Menu

السلطة الفلسطينية وسياسة «وقف التنفيذ»!

عوني صادق

في خطابه الأول عن «حال الاتحاد»، لم يراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياساته، بل أكد ما سبق له أن أعلنه واتخذه من قرارات، سواء في سياسته الداخلية أو سياسته الخارجية، ولم يكن أحد ينتظر أن يفعل. وبالنسبة لسياسته الشرق أوسطية، وقراراته بالنسبة للصراع «الفلسطيني- «الإسرائيلي» التي لم يعطها إلا التفاتة عابرة، بعث نائبه ليؤكدها في الكنيست بلغة توراتية نافرة دون أن يتعرض بكلمة لاحتلال مر عليه أكثر من خمسين عاماً. ولم يؤثر في ترامب ونائبه تلك العزلة التي أوصلتهما إليها هذه السياسة، والتي تجلت في تصويتات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، وردود فعل الاتحاد الأوروبي عليها، الأمر الذي يسقط نهائياً أي أمل يعلق على الولايات المتحدة لحل صراعات المنطقة.

إزاء ذلك، كان يفترض بالسلطة الفلسطينية أن تدور مئة وثمانين درجة حول نفسها، مخلفة وراءها كل نهجها الذي اتبعته في ربع القرن الماضي الذي عقدت فيه الآمال على الدور الأمريكي وأسلوب المفاوضات. لكن ذلك لم يحدث، ويكاد يكون من المستحيل أن يحدث لأسباب صارت معروفة. لهذا نرى هذه السلطة ترفع عقيرتها بالصياح على طريقة «نسمع جعجعة ولا نرى طحناً»! وليس من حاجة إلى القول إن التعويل على الاتحاد الأوروبي ليكون بديلاً عن الولايات المتحدة هو مراهنة خاسرة، فالمفوضة الأوروبية نفسها قالت ذلك. وهكذا رأينا أن كل ما صدر عن السلطة منذ قرار ترامب لا يعدو «مناورة» تبقيها في مسارها القديم الفاشل.

وفي اجتماعها الذي عقدته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية السبت الماضي (2018/2/3) دليل واضح على ما نقول. في هذا الاجتماع ناقشت اللجنة «عدداً من القضايا والتطورات السياسية في الساحتين الفلسطينية والدولية»، واتخذت مجموعة من القرارات «القوية» التي أضافتها إلى القرارات التي سبق للمجلس المركزي للمنظمة أن اتخذها، يمكن لها لو وجدت طريقها للتنفيذ لغيرت صورة المشهد بكامله. لكن اللجنة التنفيذية لم تجد «آلية» لتنفيذ قراراتها غير «تشكيل لجنة عليا للمتابعة» لتنفيذ القرارات، أي أن مهمتها انتهت مع انتهاء الاجتماع! ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اللجنة، عمر شحادة، الذي حضر الاجتماع رفض أن يشارك في «لجنة المتابعة»، معلقاً على قرار اللجنة التنفيذية الذي يؤكد تنفيذ قرارات المجلس المركزي الأخيرة بالقول: «هذا القرار للتسويف والمماطلة في تنفيذ قرارات المجلس المركزي السابقة والحالية».

وأوضح شحادة السبب في رفضه المشاركة في «لجنة المتابعة» بقوله: «لأن هذا الأسلوب هو تهرب من تنفيذ قرارات الهيئات والمؤسسات الوطنية»!

وتأكيداً لنهجها السابق، كان من ضمن قرارات اللجنة التنفيذية التوجه مجدداً إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، والتقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية «بطلب فتح تحقيق قضائي في موضوعات الاستيطان والتمييز العنصري والتطهير العرقي»! والسؤال الذي لا مفر منه هنا هو: لماذا كل هذا الآن وقد سبق أن ذهبت السلطة إلى كل هذه المحافل وحصلت على ما حصلت عليه، فكيف استثمرته وماذا استفادت منه، وماذا يمكن أن ينجم عنه غير ما نجم عنه؟! أم هو تضييع للوقت وانتظار لما لن يأتي، ثم لتعود إلى مواقعها التي استوطنت فيها لتبقى في السلطة؟! وفي تعليق على هذا التوجه للسلطة وللجنة التنفيذية، شدد عمر شحادة، في حديثه مع (بوابة الهدف- 2018/2/4)، على أن «تحقيق الحرية والاستقلال لا يتم عبر حراك دولي منفصل عن تغيير المواقع وموازين القوى على الأرض»، مشيراً إلى أن ذلك يقتضي إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وإعادة مكانة م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وبدوره لم يقل شحادة كيف يمكن أن يتحقق ذلك بعد كل المشوار الطويل الذي قطعته المحاولات في هذا السبيل!

إن ما سبق قوله يؤكد من جديد أن السبيل الوحيد «لتغيير موازين القوى على الأرض»، يتمثل في انتفاضة متدرجة وعصيان مدني شامل يجعل الاحتلال تجارة خاسرة بالنسبة للاحتلال وحكومته. عندها فقط سيجبر على الانسحاب دون قيد أو شرط، وعندها فقط ستتغير المواقف الدولية. والانتفاضة متواصلة رغم التعتيم والملاحقة، وقد جاء في تقرير إحصائي لأحداث الانتفاضة في الأسبوع المنتهي يوم 2018/2/2 أنه شهد استشهاد فلسطيني وإصابة (75) آخرين بجروح مختلفة، فيما أصيب (7) «إسرائيليين»، وذلك في (146) مواجهة وقعت في الضفة و غزة والداخل المحتل. والمطلوب هو تطويرها، بينما كل المطلوب من السلطة الفلسطينية أن تلغي «التنسيق الأمني» وتتوقف عن ملاحقة المقاومين.

إنهاء الاحتلال من خلال تطوير وإدامة الانتفاضة هو الرد والحل. أما الركض وراء الأمريكي مرة والأوروبي مرة، فقطع للأنفاس وضياع للقضية!