أقام فريق " مؤسسة عشتار للانتاج والتدريب المسرحي " بقيادة المؤلف علي أبو ياسين مسرحية " روميو وجوليت " في مؤسسة سعيد االمسحال للثقافة والعلوم بمدينة غزة .
حيث تدور أحداث المسرحية في قطاع غزة كما يصورها الكاتب عبر قصة "يوسف"، الذي جسد دوره أمجد أبو ياسين، و"سها"، التي قدمت دورها ياسمين كاتبة، اللذان يدرسان الطب في غزة ويتعرفان على بعضهما في ندوات وورشات عمل لتتطور العلاقة إلى حب عنيف تقف "عائلتيهما" عائقا أمامهما.
علاقة العشق بين الشابين والعداء التاريخي بين العائلتين تتشعب أحداثه ليعكس تفاصيل أخرى تعيشها غزة. فالعائلتان بدتا وكأنهما أطراف انقسام لا يلتفتا إلى الحب وطموح الشباب بقدر ما يهمهما استمرار الكراهية.
نقاشات حادة بين "سها" التي تحاول اقناع أمها، أدت دورها هبة داوود، بأن الحب طريق حياة وأمها التي تتمترس وراء أن الحب لا فائدة منه طالما عرقل حياتهم ولا يحمي أصحابه. البطالة والهجرة معضلتان برزتا عبر مجموعات الشباب في مقهى يقضون طول وقتهم يلعبون ويتسامرون وينهمكون في جدالات من أجل الجدال.
لم يغب الاحتلال، بالطبع، بتفاصيله وعرقلته العلاقات الانسانية قدمه المخرج من خلال أم سها النابلسية التي تزوجت الغزي بعد تعارف في القاهرة خلال دراستهما للطب. لكن الأم لم تر أقاربها الذين تشتتوا في لبنان وعمان و سوريا ولم يستطع أبواها زيارتها في غزة بسبب الحصار والعراقيل الاسرائيلية. تتطور قصة الحب لتجسد حالة الانقسام الفلسطينية وآثارها العميقة على تفاصيل الحياة اليومية يقدمها المخرج عبر التاجر "عوني السعيد" الذي جسد دوره جواد حرودة و"الدكتور وصفي" الذي قدم دوره أكرم عبيد.
يتصاعد الصراع على "المخترة" ومن يكون "كبير الحارة" ليتدخل الحاج "القهوجي"، قدم دوره زهير البلبيسي، الذي يعيش حالة حب أيضا ينتظر معشوقته بأمل كبير منذ 40 عاما. "القهوجي" المفعم بالأمل يحاول اصلاح ذات البين وإعطاء طريق للحب فيزجر الأبوان بتشديده ألا كبير بينهم طالما الجميع تحت الاحتلال "منافسكم عالية واحنا وجهنا في التراب".
وبدا "القهوجي" مترحما على الرئيس ياسر عرفات باسترجاعه ذكرى "المختار" الذي كان "يجمع الحارة" وبعد وفاته تشتتت الحارة والجميع يريد أن يدون مختارا. يستمر الصراع ليلجأ "يوسف" إلى الهجرة عبر البحر ويهرب من غزة تاركا كل شيء وراه بعد أن سربله اليأس. الكاتب عاطف أبو سيف قال لـ"البوصلة" إن المسرحية تحاول ملامسة الواقع في فلسطين عبر قصة حب كلاسيكي تدور أحداثها في غزة.
وأضاف أن المسرحية مبضع في جسد الانقسام واستعارة للواقع السياسي والثقافي والاجتماعي، حيث تُداس أحلام الناس والشبان الذين يفقدوا الأمل وفي النهاية يغادروا غزة. وشدد أبو سيف على أن العمل يقدم تعرية للواقع وهو صدمة للمشاهد أن الواقع الذي تعيش ليس الواقع الذي من المفترض أن تعيش ولا الذي تتمنى. "من يستطيع أن يعيش في مكان لا يستطيع أن يحب فيه." وكانت صحيفة "الانديبيندنت" البريطانية قد كشفت على موقعها الالكتروني (في 25 مارس 2016) أن ملحمة الحب مسرحية "روميو وجوليت"
للمسرحي الانجليزي وليام شاكسبير يدرسها طلاب الثانوية في الضفة الغربية (التي تخضع للسلطة الوطنية الفلسطينية) لكنها حُذفت من المناهج المدرسية في غزة الذي تسيطر عليه حماس واستبدلتها بمسرحية "الملك لير". "أنا كفلسطيني يعيش في غزة مصدوم لحجم تأثير الانقسام على حياتنا، كيف يمنع حياتنا ويقتل أحلامنا ويمنع تطورنا ويدفعنا للخلف بدل من التقدم للأمام."، قال أبو سيف.
ولفت أن العمل هو "مماحكة" لمسرحية "روميو وجوليت لشكسبير لذا حملت الاسم نفسه كـ"غستعارة ومماحكة ساخرة". المخرج أبو ياسين قال إن المسرحية فيها رمزية واضحة عن الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني ورمزية التحدي بين من يصنعون الحب ومن يصنعون الكراهية.
وأضاف أبو ياسين في تصريح لـ "البوصلة" إن العمل اتسم بالوضوح والواقعية حتى في أعمار الممثلين الذين قدموا جيلين مختلفين." ولفت أنه لم يواجه صعوبات في أداء الممثلين الذي بدا جيد جدا لكن الصعوبات التقنية كانت هي العائق أمام تقديم عرض أفضل.
الجمهور خرج مبتسما من العمل الذي لم يخل من "قفشات" فكاهية رغم نهايته المؤلمة بهجرة "يوسف" عبر بحر غزة إلى مصير مجهول. الشاب محمد المدهون (20 عاما) أشاد بالعمل وبفكرة العمل بقوله: "المسرحية تعكس واقع حقيقي، لم أشعر أن من على المسرح يمثلون، شعرت أن البطل يوسف يمثلني...
لكني لن ألقي بنفسي في البحر" قال المدهون مبتسما. لآوورا، مواطنة إيطالية مقيمة الآن في غزة، قالت إنها رغم عدم اجادتها للغة العربية لكن العمل جميل بشمولية مكوناته، وأداء الممثلين القوي أبهرها. من جانبها،
ذكرت الشابة عبير عمر إنها أعجبت بفتيات يقفن على خشبة المسرح "صحيح أن الحوارات بين الأم وابنتها داخل البيت ولا ضرورة للحجاب لأنهما مفترض في البيت لكن الأداء جميل... يجب أن ينتهي الانقسام ليبقى عندنا أمل".
وشارك في العمل الذي مولته مؤسسة "روزا لوكسمبورغ" كلاً من : هبة محمد قاسم وايهاب عليان ومحمود عفانة وعلى الحسني ومحمود أبو شعبان وأنس أبو عيطة. ديكور اسماعيل دحلان واضاءة طارق حميد ونضال عيسى.