Menu

سردية ثورية اسمها : جورج حبش!

مروان عبد العال

سردية ثورية اسمها : جورج حبش ! *

ثلاثية فلسطينية تجتمع في أمسية المخيم ، لتقرأ على الجمع بعضاً من دروس وصور وسيرة "الحكيم" جورج حبش. هي سردية ثورية امتزجت بعشق فلسطين واختصرت صورتها وملامحها..

الحكيم الحالم بالوطن العربي الجديد وبفلسطين الكاملة والمحررة، والتي من أجل هذا الحلم كانت الفكرة فالحركة فالجبهة، فأسس أكاديمية الثورة في الفكر والمقاومة، والتي أنجبت عشرات المقاتلين والمحاربين والفدائيين والثوار والمقاومين.

هي سردية ثورية متواصلة وبعد عشر سنوات على غيابه، تحضرنا كل الأسماء الحسنى والأجمل، كل قامة أعطت لفلسطين ولكنها ظلت تستمد الطهر من دروبها وجبالها وبيادرها، زهرها وزعترها وزيتونها وترابها وأرضها.

سردية ضمير الثورة الذي ولد من روح التمرد فوق تراب الجليل، فكان الثائر قبل النكبة، وفي النكبة وبعد النكبة، أبو ماهر اليماني ابن الحلم العربي الكبير من المحيط الى الخليج، المؤمن بتحرير فلسطين من الماء الى الماء، من علّم الأجيال القسم الفلسطيني تحت الخيام وفي المخيمات ، فجعل أوتاد الخيام رايات وبنادق.

سردية الحكيم التي استمرت في سيرة القائد أحمد سعدات ، الرمز المقاوم والوطني المناضل والقابع في زنازين العزل الصهيونية ، ويستمر في كفاحه ودوره بصلابة ويسطر في كل يوم ملحمة جديدة ويخط على جدران الزنزانة بأحرف من كبرياء، نشيد الحرية وأسطورة الشعب الفلسطيني الذي لا يعرف الخنوع، ذلك النسر حيث النسور على قمم المجد والمقاومة الذي كشف بؤس الرهان على الضمانات الدولية وخطيئة التنسيق الأمني.

لا شك أننا لا نستنسخ القادة، دائماً نسأل عن الحكيم ؟! ونسأل أنفسنا هل يمكن أن يأتي مثل جورج حبش؟ ودائما نتساءل أين غسان ووديع وغيرهم؟

لقد علمنا الحكيم ، أن القيادة تصنع في الميدان في التجربة في التعلم والنضال ، لا تكون بحجم المواكب ، ولا بعلو المراتب ورفعة المناصب أو من تتزاحم على الصف الأول، وأن القيادة بما تتركه من أثر في التاريخ ، ورصيدها الفكرة ورأس مالها التجربة التي تتحول إلى درس وقيمة وكنز لا يزول. 

علّمنا أن القيادة من تمتلك الرؤية العميقة والآفاق الواسعة التي لا تتوقف على مقاس جماعة أو تنظيم، بل على مساحة وطن والحكيم ليس حكيم الجبهة، إنما حكيم الثورة وفلسطين، وبل حكيم حركة التحرر العربية والعالمية، كما الوديع وأبو علي و غسان كنفاني الذين كانوا بحق رسالة فلسطين للعالم. شهداء فلسطين دائماً يشبهون فلسطين بنبلها وشموخها وكرامتها وتشويه هذه الذاكرة هو تشويه لفلسطين ذاتها لأنهم باستشهادهم، لا يمثلون فصائلهم بل ضمير شعبهم.

الحكيم المؤسس أي بمثابة "العقل المدبر "! أو " العقل المفكر " للجبهة الشعبية في فعلين ثوريين، الأول: في المبتدأ كان مشعلاً لفكر الثورة ، والفعل الثاني : في الخبر ، يوم كان بشارة ربما تتحول إلى ثورة لفكر جديد .

1. فكر الثورة:  خطته مقولة لا حركة ثورية بدون فكر ثوري.. أسس الجبهة الشعبية كإطار جبهوي لطلائع المقاومة، واوصانا قبل رحيله "استعيدوا الوحدة الوطنية وتمسكوا بالمقاومة. قيل أنه أول من أدخل إلى اليسار في المنطقة العربية تعبير " العنف الثوري المنظم" كنقيض " للعنف الهمجي "، الذي يمارس بلا أفق ورؤية وثقافة، مندداً بالسياسة التي تنتهك الأخلاق، أدان وجرم الاقتتال الداخلي، بقوله:  دم الفلسطيني على الفلسطيني حرام... وصاغ بحكمة وموضوعية العلاقة بين التكتيكي والاستراتيجي، أدان التكتيك الذي لا يخدم الاستراتيجية.. باعتبار أن السياسة تسير على الأرض وهي عامل يتكوّن وليس ما نتمناه فقط. كذلك صاغ العلاقة الجدلية بين الوطني والقومي والأممي .. أي بين فلسطين والعروبة والعالم بحيث لا ينتهك أحدهم الآخر حتى لا تتحول الوطنية إلى قُطرية ضيقة أو القومية إلى شوفينية ...الخ.

2. ثورة الفكر: التي أودعها أمانة لنا وفي خطاب التنحي عن الأمانة العامة ، أوعز ذلك الى سببين / (أ) التجديد: عندما قال ليس تعباً وليس مرضاً، فلم يقعده أي منهما للعمل من أجل فلسطين، ولكن ليضرب نموذجاً جديداً للقادة في عموم أحزاب حركة التحرر العربية، مقتنعاً أن هذه الخطوة ستكون مثالاً يحتذى في الإيثار وعامل معنوي يسهم في تطور الجبهة، وتجديد مرتجى للثورة والقضية. (ب) المراجعة النقدية ، أراد الحكيم كما قال في خطابه أن يجعل من ذلك فرصة لقراءة التجربة بشقيها السلبي والإيجابي، والإجابة الفكرية على سؤال لماذا هزمنا ؟ أو لماذا لم ننتصر؟.. هكذا نفهم الأمانة، وهذه سردية الحكيم الثورية من المبتدأ إلى الخبر .. التجديد والمراجعة، وأجازف بالقول باستحالة ابتكار استراتيجية وطنية جديدة دون التجديد والمراجعة.

الاستراتيجية لا تسقط من الفضاء

كثر الحديث عن غياب الاستراتيجية الفلسطينية بمناسبة (صفعة القرن)، وكرد فعل على قرار ترامب المتصهين بخصوص القدس ، والتداعيات التي تتبع ذلك ، بل لاكتشاف متأخر أن الكيان الصهيوني يعمل وفق استراتيجية شاملة. جيد أن نكتشف ضرورة وجود استراتيجية وطنية جديدة، لكن ليس مجرد المناشدة أو المطالبة بوضعها أو الابتهال لوجودها! فهي لن تسقط من الفضاء، وحتماً ليست رُطباً ينهمر بمجرد أن نهز بجذع النخلة، ولا تبنى على ردات الفعل الآنية . الاستراتيجية تحتاج الى قراءة دقيقة لاستراتيجية العدو ، ومراجعة جريئة للذات ، كأساس لبناء استراتيجي شامل .

صفقة القرن هي الخطوط البارزة في استراتيجية العدو والتي بدأها من مؤتمرات " هرتزيليا" والتي بدأت بالمراجعة الذاتية بسؤال استراتيجي طرحه أحد قادة العدو: لماذا لم نتوصل حتى الآن إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين؟ .. وكانت حصيلة الإجابات : أن التصحيح يجب أن يبدأ من مبدأ التسوية، وهي المبادلة بالسكان والأرض وليس السلام والأرض، ثم الحل النهائي لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم، ولا يستطيعون أن أرادوا دون العرب، بل يجب أن يبدأ بالحل الإقليمي الشامل ، مثلا موضوع " القدس" يحتاج لموافقة دوليتين لهما رمزية دينية هما : السعودية من مكانة مكة، و مصر من موقع الازهر! وموضوع اللاجئين يجب أن لا تتحمله " إسرائيل" وحدها، بل الدول العربية المضيفة والممولة. وموضوع غزة لا يمكن فصله عن مصر، وكذلك الضفة الغربية عبر وضع الاستيطان ضمن القانون الإسرائيلي والتجمعات الفلسطينية في صيغة يتفق بها مع الأردن .

كذلك حول خيار فلسطينيي ١٩٤٨ بين الولاء للاحتلال أو الانتماء لفلسطين ! وأن هذا يحتاج إلى حلف إقليمي لم تنضج عوامله بعد ، وفق منظور العدو، أن السلام يفعله الانتصار وإسرائيل لم نتنصر منذ حرب ال 67!.

باختصار، استراتيجية الكيان الصهيوني، أنهم يريدون أوسلو عربي جماعي...! لذلك ذهبوا إلى ترامب عشية فوزه وطالبوا بما سمي بالسلة الكاملة : القدس ، أن يعترف بها عاصمة لهم كأمر واقع / اللاجئين بالبدء بتقليص تمويل الأونروا وإسقاط حل الدولتين !.

كيف كان الرد الفلسطيني ؟ نقول الفلسطيني لأنه الأساس لأية تفاعلات لاحقة، لا أقصد الرد العاطفي ! ولا الرد الانفعالي ، ولا المواقف الوطنية والعربية، الرسمية أو الشعبية أو الفصائلية.

المؤكد أنها جميعها ضد هذه الخطوات الاستعلائية والعنجهية الصلفة ، إنما المقصود هو الرد بالمعنى الاستراتيجي ؟! صحيح أن المجلس المركزي الفلسطيني ليس "مربط الفرس"، لأنه غير مأمول أن يفعل ما قد يقول! عندما نتحدث عن بناء استراتيجي فهو أحد المؤسسات المستهدفة من البناء، مراجعةً ونقداً ورؤية وتجديداً.

لذلك بدأ بخطاب المراجعة الذي يستند إلى المرجعية التاريخية للصراع دون القدرة على إحداث خطوة تخدم الرؤية الاستراتيجية المأمولة. كيف يمكن الحديث عن لا مشروعية الكيان المُختَرَع! ولا نغادر بعدها مشروعية الاعتراف به وبالتسوية معه ؟ والذي يبدأ بدفن أوسلو وملحقاته، لأن رقاب الجميع تحت السيف ولا خلاف حول حجم الخطر الذي يحيق بالمشروع الوطني الفلسطيني. لكنه اختبار الإرادة السياسية، إن كانت تستطيع وعلى الأقل بمغادرة متلازمة الفشل :

أي اننا لا نستطيع فعل شيء! هكذا تقول الذهنية المهزومة ، التي تتحكم بالعقل السياسي الفلسطيني، هناك قناعة بالفشل! و في أي شيء ايجابي ، في تحقيق المصالحة مثلاً يقال " ما راح يصير وحدة وطنية" .. .

نرد: نعم، لا يمكن أن تأتي الوحدة الوطنية من داخل البنية السلطوية ! لذلك لا زلنا نتدافع على ذات المعبر، باختصار، أسرى لذات الوهم الذي أفضى له ذات المسار السياسي، المشكلة ليست بانحياز الراعي فقط، بل اعوجاج المسار .

متلازمة الفشل هي الوجه الآخر لثقافة الهزيمة ، ووحده الفعل المقاوم بكل أشكاله هو ثقافة النصر ، ويحفظها شباب فلسطين جيداً، هي ثقافة الاشتباك التي تعري الوجه الحقيقي للصهيونية، لإرهابٍ مسلح وهستيري وعنصري ، للدولة المقصلة التي تقرر إعدام الأسرى ، دولة الجريمة المقوننة ، دولة الاستيطان المسلح بأكثر من ٣٠٠ ألف رخصة أسلحة.

هذا الكيان يسقط أمام إرادة قوية تعزله بالمقاطعة والمقاومة والاشتباك، بل بإعادة توليد الأمل.. السلاح المعنوي.. وهو الثقة بأننا شعب حي.

عندما يتم الإعلان أن لا حل إلا الحل الإقليمي الذي يعيد احتلال فلسطين، كل أرض فلسطين، بالمناسبة كذلك كل شعب فلسطين، لذلك يجب أن لا نجتهد كثيراً لا دولة واحدة بقوميتين أو بشعبين أو دولتين لشعبين!!!  والاغراءات والعقوبات بهدف العودة إلى المفاوضات والتسويات للبقاء في المسار الخطأ.. يكفي دفع كلفة تشويه وتدوير وحرف للصراع ، واجبنا الانسحاب من الخديعة نحو الحقيقة .. حقيقة الصراع تقرر أنه صراع وجود ، لذلك هدف الصراع الأصيل والسهل الممتنع والجامع المانع والبسيط والمركب كما علمتنا سردية جورج حبش هو : تحرير فلسطين!.

*نص المداخلة الحوارية بمناسبة الحكيم في ندوة مخيمي البداوي - برج البراجنة