Menu

رواية المفاوضات: من أنجحها ومن أفشلها

حلمي موسى

خاص - بوابة الهدف

كتب حلمي موسى* 


مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع استثنائيا لمناقشة تطورات المباحثات التي جرت في القاهرة لبلورة صيغة لوقف إطلاق النار في ظل خلافات شديدة أصلا داخل حكومة وائتلاف نتنياهو. وكان لافتا أن الاجتماع عقد في ظل غياب رسمي لرد حماس على ما وصف بأنه مقترح أمريكي تباينت الأنباء حول فحواه. وفي هذه الأثناء احتل إعلان نتنياهو بأن تاريخ بدء العمية البرية في رفح بات محددا وتناقض موقف وزير الحرب، يؤآف غالانت معه خصوصا بعد إبلاغه الأمريكيين أنه  ليس هناك تاريخ مقرر للعملية العسكرية في رفح. 
وقد اجتمع مجلس الحرب ثم الكابينت السياسي الأمني مطولا مساء أمس لبحث الاتصالات في اقاهرة وخصوصا المقترح الأمريكي لتجسير على لخافات بين إسرائيل وحماس. وكان أعضاء في كابينت الحرب قد طالبوا نتنياهو بعدم عقد جلسة للكابينت السياسي الأمني لاعتقادهم بأن مثل هذه الجلسة قد تعرقل فرص التوصل لاتفاق لتبادل الأسرى. وتناقش جلسة الكابينت هذه المقترح الأمريكي الجديد الذي أعلنت حماس أنها تدرسه وسترد عليه. ومعروف أن العديد من كبار وزراء حكومة نتنياهو أشاروا إلى أن هذا المقترح لا يتناسب مع أهداف الحرب كما حددتها حكومة نتنياهو. 
 ومنذ أيام والتقارير الإخبارية الإسرائيلية والأمريكية تشير إلى تهديدات نتنياهو باجتياح رفح وتحديد موعد لذلك وإعلان الأمريكيين أنهم لا يعلمون شيئا عن أية مواعيد. وفيما تحدثت أنباء عن أن هذه التهديدات فارغة ولأسباب داخلية تتعلق بمتطلبات نتنياهو الائتلافية أبلغ وزير الحرب، يؤآف غالانت الأمريكيين أنه لا يوجد موعد لعملية برية. كما أن معلقين عسكريين أكدوا عدم جاهزية الجيش الإسرائيلية لمثل هذه العملية المعقدة سياسيا وعسكريا نظرا لمتطلباتها العملياتية والظروف الدولية. وهناك من يعلن أن الجيش الإسرائيلي أيضا لم يتم العملية البرية في المعسكرات الوسطى رغم عدم وجود تعقيدات أو موانع لذلك. 
في كل حال يبدو أن جانبا من الصراع يدور حاليا على الرواية التي ستخرج بعد انتهاء المفاوضات حول من أنجحها ومن أفشلها. وتقريبا يحاول الأمريكيون والإسرائيليون اشاعة أجواء أن إسرائيل قدمت ما عليها من مرونة وأن العقدة بقيت عند حماس التي يجب انتظار ردها. وطبعا يأتي ترداد هذا الكلام في ظل تضليل واسع بشأن طبيعة المقترح الأمريكي. وهذا تقريبا ما يردده مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سليفان الذي قال أن "تصريحات حماس غير مشجعة" فيما أن إسرائيل أظهرت جاهزيتها لإبداء مرونة.
وفي ظل ذلك تعمل أمريكا على ممارسة الضغط على كل من قطر ومصر للضغط على حماس للموافقة على ما يسمى بالمقترح الأمريكي الذي اعتبرته مقترحا إسرائيليا. ولكن حماس تعلن أنه من دون السماح بعودة النازحين إلى غزة وشمالها ووقف العدوان لا حديث عن صفقة. ولكن أمريكا وإسرائيل لا تزالان تدوران في محور بقاء الاحتلال كفاصل بين شمال القطاع وجنوبه فضلا عن استمرار سيطرته على حزام أمني على الحدود. ومع ذك يعرب ساليفان ووزير الخارجية الأمريكي بلينكن عن خيبة أمل من عدم "مسارعة" حماس لتلقف الاقتراح الأمريكي والقبول به. وقال بلينكن أن "لدينا اقتراح فائق الجدية لحماس وينبغي قبوله. حماس يمكنها أن تتقدم من هنا وتنا وقفا لنار يساعد السكان في أرجاء القطاع وأيضا تعيد امخطوفين إلى بيوتهم. وأنا أعتقد أن مواصلتها عدم قولل "نعم" تعبر فعلا عن تفكيرها الحقيقي بشأن سكان غزة".
وحسب "وول ستريت جورنال" فإن المقترح الأمريكي الذي عرضه رئيس CIA ويليام بيرنز يتضمن وقفا لإطلاق النار لستة أسابيع تفرج خلالها حماس عن 40 أسيرا إسرائيليا. ومقابل ذلك تفرج إسرائيل عن 900 أسير فلسطيني بينهم 100 من ذوي الأحكام العالية. كما أن المقترح وفق الصثحيفة يشمل عودة 150 ألف نازح إلى شمال غزة تحت رقابة إسرائيلية. 
وقد نفت مصادر إسرائيلية صحة ما نشرته وول ستريت جورنال. إذ تصر حماس على العودة الشاملة وترفض إسرائيل أي عودة ليست تدريجية ولا تخضع لرقابتها. ونشرت وسائل إعلام أنباء غير مؤكدة عن وجود فكرة تشرك فيها قوة مصرية لمراقبة العائدين إلى الشمال لمنع عودة مسلحين وهو أمر مستبعد أن تقبل به مصر وإسرائيل على حد سواء.
وعدا قضية عودة النازحين هناك مسألة عدد الأسرى الفلسطينيين المراد الإفراج عنهم مقابل الأسرى الإسرائيليين ونوعيتهم. وأول نقاط هذا الخلاف إصرار إسرائيل على امتلاك الفيتو بحيث يكون لها القرار النهائي حول من يفرج عنهم ومن يبقون في السجن وهو ما ترفضه حماس. وأيضا هناك قضية إصرار إسرائيل على طرد أعداد ممن سيتم الإفراج عنهم في الصفقة إلى خارج فسطين في حين تصر حماس على تحريرهم في أماكن سكناهم أو داخل فلسطين.  
في كل حال من المفترض أن يأتي رد حماس خلال يوم أو يومين، ولكن من الردود الأولية، يبدو أن الطريق لا تزال طويلة وأن ضغوط أمريكا لم تحقق غايتها حتى الآن لا في إسرائيل ولا مع حماس. 
ففي اجتماع الكابينت السياسي الأمني الإسرائيلي اندلع خلاف بين أنصار اليمين المتطرف وباقي الأعضاء. ويضغط قادة اليمين، خصوصا سموتريتش وبن غفير على نتنياهو منذ الآن ويبدون غضبهم عى سحب القوات الإسرائيلية من خانيونس. وقال سموتريتش أن النقاش في الكابينت الموسع "مركب وحرج" وأعرب عن معارضته لطريقة إجراء المباحثات في مصر. وأبدى انزعاجه من تصريحات قادة عسكريين عن استعداد إسرائيل  لدفع ثمن باهظ مقابل الإفراج عن الأسرى. وكان يقصد كلام وزير الحرب ورئيس أركان اجيش اللذان يبديان موافقة على إنجاز صفقة التبادل. ورفض سموتريتش بشكل قاطع عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة ووقف النار. 
عموما يرى المعلقون أن إسرائيل لا تملك استراتيجيا عسكرية أو سياسية تجاه غزة وتتخبط في هذا الشأن ولذلك لا مفر أمامها من إبرام صفقة مهما كانت مؤلمة. وهذا كان رأي المعلق العسكري في "إسرائيل اليوم" يؤاف ليمور. أما المعلق العسكري في "هآرتس" عاموس هارئيل فكتب أنه، "من الجدير مواصلة التعامل بالحذر المطلوب مع التنبؤات المتفائلة التي تسمع مؤخرا من القاهرة والدوحة و القدس فيما يتعلق باحتمالية عقد صفقة جديدة لاطلاق سراح المخطوفين في القريب. ربما أنه تم احراز تقدم ما في المفاوضات، ولكن في ظل غياب معلومات مفصلة وموثوقة فان هذا ما زال يبدو بدرجة معينة مناورة جماعية في التفكير الايجابي. الهدف النهائي هو اقناع الشريك المتصلب، حماس، بالانضمام الى الاتفاق وأن تحل للوسطاء الصداع الطويل في القطاع. الولايات المتحدة بشكل خاص غارقة في هذا الامر". 
         وأضاف: " على الاقل حتى يوم أمس كان من الصعب الانضمام لهذا التفاؤل. الاقتراح المحدث للوسطاء تم عرضه على الوفد الاسرائيلي في القاهرة مساء أول أمس. هذا الاقتراح تضمن تنازل اسرائيل في مسألة السماح بانتقال السكان الفلسطينيين الذين سيتمكنون من العودة الى شمال القطاع مقابل تليين ما في طلبات حماس فيما يتعلق باطلاق سراح السجناء الفلسطينيين في اسرائيل. في نفس الوقت نشر ايضا عن وجود وفد لحماس في القاهرة".
 
         على خلفية المحادثات في القاهرة والى جانب اقتراحات الوسطاء وتبادل الرسائل فانه في الطرف الاسرائيلي يتم الشعور بنشاط، ويرافق ذلك نقاشات كثيرة في الهيئات العليا والاهتمام الاعلامي وآمال كثيرة لدى عائلات المخطوفين. في نفس الوقت، في الجناح اليميني المتطرف في الائتلاف تسمع مرة اخرى اصوات استغاثة. في حزب قوة يهودية وحزب الصهيونية الدينية سمعت أمس تهديدات حول استقرار الحكومة.
 
وخلص هارئيل إلى أنه حتى الآن يجب أخذ في الحسبان احتمالية أن يكون رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو غير مستعجل لعقد الصفقة وأن خطوته الاخيرة ترتكز على افتراض أن حماس سترفض مرة اخرى التنازل وستعتبر هي المسؤولة عن الازمة في المفاوضات في نظر الامريكيين. الادارة الامريكية تستمر في الضغط على حماس بشكل غير مباشر عن طريق قطر ومصر. واذا تم مع ذلك تحقيق صفقة في نهاية المطاف فان هذا سيحدث بالاساس بفضل الولايات المتحدة.

*كاتب صحفي من غزة