أثارت حملة مقاطعة “إسرائيل” التي عرفت بـ”bds” جدلًا واسعاً، بين مؤيدين يرون فيها طريقًا نضاليًّا للضغط على الصهاينة، وآخرين يرون فيها انحرافًا عن الثوابت الخاصة بالصراع العربي الصهيوني، التي تتمثل في فهم الصراع باعتباره وجودًا لا حدودًا، لن ينتهي إلَّا بتحرير كامل التراب العربي المحتل، وتحرير فلسطين من البحر للنهر، والقضاء على المنظمة الصهيونية، الذي تمثل رأس حربة للاستعمار العالمي.
أولًا، عندما تراجع أوراق الحملة التي انطلقت عام 2005، ستجدها تنطلق من الاعتراف بالكيان الصهيوني على الأراضي المحتلة، ويتمثل منهجها واستراتيجيتها، في الضغط على الصهاينة للامتثال لقرارات الأمم المتحدة، وتتمثل أهدافها، في العودة إلى ما قبل حدود يونيو 1967، وهدم الجدار العازل، كما يطالبون بمنح الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الأراضي المحتلة نفس حقوق المستوطنين الصهاينة، وحماية وتعزيز حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، تنفيذًا لقرار الأمم المتحدة رقم 194.
ربما ينطلق البعض في تأييده لهذه الحملة، فيما يتردد عن ما حققته من نجاح نسبي في الضغط على الصهاينة، لكن بنظرة بسيطة لمضمون الحملة وأهدافها، سنجد المستفيد الأول والأخير منها هم الصهاينة أنفسهم، الذين يسعون جاهدين بكل السبل، للحصول على اعتراف عربي شعبي بوجودهم، بعد أن حصلوا على اعتراف رسمي من أنظمة “لا عربية” وقعت على معاهدات استسلام كـ”كامب ديفيد أو وادي عربة”، في حين أن هذه المعاهدات لم تفلح في الاعتراف الشعبي بالصهاينة، وخطورة هذه الحملة الحقيقية، ليس أنها تدس السم في العسل فقط، من خلال الدعوة للنضال ضد الصهاينة، فيما تحمل دعوتها اعترافًا بهم، بل أن الأمر يتعدى ذلك، لتغيير بوصلة الصراع لدى النخبة والقوة الفاعلة في المجتمع التي قادت تيار مقاومة التطبيع إلى إعطاء الاحتلال شرعية الوجود عالميًّا.
يعرف الصهاينة، أنهم لا أمان لهم، باتفاقيات وقعت مع أنظمة وحكام، وأن هذه الاتفاقيات لا تعدو حبرًا على ورق، سيتبخر بمجرد زوال هذه الأنظمة، وأن الضمان الوحيد هو تغيير قناعات الشعوب، التي تري فيهم عدوًّا.
ينطلق مؤيدو الحملة من منطق أن علينا التفاعل مع أي حملة دولية، تساهم في الدفاع عن القضايا العربية، وبالتالي لا بديل لنا سوى الانضمام لـ”bds ” والرد أن الشعب المصري ونخبته الفاعلة التي نجحت في التصدي لكل محاولات تطبيع العلاقات مع الصهاينة، منذ توقيع السادات على معاهدة كامب ديفيد، هو من أسس اللجنة الوطنية لمقاومة التطبيع، بعد توقيع معاهدة الاستسلام المسماة “كامب ديفيد”، وأول من دعا لمقاطعة المنتجات الصهيونية والشركات الداعمة للاحتلال بعد توقيع اتفاقية “الكويز”، وبالتالي نحن غير مضطرين للمشاركة في حملة تختلف مع قناعاتنا تعترف بالمحتل وتقبل بحل الدولتين.
يرى البعض أن هناك فلسطينيين يؤيدون الحملة، ويعتبرون أنهم أكثر معرفة منا بالواقع، لكن الحقيقة المؤكدة، أن الفلسطينيين يدفعون ضريبة الدم عن كل العرب، لكن القضية الفلسطينية لا تخص الفلسطينيين وحدهم، بل هي القضية العربية المركزية، وبالتالي أي تراجع عن الثوابت هو الهزيمة الحقيقية التي سننالها في صراعنا مع الصهاينة.
نقلا عن البديل