Menu

في ذكرى أبو علي مصطفى.. لماذا الضفة الغربية؟

ثائر أبو عياش

تعيش الضفة الغربية على صفيح ساخن يُنذر بإن شرارة الحرب باتت قاب قوسين أو أدنى، حيث في الغرف المغلقة الخاصة للمقاومة يتم رسم جميع المشاهد فيما يخص الصراع خصوصاً إذا تجرأت الغرف المغلقة للاحتلال على توجيه ضربة للمقاومة سواء داخل فلسطين أو خارجها، وهذا ما يثبت أن "الضفة الغربية" هي العنوان بعد عمليات للمقاومة التي قضت مضاجع الاحتلال، فقد قامت المقاومة بإعادة "البندقية" على طاولة الصراع داخل ساحة "الضفة الغربية" وعليه دقت المقاومة المسمار الأخير في نعش التسوية الذي تراهن عليه السلطة الفلسطينية، وأكثر دقت المسمار الأخير في نعش "أمن المستوطنين" الذي يسعى الاحتلال بالتعاون مع السلطة الفلسطينية بالحفاظ عليه.

داخل المنطقة الجيوسياسية، والتي تقع في مركز فلسطين _الضفة الغربية_ والتي تُشكل ما يقارب 21% من مساحة فلسطين التاريخية تحاول السلطة الفلسطينية بكل الأساليب الممكنة كبح جماح أي مظهر من مظاهر المقاومة، ويتم ذلك في السر والعلانية، على الرغم أن الاحتلال والذي أسماه الشهيد " أبو علي مصطفى " بالاحتلال الاحلالي يدوس بالأليات العسكرية اتفاقيات السلام، ومع كل مجزرة يدفن هذا الاحتلال عملية السلام، والأهم أنه بالاستيطان يُطلق الرصاصة الأخيرة على ما يسمى "مسيرة السلام"، وأمام هذه المظاهر التي يوغل فيها الاحتلال بحق الإنسان في فلسطين تتعامل السلطة كأنها "لاعب ما شفش حاجة"، خصوصاً إذا تم دعم هذه السلطة من طرف الاحتلال تحت البند الخبيث المسمى "الاقتصاد".

تحكم السلطة الفلسطينية من قلب مدينة رام الله على ما يقارب 18% من مساحة الضفة الغربية أمنياً وإدارياً والتي تسمى بحسب اتفاق أوسلو "مناطق A"، وبالعودة هنا إلى الاستيطان يمكن القول: أن الاحتلال يقوم بتقسيم "الضفة الغربية" إلى فئات، وعزل المدن والمخيمات والريف الفلسطيني في كانتونات تغلق وتفتح حسب الحاجة الأمنية أو المزاج الإسرائيلي، وذلك عبر البوابات الحديدية على مداخل المدن والقرى والمخيمات في "الضفة الغربية"، وأيضاً عبر الحواجز الدائمة و الشبه دائمة، وأكثر عبر الاستيطان المستمر في خطط اليمين الإسرائيلي وأخرهم خطة "سموتريتش".

يعيش في الضفة الغربية بحسب الإحصاء الفلسطيني 3.25 مليون فلسطيني نسمة، ويقابلهم 726.427 ألف مستوطن موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية _نواة مستوطنة_ وبين الفلسطيني والمستوطنين حالة من الصراع الديمغرافي، والسياسي، والاقتصادي، والأمني... حول الأحقية التاريخية لصاحب الأرض، حيث يمتلك الشعب الفلسطيني رواية تُمكنه من خوض هذا الصراع، أما المستوطن الذي لا يمتلك رواية تاريخية يحاول النبش في دفاتر التاريخ والدين، والأثار... على أي قصاصه تُمكنه من الاستمرار في هذا الصراع، وهذا ما جعل الصراع يأخذ طابع الصراع الوجودي كما أسماه الراحل " جورج حبش ".

على حلبة الضفة الغربية يتصارع اللاعبون من تحت الطاولة، ومن فوقها، وفي سياق متصل تسعى المقاومة لقرع جدران خزان الضفة الغربية بكل السبل لتحقيق المستحيل، تحت شعار أن الرد الوحيد على الاحتلال هو المقاومة، وأن لكل فعل رد فعل، وهذا ما جعل المقاومة تعتبر أن اغتيال أي شخصية فلسطينية للمقاومة يعني "الحرب الشاملة" كما وضح مؤخراً " صالح العاروري"، وهذا الصراع الذي تخوضه المقاومة عبر إطلاق تهديداتها على الإعلام، وعبر الوسطاء...، وما يمارسه الاحتلال في نفس السياق جاء بسبب "الضفة الغربية"، كأن الأخيرة هي التعبير المكثف عن كل ساحات المقاومة، فالضفة الغربية التي "قسدر" فيها "موشي ديان" منصدم بعد احتلالها عام 1967، وهي أيضاً التي تعتبر نواة مشروع "الدولة" بالنسبة للسلطة الفلسطينية تعني بالنسبة للمقاومة "ساحة حرب التحرير الشعبية"، وذلك بسبب الاحتكاك المباشر بين الشعب الفلسطيني والاحتلال.

يسعى الاحتلال إلى تحويل الضفة الغربية إلى كانتونات كأنه يقوم بإسقاط تاريخي على ما عايشه قبل إعلان ما تسمى "دولة إسرائيل"، وفي سياق متصل قام بالانسحاب من قطاع غزة عام 2005 وفرض عليه حصار خانق، وحقق نجاح مهم في "أسرلة" الداخل المحتل _ الأراضي المحتلة عام 1948_ محاولاً التفرقة من أجل السيادة ونجح في ذلك بشكل كبير، وفي نفس السياق يدرك لاعبو المقاومة هذه الحقيقة وهذا ما يجعلهم يقومون برمي الحجر _الكفاح المسلح_ داخل المياه الراكدة في ساحة "الضفة الغربية"، ويعملون أكثر على ربط الساحات ببعضها، عبر إعادة المقاومة إلى "الضفة الغربية" بكل الطرق الممكنة، وهذا ما يجعل الاحتلال يناقش كل الخطط الأمنية في سبيل إخراج قطار المقاومة عن سكة "الضفة الغربية" بكل الوسائل غير المشروعه إنسانياً لتحقيق الغاية غير المشروعه أيضاً إنسانياً.

يُدرك الاحتلال أن المقاومة تلعب في الضفة الغربية من خارجها، وهذا ما جعل الاحتلال يُفكر بتوجيه ضربة في غزة أو لبنان أو أي ساحة أخرى للمقاومة، وتدرك المقاومة أيضاً هذه الحقيقة لأنها تعلم أن الحق لا يُعطى لمن يسكت عنه، ولذلك قامت بالضجيج في "الضفة الغربية" رغم أي ثمن ستدفعه المقاومة على امتداد ساحات الصراع، وفي سياق منفصل تحاول السلطة الفلسطينية أن تحفر حفرة للمقاومة لوأد مشروع الأخيرة، ولكن السلطة الفلسطينية يبدو أنها من ستقع على يد الشعب الفلسطيني داخل هذه الحفرة.

إذاً "الضفة الغربية" هي لب الصراع الآن، حيث على أرضها يتقرر مصير المرحلة القادمة، لأنها باتت على ما يبدو من ستحسم قرار الحرب المفصلي في الصراع، هذه الأرض التي عليها وطأت أقدام "أبو علي مصطفى" عائداً من المنفى ليقاوم لا ليساوم، وتطبيقاً لشعار الشهيد "أبو علي مصطفى" هذا، تعود "البندقية" "للضفة الغربية" من جديد لتقاوم، وتقتلع عفن التسوية عن ضفاف عقول الشعب الفلسطيني، وتنسف خيار ما يسمى مهزلة السلام كما أسماها الشهيد "أبو علي مصطفى" من على طاولة المفاوضات، بل وأكثر عادت "البندقية" إلى "الضفة الغربية" لتقول ما قاله سابقاً "أبو علي مصطفى": "نقول لكل أبناء فلسطين، أننا لا يمكن أن نقبل مهما كانت الظروف والاعتبارات أن يمسح أحد ذاكرة الشعب الفلسطيني ليقول فلسطين هي فقط الضفة الغربية، ولن نقبلها مقايضة فالدماء الفلسطينية ثمنها الحرية والاستقلال، ومن ظن أن زمن المقاومة قد ولى فهو مخطئ ما دام الاحتلال موجود على الأرض، فالمقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني، ولا بديل عن الكفاح المسلح لتحرير كامل التراب الفلسطيني...".

أخيراً وليس آخَراً... عادت "البندقية" إلى "الضفة الغربية" لتؤكد على اللاءات المقدسة التي أطلقها الشهيد "أبو علي مصطفى"، وهي " لا للصهيونية، لا للاحتلال، لا للاستسلام، لا للاستيطان"، هذه اللاءات المستمدة من صمود الشعب الفلسطيني، ومن الأسرى، والجرحى، وأكثر من الشهداء، وفي سياق منفصل تؤمن المقاومة اليوم أكثر من أي وقت مضى وخصوصاً في "الضفة الغربية"، رغم الشعور العارم بالاستفزاز، هذا الاستفزاز الذي يحتاج إلى الإيمان كما وصف الشهيد "أبو علي مصطفى"، أنها ما زالت أمام معركة طويلة وطويلة جداً، ولذلك على "قصيري النفوس التنّحي جانبًا" كما طالب من قبل الراحل "جورج حبش".