اقترح الصديق والكاتب الجريء أحمد يوسف على حركته "حماس" أن تقوم بحل اللجنة الإدارية؛ لتسحب الذرائع من يدي الرئيس محمود عباس . ولم نسمع ردًا من "حماس" على هذا الاقتراح، مع توارد أنباء متضاربة أن إسماعيل هنية، رئيس "حماس"، سيقدم خطابًا يمكن أن يتضمن حلًا للجنة الإدارية. وهذا إن حدث فهو قرار مهم، لكنه لا يكفي إذا كنّا نريد فتح طريق إنجاز الوحدة الوطنية، وليس سحب الذرائع ومحاولة كل طرف إلقاء المسؤولية على الطرف الآخر.
يكمن الخلل في تغليب المصالح الفردية والفئوية وإعطاء الأولوية للصراع على السلطة والتمثيل، وتبلور بيئة سياسية اقتصادية أمنية ثقافية نمت في ظل أوسلو والانقسام، والتغاضي عن ضرورة طرح البرنامج القادر على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وإعادة بناء الحركة الوطنية.
إنّ مفتاح الخروج من المأزق يكمن في عبارة واحدة "الإيمان بالمشاركة الحقيقية"، وليس سعي طرف لاستعادة سيطرته على قطاع غزة، وسعي الطرف الآخر للحفاظ على هذه السيطرة وتحقيق إنجازات أخرى من خلال السعي للدخول إلى المنظمة.
في هذا السياق، أقدم الاقتراحات التالية التي جاءت حصيلة حوار وطني ابتدأ منذ تأسيس مركز مسارات ولا يزال مستمرًا:
مطلوب من "حماس" التخلي عن سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، وتمكين حكومة وحدة وطنية من ممارسة مهماتها. وهنا، لا يكفي حل اللجنة الإدارية على أهميته، بل على "حماس" أن تمكّن الحكومة من الحكم بالكامل في القطاع.
ومطلوب منها الموافقة على تغيير إستراتيجية المقاومة الأحادية، التي انتهت بتحويل المقاومة كوسيلة للدفاع عن السلطة، لصالح إستراتيجية وطنية موحدة تحتفظ بحق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال، وبسلاح المقاومة، وتجسيد المقاومة باعتبارها وسيلة، وليست غاية، تخدم إستراتيجية العمل الوطني في كل مرحلة، إضافة إلى مواصلة تعميق كونها جزءًا من الحركة الوطنية على كونها جزءًا من جماعة الإخوان المسلمين؛ ليصبح طابعها الأساسي هو الطابع الوطني.
في المقابل، مطلوب من الرئيس و"فتح" التخلي الكامل عن التفرد بالقرار الفلسطيني، والهيمنة على السلطة والمنظمة، وفتح الباب لمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي التي تؤمن بالمشاركة في الدخول إلى المنظمة، بما يحييها كمؤسسة وطنية جامعة.
كما مطلوب من الرئيس و"فتح" تغيير الإستراتيجية المعتمدة، والتخلي عن التزامات أوسلو المجحفة، وعن سياسة البحث عن تسوية سياسية اعتمادًا على المراهنة على الولايات المتحدة الأميركية، وعلى إظهار حسن النوايا والالتزام بالالتزامات ولو من جانب واحد، وإثبات الجدارة وبناء المؤسسات تحت الاحتلال، وتجنب المواجهة، والتركيز على العمل والنضال لتغيير موازين القوى على اعتبار أن هذا هو الطريق الوحيد للحفاظ على القضية حية، وعلى صمود الشعب، ولإنجاز أي حق من الحقوق الوطنية.
وبعد أن تحولت السلطة إلى غاية، وليست كمرحلة مؤقتة إلى حين إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة، بات ملحًا إعادة النظر في شكلها وطبيعتها ووظائفها والتزاماتها، وعلاقتها بالمنظمة لتكون أداة من أدواتها، وتتحول إلى سلطة مدنية خدمية رشيقة مجاورة للمقاومة، مهمتها الأساسية توفير عوامل الصمود والتواجد البشري الفلسطيني على أرض الوطن، على أنْ تنقل المهمات السياسية للمنظمة بصورة تأخذ بالحسبان الفرق ما بين وضع السلطة في الضفة والقطاع.
وفور الموافقة على ما سبق يتم:
تشكيل لجنة وطنية إدارية قانونية مهمتها إعادة النظر في الهيكل الإداري والوظيفي للسلطة في الضفة والقطاع، على أساس تحديد الأولويات والاحتياجات والمصلحة العامة، وتوفير أفضل الظروف لمواجهة التحديات وتوظيف الفرص المتاحة.
إعادة بناء الأجهزة الأمنية وتوحيدها وإصلاحها وتفعيلها في الضفة والقطاع على أسس مهنية ووطنية بعيدًا عن الحزبية.
قرار السلم والحرب قرار وطني لا يقرره فصيل أو شخص وحده، بل على أسس وقواعد مشتركة تجسد القواسم المشتركة.
الفصل ما بين السياسة والدين، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن الجنس والدين واللون والمعتقد.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن توفير متطلبات الخروج من المأزق المتمثلة ببلورة رؤية وطنية شاملة، وإقامة مؤسسات وطنية جامعة تخضع لقرار واحد وقيادة واحدة، وتسعى لتنفيذ إستراتيجية سياسية ونضالية مشتركة، والتحضير لإجراء انتخابات عامة ومحلية وقطاعية وانتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن ذلك، باعتبار الانتخابات في الظروف الفلسطينية ليست أداة للحسم الداخلي وإنما أداة من أدوات الصراع مع الاحتلال.
إن تحقيق هذه المقترحات صعب، إن لم يكن مستحيلًا، ولكن صناعة المستحيل هي إبداع الشعوب المناضلة من أجل حريتها واستقلالها، وطرحها مفيد لأنه يكشف تخلف القوى المهيمنة عن القيام بمسؤولياتها، وعجز القوى الأخرى عن تقديم بديل قابل للتحقيق، ويساعد تقديمها على إظهار أن هناك حلًا إذا توفرت القناعة والإرادة، وهو حل لا يخرج منه طرف منتصرًا وطرف آخر مهزومًا، بل يخرج منه الجميع منتصرين.
ما يجعل لهذه المقترحات فرصة للنجاح أن القضية تواجه تحديات مصيرية غير مسبوقة تهددها بالتصفية، وأنّ مختلف الأطراف تمر بأزمات مرشحة للتفاقم والانهيار التام.
فـ"حماس" لا تستطيع الجمع ما بين المتناقضات (التحالف مع محاور متصارعة)، واستمرار الرهان بعد أزمة الخليج على تحالفها مع قطر وتركيا، ولا استعادة تحالفها الذي سيكون مكلفًا جدًا مع إيران، ولا على تفاهماتها مع دحلان، لأنه يهدف إلى لعب دور سياسي سيكون من حصة "حماس" التي ستخشى دائمًا من تزايد تأثيره، ومن الصدام المحتمل القادم معه، خصوصًا إذا تبنى المقاربة التي يطرحها الحلف العربي الذي يدعمه والمعادي لها، وهي مقاربة لا مكان فيها لـ"حماس" "الحالية"، بل لـ"حماس" "جديدة" كليًا، وهذا ما لا تستطيع "حماس" تقديمه على الأقل في المدى المنظور.
أما الرئيس و"فتح" فهما أمام لحظة الحقيقة التي تقترب، لا سيما في ظل استمرار إسرائيل بابتلاع الأرض واستيطانها وطرد سكانها، بينما السياسة الفلسطينية التي تراهن على بقاء السلطة والرئيس والانتظار وكسب الوقت وتجنب المواجهة الحقيقية المفروضة ورفض قبول الحل المعروض تقترب من نهايتها، فإما اختيار المجابهة، أو المساهمة في تمرير الحل الإسرائيلي الذي يمكن أن يأخذ حاليًا شكل الحل الإقليمي، واسم "صفقة ترامب"، التي لن تمر حتمًا إذا كنّا موحدين. ويمكن أن تمر مؤقتًا إذا لم نتوحد إلى حين نهوض فلسطيني جديد.
إن قبول هذه المقترحات يفتح الطريق للخروج من الارتهان لما تريده إسرائيل من جهة، والمحاور العربية والإقليمية والدولية من جهة أخرى، ويوفّر المؤسسة الوطنية الجامعة التي تتسع للجميع دون استثناء ممن يقبلون بأسس المشاركة وقواعد العمل الوطني والديمقراطي، أما البديل عنها فهي الكارثة المحدقة.
يبقى الرهان دائمًا على الشعب الذي أثبت استعداده الدائم للعطاء، وعلى طلائعه الواعية، التي عليها التحرك للضغط وفرض إرادته وبعث الوطنية الفلسطينية. وهو رهان يستند إلى تاريخ الصراع الطويل الذي شهد رغم الأهوال والتضحيات ثورة وراء ثورة وانتفاضة وراء أخرى وصمودًا أسطوريًا، وإلى الميراث الوطني للثوار الفلسطينيين من مختلف الأطياف، وإلى الأبعاد العربية والإنسانية التحررية.
إن المطروح إسرائيليًا لا يميز حقًا بين "المعتدلين" و"المتطرفين" الفلسطينيين، بل تمضي إسرائيل في تطبيق مشروعها الاستعماري الاستيطاني، وتحث الخطى لتحقيق هدف إقامة "إسرائيل الكبرى"، وتأبيد فصل الضفة عن القطاع من دون تمكينه من التحوّل إلى دولة ذات سيادة، وإقامة معازل مقطعة الأوصال مأهولة بالسكان في الضفة، مع السعي الدائم لتهجير أكبر عدد ممكن منهم، تحت مسمى "حكم ذاتي"، مع ضمان السيطرة الإسرائيلية عليها لمنع حصول الفلسطينيين على الاستقلال، ولا على حق المواطنة في بلدهم الأصلي كجزء من حقوقهم الفردية والقومية حتى لا تتحول إسرائيل الحالية أو بعد ضم الضفة إلى دولة بأغلبية فلسطينية.