Menu

حال الأمة .. أنظمة قمعية مستبدة وجماهير غائبة عن وقع الحدث

محمّد جبر الريفي

نسيت الجماهير العربية التي كانت تعبر عن غضبها بالمظاهرات الحاشدة في العواصم العربية عند كل عدوان أجنبي أو مأساة يتعرض لها أي قطر عربي نسيت ذلك الحماس والتعاطف مع القضايا القومية العربية كما حصل أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 56 كرد على تأميم ثورة 23 يوليو المجيدة شركة قناة السويس، ومع ثورة الجزائر العظيمة ضد الاستعمار الفرنسي الذي دام عقود طويلة حاول خلالها طمس الهوية القومية والدينية للشعب الجزائري وقد وصل التعبير عن التعاطف مع الشعب الجزائري في ذلك الوقت أن باعت النساء في كثير من الدول العربية الحلي التي تمتلكها بغرض الزينة للتبرع بها، وكذلك التعاطف في تلك الفترة مع ضحايا المذبحة التي اقترفها الفرنسيون في قرية ساقية سيدي يوسف التونسية في أوائل الستينات من القرن الماضي، وغير ذلك من التعاطي مع الأحداث السياسية القومية التي كانت تجد صداها الفوري في الوطن العربي تعبيرا بذلك عن قوة المشاعر القومية والدينية.

أصبحت الجماهير العربية الآن بسبب حدة المشاكل الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها يوميا جماهير بليدة خالية من الإحساس الوطني والقومي لا اهتمام لها إلا لإشباع حاجاتها المعيشية وبصورة استهلاكية نهمة في إطار الاندماج مع نمطية الحضارة الغربية البرجوازية فلا فاعلية شعبية قومية تقوم بها ولا بلاغ يصدر عنها يعبر عن تضامنها أو رفضها، جماهير محاصرة بكل أشكال الثقافة السياسية الرجعية والإقليمية التي شرعت منذ فترة ليست قصيرة تغزو القيم الوطنية والقومية والإسلامية النبيلة غزوا شاملا عبر أجهزة أيديولوجية رفيعة المستوى مزودة بكافة تقنيات العصر في محاولة لتدمير إرادة الصمود والتحدي.

فالكيان الصهيوني يمنع رفع الأذان في مساجد القدس ويستباح الأقصى يوميا من قبل قطعان المستوطنين الصهاينة العنصريين ويتعرض قطاع غزة للعدوان الإسرائيلي في ثلاثة حروب مدمرة ويستمر الحصار علية ويعاني سكانه الذي بلغ تعداده مليوني نسمة من أزمة كهرباء طاحنة تحيل ساعات طويلة من ليلهم إلى ظلام دامس وتدمر مدينة حلب الشهباء السورية عاصمة الدولة الحمدانية ليل نهار وتقتل أسر بريئة بكاملها من نساء وشيوخ وأطفال تحت أنقاض بيوتها المدمرة بالكامل جراء صواريخ وبراميل ومدافع حرب ضروس قذرة طالت مدتها ولا بريق أمل في وقفها قريبا بسبب انها لم تعد من أجل تحقيق الديموقراطية بل تحولت إلى حرب بالوكالة بين الأطراف العربية والإقليمية والدولية، وفي العراق الشقيق يتفكك نسيجه الاجتماعي بسبب الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة ويرتكب الحشد الشعبي الشيعي جرائم ثأرية بشعة ضد أهل الموصل الذين جعلهم تنظيم داعش الإرهابي رهائن لإبقاء سيطرته على المدينة.

وتحدث أشياء مأساوية كبيرة في الوطن العربي في المشرق والمغرب والجماهير العربية كالأنظمة العربية لا فرق بينهما فالنظام السياسي في كل قطر عربي همه الوحيد البقاء في السلطة وممارسة الاستبداد السياسي والجماهير العربية همها الوحيد المحافظة على مصلحتها المعيشية وإشباع حاجاتها الاستهلاكية التي تتهافت عليها بشراهة بسبب شعورها بالحرمان.

أما ثورات ما سمي بثورات الربيع العربي التي انطلقت ضد ظاهرة الاستبداد السياسي للسلطة الحاكمة والعمل على تحقيق الديمقراطية هذه الثورات كفاعليات شعبية فقد كانت شعاراتها ايضا مطلبية معيشية خالية من أي عناوين سياسية قومية لذلك سرعان ما انحرفت عن هدفها الأساسي التي انطلقت من أجله ومع انحرافها عمت الفوضى السياسية والأمنية في المنطقة وهمشت على أثر ذلك أكثر القضايا السياسية القومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي لم تعد لها الأولوية لا في اهتمام الأنظمة السياسية ولا في اهتمام الجماهير.

هكذا أصبح حال الأمة العربية يشهد تراجعا كبيرا في التعاطي مع القضايا السياسية القومية فلا يوجد في الواقع السياسي العربي المعاصر سوى أنظمة قمعية مستبدة وجماهير غائبة عن مسرح الأحداث السياسية الكبيرة التي لها طابعها القومي.

جماهير استهلاكية مستلبة حضاريا لا تصنع الحدث ولا تتأثر به، والسؤال الهام يوجه للأحزاب السياسية العربية الوطنية والقومية واليسارية عن هذه الحالة التي كان ضعف دورها التنظيمي عن القيام بمهمتها السياسية النضالية التعبوية سبب في وجود هذا الوضع المتردي؟