Menu

«النضال السلمي» ليس كافياً!

عوني صادق

في مرحلة ما عرف باسم «الاعتراف المتبادل» بين دويلة «إسرائيل» ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقبول الأخيرة مبدأ «نبذ العنف»، اتضحت توجهات تيار فلسطيني في منظمة التحرير، يقول بفشل الكفاح المسلح وبأن «النضال السياسي السلمي» هو السبيل الأضمن لتحقيق «المشروع الوطني الفلسطيني».

وبعد عقدين على توقيع «اتفاق أوسلو» جاء الاعتراف بفشل «النضال السياسي»، وصار الحديث يزداد عن «النضال السلمي» المعتمد على «اللاعنف» و«المقاومة الشعبية السلمية» و«الحراك المدني» بالاعتصامات والمسيرات في المناسبات الوطنية مثل «النكبة»، و«يوم الأرض».. إلخ. ومؤخراً صار الترويج لهذا النوع من النضال يقترن ب«شيطنة» المقاومة المسلحة التي أصبحت تمثل في نظر هذا التيار «مؤامرة» على الشعب و«المشروع الوطني»!

ومع الاستعداد والإعداد لمسيرة «يوم الأرض» التي ستبدأ في الثلاثين من مارس/‏آذار الجاري، نشرت الصحف الفلسطينية و«الإسرائيلية» عدة مقالات عن هذه المسيرة وكل يغني على ليلاه. ولكن الاتفاق كان واضحاً على أن المسيرات هي «البديل» للمقاومة المسلحة! وفي مقال بقلم رونيت مزريل في (هآرتس- 20/‏3/‏2018) بعنوان: مسيرة العودة.. الفلسطينيون ملّوا، قالت: «مسيرة العودة تفتح مرحلة جديدة في نضال التحرر الفلسطيني، وللمقاومة المدنية الشعبية غير العنيفة»، وأضافت: «هذه المبادرة تحظى بتأييد الفصائل المسلحة مقابل الجمود في جهود المصالحة وفشل الكفاح المسلح والنضال السياسي»! ورأت الكاتبة أن المسيرة «تبرهن على تغير في رؤية النضال التحرري الفلسطيني، وذلك بالانتقال من الخطاب الوطني والديني العنيف، إلى الخطاب المدني الذي يقوم على حق الفرد في العودة إلى أرضه، والانتقال من مجتمع سلبي متوسل إلى مجتمع منتصب ومبادر»!

لا أحد يقلل من أي شكل من أشكال المقاومة، بما في ذلك المسيرات والاعتصامات، وهي ليست جديدة على النضال الفلسطيني، لكن اعتبارها بديلاً عن المقاومة المسلحة هو سقوط في الفخ الاستسلامي الذي تشجع عليه الأوساط «الإسرائيلية».

والشعب الفلسطيني لم يمل النضال ومقاومة الاحتلال، ولم يتوقف يوماً عن اجتراح أساليب جديدة في هذا المجال. وللتدليل على فساد الزعم «الإسرائيلي» والفلسطيني الاستسلامي، الذي عبرت عنه الكاتبة المشار إليها أعلاه، وبعض الفلسطينيين، نذكر أن «انتفاضة القدس » التي اندلعت في أكتوبر/‏تشرين الأول 2015 متواصلة حتى اليوم، نشطها إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس «عاصمة موحدة لإسرائيل». وفي إطار المتابعة والإحصاء، رصد موقع الانتفاضة منذ مطلع العام الحالي: يناير/‏كانون ثاني 30 عملية فدائية توزعت بين عملية طعن واحدة، وعملية دهس و5 عمليات إطلاق نار، و16 عملية رشق بالحجارة، وتفجير 7 عبوات ناسفة.

فبراير/‏شباط 21 عملية فدائية توزعت بين عمليتي طعن، وعمليتي إطلاق نار، و13 عملية رشق بالحجارة، وتفجير7 عبوات ناسفة.

وفي الأسابيع الثلاثة الأولى من مارس/‏آذار، سجل الموقع 25 عملية فدائية أدت إلى مقتل 3 «إسرائيليين» وإصابة 13 منهم بجراح مختلفة.

ولا تزال «جمعات الغضب» مستمرة منذ إعلان ترامب. وإذا كان أنصار «النضال السلمي» لا يعتبرون أساليب الطعن والدهس والحجارة ناجعة، فإنها دليل على أن الشعب يتمسك بكل أشكال المقاومة، إلى جانب السلاح الناجع دوماً.

وفي مقال للكاتب الصحفي «الإسرائيلي» روني شكيد (يديعوت 18/‏3/‏2018)، حديث عن «الانفجار الفلسطيني القادم»، قال: حسب تقارير المخابرات «الإسرائيلية»، فإن 400 عملية «نفذت في الضفة الغربية والقدس وصفت كلها كمحاولات فردية».

إن كياناً قام على الاغتصاب والاحتلال والقوة والتطهير العرقي والقتل منهجاً، لن تنفع معه وسائل «النضال السلمي» وحدها، والتي يمكن أن تساند العمل المسلح دون أن تكون كافية لتحقيق الأهداف الوطنية.

ولذلك فإن الترويج للمسيرة المنتظرة باعتبارها «رسالة سلام»، وما اعتبره معلقون فلسطينيون «أفكاراً جديدة ترى فيها سلطات الاحتلال خطراً داهماً أكثر نجاعة وتأثيراً في مواجهة الاحتلال»، ليس سوى ترويج لأفكار استسلامية يشجع عليها «الإسرائيليون».

إن الاغتصاب عنف والاحتلال عنف، و«التلطي» وراء غاندي ومارتن لوثر كنج تضليل مفضوح وقياس خاطئ في حالة الصراع مع «دويلة الاحتلال».