Menu

انتفاضة العودة والإبداع الفلسطيني

د.فايز رشيد

تستحق مواصلة جماهيرنا للأسبوع الثاني على التوالي للنشاطات المتمثلة بذكرى يوم الأرض، أن تسمى ب«انتفاضة العودة»، كون هذه النشاطات مستمرة حتى موعد الذكرى السبعين للنكبة في 15مايو/أيار المقبل. هذا بالرغم من التضحيات من الشهداء والإصابات الكثيرة لآلاف من أبنائه في معركة التحرير والعودة. من الواضح أن الأسبوع الثاني من الانتفاضة حمل معه ابتكارات وإبداعات مقاومة فلسطينية جديدة، مثل إشعال الآلاف من الإطارات لتشكيل سحب من الدخان الكثيف لمنع رؤية جنود العدو للمستهدَفين من المناضلين، وقد قتل منهم العدو عددا يوم الجمعة في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي نتيجة للتلسكوبات المكبّرة التي زوّد العدو بها جنوده القتلة، كما أبدع مقاومونا بالمرايا التي تعكس أشعة الشمس في عيون الجنود.

الواقع العملي للشعب المقاوم يجبر المناضلين على ابتكار وسائل مقاومة بسيطة وسهلة وفي متناول الأيدي.

على الجانب الآخر، تبدو «إسرائيل» مربكة تماماً، فهي لم تكن تنتظر أن تمر ذكرى إقامتها السبعين وسط أجواء من المقاومة العريضة الفلسطينية السلمية التي فضحت «إسرائيل»، وأحرجت حتى اللوبي اليهودي في أمريكا، بل كشفت فاشيتها وخداعها وأساطيرها التضليلية لا في العالم فحسب بل في الداخل «الإسرائيلي» نفسه. فقد كتب أوري سیغال في «معاریف» قائلاً: «كلما نجح الفلسطینیون في التمسك بالكفاح غیر العنیف وروح المهاتما غاندي ونیلسون ماندیلا ومارتن لوثر كینج، سینكشف میزان القوى الحقيقي بین «الإسرائیليين» والفلسطينيين.. وينكشف أیضا عجز التفوّق العسكري ل«إسرائيل» الذي سيكون ضدها، فليس القوي هو الذي ينتصِر بل المحق»، أما جدعون ليفي في «هآرتس» فقد كتب مقالةً يدين فيها المجزرة عنوانها ب «جيش الذبح «الإسرائيلي».

أما عاموس هارئيل فقد عنون مقالته ب»القتلى الكثيرون في غزة سيحافظون على نيران المواجهة». درور يهيني من جانبه وفي «يديعوت أحرونوت» عنون مقالته متسائلاً «كيف انتصرنا في معركة أخرى وخسرنا الحرب؟». بدورهما فقد طالب مردخاي كريمنتسير «هآرتس» ود. رويتل عميران في «معاريف» بتشكيل «لجنة تحقيق» في المجزرة. هذا غيض من فيض ما قاله معلقون «إسرائيليون». حاول نتنياهو وليبرمان إخفاء هذا الارتباك، بإرسال تهنئة إلى الجيش لإتاحته الفرصة «للإسرائيليين» بتمضية عيد فصح يهودي هادئ! وحاولت الحكومة «الإسرائيلية» تسجيل انتصار على الفلسطينيين بتقديم شكوى إلى المنظمة الدولية للبيئة، بسبب تأثير دخان الإطارات على البيئة، ناسية أو متناسية أن الاحتلال «الإسرائيلي» ل فلسطين هو السرطان الخبيث ليس في الجسد الفلسطيني أو العربي فحسب بل في جسد الإنسانية، وأن لا تعايش معه إلا باجتثاثه حتى آخر خلية فيه.

بالفعل، جاء إحياء ذكرى يوم الأرض لهذا العام مميّزاً، ولو مرّ دون الذهاب إلى خطوط التماس، لما عرف العالم بقضية حق عودة الفلسطينيين، وقرار الأمم المتحدة رقم 194 الصادر بشأنه، ولما أدرك حقيقة هذه الفاشية «الإسرائيلية» التي تقتل عزلاً من دون سلاح. فالفصائل الفلسطينية التي شاركت فيها حرصت على أن تكون سلمية. كما أيدت وكالات الأمم المتحدة في غزة (بما فيها الأونروا) هذه المسيرات عندما أعلمتْ بها، كون القضية التي أجريت من أجلها صدر فيها قرار دولي، وهي حقّ مشروع للفلسطينيين، ولأنها مسيرات سلمية أيضاً. ثم إن المسيرات شكلت رسائل أرسلت في اتجاهات عديدة: إلى «إسرائيل»، فقد أفهمتها صلابة الفلسطينيين، وإصرارهم على حق العودة إلى وطنهم (وأن الصغار لا ينسون بعد موت الكبار، مثلما توقعت غولدا مائير) وأن الصراع عائد إلى مربعه الأول.

كما هي رسالة في الاتجاه الأمريكي، بأن القرار حول القدس والاعتراف بها عاصمة للدولة اليهودية، ونقل السفارة الأمريكية إليها لا يعترف به الفلسطينيون، وكأنه بالنسبة إليهم لم يكن. رسالة في اتجاه المطبّعين ول«صفقة القرن» الأمريكية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، بتأكيد شعبنا على أنها لن تمرّ.

التحية لأهلنا المنتفضين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يا من تسترخصون الغالي والنفيس في سبيل العودة إلى بيوتكم الأصلية في الوطن المحتل، يا من يبذل الواحد منكم روحه ودماءه في سبيل الوطن الأغلى إلى قلوبنا جميعا. إن شعبا بهذه المواصفات وبهذا الابتكار وبهذه الصلابة.. لا بد سينتصر.