Menu

الانتخاباتُ الرئاسيّة اللبنانيّة دخلت مرحلة كسر العظم وطلاق "بائن" بين حزب الله والتيّار الوطني الحرّ

عليان عليان

نشر هذا المقال في العدد 51 من مجلة الهدف الإلكترونية

وأخيرًا اكتمل نصاب انعقاد مجلس النوّاب اللبناني في الرابع عشر من شهر حزيران (يونيو) الماضي  لعقد الجلسة المنتظرة رقم (12) لانتخاب رئيس الجمهوريّة بحضور 128 نائبًا بعد قرابة خمسة أشهرٍ من آخر جلسةٍ عقدت لانتخاب الرئيس، لكنّه فشل في تحقيق ذلك وسطَ  فراغٍ رئاسي مستمرّ منذ (8) أشهر، حيث حصل وزير الماليّة الأسبق "جهاد أزعور" على 59 صوتًا، وهي حصيلة أصوات نوّاب حزب القوات اللبنانية (جعجع) وكتلة اللقاء الديموقراطي (جنبلاط)  وكتلة حزب الكتائب اللبنانيّة، وتجدّد، وكتلة التيّار الوطني الحر و9 نواب من التغييريين، وعدد من المستقلين كغسان سكاف ونعمت أفرام، والاعتدال بشعار لبنان الجديد.

 فيما حصل الوزير السابق سليمان فرنجية على 51 صوتًا، وهي حصيلة أصوات كتلة التنمية والتحرير بزعامة نبيه بري، وكتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) وكتلة التوافق الوطني، وكتلة تيّار المردة والنواب جهاد الصمد، وجان طالوزيان، ومحمد يحيى، ونواب حزب الطاشناق، وربما بعض النواب السنة المستقلين، وبحسبة الأرقام الـ 51 صوتًا لصالح فرنجية، فقد جاءت نتيجة تصويت 27 نائبًا شيعيًّا (حزب الله وحركة أمل)، و24 صوتًا من النواب المسيحيين والسنة.

لقد فشل تحالف جعجع، في تحقيق الفوز لـ "جهاد أزعور"، بالحصول على ثلثي الأصوات (86) صوتًا، وهو الرقم الذي يؤهله للفوز في الجولة الأولى، كما لم يتمكن هذا التحالف المدعوم من قبل السفارة الأمريكية من تمكين "أزعور" من الحصول على 65 صوتًا (النصف +1) في الجولة  الأولى للتصويت، بما يمكنه من الفوز في الجولة الثانية من التصويت في نفس اليوم؛ ما أصاب أطراف هذا التحالف الانعزالي بصدمةٍ كبيرة، ودفعها لتشغيل ماكينة الاتصالات فورًا؛ للتأثير على  النوّاب الذين صوّتوا لمرشحين آخرين لم يحالفهم الحظ، وحصلوا على أصواتٍ ضئيلةٍ، مثل الوزير السابق جمال بارود (7) أصوات، وأصوات في أوراق كتب عليها "كتلة لبنان الجديد" (8) أصوات،  وقائد الجيش جوزف عون (صوت واحد) لضمان فوز "أزعور" في الجولة الثانية.

وأمام هذا الاصطفاف بقيادة جعجع، وبعد انتهاء عملية فرز الأصوات، فقد نصاب الجلسة جراء خروج نواب كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة، إضافةً إلى نوّاب آخرين من مبنى مجلس النوّاب، ما أدّى إلى تعطيل نصاب الدورة الثانية ورفع الجلسة من دون تحديد موعدٍ لجلسةٍ جديدة، وقد جاء خروج نواب حركة أمل وحزب الله وغيرهم من النواب في سياقٍ تكتيكي؛ بهدف إفشال الضغوطات التي كانت تمارس على بعض النواب من قبل تحالف جعجع، للتصويت لصالح "أزعور في الجلسة الثانية"، وللتحضير لجولةٍ انتخابيّةٍ جديدة.

متابعةٌ أوليّةٌ لجولة الانتخابات الأولى:

المتابعة الأوليّة لجولة الانتخابات التي عقدت في الرابع عشر من حزيران الماضي تؤكّد على ما يلي:

1- أن التيّار الوطني الحر بزعامة "جبران باسيل" حسم خياراته بإنهاء تحالفه مع حزب الله، الذي استمر (17) عامًا، وعاد إلى تحالفه السابق في مطلع تسعينات القرن الماضي، مع أطراف قوى الانعزال المارونية وغيرها، التي سبق وأن انضوت في إطار تحالف (14) آذار، وغادر إلى غير رجعةٍ "تحالف  الثامن من آذار"، ولا يغيّر من هذه الحقيقة التصريح الشكلي لزعيمه "جبران باسيل": إن إرادتنا في التيار ألا نكسر التفاهم مع حزب الله حتى لوكان على ساق واحدة"، وأن خلافنا مع حزب الله كان حول بناء الدولة ورئاسة الجمهورية، ولكنا لا نزال متفقين على المقاومة وعلى مبدأ الاستراتيجية الدفاعية".

2- وفقًا لتقريرٍ لجريدة البناء اللبنانيّة، وبالاستناد إلى نتائج التصويت في الجلسة الأولى، أنه لو بقي النائب السابق وليد جنبلاط على موقفه المحايد، لنال فرنجية الرقم ذاته الذي ناله أزعور؛ أي 51 لكل منهما، ولو بقي على التزامه الضمني السابق الذي قطعه لنبيه بري بالتصويت لفرنجية لكانت انقلبت النتيجة 59 فرنجية و51 أزعور، أما لو بقي التيار الوطني الحر على تموضعه الأصلي الذي يضمّ حزب الله وحلفاءه ومنهم فرنجية لكانت النتيجة لصالح فرنجية 75 صوتًا، إذا احتسبت أصوات جنبلاط، أما إذا أضيفت أصوات لبنان الجديد التي يمكن أن تصوّت لصالح فرنجية بمجرد تبلور ظرف إقليمي مساعد، فترتفع حظوظ فرنجية إلى رقم الـ 83، ما يعني أنه دون تصويت التيار لصالحه يبقى بأصوات جنبلاط والاعتدال قادرًا على الفوز بـ 67 صوتًا.

3- لم يستطع فريق (المعارضة - المواجهة والتقاطعات) بزعامة جعجع رغم الضغوط الهائلة التي مارسها على النواب، ورغم الإغراءات المالية من جيب السفارة الأمريكية وسواها من سفارات الدول الرجعيّة، ورغم الوعود بمواقع وزارية وإدارية، لم يتمكن من تأمين 65 صوتًا بشكلٍ مبكرٍ لانتخاب الوزير الأسبق "جهاد أزعور" قبل الجلسة الثانية للتصويت في حال انعقادها.

4- فشل رهان فريق "المعارضة – المواجهة - التقاطعات" الذي أعلن عشية الانتخابات أنه سيعمل جاهدًا على تقليص أصوات "فرنجية" شرطَ ألا تتجاوز ألـ (40) صوتًا وعلى رفع عدد أصوات "أزعور" إلى ما يزيد عن 60 صوتًا، لإحراج الثنائي "حزب الله وحركة أمل"، ليكون هذا الفارق  الكبير بينهما، مبررًا للتصعيد ودفع  الثنائي للتسليم بخروج مرشحهما من السباق الانتخابي، لكن الذي حصل هو العكس، تم تثبيت حضور فرنجية وقوته وإثبات أنه يحظى بكتلةٍ نيابيّةٍ ثابتةٍ وصلبةٍ، مع تزايد احتمال زيادة هذا العدد بانضمام كتل معينة صوتت لأزعور أو نواب من الاعتدال الوطني والمستقلين ليصل إلى الـ 65 صوتًا.

5- أن نتيجة التصويت في الجولة الأولى، أظهرت حدة الانقسام السياسي في الساحة اللبنانيّة وبلورت حقيقة الفرز السياسي بين تيار الممانعة والمقاومة من جهة وتيار الارتهان للإدارة الأمريكيّة والقوى الرجعيّة من جهةٍ أخرى.

حزب الله والثبات على الموقف في دعم فرنجية:

الانتخاباتُ الرئاسيّةُ قضيّةٌ رئيسيّةٌ وحاسمةٌ بالنسبة لحزب الله وحركة أمل؛ لأنّ وصول رئيس لسدة الحكم في لبنان مناهض للمقاومة وبرنامجها، سيؤزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان، كونه سيكون أداةً طيّعة بيد الإدارة الأمريكيّة لتنفيذ برنامجها الهادف إلى تجريد المقاومة من سلاحها، وعدم الاعتراض على مواصلة الحصار الاقتصادي للبنان لتحقيق الغرض ذاته.

وفي ضوء إدراك الحزب للأهمية الاستثنائية لموقع الرئيس، فقد اتخذ منذ اللحظة الأولى لشغور موقع الرئيس، إثر انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 30 أكتوبر ( تشرين أول ) الماضي، قراره بأنه لن يقبل برئيس يرفع قفاز التحدي بوجه المقاومة وينفذ تعليمات الإدارة الأمريكية، بل يقبل برئيس توافقي يكون على مسافةٍ واحدةٍ من جميع الأطراف، يكون على رأس مهامه التصدي للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والالتزام بمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة" ولديه قدرة كبيرة على معالجة ملفات أساسية وحساسة ومتابعتها، كملف النزوح السوري وملف النفط ‏والغاز

وأمام تمترس فريق المعارضة بزعامة جعجع، وإصراره على طرح رئيسٍ للتحدي والمواجهة مع المقاومة، رفع الحزب عشية جولة الانتخابات، من نبرة خطابه السياسي عبر تصريح النائب عن كتلة الوفاء للمقاومة "حسن فضل الله" جاء فيه: "لا تتعبوا أنفسكم وتهدروا الوقت فلن يصل مرشح التحدي والمواجهة بعيدًا أيًّا يكن اسمه وسنحول دون تحقيق أهدافكم، ولن تتمكنوا من فرض مرشحكم على بقية اللبنانيين، لا دستوريًّا، ولا سياسيًّا، ولا إعلاميًّا".

تجدر الإشارةُ هنا إلى أنّ المرشح سليمان فرنجية، رغم أنه معروف بمواقفه الداعمة للمقاومة والعلاقة مع سورية، ولعروبة لبنان وعلاقته بالشرق، إلا أنه في الوقت ذاته لم يقطع العلاقة مع بعض الأوساط الغربيّة وتحديدًا فرنسا، التي طرحت مشروعًا يتولى بموجبه فرنجية رئاسة الجمهورية مقابل أن تؤول رئاسة مجلس الوزراء لتمام سلام.

جبران باسيل ينقل البندقية من كتفٍ إلى أخرى:

 واللافت للنظر، أن يتقاطع زعيم التيار الوطني الحر "جبران باسيل" - الذي كان يعد نفسه حليفًا لحزب الله - مع قوى المعارضة الانعزاليّة في تأييد ترشيح "جهاد أزعور" في مواجهة "سليمان فرنجية" -مرشح حزب الله وحركة أمل - رغم أنّ حزب الله هو الذي أقنع فرنجية في الانتخابات الرئاسية السابقة، بالتخلي عن الترشح لصالح الجنرال ميشال عون، رغم حظوظه الكبيرة بالفوز، وفي الذاكرة كيف خاض حزب الله معركةً سياسيّةً كبيرةً لتمكين الجنرال من التربع على عرش الرئاسة في إطار التزامه بوثيقة "مار مخايل" التحالفية.

وقد فسر بعض المراقبين تقاطع "جبران باسيل" مع جعجع وغيره من أطراف المعارضة في تأييد ترشيح "جهاد أزعور" بأنه موقف تكتيكي؛ الهدف منه إخراج فرنجية من حلبة السباق الرئاسي وليس دعمًا للأخير، مستندين إلى تصريحه بدعم شرعية المقاومة والالتزام بالاستراتيجية الدفاعية، لكن هذا التفسير غير مقنعٍ في ضوء تصويت كتلته لصالح " جهاد أزعور" واصطناعه خلافًا مزعومًا مع حزب الله حول بناء الدولة ومواصفات الرئيس القادم وبرنامجه السياسي.

 ولم يعد أمام "جبران باسيل" في ضوء هذا الارتداد السياسي، سوى الامتثال لما تجمع عليه بقية الأطراف المارونية في إطار "بكركي" برعاية البطريرك الماروني "بشارة جريس الراعي"، وهو بهذا الموقف يدشن نهجًا سياسيًّا معاكسًا للنهج السياسي السابق للتيار الوطني الحر، ناقلًا البندقية تدريجيًّا من موقع التحالف مع حزب الله ونهج المقاومة إلى نهج الانعزال والتبعية للولايات المتحدة.

 وما يؤكد ارتداده السياسي، ما جاء في مؤتمره الصحفي الأخير في الثالث عشر من حزيران (يونيو) الماضي: "قررنا أن نكون على علاقة جيدة مع القوى المواجهة (القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وحزب الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط وأطراف سنية وغيرها) من دون تحالف (لاحظ عبارة من دون تحالف؟!) لأنّنا نتفق معها على كثيرٍ من الأمور السياديّة والإصلاحيّة، ولكنّا نختلف معهم حول المقاومة".

لكن "جبران باسيل" لم يشرح لنا البعد السيادي والإصلاحي في طروحات جعجع وبقية أطراف تحالف 14 آذار المندثر، وهو الأكثر دراية بارتباط هذه الأطراف مع السفارتين الأمريكية والسعودية، اللتين تطبخ فيهما المؤامرات على سيادة لبنان واستقلاله، وفيهما يتم وضع البرامج لمحاصرة لبنان اقتصاديًّا، في إطار الضغط على مختلف القوى من أجل تجريد حزب الله من سلاح المقاومة خدمةً للكيان الصهيوني.

وأخيرًا لا بدَّ من الإشارة إلى أن موقف "جبران باسيل" ليس مفاجئًا بل كانت له مقدماته منذ أن تولى رئاسة التيار الوطني الحر، حيث لم يستجب طوال الفترة السابقة، لدعوات حزب الله للتيار بمناقشة القضايا الخلافيّة بشكلٍ ثنائي بعيدًا عن العلنيّة، حفاظًا على التحالف وضرورته للبنان، ولم يثمّن توظيف حزب الله للانتصار التاريخي، الذي حققه في معركة الحفاظ على ثروة لبنان الغازية والنفطية في المياه الإقليميّة في البحر المتوسط، لمصلحة الرئيس ميشال عون منجزًا تاريخيًّا له وللتيار الوطني قبل مغادرته موقع الرئاسة.