعلياً مستمرة عمداً ومع سابق التصميم والإصرار ووفقاً لمخطّط لم يتوقف إلى الآن وغداً، إلى أن يتحقق التحرير والاستقلال الفلسطيني.

وبعيداً من الشعارات العاطفية، فإن مشروع إنشاء “الكيان الصهيوني” كان ولم يزل مشروعاً أُسّس على برنامج مشترك بعيد الأمد ما بين الحركة الصهيونية وبدعم بعض القوى الاستعمارية أمثال بريطانيا وأميركا بالأساس. لا بل أكثر من ذلك، تدعى هذه المقالة وتُحذّر من إمكان محاولة تنفيذ فصل جديد من نكبة الشعب الفلسطيني، إذ من الممكن جداً أن تشمل أيضاً طرد فلسطينيين آخرين من فلسطين (غرب وشرق فلسطين) لأنّ الهدف هو الاستيلاء على فلسطين (الجغرافيا) كلها وأن الشعب (الديمغرافيا) هو العائق الذي يجب التخلص منه.

“ضحايا النكبة”

كل الشعب الفلسطيني هو ضحية النكبة المستمرة. أولئك الذي قضوا نحبهم شهداء ومن تبقى من الأحياء منهم، ومن كان حيا منذ ١٩٤٨ وتوفي وأولاد وأحفاد كل هؤلاء، كما كل فلسطيني على قيد الحياة وكل من سيولد لكل الشرائح الوارد ذكرها أعلاه لطالما ما زالت النكبة مستمرة. فكل هؤلاء يشكلون الشعب الفلسطيني بأكمله  وكلهم ضحايا. لتعريف الضحية أدبيات قانونية أممية كثيرة. ففي إطار صكوك حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة المعنون “إعلان بشأن المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة” يُعرَّف “ضحايا الجريمة” بـ “الأشخاص الذين أصيبوا بضرر فرديا أو جماعيا، بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الخسارة الاقتصادية، أو الحرمان بدرجة كبيرة من التمتع بحقوقهم الأساسية، عن طريق أفعال أو حالات إهمال تشكل انتهاكا للقوانين الجنائية النافذة في الدول الأعضاء، بما فيها القوانين لتي تحرم الإساءة الجنائية لاستعمال السلطة”. ومن المفروض أن تُطبق الأحكام الواردة (هنا) “على الجميع دون تمييز من أي نوع، كالتمييز بسبب العرق واللون والجنس والسن واللغة والدين والجنسية والرأي السياسي أو غيره والمعتقدات أو الممارسات الثقافية والملكية والمولد أو المركز الأسرى والأصل العرقي أو الاجتماعي والعجز.” كما يرد أيضا بند “الوصول إلى العدالة والمعاملة المنصفة ” عبر “آليات العدالة والحصول على الإنصاف الفوري وفقا لما تنص عليه التشريعات الوطنية فيما يتعلق بالضرر الذي أصابهم”. كما ينبغي تعزيز الآليات القضائية لتمكين الضحايا من الحصول على الإنصاف من خلال الإجراءات الرسمية أو غير الرسمية العاجلة والعادلة وتسهيل استجابة الإجراءات القضائية والإدارية لاحتياجات الضحايا بإتباع “رد الحق” و “المساعدة” و “التعويض” و “جبر الضرر”  هذا إضافة الى القرارات الأممية التي صدرت لصالح الحق الفلسطيني من قبل الأمم المتحدة في انعقادها كهيئة عامة ومجلس أمن. تعريف الشعب الفلسطيني كضحية (أضرارا مادية ونفسية واجتماعية ومعنوية وسياسية) يتطلب منا تفكيك أنواع الضحايا الفلسطينيين:١)  الشهداء وهم الذين قتلوا في أرض المعركة قبل ذروة النكبة وخلالها وبعدها على أرض فلسطين أي في الأقطار العربية المجاورة. و ٢) اللاجئين: كل اللاجئين الفلسطينيين الذين تم طردهم الى خارج فلسطين وأولئك المهجرين في داخل فلسطين وتم تدمير قراهم\مدنهن بالكامل أو جزئيا وما زالوا لاجئين في وطنهم أو خارج الوطن مع الفرق النفسي-الجغرافي. ٣) نُجاة النكبة: هي تلك الشريحة الفلسطينية التي نجحت وبأعجوبة وقصص نضالات كانت محفوفة بالمخاطر الجمة إذ نجحوا في البقاء في الوطن وما أسميته  بـ “غرب فلسطين”.

“نُجاة النكبة”

فمنذ “ذروة النكبة” ما بين عامي 1947 و1949 شَكّلَ الفلسطينيون الذين سمّيتهم “نُجاة النكبة” وأعني أولئك الذين استطاعوا البقاء في وطنهم والذين أُريد لهم أن يكونوا حطّابين وسقائي ماء (وفقاً لإدارة الاحتلال) للطبقة الصهيونية الحاكمة (وخدمها من العرب اليهود الذين جلبوا من الدول العربية للاستعمار في فلسطين)، “مشكلة أمنية” (طابوراً خامساً) ليس في الجليل والمثلث والنقب فحسب، ولكن في مدن الساحل الفلسطيني كمدينة عكا شمالاً (وتحويل سكانها إلى المكر) ويافـا جنوباً (وتحويل سكانها شرقاً إلى اللد والرملة بعيداً من البحر).

عندما كتب ونشر المؤرّخ الراحل الدكتور قسطنطين زريق كتابه “معنى النكبة” عام 1948، بعد أشهر قليلة من الاقتلاع والكارثة وذروة النكبة، فإنما كان وصفه دقيقاً نظراً إلى ما شاهده (شخصياً وبأدواته المهنية الأكاديمية) من كارثة حلت بالشعب الفلسطيني وتزاوجت مع الصدمة النفسية الكارثية المدوية.

ولذلك فإن الإمعان بما حل بالشعب الفلسطيني في أكثر من قرن يتطلب تعريفاً جديداً أو على الأقل تحديثاً لتعريف النكبة السائد إلى الآن. فإن ما حصل منذ 1917 وما تلاه من تسهيل الهجرة الاستعمارية الصهيونية لفلسطين، مروراً بقرار تقسيم فلسطين عام 1947 واحتلال القسم الثاني من فلسطين عام 1967 والانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 واتفاقيات أوسلو وإفرازاتها في عامي 1993 و1993 والانتفاضة الفلسطينية الثانية التي انطلقت من القدس عام2000 وقتل القائد الفلسطيني الرسمي الأول ياسر عرفات عام 2004 والحروب المتكررة على قطاع غزة؛ والعدوان المستمر على الضفة الغربية والقدس المحتلتين، إضافة إلى مجموعة “قوانين” عنصرية تميز ضد الشعب الفلسطيني في غربي فلسطين (“نجاة النكبة”) وتحديداً “قانون القومية” لعام 2018 والقتل المستمر لشرائح متعددة من الشعب الفلسطيني في شرقي فلسطين المحتل واعتقال أكثر من مليون فلسطيني منذ النكسة، بمن فيهم النساء والأطفال والمسنون؛ والاستيطان الأخطبوطي الذي لم يتوقف (جغرافياً أو التخطيط له) ولو يوماً واحداً؛ ومصادرة الأراضي وعلية “صفقة القرن” ومخطط “الضم” (نتنياهو وترامب) (وما سمّيته في مقالة سابقة “النهب المسلح الثالث”) والحصار الاقتصادي و”العسكري” الاحتلالي على قطاع غزة جواً وبحراً وأرضاً، يشير إلى الفصول المتعددة والمستمرة في نكبة الشعب الفلسطيني منذ وعد بلفور وإلى الآن.

“غرب فلسطين”

فعندما قتلت آلة القمع الإسرائيلية ثلاثة عشر مواطنا فلسطينيا مسالما في مدن ‘غرب فلسطين’ وهي تسميتي للجزء الذي تم احتلاله في نكبة 1948، إذ تسمى أحيانا هذه الفئة بـ ‘فلسطيني الداخل’) وهم يحتجون في مظاهرات جماهيرية متتالية في مطلع تشرين الأول ضد فاشية المجرم شارون الذي أدى اقتحامه للحرم القدسي الشريف الى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في ايلول 2000، هم من وصفتهم بـ “نُـجـاةُ الـنـكـبـةِ” من السكان الأصليين القاطنين في هذا الجزء من فلسطين.

هم الذين نجوا من تراجيديا الترحيل وشقاء اللجوء ومعاناة التشرد التي صعقت بها النكبة بشكل مباشر حوالي 800 الف فلسطيني لينجوا 200 الف منهم (أهالي المتظاهرين القتلى مثلا عام 2000) وليبقوا في مدنهم وقراهم المختلفة وليتم اخضاعهم بقرارات وممارسات القمع (المتجددة لغاية الان) وفقا ‘لأنظمة الطوارئ’ الموروثة عن الاحتلال-الانتداب البريطاني ولتضيف الإدارة الصهيونية التي تحكم فلسطين جهاز قمع إضافي على ‘مواطنيها’ وهو الحكم ‘العسكري’ الذي انتهى ‘شكليا’ في 1 كانون الأول 1966– أي ستة أشهر (وفي مرحلة الاعداد) لاحتلال الجزء الثاني من فلسطين ونقل الحكم العسكري المباشر من منطقة الـ 48 الى منطقة الـ67.

في حقبة ‘الحكم العسكري’ المباشر، وبعد تهجير السكان الأصليين تم هدم مئات المواقع (المدن والبلدات والقرى) الفلسطينية وتهجير سكان عدد من القرى الفلسطينية داخليا (انظر قريتي اقرت وبرعم على سبيل المثال وصراعهما حتى الان)؛ كما وزاوج ذلك، عملية تدمير ممنهج لاحياء عريقة في المدن العربية (مثل حي المنشية في يــافــا على سبيل المثال لا الحصر). يضاف الى جرائم التطهير العرقي والحضاري والمعرفي (ملاحقة سياسية وثقافية وقوائم سوداء واعتقالات وقطع ارزاق لخلق تبعية ومحاولة تجنيد العملاء) تنفيذ أيادي الاجرام الآثمة مجزرة (قرية) كفر قاسم (جنوب المثلث – شرق فلسطين الاصلية) في حق الكادحين من عمال القرية العائدين من حياة العمل والصمود يوم ٢٩ تشرين الأول 1956.

ناكري النكبة

الادعاء هو أنه ليس لإنسان واحد مهما كان ولا شعب أينما كان وفي أي وقت كان، وكالة حصرية على العذاب والمآسي والاحزان! وللشعب الفلسطيني (بجغرافياته المتعددة وتجاربه المختلفة) في مضمار العذاب المستمر نصيب كبير من مصائب البشرية في المئة عام المنصرمة وبالتحديد بسبب استمراره لهذه اللحظة. ولذلك فإن محاولة إنكار النكبة عموما أو ذروة النكبة يجب أن يواجه بحملة إعلامية عالمية مماثلة (ولربما أكبر) للحملة التي تعمل عليها الحركة الصهيونية باستمرار ضد ناكري المحرقة. ورغم أننا مبدئيا مع حرية التعبير عن الرأي بالكامل إلا أنه لا يمكن القبول بمحاولات بمنع التداول الفكري والجماهيري بالنكبة ناهيكم عن محاولات تجريم ذلك بينما لا نقوم بالعمل بالمثل. ولذلك فيتوجب العمل على العمل في المسار التشريعي وسن قوانين (في جميع الدول) تقوم بتجريم من ينكر النكبة.

وقد كنا في العام الـ99 على إصدار رسالة بلفور (تماماً في الـ 16 من كانون الأول/ديسمبر 2016 قد أطلقنا “مبادرة فلسطين 100” للاشتباك المجدد مع بداية هذه الكارثة) عاقدين العزم على تجديد التشجيع على فتح ملف بلفور منذ بدء نكبة الشعب الفلسطيني عام 1917 ولذلك فقد أقمنا أمسية الإشهار في لندن كعاصمة للإمبراطورية البريطانية التي أصدرت رسالة بلفور إلى الحركة الصهيونية. وطالبنا كذلك في إطار تحميلنا بريطانيا مسؤولياتها التاريخية القانونية الأخلاقية بثلاثة أنواع من الخطوات هي: الاعتذار والتعويض والتصحيح. ونرى أن اختزال أي خطوة من هذه الخطوات سيكون عملاً ساذجاً أو ناقصاً أو مخادعاً.

لقد بدأنا العمل منذ عامين على برنامج يشمل فيما يشمل:  ١) مواجهة نكران النكبة و ٢) وطرح وثيقة عالمية تسمى “تصريح النكبة” للتوزيع والتبني والتعليق على الحائط؛  و ٣. وحملة لتمرير قرارات في البرلمانات العالمية بالاعتراف بالنكبة وإقامة النشاطات  كما وقد تبنت عضو الكونغرس الفلسطينية رشيدة طليب هذا الطرح وبدأت بالإجراءات الأولية مؤخرا كما قامت بندوة في الكونغرس حول ذكرى النكبة مما أدى الى حملة سلبية شعواء ضدها وضد مؤيديها أمثال عضو الكونغرس والمرشح (داخل الحزب الديمقراطي) بيرني ساندرز. وهنا نرى ولأول مرة نجاحا في الأمم المتحدة التي تقيم في الذكرى الـ ٧٥ نشاطا خاصا، وهذا تقدم رغم تأخره.

إننا نعمل بالعلم ووفقا للقانون الدولي ونعي تماما أن ستكون هناك ملاحقات إعلامية وجماهيرية و “وقانونية” من قبل اللوبي الصهيوني وأعوانه إلا إن هذا لن يردعنا من التقدم نحو هذا البرنامج الإنساني العادل والذي يتطلب الميزانيات. وهنا ندعو كل من تروق له الفكرة القيام بمؤازرتها والتواصل معنا.  فما بين تعريف لمصطلحات وبرنامج عمل هناك حاجة لاستمرار تطوير هذين المسارين: الفكري والعملي آخذين بعين الاعتبار أن المسيرة ليست قصيرة وأن الرحلة قد تكون أحيانا وعرية. ولكن ما ضاع حق ووراءه مطالب وبإصرار.