Menu

اعتراف عريقات.. ولكن!

د.فايز رشيد

كان ملفتاً للنظر، تصريح كبير المفاوضين الفلسطينيين أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، وصاحب شعار وكتاب «الحياة مفاوضات» د. صائب عريقات للقناة الثانية «الإسرائيلية»، بأن الرئيس الحقيقي للشعب الفلسطيني هو وزير الجيش أفيجدور ليبرمان، أما رئيس الوزراء الفلسطيني فهو منسق شؤون الحكومة «الإسرائيلية» في المناطق المحتلة الجنرال يولي مردخاي.

لم يكن عريقات ليصرح بهذا الكلام الخطير لولا وصوله إلى نتيجة أن دويلة الاحتلال ماضية في خطط تهويد القدس وضم مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، وأن نظرتها للسلطة الفلسطينية نظرة المدير إلى موظف لديه، وأن من واجبها التنسيق الأمني وجمع الأسلحة من الفلسطينيين وعدم السماح لهم بالتظاهر احتجاجاً على السياسات التهويدية والعنصرية والقتل اليومي للفلسطينيين وفقاً لاتفاقيات أوسلو الكارثية، التي لا تعترف «إسرائيل» بأيٍّ من بنودها سوى ببند «التنسيق الأمني» على الرغم من أن شارون كان قد أعلن «موتها» عام 2002 بعد إعادة اجتياحه للضفة الغربية، وبالنسبة لرابين فقد وصف المواعيد التي جاءت بها أوسلو حول بعض الحقوق الفلسطينية «بأنها ليست مقدسة».

لم يقل عريقات كل ذلك إلا بعد اليقين الذي وصل إليه بعبثية المفاوضات لمدة ربع قرن مع هذا العدو العنصري القاتل! تصريحات عريقات هي تعبير عن سياسة ندم مارسها ولايزال بعض رجالات السلطة الفلسطينية التي حشرت نفسها في سياسة نهج المفاوضات فقط في الصراع مع هذا العدو الاقتلاعي الإحلالي العنصري، مع العلم أنه إذا كانت حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية قد احتاجت إلى مقاومة واحدة لتحرير أراضيها، فشعبنا بحاجة إلى عشر مقاومات لتحرير أرضنا الفلسطينية من هذا العدو، وها هو نتنياهو المثقل بقضايا الفساد المكشوفة والسرية، وفي لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة مؤخراً، أعلن أن هضبة الجولان العربية السورية، ستبقى «إسرائيلية» إلى الأبد!

لقد نجح العدو في توظیف واستثمار اتفاقيات أوسلو الرديئة في الاستيلاء على مزید من الأراضي الفلسطینیة وملؤها بالمستوطنات، وإحكام الحصار على الحركة الوطنیة الفلسطینیة والعمل بلا كلل من أجل استمرار وتعمیق الصراع بین السلطة في رام الله والأخرى في غزة. لقد حصل العدو منذ توقيع هذه الاتفاقيات على الكثير من التنازلات الفلسطينية في ظل ازدياد قمعه للشعب الفلسطیني. وإذ أبدى عریقات تشاؤمه الكبير إزاء حل الدولتین، وبدا وكأنه ینعى السلطة الفلسطینیة مرجّحاً «اختفاءها قریباً» وأن «لا فرصة لها أو أمل بالحیاة»، فإن إشارته اللافتة إلى الشارع الفلسطیني ودعوته إلى عدم المراهنة«مطلقاً على حل الدولتين» باعتباره غیر واقعي في ضوء تنامي وتسارع وتیرة الاستیطان، فهذا يتعارض مع ما قاله الرئيس عباس في مجلس الأمن من تمسك بالمفاوضات كحل وحيد. المهم في النضال الوطني ليس تشخيص الحالة السياسية فهي أصبحت معروفة لشعبنا وأمتنا، وإنما مراجعة السياسات والتأكيد على خطأ توقيع الاتفاقيات التي قتلت حقوق شعبنا الوطنية، والقطع التام مع استراتيجية نهج المفاوضات الخائبة وإعادة الاعتبار للكفاح المسلح في مقاومة العدو الذي لا يفهم سوى هذه اللغة.

إن أكثر ما یثیر الغضب في اعترافات عریقات و«السر» الذي یقف خلف تغیر مواقفه هو ما «كشفه» للمذیع «الإسرائیلي»: «أن أحد الشبّان طالبَه قبل إجراء عملیة زراعة رئة قبل أشهر في الولایات المتحدة بعملية جراحية لزراعة لسان جدید، بدلاً من مواصلة خداع الفلسطینیین طوال هذه السنوات».. لیقول، إنه بات مقتنِعا بهذه الفكرة، لكنه للأسف لم یُترجم هذه القناعة بأي خطوة عملیة یعتذر من خلالها عما جاءت به سنوات المفاوضات العبثیة التي انخرط فیها وسلطته بحماسة منقطعة النظير، وما ألحقته من خراب ودمار وتراجع اقترب إلى مرحلة تصفیة المشروع الوطني الفلسطیني برمته.

نقول لعريقات: صارح شعبك بكل ما فعلته أوسلو ونهج المفاوضات بشعبنا وحقوقه الوطنية وأرضنا، التي لم يتبق لنا منها سوى أقل من 10% من مساحة فلسطين التاريخية.