تلاقحت ثقافات العالم الموسيقية والتراثية ذات البعد الروحاني الكلاسيكي مع حجارة القدس العتيقة وأسوارها، على مدار أيام، خلال مهرجان «رحلة الروح» للموسيقى الذي نظّمته «جمعية الكمنجاتي» الموسيقية في مدينة رام الله، ليس فقط في القدس، وإن كانت القدس العنوان الأبرز، بل في المحافظات الفلسطينية كلها.
وما نظمته «الكمنجاتي» أخيراً، كان مهرجاناً عالمياً مخصصاً للموسيقى التقليدية والروحانية، وهو عبارة عن «رحلة مستمدة من قلب فلسطين إلى حيث جماليات مدينة القدس، عبر الموسيقى الروحانية والتقليدية».
واستندت فكرة تأسيس المهرجان، وفق القائمين عليه، إلى «أن الوقت حان لتوسيع فهم الناس عن فلسطين، وإعطاء عالم الموسيقى بعداً عالمياً، من خلال الترحيب بالثقافات الموسيقية الأخرى. ومن بين أهداف المهرجان منح فرصة جديدة للحياة في فلسطين بشكل عام، وفي مدينة القدس بشكل خاص».
ومثّل مهرجان «روح الروح»، من بين ما يمثله، «رحلة موسيقية وجولات تستهدف تسليط الضوء على الثروة المعمارية للمدينة، وعلى سكانها، بدءاً من السكان الرحّل الذين عرفوا الأحجار الكريمة وقساوة الصخور الصحراوية، إلى منغوليا والهند، ومن الأندلس إلى راجستان، ومن أجداد أفريقيا إلى آسيا القديمة». بذلك يكون المهرجان بمثابة «لقاء بين حاضر القدس وغيرها من كنوز العالم»، علاوة على البحث عن «مفهوم الوقت، أي انتقال الثقافة من جيل إلى جيل، وإرث المعرفة عبر القرون». كما يسلط الضوء على «ظاهرة الانتماء والهوية، والتنوع الثقافي في مختلف القارات»، لتأكيد أن «فلسطين موطن رائع للتراث المقدس».
ومن هذا المنطلق، جاءت مسارات الرحلات إلى القدس بالشراكة مع «ديوان فوياج للسياحة البديلة»، فإضافة إلى العروض الموسيقية، نظم المهرجان جولات إلى القدس تحت عدد من العناوين، بينها «القدس عبر التاريخ»، و «جولة بديلة للقدس الشريف»، و «القدس البيزنطية»، و «القدس المملوكية»، و «القدس العام 1900»، و «التجمعات السكانية في القدس»، و «جولة بديلة في البلدة القديمة»، إضافة إلى زيارات لجنين، ونابلس، ورام الله، وعدد من البلدات والقرى التابعة لكل منها.
وشاركت في المهرجان فرق أجنبية، مثل «لي سوبريز» الفرنسية، و «ثنائي تانغيانو» و «محمد أبو ناجي» الإيطالية - الفلسطينية، و «عمرة» من منغوليا، إضافة إلى الفنانين ديفيد ليوي، ومايكل دابروسكي الأميركيين، والفنان الهندي شوتا ديفانا، إضافة إلى فرق فلسطينية، منها «ثلاثي شغف»، و «الديوان». واشتمل «روح الروح» أيضاً على مداخلات للفيلسوف وعالم الأنثروبولوجيا التونسي يوسف صديق، والخبير الفرنسي اليوناني في علم الآثار والأجناس بيار جي ستيفانوبولوس، والمتخصص الفلسطيني في حفظ المواقع المعمارية وعلم الأنثروبولوجيا الفلسطيني خلدون بشارة، إضافة إلى معرض صور فوتوغرافية حول القدس سبق أن نظمه معهد العالم العربي في باريس لعام 2002.
وقال رئيس مجلس إدارة «جمعية الكمنجاتي» رمزي أبو رضوان: «الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال، وبالتالي إمكان التعرف على ثقافات العالم، والموسيقية منها على وجه الخصوص، ضئيل، ولا يتوافر إلا نادراً للبعض، فكانت الفكرة تنظيم مهرجان للموسيقى الروحية والصوفية والكلاسيكية، بمشاركة نخبة من الفنانين والفرق من دول في مختلف القارات، لتتلاقح موسيقاهم بموسيقى الفرق الفلسطينية على مدار أكثر من أسبوع، في القدس بالأساس، ومحافظات الضفة الغربية». وأضاف: «اختيرت مواقع غير مألوفة لاستضافة العروض، وذلك لإيجاد حالة من التواؤم ما بين المكان والموسيقى، فكانت الكنائس والأديرة ومركز الطفل العربي في القدس، وعند المدينة الرومانية في سبصطية قرب نابلس، وفي البلدة القديمة لمدينة نابلس، والأمر ذاته ينطبق على جنين ورام الله».
ونجح المهرجان عبر الموسيقى في أن يكسر الحواجز، ويمد جسور التواصل بينه وبين العالم، رغم معوقات الاحتلال، والحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري على الأرض، فتوحدت فلسطين مع العالم بموسيقى تكسر الصمت، وتخترق دواخل مستمعيها، محلقة بهم إلى عوالم جديدة.