Menu

تحليلمذبحة خان يونس: إبادة جماعية تحت صمت العالم

بيسان عدوان

بيسان عدوان.

 

منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، أصبح القتل أكثر ضراوة، وأصبحت السماء تمطر موتًا على رؤوس الغزيين. خان يونس، التي شهدت مذبحة رهيبة، ليست مجرد نقطة على الخريطة؛ إنها جزء من نسيج حياة شعب يمزق يومًا بعد يوم تحت وطأة الاحتلال. عملية إبادة جماعية، ومسعى لإبادة سياسية لأفق الحل وأي احتمالات للصفقة، وذلك بذخيرة أمريكية فائقة القوة التدميرية. إلا أن الأمر قد يكون نقطة فارقة تتيح بعض التراجع الإسرائيلي في الحرب على غزة.

هل سينجح نتنياهو في إدارة لعبة خلط الأوراق؟ قبل إبرام أي صفقة، يقينا هو يفقد السيطرة على إدارة مجريات الأمور، كل لذا عليه أن يختار بين انفجار إقليمي أو صفقة مبتورة ومبتسرة.

لا يهم حياة الفلسطينيين في غزة، ولا لمصيرهم الذي يتحول بين لحظة وأخرى إلى أشلاء وجثث في الشوارع أو تحت ركام البيوت المقصوفة،  فهم بالنسبة الي الصهاينة  أهداف غير مقصودة،  ودروع بشرية، وذنبهم أنهم يأوون قيادات المقاومة الفلسطينية

قد يعرض نتنياهو المجزرة على أنها صورة الانتصار، في حال أن الاحتلال استهدف فعلاً محمد ضيف وكل المحيط السكاني في المنطقة المبادة. قد يدفع هذا إلى التسريع بالصفقة متسلحًا بهذه "صورة انتصار" ولتفادي نتائج وتداعيات مجزرة خان يونس. وقد يدفع نحو التصعيد في استهداف قيادات حماس في غزة والخارج كما أعلن مؤخرًا وزير الأمن غالنت.

هذه المجزرة الرهيبة تكشف زيف مسرحية الخلاف الأمريكي الإسرائيلي بصدد الذخيرة الأمريكية واستخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين في "المناطق الآمنة". استراتيجياً، هناك نقاش إسرائيلي خلافي بصدد استهداف القيادات العسكرية في غزة وفي لبنان، ومدى الجدوى والخطأ الإسرائيلي الجوهري القائم على الاستعلائية بأن الفصائل والمنظمات المقاتلة هي مجموعات من الأفراد وليست منظومات متكاملة. كما يؤكد معظم من يخوضوا هذا النقاش بأن إسرائيل تدفع ثمناً عسكرياً على ذلك وتتورط أكثر على المستوى الاستراتيجي، وهناك شبه إجماع بأن سياسات التصفية إشكالية من حيث المردود.

هل ستدفع المجزرة المجتمع الدولي إلى التدخل الفعلي لوقف الحرب وإنقاذ حياة الفلسطينيين؟ لا يبدو الأمر كذلك. منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، ارتكب الاحتلال العديد من المجازر، أبرزها في جباليا والشجاعية، حيث تسببت في مقتل المئات من المدنيين وتدمير البنية التحتية، وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع بشكل كارثي، مما يعزز من حالة عدم الاستقرار والتوتر الإقليمي.

خلال الأسابيع الأولى من العملية، كانت مجزرة جباليا واحدة من الفصول الأكثر دموية، حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية تجمعات سكنية مكتظة، ما أدى إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى، وتدمير عشرات المنازل فوق رؤوس سكانها. تكررت المأساة في الشجاعية، حيث تعرض الحي لقصف مكثف أدى إلى مقتل وإصابة المئات، وتشريد الآلاف. هذه المجازر، التي تسبق عادة أي حديث عن صفقات أو تسويات، تكشف عن سياسة إسرائيلية ممنهجة تعتمد على تصعيد الإبادة الجماعية واستخدام القوة المفرطة لتحقيق أهدافها السياسية.

نذكر أيضًا مجزرة رفح التي وقعت بعد قصف عنيف استهدف مناطق مدنية، ما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة المئات، في محاولة واضحة لفرض واقع جديد على الأرض قبل أي مفاوضات. وكما هو الحال دائمًا، تأتي هذه المجازر ضمن سياق أوسع من التصعيد والإبادة الجماعية الذي يسبق أي حديث جاد عن الحلول السياسية أو التهدئة.

استراتيجية القصف المكثف والقتل الجماعي تهدف إلى كسر إرادة المقاومة وترهيب السكان المدنيين، وهو ما ظهر جليًا في مجزرة بيت حانون، حيث استهدفت المدفعية الإسرائيلية منازل المواطنين، مما أدى إلى مقتل العديد من أفراد العائلات بأكملها. هذه المجازر المتكررة تأتي في سياق سياسة العدو الصهيوني طويلة الأمد تهدف إلى فرض الإملاءات السياسية بالقوة، دون اعتبار لحياة المدنيين الفلسطينيين.

إلى جانب ذلك، لا يمكن تجاهل مجزرة دير البلح، التي أوقعت عشرات الضحايا وأدت إلى دمار واسع في البنية التحتية، مما يعمق الأزمة الإنسانية في القطاع. كل هذه المجازر تسبق دائمًا أي محاولة للتهدئة أو إبرام صفقات، ما يشير إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى زيادة الضغوط على المقاومة الفلسطينية وإجبارها على تقديم تنازلات.

السياسات الإسرائيلية تعتمد على الإبادة الجماعية كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية، وهو ما يتجلى بوضوح في سلسلة المجازر التي تسبق دائمًا أي حديث عن التهدئة أو الحلول السياسية. منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، أصبحت غزة مسرحًا لمجازر متتالية تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وإجباره على الرضوخ للإملاءات الإسرائيلية.

ولكن في الوقت الذي يسعى فيه العدو الصهيوني لتحقيق مكاسب سياسية من خلال هذه المجازر، فإنه يخلق حالة من الغضب العارم والاحتقان الشديد بين الفلسطينيين، مما يزيد من تعقيد الوضع ويجعل من الصعب تحقيق أي تهدئة أو حل دائم. هذه المجازر لا تحقق الأهداف السياسية المرجوة بقدر ما تزيد من عزلة العدو الصهيوني على الساحة الدولية، وتؤكد على وحشية الاحتلال وعدم احترامه للمواثيق الدولية.

في ظل هذا الواقع، يبقى السؤال: هل ستدفع هذه المجازر المجتمع الدولي إلى التدخل الفعلي لوقف الحرب وإنقاذ حياة الفلسطينيين؟ للأسف، لا يبدو الأمر كذلك. العالم يتفرج على هذه المجازر دون أن يحرك ساكنًا، مما يترك الشعب الفلسطيني وحيدًا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية. المجتمع الدولي، برغم الإدانات اللفظية، لم يتخذ خطوات فعلية لوقف هذه المجازر أو لمحاسبة مرتكبيها.

منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، ارتكب الاحتلال العديد من المجازر التي تعكس السياسة الإسرائيلية الممنهجة في استخدام القوة المفرطة لتحقيق أهدافها. مجازر جباليا والشجاعية ورفح وبيت حانون ودير البلح، وغيرها، تأتي كلها ضمن استراتيجية تهدف إلى فرض الواقع السياسي بالقوة على حساب أرواح المدنيين الفلسطينيين. هذه المجازر ليست مجرد حوادث فردية، بل جزء من نمط متكرر يشير إلى نية واضحة لإبادة الشعب الفلسطيني وكسر إرادته.

على الرغم من ذلك، يبقى الشعب الفلسطيني صامدًا، متشبثًا بحقه في الحياة والحرية والكرامة. المجازر لن تنجح في كسر إرادة المقاومة، بل تزيدها إصرارًا على مواصلة النضال من أجل التحرر وإنهاء الاحتلال. وفي النهاية، سيظل العالم يذكر هذه المجازر كجرائم ضد الإنسانية، وستظل دماء الشهداء تلعن الصمت الدولي المتواطئ مع الاحتلال.