Menu

ماذا كتب الشهيد باسل الأعرج عن اغتيال الشهيد عمر النايف؟

تعبيرية

سعيد الأعرج – فيسبوك

برنامج الجزيرة حول اغتيال الشهيد عمر النايف يفتح مجالاً لفرضيات جديدة، الفرضية الأولى هي الفرضية السائدة عن اغتيال الموساد للشهيد، لكن البرنامج يوضح مدى الاحترافية في طريقة الاغتيال ويؤكد أن الأمر لم يتم بتواطؤ فلسطيني بل بمشاركة أحد الأطراف أو الأشخاص إن كان بشكل رسمي أو فردي، والفرضية الثانية هي أن القاتل ليس الموساد، بل قُتِل بأيدٍ فلسطينية هاوية.

لكن الأكيد أن فرضية الانتحار قد سقطت، لأكثر من سبب، السبب الأول أن المادة المستخدمة "الميتفورمين" أحد أهم أعراض التسمم بها هو lactic acidosis ، وأيّ رياضي أو طبيب مبتدئ يعلم أن المصاب بهذا العرض لن يستطيع صعود 3 طوابق، بالإضافة للأعراض الأخرى من القيء والدوخة والتعب الشديد والإنهاك، بالإضافة إلى أن المدة الزمنية لظهور أعراض التسمم بالمتفورمين تصل إلى ساعات طويلة، قد تصل إلى خمس ساعات بعد هضم المادة، والوقائع تشير إلى أن النايف بدأ بالشعور بالأعراض وهو في الطابق الأول والتي ظهرت بالقيء والإسهال، وهذا يعني أيضاً أن النايف تناول المتفورمين قبل أن يهاتف زوجته الساعة السابعة وصديقه الساعة الحادية عشر، وظهرت الأعراض بعد انقطاع آخر اتصالٍ الساعة 2 صباحاً، وتلف الأعضاء الداخلية بأثر السقوط استطاع إخفاء معلومات مهمة حول الساعة التي تناول فيها الشهيد السم المدسوس (تحديداً القلب والكلى).

أضف إلى أن الوقائع تنفي السلوك المنطقي المُتَبع لدى المنتحرين بالدواء، فلا نعرف بالضبط هل وُجِدَت علبة الدواء فارغة تماماً أم لا، لكن إن كان بها بعض الحبوب فهذا يجزم تماماً بإنكار فرضية الانتحار، لأن سلوك المنتحر يشير إلى أنه يتناول كل الكمية الدوائية الموجودة في حوزته وليس بعضاً منها، وإن لم يصل إلى الموت في فترة قصيرة يبدأ بتعاطي كمية أكبر إن بقي منها، أو يعود إلى رشده ويطلب المساعدة. وطبعاً المتفورمين يحتاج إلى عدة ساعات لبدء ظهور أعراض التسمم منه.

على ضوء هذا وبتحليل الواقعة من زاوية تناول المتفورمين بكمية ضخمة لنناقش الفرضيتين.

الفرضية الأولى:

تفترض أن القاتل هو الموساد، وليس غريب أبداً على الموساد القيام بعملية من مثل هذا النوع فيها كثير من الضجة والعنف والتخريب وإظهار العملية بشكل غير احترافي، فقد قتل الشهيد يحيى المشد على أيدي الموساد ضرباً بالعصي حتى الموت رغبة منهم في إظهار أن القاتل غير محترف وللصق التهمة بطرف آخر. كما أن الموساد قام باغتيالات شبيهة في أوروبا كانت لدوافع انتقامية بحتة وطريقة القتل هدفها الانتقام وإيقاع أكبر أذى وألم للهدف.

لكن السؤال هنا، لماذا تم دس مادة المتفورمين له، بشكل تلقائي فهذه المادة هي المادة الدوائية الوحيدة التي يتعاطها الشهيد، وهي من أدوية السكري، فَدَسُّ تلك المادة للشهيد فيه نوع من التضليل، فإذا تم استخدام مادة أخرى، سيُثبت أنه تعرض للتسميم، لكن هذه المادة تطرح مباشرة فرضية الانتحار. لكن ما الداعي لتسميمه بالمتفورمين إذا أرادوا قتله بطريقة عنيفة، ونظراً لقناعتنا باحترافية (ولو بشكل جزئي) الموساد، فإنه من المؤكد أنهم قد حصلوا على استشارة من جهات طبية حول الميتفورمين، فيعلمون قطعاً أن الدواء لن يقتله في وقت قصير وأن الاعراض ستظهر بشكل متأخر، وكلتا الفرضيتان تفترضان أن الدواء تم دسه للشهيد عبر الطعام بكمية كبيرة، لذلك يجب العودة للتحقيقات ومعرفة السلوك الغذائي للشهيد.

لكن هذه الفرضية تفترض أن دس الدواء للشهيد تم إما للتضليل و/أو لإنهاك جسد الشهيد قبل استشهاده ليعجز عن المقاومة أو طلب المساعدة، فالتسمم بالمتفورمين سيترك جسد الشهيد منهكاً تماماً يعاني من شبه شلل بالإضافة إلى مشاكل في الكلى والتنفس والقلب والرؤية والحركة، مما يجعله هدفاً سهلاً للتنكيل به بروية مطلقة والحرص على عدم ترك أدلة ستظل في موقع الجريمة أو على جسد الشهيد.

الفرضية الثانية:

أن القاتل هو فلسطيني أو أن القتل تم بيد فرد بالوكالة عن الموساد وتكليف منه، أو بقرار رسمي فلسطيني، فهذه الفرضية تحيلنا إلى أن القاتل فعلياً غير محترف كما هو حال المخابرات الفلسطينية، وأن طريقة الاغتيال فعلياً تمت بمحاولة تسميمه بدوائه ونظراً لغياب المعرفة والمعلومات اللازمة عن المتفورمين وتسميمه، فقد تفاجئ القاتل بأن الشهيد لم يكن قد مات عندما وصل إليه الساعة الثانية صباحاً (لحظة انقطاع الاتصال معه)، فاضطر القاتل لقتل الشهيد عبر رميه من الطابق الثالث.

هذه الفرضية تفتح عدة أسئلة، السؤال الأول هو لماذا تأخر السفير ساعتين حتى وصل وقد ادعى بأنه ظنّ أن الحالة غير طارئة مع أنه يعلم أن حياة الشهيد مهددة بالخطر، لو كنت مكان السفير فإن أية مكالمة هاتفية أتلقاها من أي أحد وأول كلمة ينطق بها هو اسم عمر النايف لكان قلبي سينتزع من مكانه لأن اسم الشهيد يرتبط بحدث جلل ممكن أن يقع، ومما يؤكد تواطؤ أو مشاركة السفير باغتيال الشهيد هو عدم إخراجه من السفارة إلى المستشفى واكتفى باستدعاء الإسعاف، وادعى السفير أنه خاف أن تعتقله الشرطة البلغارية من المستشفى، وهذا ينافي تماماً مواقف السفير المتكررة في محاولة طرد النايف من السفارة غير آبه بمصيره، ما كان يهمه فقط هو التخلص منه من داخل السفارة وليكن مصيره ما يكون خارجها.

السؤال الثاني هو حول الضابط ممدوح زيدان، الذي أصرّ في شهادته على أن الموساد من قتل النايف وافتعل عدم الاحترافية للتضليل.

هنا يجب طرح سؤالين حول ممدوح زيدان الذي اعتقد أن الشهيد كان يثق به إلى حدٍّ ما حسب تصريحات صديق الشهيد، الأول هل ممدوح زيدان متورط بقتل الشهيد وأن السفر إلى تركيا في اليوم السابق هو ليس إلا محاولة لأخذ حجة غياب، أم هل فعلياً ممدوح زيدان كان يحمي الشهيد لذلك كان لا بدّ قطعاً من إبعاده عشية تنفيذ الاغتيال، والطرحان يؤكدان تورط مسؤول الأمن الخارجي في المخابرات الذي كلّفَ ممدوح زيدان بمهمة اسطنبول هو متورط مباشرة في الاغتيال، وهو إما من أصدر أمر القتل بأيد فلسطينية أو أنه هو من جهّز الساحة تماماً للموساد لينفذ القتل عبر إبعاد ممدوح زيدان.

من سيجيب على هذا السؤال فعلياً هو سؤال لتامر المسحال، من هذا الشخص الذي قابلته في اسطنبول وكيف وصلت إليه وكيف عرف بالمهمة التي كُلِّفَ بها ممدوح زيدان في اسطنبول، فإما أن هذا الشخص تم الدفع به من قبل المخابرات الفلسطينية لإيصال المعلومة لتامر المسحال لكي يُظهِر براءة المخابرات التي كانت تحاول تهريب الشهيد، أو أن الذي دفع بهذا الشخص لتقديم المعلومة لتامر المسحال هو ممدوح زيدان نفسه الذي لا يملك القدرة على أن يقول أية كلمة علانية حول الحادثة لاشتراطات الوظيفة، فقام بالدفع بهذا الشخص ليكون صك براءة لممدوح زيدان الذي كان بعيداً عن ساحة الجريمة، والذي كان يرتب طريقة لتهريب الشهيد، وهذا لا ينفي احتمالات أخرى أيضاً حول هذا الشاهد، فلربما أيضاً ضابط المخابرات العربي هو من رتب نقل المعلومة إلى تامر المسحال.

على كل حال، الفرضيتان توصلان إلى أنه من المؤكد أن هناك يد فلسطينية هي التي دست الدواء للشهيد، وهي التي وضبت الساحة لإتمام عملية الاغتيال على أكثر من مرحلة (لا توجد كاميرات ولا توجد حراسة).

وأخيراً، لربما الحق الواجب علينا ليس التعامل مع القضية بعقل شرطي تحقيقي يشبه كونان أو روايات أغاثا كريسيتي لتكريم الشهيد بالكشف عن قاتله، بل الواجب هو أخذ ثأر الشهيد من العدو الصهيوني والوقت كفيل لكي تأخذ أيضاً ثأره من جواسيس السلطة في الوقت المناسب

باسل الأعرج