Menu

العراقيب.. للمرّة 118!!

عروبة عثمان

العراقيب

في العام 1961، وقّع "صندوق أراضي إسرائيل" اتفاقًا مع الحكومة، والتي بموجبها بات الصندوق أكبر مالك للأراضي، بمعنى إرساء الملكية العامة باسم الشعب اليهودي، وتهويد الحيّز. اليوم، يبسط JNF يده على حوالي 2.5 مليون دونم، وكذلك سلطة التطوير (2.5 مليون دونم) من الأراضي في "إسرائيل". بمعنى أن 95% من الأراضي (العامة والدولة) هي بيد المؤسسات الحكومية والرسمية للدولة، تحت مظلّة دائرة الأراضي، فضلًا عن الصندوق القومي اليهودي.

يرافق ذلك تطبيق "إسرائيل" الـ Common Law، ما يعني منح القضاء مساحة أكبر في تفسير النص القانوني، وتشكيل السابقة القضائية التي بالضرورة تتحوّل لاحقًا إلى أمر اعتيادي يُبنى عليه في قضايا مختلفة، بمعنى استقاء ما ينسجم مع مشروعها من الإرث القانوني العثماني والبريطاني، وإعادة تفسيره وفق أجندتها في السيطرة، وجعله لاحقًا قاعدة قضائية، وهذا ما حدث تمامًا في قضية النقب والهواشلة.

فما بين 1970- 1979 بادرت "إسرائيل" بمسألة التسوية على غرار الجليل وفقا لقانون التسوية 1969، إذ قام النقباويون بتقديم دعاوى ملكية على حوالي 1.5 مليون دونم (3220 دعوى)، واليوم تعمل الدولة على" تكثيف مسار التسويات بهدف تعجيل تهجير البدو من القرى غير المعترف بها إلى التجمعات التي تقوم الدولة بالتخطيط لإقامتها". آنذاك، التأمت لجنة ألبك للبت في دعاوى الملكية، إلى أن خلصت إلى أن أراضي النقب هي موات وبالتالي تتبع لأراضي الدولة، كما أقرت بالتعويض للبدو بشرط إسقاطهم للدعاوى، وبناء على هذه المسألة قبل 20% التعويض وسكنوا في إحدى البلدات السبع. وكان الكيان قد ركّز، خلال سنوات الخمسين، النقباويين في منطقة السياج بين بئر السبع، عراد وديمونا، وفرض الحكم العسكري عليهم.

لم تتوقف القضية عند هذا الحد، إذ رفع أفراد من الهواشلة عام 1974 دعواهم بخصوص تسوية أراضيهم في المحكمة اللوائية، لكن الأخيرة رفضت الدعوى بالاعتماد على سابقة قضائية (الموات) بخصوص التسوية في الجليل، بخلق تفسير جديد لمعنى الأراضي الموات بهدف توسيع مداها مقابل تضييق مدى الميري، والذي تم استقاؤها من قانون الأراضي العثماني 1858 والموات البريطاني 1921.

ونعني بالموات هنا الأراضي التي لا ينتفع منها أحد وليست بتصرفه، كما أنها ليست بمنتجة أو مزروعة، كالجبال والأراضي الصخرية. تبعد هذه الأراضي عن أقصى العمران مسافة ميل ونصف الميل، أو نصف ساعة سيرًا على الأقدام، ويمكن قياسها كذلك بجهير الصوت.

اعتبرت المحكمة العليا، آنذاك، أن مسافة 1.5 ميل هو العامل الحاسم الشرعي من العوامل الأخرى، كما أنه تم اختراع تفسير جديد لمسألة نقطة القياس، إذ استعان القانون العثماني بمصطلحات البلدة أو القرية أو المنطقة المأهولة بخصوص القياس، من دون أن يوضح ماهية محددة لها، لكن القضاء الإسرائيلي فسرها بأنها بلدة أو قرية مبنية، ما أوجد له مخرجًا قانونيًا على اعتبار أن بئر السبع لم تكن مقامة قبل عام 1900، وبالتالي تصبح أراضي الموات في مصاف أراضي الدولة إلّا في حال إثبات الملكيّة. عاودت الهواشلة استئنافها للعليا، لكنها رفضت الدعوى معتمدة على قرار المحكمة اللوائية، ومضيفة إليها مسألة أنّه من لم يسجل أرضه خلال شهرين من صدور الموات البريطاني، يكون قد فقد أرضه للأبد، لتتوالى بعد ذلك القرارات المجحفة التي بنيت على قرار الهواشلة. بجانب ذلك، حين سًن قانون "التخطيط والبناء" عام 1965، أُعلن عن كثير من الأراضي بأنها "زراعية"، على اعتبار أن المصادرة مشروعة وفقًا لشروط ثلاثة (التوطين، التنمية، الأمن)، وبالتالي اعتبر البناء على هذه الأراضي "غيرَ مرخّص".

تهجير العراقيب بدأ في سنوات الخمسينيات، حين أمر الحاكم العسكري سكانها بإخلاء القرية بشكل مؤقت لمدة 6 أشهر، بدعوى أن الدولة بحاجة لها لأغراض عسكرية، ثم أنذرتهم بتأجيل العودة لشهور أخرى حتى قرارها بمنعهم من العودة إليها بتاتًا. كل دعاوى الملكية التي قدمها أهل العراقيب في السبعينيات لم تحول دون إسقاط حقّهم في الأرض. واليوم، تُهدم القرية للمرّة 118، ولا يزال كثير من "أبناء جلدتنا" يفكّر بضرورة "مراجعة علاقته مع الدولة"، في تواطؤ مفضوح على الأرض والدمّ.

لكن ينبت الأمل المحاذي لنا من دمّ الشهيد مهند العقبي؛ الدمّ الذي يتوارى عن سياسة الضعيف ويستمد شرعيته من ملح أرضه التي هُجر منها، إذ ينتمي العقبي أساسًا إلى قرية العراقيب، لكن على إثر التهجير في الخمسينيات، انتقلت عشريته إلى حورة وأسست قرية العقبى التي تعتبر أيضًا من القرى غير المعترف بها في النقب، ليبقى الدمّ سيد الاعتراف!