Menu

“عطارد” الكابوس الذي يطاردنا .. قراءة في رواية عطارد

مصطفى سعد

"رأيت أن الجحيم دائم لا ينقطع أزلي أبدي وأن كل شيء سيفنى في النهاية ولن يبقى سواه وعلمت أني خالد في الجحيم وأنني ابن الجحيم"

بهذه الكلمات يختتم الضابط أحمد عطارد بطل الرواية أحداثها. الرواية الكابوس كما أطلقت عليها ولكنه كابوس واقعي مظلم نعيش بعض أحداثه في حياتنا اليومية.

هي رواية من النوع السوداوي ستشعر عند قراءتها إنها الجحيم المطلق أحداثها ستأخذك إلى الدرك الأسفل من الجحيم إلى مستقبل ليس ببعيد عما تسرده أحداث الرواية.

تبدأ الرواية بمشهد شديد البشاعة لرجل قتل أسرته ثم شرع في أكل لحمهم هذا المشهد سيوحي لك أن الرواية ستسير بشكل بوليسي للتحقيق في دوافع ما فعله هذا الرجل ولكن فجأة ينتقل بك ربيع إلى خط زمني مستقبلي عام (2025) حيث تُحتل مصر من قبل جيش يدعى فرسان مالطا بعد انهيار الجيش المصري وحل الأجهزة الأمنية يُكون مجموعة من ضباط الشرطة السابقين فرقة للمقاومة وينضم إليهم أحمد عطارد الذي هو قناص في الأساس فيبدأ بالقتل مرة باسم الثورة ومرة باسم المقاومة ومرة أخرى رغبة في القتل ومتعته كما يصفها ومرة أخرى ليذهب إلى الجنة ويحكي هنا الكاتب عن تقسيم القاهرة إلى شرقية وغربية وملامح العاصمة تحت الاحتلال وكيف يستسلم الناس إلى الاحتلال دون أدنى مقاومة بل ويتعاونون معه.
ثم يأخذك الكاتب إلى خط زمني آخر وهو العام (2011) الذى يترابط مع الخط الزمني الأول في نهايات الرواية وهي عن المدرس انسال الذي يتورط في طفلة اسمها زهره التي يختفي والدها فجأة ويبدأ رحلة البحث عنه بين جثث قتلى الثورة فالكاتب استدعى ثورة يناير كحدث في سياق الرواية ثم تصاب زهرة بمرض غريب يجعلها تفقد كل حواسها فيغطي الجلد عينيها وفمها وأذنيها وهو مرض غريب سينتشر مرة أخرى عام (2025) ولم يشر ربيع إلى سبب ظهور هذا المرض هل له علاقة بالعامل النفسي وكثرة مشاهد القتل والدم أم له أسباب أخرى ولكن ربيع ترك المجال مفتوحا لطرح الأسباب.

ثم ينتقل ربيع بنا إلى خط زمني ثالث وهو عام (455ه‍) وهو قصير نسبيا وفيه يعود صخر الخزرجي من الموت ليخبر الناس أنهم باقون في الجحيم إلى مدى نهاية وهو لا علاقة له بالزمنيين الآخرين إلا لوصف كابوسية الماضي وجحيمه وتأكيداً على فكرة الرواية الأساسية.

ربيع استخدم الخيال كما ينبغي فوقوع القاهرة تحت الاحتلال وتقسيمها إلى قسمين ووصف ملامح الناس في القاهرة الشرقية ومدى اللا مبالاة والجمود الذي أصابهم تحت تأثير مخدر الكربون الذي يصنع من الحشرات أيضا الرسائل المشفرة بين المقاومة عن طريق الدرونات وهي عبارة عن حشرات ذكية و مشاهد القتل التي لا تحرك فيهم ساكناً قرر ربيع أيضا الخلط بين الواقع الحالي والواقع بعد زمن لا تغيّر حقيقي في كابوسيته, الأجواء ما بين القتل والتعذيب والاغتصاب ذلك الانحلال الإنساني، الرغبة في القتل عند عطارد ونشوته ومتعته في القتل بلا هدف  كل شيء هنا يتجه إلى العدمية إلى اللا شيء لامعنى للحرب لامعنى للمقاومة لامعنى للحياة الكريمة.

تقول زهرة وهي تخاطب عطارد وتلخص وضعا كابوسياً:

"يظن الناس أن الجحيم مكان، لكنهم مخطئون نحن فى زمان طويل متصل مضى منه الكثير ولم يتبقى منه إلا القليل جداً إلى درجة أنني سأراه وستراه ينتهي،

وبعد ذلك سيبدأ جحيم آخر ليعذب الناس فيه هؤلاء الخالدون هنا لن يخرجوا أبدا، هؤلاء لن تقتلهم أنت ولن يحترقوا بالنار ولن يموتوا غرقا، لن يخرجوا من جحيمنا هذا إلا إلى جحيم آخر، لكن من تقتلهم أنت يذهبون إلى الجنة دون طريق أو رحلة ولا عوائق من أي نوع فقط يختفي جحيمنا هذا ليجد كل واحد نفسه في الجنة، أنت ترسل الناس إلى الجنة"

ربيع لن يترك لك فرصة للتعلق بأحد شخصيات الرواية مهما كانت صفاتها فليس هناك فرصة لذلك الكل سيحاسب والكل سيعاقب حتى قصة الحب الموجودة ستنتهي نهاية مأساوية.

دائرة ملعونة مفرغة ندور فيها تشعر في الأحداث وكأنك أمام لوحة متكاملة من الجحيم يغزلها ربيع بمشاهد موجودة في الواقع إنها تجميعة لما يمر أمامنا من أحداث مماثلة يوميا، لما فكرنا بحدوثه مستقبلا كل سطر من هذه الرواية سيضغط على روحك ستتلاحق أنفاسك بشكل رهيب. الرواية ليست لمجرد القراءة أو تسلية وقت الفراغ ولا لتصدر قوائم المبيعات الأدبية. تلك الرواية هي الكابوس الذي يطاردنا حتى وإن انتهينا من قراءة الرواية.

نبذة عن الكاتب:
محمد ربيع روائي مصري من مواليد 1978، درس الهندسة، وعمل في مجالها قبل أن يعمل محرراً في دار التنوير. أصدر ثلاث روايات: “كوكب عنبر” التي حصلت على جائزة ساويرس عام 2011، “عام التنين”، و”عطارد."

المصدر: قل