Menu

مناورة حزب الله: بروفة عسكرية بأهداف استراتيجية تتجاوز تحرير مزارع شبعا باتجاه فلسطين المحتلة والقدس

عليان عليان

المناورة التي نفذتها نخبة من مقاتلي حزب الله، عشية عيد التحرير في 25 مايو ( أيار) وشاركت فيها وحدات من كتيبة الرضوان، جاءت في ضوء متغيرات هامة، أقلقت العدو ودفعته للبحث عن سبل المواجهة مع محور المقاومة، جرى التركيز عليها في مؤتمر هرتزيليا مؤخراً، وتبدت هذه المتغيرات فيما يلي:

1-فشل حكومة العدو الصهيوني الأكثر فاشية، في ترميم قوة الردع المتآكلة للكيان الصهيوني، في مواجهتها الأخيرة مع فصائل المقاومة في معركة " ثأر الأحرار" التي جاءت بعد إقدام حكومة العدو، على اغتيال ثلاثة من القادة العسكريين لحركة الجهاد الاسلامي في الحادي عشر من أيار ( مايو ) الماضي.

2-خطاب أمين عام حزب الله إبان معركة "ثأر الأحرار" والذي بين فيه " استعداد حزب الله للمشاركة في المعركة الدائرة بين فصائل المقاومة وفي مقدمتها حركة الجهاد الإسلامي وبين الكيان الصهيوني، عندما تحتم المعركة على الحزب تحمل مسؤوليته" وقد فهم العدو الرسالة جيداً بأن المقاومة الفلسطينية لن تكون وحدها في المعركة، وأن الحزب جاهز لتطبيق مبدأ وحدة الساحات.

 3- وقبل ذلك الزيارة التاريخية الأولى، لرئيس إيراني إلى دمشق منذ  عام 2011، التي لم تتضمن فقط دعم سورية في مواجهة الارهاب، وفي مواجهة الاحتلالين الأمريكي والتركي وتوقيع مذكرات تفاهم بين البلدين في مختلف المجالات ،بل أن زيارة الرئيس ابراهيم رئيسي- حسب العديد من المراقبين – في الثالث من شهر مايو ( أيار ) الماضي  ركزت  في لقائه مع الرئيس الأسد ومع فصائل المقاومة الفلسطينية ،على ترتيب أوضاع محور المقاومة، للتفرغ للمواجهة الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني ومع الولايات المتحدة، بعد الانفراج في العلاقات السعودية الإيرانية إثر توقيع  اتفاق بينهما في بكين برعاية صينية.

 فالمناورة في توقيتها، وفي ضوء  العوامل السابقة، أربكت العدو الصهيوني بمستوياته السياسية والأمنية والإعلامية، ودفعت المستوى الإعلامي الصهيوني، لقراءة أبعاد المناورة قبل أن تصدر أية تصريحات من القيادة العسكرية والأمنية، نظراُ لما تضمنته المناورة من أبعاد استراتيجية خطيرة، وعلى رأسها وجود الكيان نفسه على أرض فلسطين التاريخية، خاصةً وأن السيد هاشم صفي الدين -رئيس الجهاز التنفيذي  لحزب الله -رافق المناورة بتصريحات تعكس أهدافها، خاصةً عندما قال: "أن العدو الإسرائيلي، أراد بالاغتيالات أن يقول أن لا جدوى من المقاومة، لكننا في محور المقاومة، نتجهز لنثبت في أي معركة كبرى، أن لا جدوى من بقاءكم في فلسطين، و القدس ، وهذا سيتحقق إن شاء الله".

رسائل لكل من يهمه الأمر

واللافت للنظر، أن الحزب أتاح الفرصة لكافة وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية لمشاهدة المناورة عن كثب، بما تضمنته من محاكاة لاقتحام مستوطنات في شمال فلسطين المحتلة وأسر جنود صهاينة، بعد اقتحام الجدار الفاصل الذي أقامه العدو على ما يسمى بالخط الأزرق، حيث شاهد المناورة (600) إعلامي لبناني وعربي وعالمي ووسائل إعلام روسية وإيرانية وهولندية وبريطانية وأميركية وغربية.

وهو بذلك أراد أن يوصل رسائل لكل من يهمه الأمر على النحو التالي:

أولاً: رسالة موجهة للكيان الصهيوني، بأنه أعجز من أن يغير المعادلات التي صنعها حزب الله منذ الانتصار الأول في 25 أيار 2000 وفي الانتصار التاريخي الثاني عام 2006، وأن الحزب الذي صنع الانتصارين التاريخيين بأسلحة تقليدية، قادر على صنع انتصار تاريخي جديد، يضع حداً لوجود الكيان نفسه، إذا ما وقع العدو في خطأ التقدير بالاستناد إلى عقيدة قتالية ومهارات قتالية عالية، وأسلحة متطورة جديدة من ضمنها الصواريخ الدقيقة.

ثانياً: أراد أن يؤكد لدول التطبيع والتتبيع العربية، أن هذا الكيان الذي تتحالفون معه من موضع التبعية، لحمايتها وتوفير الأمن لها، غير قادر على حماية نفسه، مذكراً إياها بمعركة " ثأر الأحرار" وبمعركة " سيف القدس " وفي معارك الضفة الغربية المتواصلة المتكاملة مع انتصاري أيار وتموز اللبنانيين عام 2000 و 2006.

ثالثاً: أراد  أن يؤكد أن استناد الكيان الصهيوني لدعم عسكري وسياسي استراتيجي من قبل الولايات المتحدة، لن يحول دون هزيمته، وهذا الأمر جرى اختباره على مدى أربعة عقود من الزمن منذ نسف مبنى السفارة الأمريكية  في 18 ابريل (نيسان ) 1983، وعبر مئات العمليات التي نفذتها المقاومة منذ عام 1983 وحتى 2006 وما بعد 2006، وإذا كان الدعم الأمريكي لم يسعف الكيان الصهيوني سابقاً، فكيف له أن يسعفها وينقذها بعد أن خرجت من أفغانستان تجر أذيال الهزيمة، وبعد أن باتت متورطة في الأزمة الأوكرانية التي تنذر بإنهاء هيمنتها على العالم.

الأبعاد العسكرية للمناورة

لقد كشفت المناورة غير المسبوقة في تاريخ المناورات العسكرية عن أبعاد عسكرية جديدة أبرزها:

1-أنها انطوت على بعد هجومي استراتيجي، وليس على أبعاد ردعية دفاعية عندما اقتحم رجال المقاومة الجدار الفاصل، ودخلوا المستوطنات واشتبكوا مع جنود الاحتلال وأسروا بعض جنوده.

2- أن استراتيجية حزب الله لن تقتصر على تحرير ما تبقى من أراضي الجنوب المحتلة "تلال كفار شوبا ومزارع شبعا وبلدة الغجر"، بل تتعداها باتجاه تحرير فلسطين، وقد عبرت المناورة عن هذه الاستراتيجية بإيماءات واضحة الدلالة من ضمنها: مشاركة "قوة الرضوان فيها" على وقع تسجيل صوتي للسيد نصر الله يعلن "أن مقاتلي الحزب باتوا يملكون الجاهزية المطلوبة لاقتحام الجليل في أي حرب مقبلة، إذا اقتضت الحاجة" / رفع الأعلام الثلاثة في منطقة المناورة " علم لبنان وعلم فلسطين وراية حزب الله / قيام  المقاتلين المشاركين في المناورة بتحطيم جدار إسمنتي  عالي مماثل للجدار الذي رفعته "إسرائيل" عند الحدود مع لبنان، وكتب عليه شعارات من قبيل "يا قدس إننا قادمون" قرب صورة لمسجد قبة الصخرة، و" قسَماً سنعبر" و"بأس شديد".

3- أن المناورة التي أجريت في موقع عسكري إسرائيلي سابق، قبل التحرير " كسارة العروش" في "إقليم التفاح" في الجنوب، لم تكشف عن الصواريخ الدقيقة لأهداف تكتيكية لكنها كشفت عن أسلحة جديدة فاجأت العدو والمراسلين الأجانب، من ضمنها سلاحٍ جديد ظهر خلال المناورة، إذ بدا أحد المشاركين في المناورة، يحمل بندقية ضخمة غير معروفة المهام بشكل تفصيلي.

ورأى مراقبون عسكريون، بأن هذا السلاح مماثل لأسلحة معنية بالسيطرة على الطائرات من دون طيار وبالتالي إنزالها من خلال التشويش عليها عبر "التردّدات الراديوية"، وكذلك ظهور أسلحة أخرى تستخدم لتطويق عمل الطائرات المسيّرة وذلك من خلال إطلاق قذيفة شبكية باتجاهها، وعملياً، فإنه من بين أحد أبرز الأسلحة المستخدمة للسيطرة على طائرات "الدرون" هو سلاح  DroneGun Tactical وهو يُستخدم لحماية الشخصيات المهمة.

4- كشفت المناورة عن مهارات عالية للمقاتلين المشاركين في المناورة سواء في إطار القتال الجماعي، أو في سياق المهارات الفردية القتالية، أوفي سياق القنص الذي أصاب الأهداف الإسرائيلية بدقة دون حدوث أي خطأ، أو في سياق استخدام المسيرات ودراجات الاقتحام التي عبرت الثغرات، التي تم فتحها في الجدار الفاصل مع فلسطين المحتلة.

وقد عرض الحزب خلال المناورات صنوفاً مختلفة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة كراجمات الصواريخ والعربات المزودة برشاشات ثقيلة أو مدافع مضادة للطيران، إضافة إلى صواريخ مضادة للدروع وأخرى تطلق من على الكتف.

ذهول إعلامي غربي وصهيوني

لقد ذهل الإعلاميون الغربيون الذين شاركوا في تغطية المناورة، وأدلوا بتعليقات حول قدرة المقاتلين ومهاراتهم، وحول التكتيكات والعمليات العسكرية النوعية، التي تضمنتها المناورة، نذكر منها على سبيل المثال: ما قاله الصحافي الأميركي "نيكولاس يلبمانت" أن "الاقتحام الذي نفذه مقاتلو حزب لله (اقتحام أيقوني)"، وما قالته الصحفية الهولندية "هانا ديفيس": "لقد تفاجأت بما رأيت؟ يمكن لهؤلاء أن يعلّموا الجيوش العالية فنّ القتال".

أما الإعلام الإسرائيلي فلم ينتظر تعليقات مسؤوليه فتناقل مشاهد المناورة العسكرية الرمزية التي أجراها حزب الله، وحلل تفاصيلها، معتبراً أنها عكست القدرات المتراكمة للمقاومة في لبنان، وتشكيلاتها الخاصة والمتنوعة، مؤكداً أنها "جاءت في توقيت دقيق للغاية "، حيث رأت القناة ( 13) الإسرائيلية أن " السلاح الذي لم يعرض في المناورة هو الصواريخ الدقيقة، وهي المشكلة التي تزيل النوم من عيون المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، كما ركّزت على قدرات تشكيل ضدّ الدروع الخاص بحزب الله، والذي يفترض أن يمنع غزواً برياً لـ "الجيش" الإسرائيلي، وكذلك تشكيلات الراجمات المتعددة الفوهات المحمولة على سيارات متحركة، والتي تستطيع إطلاق الكثير من النيران في محاولة لتحدي منظومات القبة الحديدية".

مواكبة سياسية وإنذارات

السيد هاشم صفي الدين – رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله- الذي أشرف على المناورة وواكبها في السياق السياسي، حرص في ختام المناورة على توجيه رسالة من شقين هما:

1- أن العدو سيرى فعل الصواريخ الدقيقة في قلب كيانه، إذا ارتكب حماقة لتجاوز قواعد اللعبة، وأن المناورة بعثت برسائل عن الجاهزية الكاملة للمقاومة لمواجهة أي عدوان وتثبيت معادلات الردع التي حمت لبنان، مؤكداً أنّ الرسالة للعدو الإسرائيلي هي أنّ "المقاومة لم تتعب ولم تتراجع، رغم كل الضغوط السياسية والحصار الاقتصادي".

2- وجوب وقف الرهان الخاسر على القرارات الدولية والمجتمع الدولي بشأن فلسطين مشدداً على أنّ من يعيد فلسطين ويحمي الثروات هي "القوة والمقاومة المتنامية اليوم، في القدس والضفة و غزة وكل فلسطين.