دخلت المواجهات المحتدمة بين كتائب المقاومة وأبناء شعبنا وبين قوات الاحتلال وجيش المستوطنين، مرحلة جديدة وحاسمة، نقلت الفعل المقاوم الفلسطيني من مرحلة النخب المقاومة في سياق العمل الفدائي، إلى مرحلة حرب التحرير الشعبية التي تنخرط فيها مختلف فئات شعبنا في المقاومة بكافة أشكالها العنيفة، من استخدام للسلاح المتطور أو المصنع محلياً، إلى استخدام الحجارة، والمواجهة المباشرة والملتحمة مع المستوطنين ما قض مضاجع الاحتلال ،ودفعه لإرسال كتائب جديدة للضفة الغربية، في محاولة يائسة للسيطرة على الوضع المتفجر فيها، بعد أن بات أكثر من 60 في المائة من جيشه موزعاً في كافة أرجاء مدن ومخيمات وبلدات الضفة الفلسطينية.
وبات العدو لا يدري أين ستكون الضربة القادمة للمقاومة، فبعد كمين جنين البطولي الذي أذهل العدو وأفقده صوابه، جراء الخسائر التي مني بها على صعيد الجرحى والقتلى وعلى صعيد مجزرة الآليات، جاءت عملية مستوطنة "عيلي" بين نابلس ورام الله، لتصيبه بالدوار حين انقض فدائيان من بلدة "عوريف" على المستوطنين بنيرانهما ليصرعا أربعة مستوطنين، وليصيبا أربعة آخرين بجروح خطيره، قبل أن يرتقيا شهيدين على درب الحرية والتحرير، وبعدها بثلاثة أيام جاء هجوم الفدائي على حاجز قلنديا العسكري وإصابته جنديين قبل أن يرتقي شهيداً... فالعمليات مستمرة والحبل على الجرار.
العدو يحذر من خطورة المرحلة الجديدة
وخطورة المقاومة في المرحلة الراهنة على الاحتلال تتمثل فيما يلي:
1-أنها باتت تعمل في إطار منهجية عمل منظمة، تستدرج العدو إلى كمائن قتل محكمة كما حصل في مخيم جنين مؤخرا، ولم تعد تقاتل بطريقة الفزعة والمواجهة المباشرة في المناطق المفتوحة والمكشوفة.
2- أنها باتت تستند إلى حاضنة شعبية فاعلة ومشتبكة، لها دور في المقاومة والرصد والاستطلاع، وتفشل عمل طائرات استطلاع العدو بتغطيتها بعض الشوارع بأغطية وشوادر تحجب الرؤيا عنها.
3- أنها باتت تطور من تكتيكاتها القتالية وخوض حرب الغوار بكفاءة عالية.
4- أنها تجاوزت أخطائها الأمنية السابقة، التي أدت إلى ارتقاء العديد من رجال المقاومة ومن ضمن هذه الأخطاء: الظهور العلني بالأسلحة في الجنازات، وركوب أكثر من مقاوم في سيارة واحدة.
5- أنها باتت تمتلك القدرة على صناعة وتطوير العبوات الناسفة من الوزن الثقيل وعلى الحصول على الأسلحة المتطورة من مخازن العدو، مثل سلاحM16 .
6- أنها باتت قادرة على استجلاب السلاح من الخارج، والاستفادة من الخبرات القتالية من فصائل المقاومة العربية في إطار وحدة الساحات.
7- أنها باتت قادرة على إنجاز اختراقات في عمق الكيان وتنفيذ عمليات فدائية في قلب تل أبيب وسواها من المدن في مناطق 1948.
8- والأهم من ذلك أن المقاومة باتت تترجم مبدأ وحدة الساحات، وتنقله من دائرة النظرية إلى دائرة التطبيق العملي، حيث يلعب قطاع غزة الأشم دوراً مركزياً في إسناد المقاومة في الضفة الغربية و القدس .
9- أن المقاومة في حضورها الميداني وبالتفاف الجماهير حولها، أفشلت إلى حد كبير منظومة التنسيق الأمني للسلطة الفلسطينية، التي كان العدو يتكئ عليها لإفشال عمليات المقاومة قبل وقوعها.
لقد بات الإعلام الصهيوني يحذر من خطورة المقاومة الراهنة وغير المسبوقة في الضفة الغربية، فقد رأى موقع "والاه" الإسرائيلي أنّ "كمين جنين المتطور وعمليات الضفة الغربية غيّرت قواعد اللعبة"، مؤكداً أنّها تعد "ذروة جديدة في التصعيد في المنطقة"، في حين علقت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، على العملية قرب مستوطنة "عيلي" بين مدينتي رام الله ونابلس بقولها: "إنها تُذكر بصورة تراجيدية، بعمق الخطر الذي يتعرض له المستوطنون، الذين يختارون السكن في أرض محتلة ، وحجم التهديد لا يتجلى فقط في حجم الهجمات التي نُفّذت، بل أيضاً في العدد الكبير من الهجمات التي أُحبطت"... مضيفةُ: "إن جهود الحكومة لن تغير الواقع الصعب والخطر، الذي يجري فيه احتكاك يومي بين قوات الجيش والإسرائيليين والفلسطينيين الطامحين إلى التحرر".
وفي غضون هذا التطور الكمي والنوعي في الفعل المقاوم الفلسطيني، صدرت نداءات من أطراف من حكومة العدو الأكثر فاشية، بضرورة الاستعداد لتنفيذ عملية "السور الواقي 2" في الضفة والقدس، على غرار عملية " السور الواقي" التي شنتها قوات الاحتلال في كافة أنحاء الضفة في مارس ( آذار) 2002، في محاولة يائسة لتصفية المقاومة وتجريدها من سلاحها، لكن أوساطاً إعلامية صهيونية وأمنية عديدة، حذرت من تداعيات مثل هذه العملية على الأمن الصهيوني من زاوية استراتيجية، كونها قد تشعل حرباً واسعة في المنطقة يشارك فيها بشكل رئيسي قطاع غزة وأطراف من محور المقاومة.
اقتحام المستوطنين للقرى في ظل صمت سلطة أوسلو:
وفي موازاة هجمات المقاومة على قوات الاحتلال والمستوطنين ، يخوض أبناء شعبنا مواجهات يومية مع المستوطنين، الذين استباحوا عشرات القرى، بما ملكت أيديهم من الحجارة ومن المقذوفات المصنعة محلياً، فبعد اقتحام 400 مستوطن قرية "ترمسعيا" تحت حراسة قوات الاحتلال، ما أدى إلى استشهاد شاب فلسطيني وإصابة ثلاثة بالرصاص الحي، وحرق وتدمير نحو 60 سيارة 30 منزلا، قامت قطعان المستوطنين بالهجوم على قرية أم صفا، وأحرقوا 10 منازل و7 مركبات، وقبل ذلك في بلدة حوارة وغيرها من البلدات الفلسطينية، كل ذلك يتم في ظل صمت السلطة الفلسطينية التي لم تحرك ساكناً حيث يختفي رجال أمن السلطة من الواجهة ،ولم يتدخلوا لحماية المواطنين وفق الدور المرسوم لهم في اتفاقيات أوسلو المذلة، وفي ظل الدور المرسوم للسلطة كوكيل أمني للاحتلال.
واللافت للنظر أن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو لجنة فتح المركزية وضابط الاتصال السابق مع الكيان الصهيوني "حسين الشيخ"، يطالب دون أن يرف له جفن أبناء القرى، بتشكيل لجان شعبية للدفاع عن ممتلكاتهم، متجاهلاً دور أجهزة أمن السلطة في ضرورة حماية القرى من هجمات المستوطنين.
ولفت انتباه المواطنين زيارة رئيس وزراء سلطة أوسلو التفقدية لبلدة ترمسعيا، التي أحرجته ودفعته للتلعثم والنطق بجمل غير مفيدة، حين فاجأه أحد المواطنين الذي أحرق المستوطنون بيته بسيل من الأسئلة: أين دورك ودور رئيسكم محمود عباس؟ لماذا لا تحمون القرى؟ لماذا لا تسلحون القرى؟ وأين أل 70 ألف قطعة سلاح بيد أجهزة الأمن؟ وأين سأقيم بعد أن أحرق المستوطنون بيتي وأين جهاز "التنظيم"؟ ليجيب على هذه الأسئلة بقوله: أنت أميركاني تحمل الجنسية الأمريكية، ونحن في السلطة نحترم حرية الرأي ونقدر انزعاجكم!!
مواجهة مفتوحة مع الاحتلال والمستوطنين:
لقد بات أبناء شعبنا يعيشون مواجهة مفتوحة مع العدو الصهيوني في ظل ما يلي:
1-تسليح المستوطنين وتشكيل ميليشيات خاصة مثل "شبيبة التلال" لمهاجمة القرى الفلسطينية، والاعتداء على المواطنين الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم وتدمير مزروعاتهم لدفعهم للهجرة خارج الوطن.
2-الإعلان عن هجمة واسعة على صعيد الاستيطان، بعد منح رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تفويضاً لزعيم الصهيونية الدينية "بتسمائيل سيموريتش" ليكون المرجعية في إقامة المستوطنات والبناء داخلها في الضفة الغربية والقدس.
3-إعلان حكومة العدو مؤخراً عن إقامة (7) بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية.
4- وجود دولة للمستوطنين (800) ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس يسكنون في 146 مستوطنة وفي 146 بؤرة استيطانية.
لقد بدأ أبناء شعبنا منذ فترة طويلة بالتصدي للهجمة الاستيطانية، بالمواجهات المباشرة مع قوات الاحتلال والمستوطنين، وفي الذاكرة كيف أفشل أبناء وبنات قرية "بيتا" محاولات العدو إقامة مستوطنة على أرضهم في جبل "أبو صبيح" عام 2021، وقدموا ما يزيد عن عشرة شهداء دفاعاً عن أرضهم، وقد عادوا بالأمس للتصدي للإرهابي "بن غفير" في محاولته مع عدد كبير من المستوطنين لإقامة بؤرة استيطانية على قمة الجبل.
وأنموذج بلدة "بيتا" انتقل إلى قرية "برقة" في المنطقة بين نابلس وجنين في تصديها لإقامة "بؤرة حومش "الاستيطانية على أرضها، وإلى بلدات عديدة في الضفة في مناطق بيت لحم ورام الله والخليل وغيرها، ما جعل المواجهات تحتدم بقوة مع المستوطنين.
ما تقدم يتطلب من فصائل المقاومة الفلسطينية أن تعمل على ما يلي:
1- المباشرة فوراً بتشكيل قيادة موحدة للانتفاضة المشتعلة في الضفة الغربية تبدأ من القاعدة إلى الأعلى بإشراك كافة الفعاليات الشعبية.
2- أن تعمل فصائل المقاومة على توفير الحماية المطلوبة لأبناء القرى من هجمات المستوطنين، ونقل المعركة إلى داخل المستوطنات.
3- أن تعمل على تسليح أبناء القرى ليقوموا بالدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم.
4- شن أكبر حملة سياسية تعبوية ضد سلطة أوسلو التي باتت تشكل ظهيراً للاحتلال.