Menu

الأونروا بين خطة التمويل المستدام وبرنامج تطبيق "السلام" !

الأونروا بين خطة التمويل المستدام وبرنامج تطبيق السلام !..(1)

بقلم / محمد صوان

بين تقرير رئاسة الأونروا للأمم المتحدة عام 1995 والذي حمل عنوان :" الأونروا والمرحلة الانتقالية " ومسودة تقرير اللجنة الاستشارية وتوصياتها إلى المفوض العام للأونروا بيير كرينبول عام 2015 , وحمل عنوان " الأونروا والتمويل المستدام " خيط مشترك وخطير , والجانب الأكثر خطورة يتمثل بمستقبل " الأونروا " وتداعيات ذلك على مصير ما يقارب ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني موزعين في أربع زوايا الأرض .

المؤكد من التقريرين أن التوجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعمل الأونروا في ظله هو الداعي إلى تطبيق خطط وبرامج تؤدي إلى نفض اليد وتسليم سلطة الحكم الذاتي تدريجياً خدماتها كاملة , وذلك عبر توليف مهماتها وبرنامجها مع مهمات وبرنامج السلطة الفلسطينية تمهيداً لدمجها , وإلحاق العاملين في الأونروا في وقت لاحق بمؤسسات السلطة .. ويعتبر هذا التوجه إعلاناً سياسياً يشي بدمج اللاجئين في الضفة و غزة بمحيطهم , والكف عن اعتبارهم لاجئين .. وبالتالي الكف عن الحديث حول قضية اللاجئين في هذه المناطق وطيْ الملف نهائياً .

أما في مناطق الشتات فإن " الأونروا " لا تزال تعمل تحت سقف سياسي واقتصادي واجتماعي مغاير تكتيكياً  , لكنه في الجوهر واحد , ويتمثل هو أيضاً بتأهيل اللاجئين الفلسطينيين اقتصادياً ومعيشياً تمهيداً لدمجهم في المحيط , واستكمال إغلاق ملفهم , ويحد من نشاط " الأونروا " في هذا المجال أن القرار السياسي الواضح والخاص بتوطين لاجئي الشتات لم يتبلور بعد , رغم أن التوجه قد تبلور منذ فترة طويلة مستمداً من " وثيقة جنيف " المشتركة بين " عبد ربه وبيلين " شحنة إنعاش مكنته من العودة إلى الحياة مجدداً .. انطلاقاً من السياسة القائلة بأن مصير  "الأونروا" مرتبط بمصير مفاوضات " الحل الدائم " المقرّة بموجب اتفاق أوسلو سيء الصيت والسمعة , وقد اعتبر ذلك التوجه أن عام 1999 - العام المفترض الذي تنتهي فيه مفاوضات الحل الدائم – هو عام إعلان تصفية " الأونروا " لكن الأخيرة لجأت إلى استدراك تكتيكي , يدعو إلى عدم اعتبار العام المذكور حداً فاصلاً ونهائياً لتصفية أعمالها , وترك الباب مفتوحاً لتمديد الفترة الزمنية لمثل هذه العملية الواسعة , ومرد الاستدراك هنا ليس الحرص على مصالح اللاجئين , بل العكس تماماً هو حرصها على توفير الشروط الضرورية لإنجاح خطة تصفية " الأونروا " وإحالة خدماتها إلى الدول المضيفة , وإنهاء خدمات العاملين والموظفين في مؤسساتها , تمهيداً للتنصل الكامل من قضية اللاجئين والقرار الأممي رقم 194 القاضي باستمرار مهمات "الأونروا " لحين عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم والتعويض عن كل الأذى والأضرار التي لحقت بهم خلال سنين التشرد !..

وفي هذا السياق لجأت الأونروا إلى استقطاع مبلغ مالي معين كل سنة لدفع تعويضات نهاية الخدمة للعاملين فيها وقدره الإجمالي  - حسب تقديراتها – " 300 مليون دولار "  للكادر المحلي والأجنبي عند تصفية أعمالها , وبناءاً عليه أقرّت " الأونروا" لهذا الغرض في ميزانيتها المقترحة للعامين 2015 -2016 مبلغ " 30 مليون دولار " أي بمعدّل 15 مليون للعام الواحد , ومن يقرأ الرقم سيتراءى له للوهلة الأولى أن الأونروا تحتاج إلى عشر سنوات  على الأقل لتوفير المبلغ الاجمالي المطلوب للتعويضات فقط ,إلا أن التجربة العملية أكدت أنه فور توفر القرار السياسي , ستتوفر له ميزانيته المالية و" برنامج تطبيق السلام "رغم تعثره خير مثال على ذلك .

تباين ظروف أقاليم عمل الأونروا :

لا يمكن القول أن "الأونروا "قد تلجأ إلى تصفية أعمالها دفعة واحدة وبشكل دراماتيكي , بل قد تعمد إلى ذلك بالتدرج وعلى مراحل , وبأشكال متباينة بين إقليم وآخر .

ففي مناطق السلطة الفلسطينية سيكون للتوجه خصوصية , قد تقود إلى دمج العاملين المحليين في مؤسساتها , مقابل رفع قيمة مساعدات الدول المانحة للسلطة وبموافقتها طبعا .

وفي الأردن ,قد تلجأ "الأونروا " إلى حل مماثل ,خاصة وأن اللاجئين في الأردن لا يحتاجون إلى قرار سياسي " استثنائي " - إذا جاز الوصف -  لدمجهم حيث يقيمون , فهم من جهة فلسطينيون ,ومن جهة أخرى أردنيون ويحملون جواز سفر المملكة , وبالتالي من السهل دمج الكادر العامل بالأونروا في مؤسسات الدولة مقابل دعم دولي معين للأردن , كشطب بعض ديونه الخارجية مثلا , أو تقديم عون مالي له من قبل صندوق النقد الدولي أو الدول المانحة ..

تبقى القضية الشائكة والمعقدة هي لبنان وسورية , لذلك أوْلت لجنة المفاوضات المتعددة الأطراف الخاصة باللاجئين - التي ربما يعاد إحياؤها - هذين الإقليمين اهتماما متميزا , يقضي باستيعابهم في عدد من البلدان الأوربية وكندا وأستراليا ..كما أن إسرائيل بدورها تصر على أن تطرح على جدول أعمال مفاوضاتها سواء مع السلطة الفلسطينية أم مع كل من لبنان وسورية مصير اللاجئين الفلسطينيين على أراضيهم , وهذه قضية أخرى يجدر بنا العودة إليها في ورشة عمل قريباً .

خلاصة القول : إذا كان البعد السياسي هو جوهر قضية اللاجئين ,فان للقضية ذاتها أبعادا اجتماعية واقتصادية وإنسانية ..فالمخيمات الفلسطينية ,سواء في الضفة وغزة , أم في الأردن ولبنان وسورية و مصر , تعيش في حالة من البؤس الإنساني الذي يستحيل وصفه في كلمات أو سطور , وعليه فإن المطالبة الفلسطينية والإلحاح الدؤوب من أجل تحسين شروط الحياة المدنية والمعيشية اللائقة للاجئين في المخيمات وخارجها ,هي لتذكير المجتمع الدولي بمسؤوليته الأخلاقية والإنسانية اتجاههم , وهذه المسؤولية لا تعني بأي حال المساس بالحقوق السياسية التي أقرّتها الشرعية الدولية للاجئين ..ويستحيل في أي منطق , مقايضة تحسين الشروط الحياتية اليومية بالحقوق السياسية والوطنية التي أقرتها الشرعية الدولية .

من هنا ,فإن قراءتنا لبعض المقترحات التي تمس حياة اللاجئين الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية ,انطلاقا من جوهر البعد السياسي للقضية برمّتها ,ويبقى تفكيك المخيمات حلم  وطموح الشعب  الفلسطيني , شريطة إنجازه في ضوء الالتزام بتطبيق القرار 194 القاضي بعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هُجّروا منها عام 1948 .. وحتى يتم ذلك فإن بقاء المخيمات قائمة , دلالة عميقة على إبقاء قضية اللاجئين حية , وكذلك حقهم في العودة والتعويض معاً قائما.

والشيء ذاته ينطبق أيضا على المقترحات الرامية إلى التمويل المستدام , أو تقليص خدمات الأونروا ,أو إلغاء مكانة اللاجئ أو الأونروا ,أو بدعة برنامج تطبيق السلام .. فجميعها لا يمكن أن تكون حلاًّ أو جزءاً من حل ناقص , وإنما ستكون في النهاية نتيجة طبيعية للحل السياسي والحقوقي الشامل والعادل والمقنع للاجئين خاصة وللقضية الفلسطينية عامة.