Menu

لا بُدَّ من حَيْفا.. (إلى الأسير وليد دقّة)

وليد دقة.jpeg

شعر: عبد الناصر صالح

تَبْني مَمالِكَها وَتَحميَ غَرسَها

عمراً مُصاباً بالدّوارِ يشقّ عظمَ الصَّدرِ

يمتحنُ القوافي مُرْفِقاً بنزيفِها ..

للقلب صَحْوَتُهُ،

فهل راوَغْتَهُ دهراً؟

هنا إطلالةٌ تحكي روايتَها ..

أجل ..

ماذا دَفَنْتَ هناكَ بينَ ظِلالِها

صُوَراً مُعلّقةً على الجُدرانِ؟

حُلمكَ فارهٌ يمشي على قَـدْرِ الحياةِ

وصيّةً مَخْبوءةً بالرّملِ

تُرْضِعُـكَ السّجونُ حَليبَها

في الليلِ أنيابٌ تُمالئُ زُرْقةَ المصباحِ

فاحذَرْ فِتْنة التطبيعِ

يأتي أحْدَبَ النّظراتِ

لا مِلحٌ تكدّس في إنائكَ

نكهةُ الموتِ المُؤَطّر دودةٌ ملساءُ سوداويّةٌ

ترتدُّ في نَهْجِ الخيانةِ

كي نعودَ إلى المتاهةِ مرةً أخرى

وتكبرُ مِحْنَة التغريبِ في دمِنا

كأنّ الأرضَ غيرُ الأرضِ

يأتي الليلُ مَدْحورَ الخُطى

ومُحمّلاً بغريزةِ الدّيدان

كم من صورةٍ لمعَتْ على شباككَ الفضّيّ

تشبهكَ البيوتُ

رجالُها

وشبابُها

ونساؤُها يملأنَ جرّتَهُنّ من فيضِ السّماءِ

عَشِيّةَ المَطرِ الشّهيّ

وأنت تَفْرِدُ للغَمامِ جناحكَ السّريّ

نَهْرُكَ عارمٌ بالماءِ ..

قل: من أي ناحيةٍ يطلُّ الخوفُ

فلتَرْجُمْهُ باسمِ رفاقكَ الأسرى

وتُسْدِلُ جُرْحَكَ المَكْلومَ

كم خبّأتَهُ رَسْماً على لوْحِ التأملِ

هل سَتُدْرِكُهُ الطّحالبُ؟..

تخلعُ الذّكرى عَباءَتَها كإعْصارٍ يَتيمٍ

هل سَتَظْفُرُ في الرّهانِ؟

سماؤُكَ الزّرقاءُ تحتلُّ الضّفافَ

وَتَعْتَلي عَرْشَ القصيدة ِ

ليسَ ترهِبُها السّلاسلُ

حرفُكَ النشوانُ يسعى في مناكِبها

ويُدْخِلُها كنَصٍّ رائقِ الإيحاءِ

مُمْتثلٍ لِصَوْتكَ

هل تيمّمَ بالترابِ وفاحَ في أضْلاعِها؟

أبداً سيخترقُ الحدودَ

يرنُّ في عَتَباتِها

........

تَبْني مَمالِكَها وتنسِجُ خَيْطَها

في حُلكةِ السّنَواتِ

تنقُشُ وَجْهَها المَرْويّ بالزّيتونِ /

باقيةٌ على سجّادِها الأبراجُ

ها بَرْقٌ من الماضي يُضيءُ فَنارَها

لا أبجديّةَ غيرُ "باقةَ " في النّداءِ

تعودُ سائغةً إلى زَغَبِ الأماني

فاتَّجِهْ للشَّرْقِ ..

ها نطقتْ حِجارَتَها وأقْبَلَ غيثُها

هل كنتَ تركضُ في مدارِجِها

لتقطِفَ زهرةً تلتفُّ حولَ الخَصْرِ؟

تَنْتفضُ الحواري المُجْهَداتُ

وتَكْتَسي بِرَبيعِها طُرُقٌ مُسخّرةٌ لِخَطْوِكَ

فاستَرِحْ /

لِنُجَدّدَ التّرْكيزَ في فَحْوى الرّسالةِ

لا تُصَدّقْ ما يُقالُ

ولا تَقُلْ ما لا يُصَدّقُ

أغلَقوا كلَّ المنافذِ

لا تَخَفْ ..

ها أنت تَمْتَهِنُ البَقاءَ على الحياةِ

تَصونُ " باقةَ " في ضَمائِرِنا ..

غَداةَ غدٍ سَيَبْرَأُ وجهُها المُعتلُّ

يولدُ من غبارِ الرّدْمِ

فاسْبِقْ سَهْمَها في شيفرةِ التّوقيتِ

سوْفَ تَرى يَراعَكَ

سوف يُنْجِزُ وعدَهُ صُبّارُ حيفا

فانتظرْ ..

تأبى المَحارَةُ في دواخِلِنا على النّسيانِ

يأبى البحرُ رائحةَ الغيابِ

فكيفَ نَغْفِلُ جُرْحَنا؟

لا بُدّ من حيفا إذنْ

يَتَصَدّعُ الأسْفَلتُ حينَ يَمُضُّهُ رَتْلُ الغُزاةِ

فأينَ هُمْ أصْحابُها؟

هل كنتَ تركضُ في مدارِجِها

كأنَّ الأرضَ نَفْسُ الأرضِ

لَهْفَـتـُكَ الشَّفيفَةُ في أريكَتِها

وَمَلهاةُ الأيائِلِ حولَ كَرْمِلِها

أجَلْ ..

لكَ أن تُعرّي السّجنَ

تَبْسُطُ راحَتَيْكَ على النّدى

واضْرِبْ لهم مثلاً طوافُـكَ في القُرى

كم قريةً نَسَفوا

وكم مِنْ مَجْزَرَةْ؟

ساروا إليها مُغرَمينَ بشهوةِ القتلِ المُبَرْمَجِ

لن نخونَ العهدَ يا عرّافَ وَحْدتِنا

فكم مِن مَقبَرَةْ

ستظلّ شاهدةً عليهِم؟

فلأيّ دائرةٍ سينزلقُ العَدوُّ

بِخِنْجَرِ العَبَثِ المُريبِ؟

لخانَةِ الغَرْقى سَيَنْزَلِقونَ

ما مِن حاجزٍ سيقوّضُ الذّكرى

تماماً مثلما تبقى الخريطةُ فكرةً

أو صورةً تأبى التَّمَوْضُعَ بينَ بادِيَتَيْنِ

لا تيأسْ ..

رأيتُ النارَ ساهرةً على باب المُخيمِ

فلنَقُلْ نمضي إلى أسْلافِنا

في صحوةِ العُشبِ القويمِ /

فكم سَنَمْكُثُ تحتَ قصفِ خريفنا العَدَميّ

هلْ نتوسّدُ الصّحراءَ هاديةً لنا؟

كلاّ /

فكم خاطَبْـتَها

والصّوتُ يذهبُ دونَ جَدْوى

لا نرى إلاّ الذي سَنَراهُ

إنّ الرّيحَ مُجْهَدةٌ

وما استَنْكَفْتَ عن شَغَفِ البَصيرةِ

يَـرْقدُ الأعداءُ في عُنُقِ الزُّجاجةِ

فانتبهْ ..

لا بُدَّ من حيفا لنسجُدَ ركْعَتَـيْنِ

ونُدخلَ المَعْنى شَهيّاً سائِغاً للسّرْدِ

سوفَ أراكَ حُرّاٌ مُترَفاً بقِطافِها

لولا القصيدةُ لاستَعَرْتُ دَمي

وشَرَعْتُ أبحثُ عنكَ

كي تبدو السّماءُ قريبةً

فارجِعْ إلى سَطرِ البدايةِ

هل ترى حيفا؟

كأنّكَ تكتبُ الأسماءَ كاملةً على جُدْرانِها ..

لهمُ الرّمادْ

ولكَ الهُويّةُ والوَصيّةُ والجِيادْ

ولكَ المَدى يَفْتَـرُّ عن حُلُمِ البِلادْ

فازْرَعْ غِراسَ النَّخلِ

قد بانَـتْ سُعادْ ..