Menu

بعد مجزرة الكليّة الحربيّة في حمص: نحو معركة تحرير محافظة إدلب من الإرهاب وتحرير الشمال والشمال الشرقي من الاحتلالين التركي والأمريكي

عليان عليان

(مرحلة ما بعد الهجوم الإرهابي على حفل تخريج طلاب الكليّة الحربيّة في حمص، تختلف بالضرورة عن مرحلة ما قبلها، إذا ما أخذنا في الاعتبار أنّ هدف التحالف الأمريكي الغربي والصهيوني و تركيا ، منه هو إعادة الأزمة والمؤامرة على سورية إلى المربع الأوّل عام 2011)

العدوان الإرهابي على حفل تخريج ضبّاطٍ جددٍ من الكليّة الحربيّة، بسربٍ من الطائرات المسيّرة الفرنسيّة المذخرة، بدعمٍ  صهيو أميركي ومن نظام أردوغان، بحضور مئات المدنيّين، الذي أسفر عن استشهاد 89 مدنيًّا وجنديًّا سوريًّا وإصابة 240 آخرين بجروحٍ بليغة، الذي أعلن الحزب التركستاني - أحد فروع هيئة جبهة النصرة -  مسؤوليّته عنه، المصنّفة فصيلًا إرهابيًّا بقرارٍ من مجلس الأمن، يفرض على القيادة السوريّة وحلفائها التعامل مع المسألة وفق منطق "أنّ مرحلة ما بعد هذا الهجوم الإرهابي تختلفُ بالضرورة عن المرحلة التي قبلها"، لجهة التعامل مع محافظة إدلب المختطفة من قبل جبهة النصرة وأدواتها، ولجهة التعامل مع الاحتلالين؛ التركي والأمريكي في الشمال والشمال الشرقي لسورية، من زاوية البدء في عملية تحرير محافظة إدلب، وبقية المناطق المحتلّة، مع ضرورة التأكيد على أن كلفة تحرير الأراضي السورية من الإرهاب، ومن قوات الاحتلال الأمريكيّة والتركية أقلّ كلفة من الحصار الاقتصادي المفروض على سورية؛ إذ إن تحرير الأراضي المحتلة يعيد لسورية مخزونها الاستراتيجي من الحبوب والنفط والغاز.

وقفةٌ مع الصديق الروسي:

وبخصوص محافظة إدلب والشمال السوري، مع تقديرنا الكبير للتدخّل الروسي في نصرة سورية وتمكينها من تحرير معظم أراضيها، لحظة دخولها المعركة إلى جانب الجيش السوري عام 2015، عبر عاصفة " السوخوي" وإنشاء قاعدة حميميم الجوية في محيط مدينة اللاذقية، وأن ذلك التدخل سجّل نقطة تحوّل في الصراع على الأرض السورية لصالح الجيش العربي السوري، وقلب ميزان القوى لمصلحة الدولة السورية، وذلك عبر إدارة  القيادة الروسية الأزمة بذكاءٍ واقتدارٍ عبر محطتي "أستانة وسوتشي" وتمكنها عبر آليات خفض التصعيد والمصالحات من إعادة مساحاتٍ واسعةٍ من الأراضي المحتلّة من قبل الإرهابيين لحضن الدولة السورية، وتحرير العديد من المدن، وعلى رأسها حلب وحمص ودير الزور من فصائل الإرهابيين، ومن إنهاء وجود الإرهابيين في محيط العاصمة دمشق وضواحيها، ومن الجنوب السوري، ناهيك أنّه لا يمكن أن نتجاهل حقيقة أن دماء مئات الجنود والضباط الروس، اختلطت بدماء جنود وضبط الجيش العربي السوري، أثناء الدفاع عن وحدة سورية وسيادتها.

لكن تقتضي الموضوعية، ومن زاوية "وقفة مع الصديق الروسي" القول بصراحة إنّ روسيا وفق اتفاقيات الخفض والتصعيد، هي من مكّنت نظام أردوغان من التغلغل في الشمال السوري بما فيها محافظة إدلب، والسماح للقوّات التركيّة بإقامة نقاط (قواعد عسكرية) في ريف حلب الغربي، وفي منطقة سهل الغاب ومحيط مدينة حماة، رغم أن تركيا هي الداعم الرئيسي لفصائل الإرهاب، وهي التي قامت بتشكيل "جيش وطني" من بعض فصائل الإرهاب لمحاربة "قسد" والجيش السوري في الوقت ذاته، وذلك في الوقت الذي رفضت فيه الإدارة الأمريكية المطلب التركي، بإقامة منطقة حظر جوي في الشمال السوري، ليس حرصًا على سورية العروبة، بل حرصًا على حماية أدواتها الكردية العميلة وقوات "قسد" من القوات التركية، وفق مخططها لفصل مناطق سيطرة الأكراد عن الدولة السورية.

مرحلة ما بعد الهجوم على حفل تخريج طلاب الكلية الحربية، بالضرورة تختلف عما بعدها، خاصةً إذا ربطنا هذا التطوّر، بدخول أمريكا والكيان الصهيوني على خطّ احتجاجات محافظة السويداء، على خلفية رفع الأسعار والأزمة المعيشية الناجمة عن الحصار، وهذه المرحلة تقتضي ما يلي:

أوّلًا: أن تباشر القيادة السورية بدعم من الحلفاء في محور المقاومة، بوضع خطة تحرير محافظة إدلب من فصائل الإرهاب، وإعادتها لحضن الدولة السورية، وعدم الاكتفاء بالرد على العمليات الارهابيّة بعمليات قصف جوي ومدفعي لمواقع الإرهاب.

لقد أضاعت سورية لحظةً سياسيّةً فاصلةً في شباط (فبراير ) 2020، لاحت لتحرير محافظة إدلب، عندما بدأ الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حزب الله وبقية فصائل المقاومة حملةً عسكريّةً لتحرير محافظة إدلب، بعد أن استولى على معظم القواعد التركية التي أقيمت في إطار اتفاقيات خفض التصعيد في غرب حلب وسهل الغاب، وفي الذاكرة، المعارك الضارية والليلية  بين حزب الله من جهة، وبين قوات الاحتلال التركية وفصائل الإرهاب، على رأسها "جبهة النصرة" في محيط مدينة سراقب – مركز مدينة محافظة حلب، تمكّنت خلالها قوّات حزب الله "فوج النخبة" من إلحاق هزيمة نكراء بالقوات التركية وفصائل الإرهاب، أسفرت عن مصرع المئات من الجيش التركي وفصائل الإرهاب، لكن التدخل الروسي في تلك المرحلة – ارتباطًا بحسابات المصالح مع تركيا - وسكوت محور المقاومة على هذا التدخّل، حال دون مواصلة معركة تحرير محافظة إدلب.

ثانيًا: أن تستثمر سورية وحلفاؤها، الصراع العسكري القائم والمحتدم بين الجيش الوطني العميل المدعوم من تركيا، وبين جبهة النصرة ودخول "قسد" على خطّ الصراع عبر مدّها جبهةَ النصرة وأدواتها في محافظة إدلب بالنفط، تجاهَ تطوير معركة تحرير محافظة إدلب لتصبح ضد وجود الاحتلال التركي وأدواته في الشمال السوري أيضًا.

ثالثًا: تدور الآن معارك ضارية بين العشائر العربية السورية في منطقة دير الزور وعلى امتداد المساحات تجاه الحدود العراقية، التي تحوّلت إلى بوادر انتفاضة حقيقية ضدّ تنظيم "قسد العسكري" - التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني - بقيادة شيخ عشيرة "العكيدات" (إبراهيم الهفل)، ما يتطلب دعمها بالأسلحة كافةً، لا سيّما أنّها - أوّلًا - تمكّنت من هزيمة "قسد" في العديد من المعارك وتحرير مساحاتٍ واسعةٍ من الأراضي المحتلّة من قبل "قسد". وثانيًا: أنّ هذه العشيرة تقطن في مساحاتٍ سوريّة واسعة في أقضية ريف الدير والميادين ومنطقة ألبوكمال وشرق الفرات. ثالثًا: لأنّها تمكنت من سحب مئات المقاتلين العرب من صفوف "قصد" الذين يشكّلون أكثر من نصف قوّاتها.

فهذهِ الانتفاضةُ في مواجهة "قسد" هي في التحليل النهائي ضدّ قوات الاحتلال الأمريكية وقواعدها ألـ (14)، ما يقتضي رفدها بقوات سورية، على شكل مجموعاتٍ مقاتلة مقاومة لتحويل الانتفاضة إلى حرب تحرير ضدّ الوجود الأمريكي، في منطقة دير الزور والحسكة وفي التنف وبقية القواعد الأمريكية، ومن ثَمَّ تحرير حقول النفط والغاز وحقول الحبوب من السيطرة الأمريكية ومن أدواتها الكردية، ما يضمن إفشال الحصار الاقتصادي من بوابة استعادة سورية السيطرة على ثرواتها.

اغتنام اللحظة السياسية للمباشرة في مشروع التحرير:

وأخيرًا نشير إلى أن اللحظة السياسية – في تقديرنا - هي الأكثر ملائمة لشن حرب التحرير ضد الاحتلالين؛ التركي والأمريكي، وضد الفصائل الإرهابية واقتلاعها، بعد أن عملت الإدارة الأمريكيّة على إخراجها من دائرة التصنيف الإرهابي، وإعادة تأهيلها وتزويدها بالأسلحة المتطورة، وبطائرات مسيرة متطورة فرنسية وأمريكية ارتباطًا بما يلي:

أوّلًا: تبلور مقاومة شعبية في الشمال والشمال الشرقي السوري ضدّ إرهاب "قسد" وتوسّعها في الأراضي السوريّة، ووضع يدها مع الأمريكان على حقول النفط والغاز السورية، وهذه المقاومة أخذت بعدًا شعبيًّا واسعًا، عبر انتفاضة العشائر العربية ضد تنظيم "قسد" التي هي في طريقها للتحوّل إلى انتفاضةٍ ضدّ الاحتلال الأمريكي.

ثانيًا: أن فصائل المقاومة العراقية على أهبة الاستعداد للدخول في معركة تحرير الشرق السوري من الاحتلال الأمريكي، وفي معركة طرد القوات الأمريكية من العراق، بعد مطالبة رئيس الوزراء العراقي "محمد شياع السودان ي"، وضع جدول زمني لخروج القوات الأمريكية من العراق تنفيذًا لقرار البرلمان العراقي، ولأنّه لم يعد مبرّرًا لوجودها.

ثالثًا: الاحتجاجات الشعبيّة في الشمال السوري على الوجود التركي، جراء اتخاذ تركيا خطوات عملية لتتريك الأراضي التي تحتلّها، ومن ثَمَّ فإنّ تحرير محافظة إدلب من تنظيم جبهة النصرة وتوابعه، يجب أن يترافق معه فتح المعركة ضد الاحتلال التركي وأدواته المحلية؛ إذ إنّه وبالإمكان استثمار اللحظة السياسيّة الراهنة التي تدور فيه رحى المعارك بين الجيش الوطني العميل وبين جبهة النصرة، لبدء المعركة المزدوجة ضد فصائل الإرهاب والاحتلال التركي.

رابعًا: انشغال الولايات المتّحدة وحلفائها في "الناتو" في الحرب الأوكرانيّة التي استنزفت إمكاناتها العسكرية والاقتصادية، دون أن تتمكّن من تحقيق شيء يذكر على أرض المعركة في مواجهة القوّات الروسيّة، خاصةً بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد، الذي بدأ قبل أربعة شهور في جبهة الدونباس وجبهتي خيرسون وزباروجيا.

خامسًا: تبلور تحالف استراتيجي بين دمشق وبكين، إثر الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس بشار الأسد في تاريخه بدعوة من الرئيس الصيني "شي جين بينغ"

لكن حتى تفعل هذه العوامل فعلها، يجب على محور المقاومة أن يضغط على روسيا بعدم المراوحة في المكان بشأن الوجود الاحتلالي التركي في الشمال السوري، وأن يضغط على تركيا بوسائله المختلفة لسحب قواتها من سورية، وألا يوظف علاقاته مع تركيا على حساب تحرير الأراضي السورية.

الطيران الروسي باشر أمسِ بقصف مواقع الإرهاب في إدلب، إلى جانب الجيش العربي السوري ثأرًا لضحايا المجزرة، والرئيس بوتين أعرب عن استمرار دعمه لسورية ضد فصائل الإرهاب، والسؤال هنا: هل تنتقل القيادة السورية والروسية من عمليات القصف إلى معركة التحرير؟ ... سؤال برسم الإجابة.

انتهى