Menu

العقد الاجتماعي: هل الشعب الفلسطيني نسف العقد الاجتماعي بينه وبين السلطة؟

ثائر أبو عياش

في البداية يُطرح السؤال في مضمار المناقشة لعل الإجابة تأتي بالعدالة لمن يستحق الحق، ذلك هو السياق الذي نخوض فيه، إذ من الذي قام بضرب منظومة الأخلاق، ولم يعمل يومًا واحدًا في معمل التاريخ، وبل من الذي تهرب من القوانين، وأكثر من هو الذي ضرب بنود العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم؟، هذا السؤال الذي تدور حوله هذه المقالة، القصد هي السلطة الفلسطينية التي تنصلت من دورها اتجاه الشعب الفلسطيني، أم أنّ الأخير هو من قام بتمزيق الاتفاق مع السلطة استنادا إلى العقد الاجتماعي؟، وأكثر من ذلك كيف يحكم الشعب الفلسطيني اليوم، هل يُحكم بحسب الفلسفة التقليدية للحكم، أم بحسب الفلسفة الحديثة؟

إلى صلب الموضوع، يُعتبر العقد الاجتماعي هو بمثابة القانون الذي يُنظم ويرسم العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم، وعلى الرغم من اختلاف الطروحات في مفهوم العقد الاجتماعي بين الفلاسفة، سواء هنا نتحدث عن الفيلسوف هوبر، أو حتى جان لوك، أو جان جاك روسو، إلا أنّ هناك شبة اتفاق أنّ الحاكم هو طرفًا في الاتفاق، وعلى الحاكم الالتزام ببنود هذا الاتفاق، بموجب التعاقد ما بينه وبين الشعب، بالإضافة إلى أنّ مخالفة الحاكم للبنود تُعد سببًا لفسخ الاتفاق، فضلًا عن ذلك يُعتبر الحاكم هو بمثابة وكيلًا عن الشعب في إطار محدود، وليس وكيلًا عن جميع كل الأشياء التي تخص الشعب.

استنادا إلى ما سبق، وبالعودة إلى السؤال عن الذي قام بمخالفة بنود الاتفاق فيما يخص قضية الشعب الفلسطيني، يمكن هنا القول وبناء على الوقائع أنّ السلطة الفلسطينية هي من قامت بالتنصل من الاتفاق بموجب العقد ما بينها وبين الشعب الفلسطيني، إذ مارست السلطة الفلسطينية على مدار أكثر من ثلاثون عامًا سياسة التنسيق الأمني، وتشويه مفهوم المقاومة، بالإضافة إلى فشلها في تحقيق حرية الشعب الفلسطيني، وبطبيعة الحال يُتعبر ذلك بمثابة الهروب من أُسس الاتفاق ما بينها ما بين الشعب الفلسطيني، خصوصًا أنّ السلطة الفلسطينية حتى ما بعد السابع من أكتوبر 2023 قامت بالاستمرار في سياستها، وأكثر مارست دورها كشرطي ضد أهداف الشعب الفلسطيني.

إذن، يطمح الشعب الفلسطيني لانتزاع حقه في تقرير المصير، وتحرير كامل فلسطين التاريخية، وهذا ما جعل الشعب الفلسطيني يقوم بوضع بيضه بالكامل في سلة المقاومة،  والبدء بترسيخ بنود اتفاق جديدة مع المقاومة، حيثُ الشعب الفلسطيني عندما قام بالتنازل عن جزء من حقوقه في سبيل أنّ تقوم السلطة الفلسطينية بالحكم قد فشل، إذ الشعب الفلسطيني كان يأمل أنّ تقوم السلطة أولاَ وقبل كل شيء بالدفاع عنهُ، وهذا ما يجعل الشعب الفلسطيني اليوم يُمارس حقه بالسيادة على الاتفاق، تحديدًا بعد أنّ تبين بالدليل أنّ السلطة لا تسعى للالتزام ببنود العقد.

يُبحر بنا النقاش السابق إلى زاوية أخرى، إذ بعد أنّ تنصلت السلطة الفلسطينية من بنود الاتفاق، قامت بقطع شعرة معاوية، حيثُ السلطة بالتزامها بسياسة التنسيق الأمني، وما يُعرف بالتعايش السلمي، والاتفاقات...، كانت على الطرف الآخر من الشعرة تقوم بشدها بقوة، أما عن الشعب الفلسطيني هنا، والذي كان يقف على الطرف الآخر قام هو الآخر بالشد بقوة على طرف الشعرة، ولكن هنا كان الشد بالنسبة للشعب يفرق، حيثُ كان الشعب الفلسطيني يسعى للتمسك بحقوقه المشروعة، ولكن السلطة لم تقوم بتخفيف قبضتها، بل على العكس، وأكبر مثال على ذلك هو أنّ السلطة رغم الحرب ما بعد السابع من أكتوبر 2023 ما زالت تُمارس سياسة الاعتقال السياسي، وتُطارد المقاومين في الضفة، والأدهى أنها تتهم المقاومة بأنها كانت سببًا في تدمير الشعب الفلسطيني.

يأخذنا النقاش إلى مربع آخر، إذ هنا يُطرح السؤال، كيف يُحكم الشعب الفلسطيني اليوم، هل يُحكم بحمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة، القصد يُحكم بهوى الحاكم، أم أنهُ يُحكم بمقتضى النظر العقلي، أي الدستوري، وأخيرًا هل يُحكم بحسب بحمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي¹؟، وقبل نقش الإجابة، نذهب إلى السؤال آخر، من الذي يُقرر حقوق الشعب الفلسطيني، هل هو الشعب ذاته، أم السلطة الحاكمة؟، أما عن إجابة السؤال الثاني، نعود إلى العقد الاجتماعي حيثُ يُعتبر الشعب هو صاحب السيادة على الاتفاق، وهو من يُقرر التنازل عن جزء من حقوقه في سبيل تحقيق المثل العليا المتمثلة في الحرية اولًا، والديمقراطية، والمساواة، والعدالة...، وهذه الإجابة تأخذنا إلى السؤال الأول، وتقول هنا الإجابة: أنّ الشعب الفلسطيني يُحكم بمخالفة بنود العقد، أي يُحكم بحسب هوى الحاكم، وهذا بدوره ما يجعل الاتفاق ما بين الشعب الفلسطيني، والسلطة الفلسطينية قد أصبح باطلًا من وجهة نظر العقد الاجتماعي.

أخيرًا وليس آخرًا، من جديد قطعت السلطة شعرة معاوية عبر وقوفها ضد طموحات الشعب الفلسطيني عبر سياسة التنسيق الأمني تحديدًا، ونسفت بنود الاتفاق بموجب العقد، ومن جديد أيضًا وضع الشعب بيضاته كاملة في سلة المقاومة، وذلك يعني أنّ الشعب الفلسطيني قد قرر نسف الاتفاق مع السلطة، وأكثر قرر التنازل عن حقوقه للمقاومة بموجب عقد جديد، حيثُ يُدرك أنّ هذه الحقوق ستبقى مملوكه لهُ أولًا، مملوكه له أبدًا، ولذلك قام بمنح المقاومة تلك الحقوق، لأنه سيتمكن من استرداداها مرة أخرى عبر المقاومة.

¹. كريم، داودي،2015. مقدمة السياسة الشرعية في فكر أبن خلدون، نظم الحكم عند ابن خلدون، عدد 2، جامعة سيدي بلعباس