Menu

سياسة اجتماعية منحازة للنخب الفاسدة والمرتهنة للصهاينة

دلالات الإضرابات النقابية في الضفة

وسام رفيدي

تتبع بسيط لعدد الإضرابات النقابية التي عمت الضفة منذ العام الفائت 2022 حتى اليوم، يوضح أننا أمام ظاهرة اجتماعية/اقتصادية تكتسب عموميتها من شمولها أولاً ومن حجم القطاعات الاجتماعية المشاركة فيها ثانياً. إضرابات العاملين في الجامعات ( بيت لحم وبيرزيت)، إضراب المهندسين العاملين في القطاع العام، إضراب الأطباء، إضراب المحامين، إضراب المعلمين، إضراب العاملين على سيارات الإسعاف (في الهلال الأحمر وليس في القطاع العام)، إضرابات في بعض البلديات، وفي مصلحة المياه وفندق الإنتر ببيت لحم، وأخيراً شرع موظفو المحاكم بالإضراب اليوم.
وللطابع العمومي والشامل لتلك الإضرابات دلالات هامة جداً لعل أبرزها ذلك التردي الواضح لأوضاع الفئات الوسطى بمختلف شرائحهم، من المستوى الأدنى للدخل عند معلمي المدارس الحكومية وموظفي المحاكم، حتى المستوى الأعلى، محاضري الجامعات، وما بينهما من شرائح دخل متعددة. هذا التدهور في أوضاع الفئات الوسطى دفعها لخوض الإضرابات لتحسين مستوى معيشتها وشروط عملها، وبالتالي تجسدت حقيقة إضافية غير التي أشرنا إليها، تردي الأوضاع، ونعني بها حقيقة أن العمل النقابي الحقيقي والنشط في الضفة الغربية يكاد يقتصر على النقابات المهنية للفئات الوسطى في غياب شبه تام للنقابات العمالية ليس وظيفة هذه المقالة تناول هذا الغياب بالتحليل.
أما لفهم تلك الظاهرة فلا يمكن قطعاً، لعموميتها وشمولها، الالتفات للتخرصات التافهة لبعض مسؤولي سلطة الحكم الذاتي بالتعريض بالإضرابات والنقابات، بأن خلفهم (أجندة خارجية) أو (دوافع سياسية)، وقد قيل هذا ضد إضراب المعلمين، القطاع الأوسع من بين القطاعات التي خاضت نضالاتها النقابية، علماً أن قطاعاً واسعاً من المعلمين المضربين محسوبون على حركة فتح بفعل سياسة التمييز ضد المحسوبين على القوى الأخرى.
لا يمكن فهم تلك الظاهرة، ومرة أخرى لعموميتها وشمولها، دون ربطها بطبيعة السياسة الاجتماعية للسلطة ومصالح تلك النخب التي تقف على رأس السلطة.
ارتباطاً باتفاقية أوسلو وملحقها اتفاقية باريس، فليس للسياسة الاقتصادية والاجتماعية لسلطة الحكم الذاتي أن تخرج عن محددات تلك الاتفاقيات، وهي محددات لا تعني فعلياً عدم وجود اقتصاد فلسطيني فحسب، بل محددات تعمل على بلورة المصالح لتلك النخب عبر تنفيذها للاتفاقيات وارتباطها بالكيان الصهيوني. فلا شاقل واحد يصرف لتنمية زراعية أو حرفية/ صناعية، أو للتصنيع الغذائي المرتبط بالإنتاج الزراعي، وهذا لو جرى كان سيوفر فرص عمل ويحد من البطالة، بل أكثر من 30% من الموازنة تذهب لأجهزة الأمن التي لا توفر الأمن للفلسطينيين بل تنفذ سياسة أمنية بحراسة المستعمِر ومستوطنيه وحسب اتفاقيات أوسلو. (اقتصاد) ينهض على قطاع الخدمات، بنوك وشركات اتصالات وتأمين، وقطاع عام متضخم (حوالي 180 ألف) لبناء قاعدة اجتماعية لنخب السلطة مرتبطة معيشياً بالسلطة، وتدافع عنها، عبر تطبيق أمين لنظام الزبائنية في بناء أجهزة السلطة ومؤسساتها، قطاع كهذا سيكون حتماً على حساب سياسة اجتماعية واقتصادية لصالح الفئات الشعبية والوسطى. 
وما يزيد الطين بلة أن هذا (الاقتصاد) أنتج نخب فاسدة كنتاج بنيوي لا كنتاج طارئ، تمظهرت في ثراء فاحش ونهب للمال العام ووضع اليد على أراضي والدخول في صفقات تجارية ضد المصلحة الوطنية أو مصلحة بناء اقتصاد منتج ومقاوم، وكل هذا ليس بمعزل عن طبيعة علاقة تلك النخب بالكيان الصهيوني وانحيازها الصريح للارتباط به والارتهان لمطالبه وتنفيذ (حصتها) من اتفاقيات أوسلو. وعلى المقلب الآخر، فالصهاينة وإذ يراعون تغذية تلك النخب بالامتيازات والمكاسب حرصاً على بقاء السلطة كمشروع يخدم المُستعمِر، إلا أنها من جهة ثانية ماضية في تنفيذ تسونامي الاستيطان وتهويد الأرض واقتحام المدن وممارسة القتل والاغتيال للمقاومين وحتى للأطفال والنساء، ما يوضح طبيعة علاقة تلك النخب بالمستعمِر: يخدمون المستعمِر نظير بعض الفتات الاقتصادي عبر بنية فاسدة يتم رعايتها، وبالمقابل المستعمِر ماض في سياسته الاستعمارية دونما تردد وبحثاثة واضحة. إنها محض علاقة السيد بالعبد، عبد المنزل بشكل أدق لا عبد الحقل.
إن هذا الوضع المركب، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لا يمكن إلا أن ينتج انفجارات اجتماعية متتالية على شكل إضرابات طال بعضها ليصل لشهور مثل إضراب المعلمين، انفجارات لا تؤشر فقط لتضرر وتردي أوضاع الفئات الوسطى فحسب، بل تؤشر أيضاً إلى تلك السياسة الاجتماعية المنحازة للنخب الفاسدة والمرتهنة للصهاينة.