Menu

سيفُ آل سعودٍ ينحر عُنقَ "العوّاميّة"

2017727231638100636367941981009494

غزة_ مُتابعة بوابة الهدف

على مدار أسبوعٍ كاملٍ، لم يتوقّف إطلاق النار في حيّ المسورة وسط قرية العوامّية، التابعة لمحافظة القطيف، شرق المملكة السعودية، في ظلّ محاولات أجهزة الأمن إخلاء الحيّ وتهجير سكّانه، باستخدام شتّى صُنوف الترهيب والقمع، تحت ذريعة "التطوير والتنمية".

حقيقة ما تشهده قرية العوّامية التي يعود تاريخها لـ400 عام، بالكاد يُسمع عنه في وسائل الإعلام عامةً، والعربية خاصًة. والأخبار التي ترِد من وعن تلك المنطقة مصدرُها نُشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الشيعيّة، إضافة لوسائل الإعلام السعودية والتي تتحدث غالبيّتها بلسان الحكومة، أو تخضع لرقابة أمنية حكومية شديدة.

منذ العام 2011، وعلى شاكلة ثورات "الربيع العربي" تشهد المنطقة الشرقية للمملكة السعودية تظاهرات واحتجاجات، تتذبذب حدّتها، تُطالب بوقف سياسة التهميش وإعادة الحقوق المسلوبة للأهالي، إلّا أنّ الأحداث تصاعدت خلال الأشهر القليلة الماضية.

بدأ الأمر بمزاعم نشرتها المصادر الأمنية حول "انتهاء عملية تعقّب مطلوبين بإطلاق مُسلّحين النار على عناصر الأمن، ما استوجب التعامل معهم بالمثل". جاء هذا بالتزامن مع إقرار السلطات إخلاء حي المسورة وسط العوامية، لصالح تنفيذ ما أسمته "مشروع تنموي لتطوير الحي". وهو ما كانت أدانته الأمم المتحدة، ووصفت المشروع بـ"أعمال هدم لحيّ تاريخي"، مُتهمةً السلطات بمحاولة إجبار السكان على المغادرة دون إيجاد بديل مناسب لهم، في عملية تُهدد التراث التاريخي والثقافي للبلدة بأضرار لا يمكن إصلاحها. وهذا كّلّه تزامنَ مع زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى المملكة في مايو الماضي، وعليه، لم تحظَ أحداث العوّامية برمّتها إلّا بتغطية إعلامية قليلة جدًا.

ومنذ منتصف مايو الماضي حتى اليوم، ما انفكّت الاشتباكات تتجدّد بين القوات الحكومية المُدججة بالسلاح والآليات العسكرية، وشبّان من أبناء القرية ممّن قرّروا التصدّي لاعتداءات الحكومة.

السلطات السعودية تتّهم "الأهالي والشبّان المُعارضين" بالإرهاب، ومحاولات التخريب والتخطيط للانفصال، وهو ما يتّخذه المسؤولون السعوديون ذريعةً لتبرير إجرامهم في العوّامية. ففرضت قوات الأمن حصارًا على القرية، وقطعت عنها الماء والكهرباء، وكررت اقتحامها، كما نصبت الحواجز العسكرية في شوارعها.

ما تنقله الصور ومقاطع الفيديو، إضافةً لروايات شهود العيان من داخل القرية، أو ممّن تمكّنوا من الخروج منها للأحياء المحيطة، يُؤكّدون حصار الأمن للعوّامية وترويع أهلها وإجبارهم على ترك منازلهم وتهجيرهم قسرًا، بقوة السلاح، ناهيكَ عن تأكيد وقوع جرائم إعدام وقتل، "حتّى تكدّست الجثامين في طُرقات الحيّ"، وفقًا لما نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، في عددها الصادر قبل يوميْن، نقلاً عن شهود عيان. ولا تُعرف حصيلة الضحايا حتى اللحظة.

بعض الروايات تحدّثت عن نزوح أعداد كبيرة من العائلات من البلدة صوب القرى المجاورة في محافظة القطيف، فيما قالت إنّه" برغبةٍ منهم وهربًا من الاشتباكات، مع توفير الحكومة مأوى لهم في المناطق القريبة"، إلّا أنّ نُشطاء وعدد من أهالي البلدة أكّدوا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن ما يحدث هو تهجيرٌ قسريّ للأهالي بقوّة السلاح، وتحت وطأة الحصار وقطع الماء والكهرباء. يُدعّم الرواية الأخيرة، ما قالته إحدى نساء حيّ المسورة، في مقطع مُصوّر، تم إدراجه ضمن فيديو تعريفي حول ما تشهده القرية، نُشر بتاريخ 18 مايو الماضي، إذ قالت، باللّهجة المحلّيّة "هذي بيوتنا اللي ربّتنا وربّت عيالنا -أطفالنا-، عساهم يدفنونا تحتها ما بنقوم عنها -لن نتخلّى عنها-".

يُذكر أن غالبيّة سكّان العوّامية، وعددهم 30 ألفًا، هم من الشيعة، وهي مسقط رأس القائد الشيعي المُعارض نمر النّمر، الذي أعدمته السلطات السعودية، بتاريخ 2 يناير 2016، بزعم "تخطيطه للانقلاب والانفصال والتحريض ضدّ المملكة". رغم سلميّة معارضته، وتشديده في كلّ خُطبِه ودعواته على ضرورة نزع أي بُعدٍ مذهبي عن المطالب المُحِقة والمشروعة لسكان المناطق الشرقية في السعودية. تم اعتقال النّمر بالعام 2012 بعد إطلاق النار عليه، وحوكم على مدار سنوات، حتى صدر بحقّه حكم الإعدام، الجائر.

وما النمرُ إلا واحدٌ من مئات المعارضين للحكم الملكي السعودي، الذي يتعمّد تهميش المناطق الشرقية للبلاد، حتى تكون فزّاعة مذهبية يستخدمها للترهيب والتخويف، أو لكسب استعطاف بقيّة سكان المملكة من السنّة.

أصدرت السلطات السعودية أحكام إعدامٍ بحقّ 438 شخص خلال أقل من 4 سنوات، ما بين العامين 2014-2017، وفق إحصائية نشرتها مؤسسة "ريبريف" الحقوقية اللندنية، مطلع الشهر الجاري. وأوضحت فيها أنّ المملكة تستخدم عقوبة الإعدام كوسيلة لقمع المتظاهرين، فيما خلُصت إلى أنّ 41% من عمليات الإعدام التي نفّذتها السعودية، هذا العام، كانت على خلفية جرائم غير عنيفة.

وسجّلت السعودية - بحسب الإحصائية ذاتها- أعلى نسبة إعدام في عامي 2015 و2016، وسط حملة حكومية مستمرة ضد المتظاهرين والناشطين السلميين، تحت ستار تشريعات مكافحة الإرهاب. بالتزامن مع تنفيذها أول عملية إعدام جماعي، منذ سنوات، بإعدام 47 شخصًا في يوم واحدٍ، بتهمة "الإرهاب"، كان بينهم قاصرين، ومتظاهرين سلميّين.

وطالت أحكام الإعدام في المملكة، خلال السنوات الأخيرة، عددًا كبيرًا من الناشطين والمعارضين، كأعضاء جمعية "حسم" الحقوقية، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وكل ما يحصل عليه هؤلاء هو إدانات خجولة من بعض المنظمات الدولية، بدون ربط ما يتعرّضون له من اعتقال وتعذيب بما تشهده المنطقة من صراع نفوذ بين الدول.

وفي ظلّ كل ما سبق ذكره، يبرز التساؤل الأهم، حول دلالة توقيت العملية الأمنية السعودية ضدّ قرية العوامية وأهلها، ذوي الأغلبية الشيعية.

مقالٌ منشورٌ عبر موقع "القصة"،استعرض جملةً من الأسباب المتداخلة، أحدُها أو أكثر هو ما دفع السعودية لاتخاذ القرار باقتحام العوّاميّة، في هذا التوقيت بالذات. والأسباب –وفق رؤية الكاتب- هي: مواجهة النفوذ الشيعي، وتحديداً بعد انقلاب الحوثيين في اليمن وتهديد أمن السعودية من الحدود الجنوبية. إضافة لما سيُمثّله نجاح العملية من انتصارٍ لوليّ العهد الجديد محمد بن سلمان، في "قضائه على خطر الشيعة"، وما يعنيه ذلك للمملكة من "بسط الأمن" في المنطقة التي لطالما كانت صداعاً ومصدر قلقٍ ينخر في رأسها.