كاتبٌ سياسيّ/ ليبيا
اثنا عشرَ عامًا على أحداث الثورة الليبيّة، وما زال الليبيّون يبحثون عن الاستقرار الذي يؤسّسُ لهم دولتهم المدنيّة الديمقراطيّة التي حلموا بها، وتحمّلوا لأجل قيامها ويلات الحروب وكلفتهم أنهار من الدماء، فبعد تجربتين ديمقراطيتين شهدتها ليبيا في العقد الماضي، يعود اليوم الانقسام السياسي بين الأطراف السياسيّة، فالمجلسُ الأعلى للدولة الذي انتخب في يوليو عام 2012م جسمًا تشريعيًّا مؤقّتًا ما زال يصارعُ أعضاؤه للبقاء أكثر في السلطة، يقابله مجلس النواب الذي انتخب في يونيو عام 2014م هو الآخر يدافع أعضاؤه بكل الطرق؛ لكي يستمروا في السلطة، وفي منتصف هذا الصراع يدفع الليبيّون الويلات من غلاء المعيشة وانتشار الفساد داخل المؤسّسات الحكوميّة، فأعضاءُ هذه الأجسام تحوّلوا لمشرّعين للفساد، ويتّخذون من مناصبهم أداةً لتمرير الصفقات السياسيّة الفاسدة التي أتت بحكوماتٍ توغّلت في صرف الأموال على المشاريع التنمويّة غير الحقيقيّة، ومن خلال اتفاق جنيف فبراير عام 2021، أتت حكومة الوحدة الوطنيّة التي يترأّسها أحد حلفاء نظام العقيد القذافي "عبد الحميد الدبيبة" وكانت المهام الموكلة إليه حسب ما نص الاتفاق التمهيد وتوفير المناخ المثالي لإجراء انتخاباتٍ رئاسيّةٍ وبرلمانيّةٍ مباشرةٍ ومتزامنةٍ في ديسمبر 2021، ولكن ما أن نال "الدبيبة" الثقة من مجلس النواب حتي أصبح طرفًا سياسيًّا ثالثًا لتزداد الأزمة تعقيدًا؛ الأمرُ الذي أفشل الانتخابات، ومن هنا انتهزت هذه الأجسام الفرصة لتخلق انقسامًا حادًّا، من خلال اتفاق أبرم بين رئيس مجلس النواب "عقيلة صالح" الواجهة السياسيّة للقيادة العامة للجيش الليبي التي تسيطر على شرق وجنوب البلاد و "خالد عمار المشري" الذي هو واجهةٌ لحزب العدالة والبناء الذي يمثّل إحدى أجنحة جماعة الإخوان المسلمين السياسيّة، حيث تمكّنوا من سحب الثقة التي منحت لحكومة الوحدة الوطنيّة خلال هذا الاتفاق، وتم تكليف حكومةٍ موازيةٍ باسم حكومة الاستقرار الوطني تولّى رئاستها وزير الداخليّة الأسبق "فتحي باشا آغا" ولم تتمكّن هذه الحكومة من الدخول إلى العاصمة طرابلس، لتباشرَ مهامها وتوعدها "الدبيبة" بالحرب إذا اقتربت من العاصمة طرابلس، وقام بتحشيد عددٍ من قادة المليشيات الذين أبدوا استعدادهم للوقوف معه مقابلَ تنفيذ بعض مطالبهم الماليّة، ومن هنا سمحت القيادة العامة لحكومة باشا آغا العمل من سِرت وبنغازي، وأصبحت البلد منقسمةً سياسيًّا؛ الأمر الذي جعل الانتخابات أمرًا مستحيلًا، وهذا يلبّي رغبات كلّ الأطراف التي ترى في ذهاب الشعب لصناديق الاقتراع موتًا سياسيًّا لها، لذلك فإنّ الصراع السياسيّ سوف يزداد ومعدل الفساد سيرتفع وسيبقى المواطن الليبي رهينةً لهذه الأطراف العبثيّة التي تهدّد سلامة ليبيا واستقرارها، أمّا التدخّلات الإقليميّة لن تتوقّف، فهي تراهن على أدواتها المحليّة في تثبيت الوضع الذي يخدم مصالحها، ومن جهةٍ دوليّة، فإنّ ملفّ المهاجرين أبرز الملفّات التي يهتمُّ بها الأوروبيّون؛ الأمرُ الذي يجعلهم دائمًا يهادنون الأطراف المحليّة، ويغلبون مصالحهم على مصلحة الشعب الليبي وتطلّعاته في استقرارٍ دائمٍ يؤسّسُ لهم دولتهم الديمقراطيّة الخالية من الفساد، التي تبعد عنهم التهديدات، لذلك لا بدَّ من الليل أن ينجلي والفساد ينتهي والشعب يأخذ بزمام المبادرة ويسترد بلده وينال حقّه، إلى ذلك الحين ستبقي ليبيا تبحث عن الاستقرار الضائع وسط مستنقع الفساد السياسي.