Menu

«الإيباك» والكيان.. العلاقة والمصير

د.فايز رشيد

«الإيباك» تتسبب بضرر كبير ل«إسرائيل»، هذا ما قاله الكاتب الصهيوني روغل ألفر، في مقالة له بعنوان «اليهود الأمريكيون الأعزاء، اتركونا وشأننا»، («هآرتس» 25 /9 الماضي 2016). يصف الكاتب نشاط اللوبي الصهيوني المؤيد للكيان في الولايات المتحدة، «بالعمل مثل المافيا»، وأن منظمة «الإيباك» تعمل في النهاية على هدم «إسرائيل»، من خلال «الزعرنة المالية». وحسبما يقول فإن «»إيباك» تمنع المستوطنين في «إسرائيل» من حقهم في تقرير مستقبلهم في الشؤون المصيرية»، بما في ذلك مستقبل المناطق. ويُنهي مقالته بكلمات «لتذهب «إيباك» إلى الجحيم». 
وللكشف عن مزيد من حقيقة هذا الكاتب، نورد ما يقوله في مقالة أخرى له(«هآرتس» 19 أكتوبر/تشرين أول 2015) بعنوان «اعتذار للقاتل»، فهو يكتب ما يلي: «لو صدف وأن قام فلسطيني بقتلي في عملية، ستكون كلماتي الأخيرة: أطلب منك الصفح عني، وعن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بك». والكاتب هو من تيار صهيوني جديد، نشأ حديثاً في الكيان، ويحمل وجهة نظر مضمونها، أن «إسرائيل» تحفر قبرها بيديها، إذا ما استمرت في سياساتها العدوانية، وحروبها العبثية على الآخرين، كما استيطانها، كما عدم اعترافها بحق الفلسطينيين في دولة. 
أصحاب هذا التيار، بدأوا يتحدثون عن ظاهرة تنامي الفاشية في الكيان، وإمكانية حدوث حرب أهلية بين مكوناته الإثنية التي ما زالت تفتقد إلى التجانس (حتى في أدنى درجاته)، رغم ما يقارب السبعة عقود على إنشائه. أصحاب هذا التيار هم، كتاب، صحفيون، علماء، مفكرون، سياسيون وعسكريون. إنهم صهاينة أولاً وأخيراً، لكنهم يرون مستقبل دولتهم بمنظار آخر. 
«الإيباك» هي باختصار: المؤيد الصهيوني الأول للسياسات الأكثر تطرفاً وعدوانية في الكيان الصهيوني. أعادتني مقالة ألفر لما سأورده تالياً، وبخاصة أننا نعيش مرحلة الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأمريكية، التي أثبت المرشحان فيها في مناظرتهما الأولى قبل أيام، أنهما يزايدان (كأنهما في بازار صهيوني، وليس أمريكياً)على من منهما سيكون الأكثر إخلاصاً للكيان في حالة نجاحه.

يتذكر القرّاء الدراسة القيّمة جداً (المنشورة قبل بضع سنوات) التي أعدها الباحثان السياسيان الأمريكيان المرموقان: جون ميرشتايمر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، وستيفن والت من كلية كينيدي للشؤون الحكومية بجامعة هارفارد، اللذان يؤكدان فيها: إن اللوبي الموالي للكيان في الولايات المتحدة، نجح في إقناع المشّرعين والمسؤولين الأمريكيين- بل حتى والرأي العام الأمريكي - بأن عليهم تأييد «إسرائيل»، رغم أن هذا التأييد يتعارض تماماً مع المصلحة القومية الأمريكية. تماماً، مثلما أن التحرك الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، ناتج كلياً تقريباً عن المواقف السياسية الأمريكية المحلية، خصوصاً نشاطات اللوبي الصهيوني.

ولعل المغزى الرئيسي في الدراسة هوإن جماعة الضغط الرئيسية الموالية للكيان في الولايات المتحدة، وهي اللجنة اليهودية الأمريكية «الإيباك»، الباهرة القوة والمستفحلة النفوذ، هي السبب الرئيسي المسؤول عن السياسة الخارجية الأمريكية، المنحازة والمحابية «لإسرائيل» في المنطقة. أيضاً، أشار السياسيان البارزان في المحافل الفكرية والأكاديمية الأمريكية، إلى كيف أن هذه اللجنة ومثيلاتها من المنظمات المؤيدة ل«إسرائيل» في الولايات المتحدة، نجحت في حمل الولايات المتحدة على تقديم ما مجموعه 140 مليار دولار للكيان منذ إقامته، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تقدم لكل مواطن «إسرائيلي» نحو 500 دولار كدعم سنوي ثابت منذ إقامة «إسرائيل». وتشير أيضاً، إلى أن «إسرائيل» بسكانها اليهود الذين لا يزيد عددهم على 5 ملايين نسمة، تحصل على ثلث المساعدات الخارجية الأمريكية السنوية الكلية، تاركة الثلثين المتبقيين، لبقية مليارات الناس في دول العالم الثالث الفقيرة. كما تؤكد، أن حجم هذه المساعدات للكيان مثير للدهشة في ضوء أن مستوى الدخل السنوي للفرد فيه يتفوق على مستويات دخل الفرد في بعض الدول الصناعية المتقدمة، ككوريا الجنوبية. 

للعلم، الدراسة لم تجد طريقها للنشر في أي من الصحف الأمريكية الكبيرة، مثل «الواشنطن بوست»، أو «النيويورك تايمز»، أو «لوس انجلوس تايمز»، لذا نشرها مؤلفاها في مجلة «ذي لندن ريفيو أوف بوكس»، وانبرى رأساً عدد كبير من مؤيدي اللوبي الصهيوني والكيان، للرد على الدراسة واصفين إياها بكل الأوصاف والنعوت الشريرة، والتهمة الجاهزة حتماً «العداء للسامية».

بالطبع، جرى فصل الباحثين من منصبيهما، وعُتّم عليهما إعلامياً، مقالة ألفر، ونهج «الإيباك» يؤكدان أيضاً، إيماننا المطلق، بأن دولة الكيان ماضية إلى زوالها المحتوم.