Menu

تداعياتُ اتفاق أوسلو على المنظّمات الشعبيّة الفلسطينيّة

إلهام الحكيم

نشر هذا المقال في العدد 54 من مجلة الهدف الإلكترونية

منذُ اللحظة الأولى لإعلان اتفاق أوسلو عام 1993، ارتفع منسوبُ الريبة بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وأفضى لانقسامٍ حاد بين الفلسطينيين؛ الأمر الذي أفقدهم وحدتهم الوطنية، وأدى إلى انهيار موقفهم التفاوضي لاحقًا؛ نتيجة الخلل بموازين القوى بين الطرفين المفاوضَيْن؛ "الإسرائيلي والفلسطيني" حيث استفرد المفاوض الفلسطيني بقيادة (م. ت. ف) المتسرعة بالتوصل لأي اتفاق! وحصر نفسه بالمفاوضات المقيّدة بالشروط والرؤية الإسرائيلية والمتحكمة بمآل العملية السياسية الناجمة عنه بما يعني التنازل عن أي خيارٍ آخر غير التفاوض... ومن ثَمَّ شكّل الاتفاق نهاية القضية الفلسطينية لا بداية العملية السياسية، حيث انتزع الجانب الإسرائيلي الاعتراف الفلسطيني بشرعية وجوده، إضافةً لـ "نبذ الفلسطينيين للعنف والقبول بحل النزاع بالوسائل السلميّة  - عوضًا عن الصراع – "، دون التفاهم على ما ستؤول إليه الحالة الفلسطينية عند نهاية التفاوض، لقد كان اتفاق أوسلو إعلان مبادئ فلسطينية تجاه "الكيان الصهيوني" مقابل إعلان إجراءات إسرائيلية مجحفة تجاه الشعب الفلسطيني، حيث التزمت المنظمة بأمن "إسرائيل" التي لم تلتزم دولةً محتلةً بضمان  الأمن للفلسطينيين أو تطبيق معاهدة جنيف الرابعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبهذا وافقت المنظمة على أن تكون دولة الاحتلال شريكًا موازيًا بتقرير مصير الشعب الفلسطيني بعد إخراج الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 1948، من دائرة التفاوض وتحويل الأراضي المحتلة عام 1967، إلى أراضٍ متنازع عليها بين الطرفين دون ضمان عدم قيام الاحتلال بتغيير الوقائع على الأرض خلال فترة المفاوضات؛ أي دون وقف مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتهويد المعالم والأوابد، بمعنى موافقة القيادة الفلسطينية على تحديد سقفها التفاوضي الأعلى بأدنى حدّ لمطالبها، ولم تضمن حتى أن تبقى وقائع الحد الأدنى على حالها لحين انتهاء التفاوض بشأنها، ومن ثَمَّ حشر الجانب الفلسطيني نفسه في خانة التراجع والخسارة منذ البداية؛ إذ لا يمكن استرداد الضفة الغربية و القدس الشرقية وقطاع غزة بشكلٍ كامل؛ نتيجة تفاهمات شرّعت بأن هذه الأراضي متنازع عليها مع الاحتلال.  

أضحى الشعب الفلسطيني، جراء اتفاق مجحف بحقوقه الوطنية والقومية، رهينةً لعملية تفاوضية عبثية بين قوة الاحتلال التطبيقية والخبرة التفاوضية، مقابل انسياق قيادة (م. ت. ف) إلى "التسوية" وهي مثقلة وضعيفة، فهي غير مسلحة بالخبرة  والكفاءة والمهنية، ولا بميزان قوى يمكنها من المضي في هكذا مواجهة مصيرية؛ الأمر الذي جعلها ضحية "عشوائية التفاوض"، فكانت  نتائج التسوية "الصفقة" كارثية  أسقطت "حل الدولتين"؛ الأمر الذي يعني أن أقصى ما يمكن أن ينتج عن المفاوضات في حال استئنافها، لا يتعدى في أبعد مدى إقامة "دولة بقايا" فلسطينيّة يتمُّ بموجبها التخلّي عن السيادة والأرض، وتعويم قضايا الحل النهائي برمّتها: "القدس، اللاجئين، الاستيطان، الحدود، المياه"، والاكتفاء على الأرجح  بتموضع "الصفقة" عند حد "الحكم الذاتي الموسع" تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الدائمة، وتسمية ذلك "دولة" تمخّضت عن "حل الدولتين".

هذه المقدمة كان لا بد منها للتعرف إلى الأسباب الموجبة للوصول إلى الانقسام الكارثي على الساحة الفلسطينية، وانعكاس ذلك على كلّ المكوّنات والهيئات والمؤسسات الفلسطينية في الوطن والشتات بما فيها المنظّمات والاتحادات الشعبيّة.

واقع المؤسّسات الفلسطينيّة:

مع انتقال مركز ثقل العمل الوطني إلى الوطن بعد تلك الاتفاقية وانبثاق السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، كان لا بدّ من تجديد البرنامج السياسي والتنظيمي والاجتماعي وتطويره بما يتناسب ويتوافق مع كل مرحلةٍ من الواقع الجديد المتمثل بعودة بعض قياديي المنظمة وهيئاتها ومؤسساتها المختلفة إلى الوطن، وبقاء النسبة العظمى من أبناء شعبنا في مناطق اللجوء والشتات، ما أوجب العمل بأساليب توافق هذا الواقع.. لكن بدلًا من توحيد الجهود والتنسيق والتعاون بين الداخل والخارج لمسنا تكريس الخلافات ما بين مؤيد ومعارض للاتفاق، ومن ثَمَّ تباين المواقف منه والتعامل معه ومع نتائجه، فالمعارضون يرفضون مجريات الاتفاق وتفريط "السلطة الفلسطينية" بالثوابت الوطنية، ومن ثَمَّ إلغائها دور (م. ت. ف) والسيطرة على صلاحياتها بدل أن تكون تحت إشراف المنظمة ورقابتها، وجزءًا من مؤسساتها  "المجلس الوطني، المجلس المركزي، المنظمات والاتحادات الشعبية" إضافةً لاستحواذ الرئيس على المهمات الرئاسية الثلاث في آن معًا  "رئيس السلطة، رئيس المنظمة، رئيس حركة فتح التي أصبحت "حزب السلطة"؛ ما فاقم الخلافات الفصائلية التي انعكست على المنظمات الشعبية، فأعاقت عملها ومهامها الجماهيرية والنقابية بدل استنهاضها ومواجهة مشروع التصفية، وما أن حصل الانقسام الكارثي عام 2007 حتى تفاقمت الأمور أكثر وانقسمت "الدويلة المزعومة" إلى حكومتين وسلطتين وبودلت الاتهامات والاعتقالات السياسية، وزادت الخلافات، فبات كل اتحاد اتحادين وأكثر، وامتد ذلك إلى مناطق اللجوء والشتات، حيث الولاء حسب الانتماء الفصائلي والحزبي، ومن ثَمَّ رفض تلك الساحة أو تلك لوصاية منظمات ومؤسسات "رام الله" عليها، إضافة لرفض رام الله دعوة من اعتبرتهم منشقّين عنها، وإشراك الموالين لمواقفها فقط، معتبرة أنها تمثل الأغلبية، فدخلت تلك المنظمات بلعبة "المحاصصة" بما يخدم الجهة المسيطرة - في الساحة - وتجلى ذلك في دول اللجوء والمهجر، ما حال دون القدرة على عقد المؤتمرات العامة، أو تعديل البرامج واللوائح الداخلية وانتخاب الهيئات ديمقراطيَّا وممارسة الحقوق وتأدية الواجبات منذ ثلاثة عقودٍ  في مختلف المنظمات والاتحادات، على سبيل المثال لا الحصر، فقد عقد الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين خمسة مؤتمرات فقط منذ تأسيسه عام 1966، رغم أن النظام الداخلي ينص على عقد المؤتمر العام كل 4 سنوات: "المؤتمر العام الأول في بيروت عام 1972، المؤتمر الثاني في تونس 1977، المؤتمر الثالث  في بيروت 1980، المؤتمر العام الرابع في صنعاء 1984، المؤتمر العام الخامس 1987 في الجزائر" ومن  ثَمَّ الانقسام بعد اتفاق أوسلو والتوقف التام عن عقد المؤتمرات العامة لكن السلطة عقدت مؤتمرًا  في رام الله عام 2018 بحضور الموالين من الفصائل والمستقلين واعتبرته عامًّا. ينسحب هذا الواقع على العديد من المنظمات الشعبية ومنها الاتحاد العام لطلبة فلسطين الذي عقد في 8 مؤتمرات عامة منذ التأسيس عام 1959، آخرها كان عام 1991.

خلال كتابة هذه السطور كان الاتفاق على عقد مؤتمر اتحاد الكتاب - فرع سوريا – يوم 10 أيلول 2023، لكن تم تأجيله لأسبابٍ قاهرة حسب بيان الأمانة العامة للاتحاد!

خلاصة القول: رغم عقد بعض المنظمات الشعبية الفلسطينية مؤتمرات عدة في الداخل والخارج - دون التنسيق بينها إلا أنها بقيت في حالة من الشلل والسُبات، ترسخت الشللية البعيدة عن المهنية والوطنية، انتفخت الهيئات بالدخلاء على الكتابة والثقافة.. وتضخمت عضويتها نتيجة التزوير والزييف بما يتوافق مع القائمين على قوائم العضوية وإقصاء هذا وقبول ذاك حسب الولاء، حتى إن التندّر طال الاتحاد في إحدى الساحات بالقول: "سائق المسؤول مسؤول" حيث إن السائق والمرافق والحارس أصبحوا أعضاءً بالاتحاد، ويحق لهم الترشّح والانتخاب، هذا الواقع المزري يتطلب وقفةً جادةً من قبل المعنيين، وتقييم تجربة تلك المنظمات وتصويبها بما يخدم الديمقراطية والقضية.

- المصادر: دنيا الوطن، موقع الاتحاد العام للكتاب والصحفيين، مقالات منوعة.