Menu

حرب استنزاف على سوريا ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية

راسم عبيدات

واضح بأن الإدارة الأمريكية في ظل إدارة يمينية متطرفة معادية لكل ما هو عربي ومسلم، او حتى من غير الجنس الأمريكي تواصل شن حربها العدوانية على منطقتنا والإقليم، وبعد هزيمة المشروع الإرهابي التكفيري في سوريا والعراق، والذي رعته امريكا والعديد من الدول ، فإن أمريكا لا تريد أن تسلم بمثل هذه الخسارة، بل تريد ان تستمر حالة الإستنزاف للجيش السوري، ومنع وحدة الجغرافيا السورية، حتى لا يتفرغ الجيش السوري لجبهة العدو ، وكذلك هي تشن حرباً شاملة على الشعب الفلسطيني وقيادته وقضيته في محاولة لتصفية القضية.

وما يجري في المنطقة من تطورات وتغيرات يجعلنا متيقنين بأن هذه الإدارة تريد ان تقول للعالم بأنها ما زالت شرطي العالم الذي يأتمر بأمرها، وهي تدخل المنطقة في سلسلة من الأزمات وتفتعل الكثير منها، واضح تماماً وهو خدمة المشاريع والمصالح والأهداف الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وفي مقدمتها تفكيك وتركيب الجغرافيا العربية على تخوم المذهبية والطائفية والثروات، وإنتاج سايكس- بيكو جديدة، تجعل من الوطن العربي محميات أمريكية- اسرائيلية، فاقدة إرادتها وقرارها السياسي، وليس لها سيطرة على ثرواتها، ويقف على قيادتها " نواطير حواكير" يرتبطون بمعاهدات أمنية مع أمريكا واسرائيل.

وفي قراءتنا لهذه المشاريع، نجد بأن امريكا تتصرف وفق مصالحها ومصالح حليفتها الإستراتيجية اسرائيل بشكل اساس، ولذلك نجد أنها ضحت بحلفائها في أكثر من مرة، اكراد العراق حينما شجعتهم على الإنفصال، واكراد سوريا، ومن ثم تركيا عضو حلف الأطلسي التي يريدون أن يقسموها كبقية بلدان المنطقة العربية.

أمريكا تريد أن تبقي على جزء من أراضي سوريا الشمالية تحت سيطرتها، تحت حجج وذرائع عدم عودة "داعش" التي رعتها الى سوريا، وتريد أن تقيم بالعودة الى اتفاقية تقسيم عام 1920، اتفاقية "سيفر" دولة كردية على الحدود السورية - التركية تقتطع اجزاء من أراضي سوريا وتركيا، ولذلك ادركت حليفتها تركيا، مخاطر إقامة مثل هذا الكيان على امنها واستقرارها ووحدتها الجغرافية، وهذا الإدراك قادها الى شن حرب على وحدات الحماية الكردية، دخول بلدة عفرين السورية، التي كانت متحالفة مع امريكا، ورفضت أي حوار مع الدولة السورية، التي تعتبر تلك المناطق جزءاً من جغرافيتها وسيادتها.ونحن لا نريد الدخول في التفاصيل ولكن الهدف واضح هنا، وهو تقسيم الجغرافيا السورية، وإقامة كيان كردي كقاعدة متقدمة لأمريكا واسرائيل، وبما يمنع وحدة سوريا الجغرافيا ويهدد تركيا.

الحرب ليست فقط على سوريا، بل هي تطال كل دول المحور الذي تقف فيه سوريا، حيث تسعى الولايات المتحدة، للحد من النفوذ والتمدد الإيراني في المنطقة، من خلال محاولة اعادة فتح الإتفاق مع طهران حول برنامجها النووي، وعندما فشلت في ذلك، سعت لعقد اتفاق مع الدول الأوروبية الخمس الراعية للإتفاق، لتقييد حركة ايران في انتاج الصواريخ الباليستية، وإلا فإنها ستواجه عقوبات دولية، وكل كذلك جرى ويجري بضغط اسرائيلي- عربي، ولعل إعادة توجيه الإتهامات الأمريكية والأوروبية لسوريا باستخدام الأسلحة الكيماوية، وإتهام روسيا بوقوفها الى جانب الرئيس الأسد في عدم إدانة القيادة السورية في هذا الملف، استتبع عملية تصعيد من هذا الحلف، بفرض المزيد من العقوبات الأمريكية على روسيا، وتصعيد غير مسبوق في مؤتمر جنيف حول الأزمة السورية، عندما جرى تسريب وثيقة خماسية بقيادة امريكا وبريطانيا وفرنسا، لوضع سوريا تحت الإنتداب الدولي، وما تلا ذلك من رفض سوريا وروسيا ومنصة موسكو السورية لهذا المشروع الخطير المستهدف سوريا كدولة ونظام ومؤسسات وجغرافيا، وما اعقب ذلك من مقاطعة لما يسمى بالهيئة العليا للمفاوضات، المدعومة من دول عربية والأكراد لمؤتمر "سوتشي" الذي دعت له روسيا للتوصل الى حل سياسي للأزمة السورية، بمشاركة كل ألوان الطيف السياسي السوري غير المدرج على قوائم الإرهاب مثل "داعش" و"جبهة" النصرة وفيلق الرحمن وغيرها.

اما على الصعيد الفلسطيني، فمن الواضح تماماً بان هذه الإدارة الأمريكية المتصهينة، من بعد ما سمي بالمؤتمر العربي- الإسلامي- الأمريكي في الرياض في العشرين من ايار من العام الماضي، والذي ارتضت بعض انظمة النظام الرسمي العربي، ان يصطف العرب والمسلمين خلف ترامب لهم، واغدقوا عليه مئات المليارات من الدولارات،سني- شيعي، وسعي انظمة النظام الرسمي العربي لجعل علاقاتها علنية وطبيعية مع اسرائيل، وكذلك تحوير وحرف الصراع عن أسسه وقواعده، وتحويله من صراع عربي- اسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية الى صراع مذهبي إسلامي – اسلامي( سني- شيعي) واعتبار ايران هي العدو المركزي والذي على حد زعمهم تشكل خطر على امن واستقرار المنطقة وتهدد استقرارهم وامنهم، وتنشيء قواعد متقدمة لها، تنظيمات " إرهابية" المقصود حزب الله المقاوم، ومن هنا اتفق ان يكون ما يسمى بالمحور السني العربي شريكاً مع امريكا في طرح ما يسمى ب " صفقة القرن" لحل القضية الفلسطينية، وهذا المحور كان يصر على ان اوراق الحل واللعبة بيد أمريكا، وهي وسيط نزيه لحل القضية الفلسطينية، ولتتكشف حقيقة هذا المشروع ، حيث ظهرت بوادر هذا المشروع بقرار للرئيس الأمريكي المتطرف ترامب على "تويتر" بإعلان القدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال، ومن ثم العمل على نقل السفارة الأمريكية من تل بيب الى القدس ، وكذلك تخفيض المساهمة الأمريكية في وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين " الأونروا"، والعمل على منع "توريث" من هو لاجىء، وبما يضرب حق العودة، واخيراً وليس آخراً اعتبار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية "إرهابيا"، وعلى ضوء هذه القرارات الأمريكية، والتي ستتبعها قرارات امريكية اخرى وفرض عقوبات وتهديدات وضغوط على القيادة الفلسطينية، وممارسة الإبتزاز المالي والسياسي الرخيص معها، اتخذت القيادة الفلسطينية سلسلة قرارات منها، اعتبار امريكا ليست وسيطاً في العملية التفاوضية والسياسية، وقطعت علاقاتها مع الإدارة الأمريكية ورفضت استقبال نائب الرئيس الأمريكي المتطرف بينس، وعلقت اعترافها بدولة الإحتلال، وأعلنت وفاة اوسلو، ومراجعة كافة علاقاتها الأمنية والإقتصادية والسياسية معها، وبما يشمل وقف التنسيق الأمني.

واضح بأن المشروع الأمريكي والإسرائيلي والتحريض على الشعب والقيادة الفلسطينية ومحور المقاومة، سيتواصل ويشتد في الفترة القريبة، وربما تندفع الأمور نحو محاولات اسرائيلية أمريكية لفرض المشروع الأمريكي بالقوة على الشعب الفلسطيني، وربما يكون ذلك بمشاركة جزء من النظام الرسمي العربي، أو قد تندفع الأمور نحو حرب إقليمية، حيث وجدنا المبعوث غرينبلات لما يسمى بالعملية التفاوضية مع السلطة الفلسطينية، يقول بان حماس بدل إستثمار الأموال من اجل إقامة الأنفاق وشراء الصواريخ، كان الأجدى ان تستثمرها لمصلحة السكان، وكذلك القيادة وسائل الاعلام الاسرائيلية تواصل شن تحريضها، ليس فقط على القيادة الفلسطينية، ونشر شائعات للطعن بها ، بل هناك تحريض كبير على حزب الله وسوريا وايران، من حيث إتهام طهران بإقامة مصانع للصواريخ ذات الإصابة الدقيقة في لبنان، ونشر قواعد لحماس والجهاد في الجنوب اللبناني، والتعاون مع حزب الله، والعمل على تحريض أمريكا لإلغاء الإتفاق مع طهران حول برنامجها النووي، وتقييد انتاج أسلحتها للردع الإستراتيجي، الصواريخ الباليستية.

المنطقة حبلى بالمتغيرات وحبلى بكل التطورات المتسارعة، والتناقض وصل الى ذروته، ولا حل في الأفق سوى عبر جراحة قسرية، قد تكون على شكل حرب، لا نعرف حتى اللحظة مداياتها والجبهات التي ستشملها.

Quds.45@gmail.com