Menu

أزمات «إسرائيلية»

د.فايز رشيد

مع اقتراب الذكرى السبعين لإقامتها، تعاني «إسرائيل» سلسلة من الأزمات التي قد تتفاقم حدّتها وتأثيرها على وجود هذه الدويلة. في جديد مخاطر «أزمة الديموغرافيا» يأتي تصريح الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات «الإسرائيلية» (الموساد) أفرايم هليفي في محاضرة له قبل أسبوع بأن الخطر الذي يحيق ب«إسرائيل» ليس المشروع النووي الإيراني، ولا أي جهة خارجية أخرى وإنما أن يكون اليهود أقلية أمام الفلسطينيين في فلسطين التاريخية. ودعا إلى تسريع عمليات التهويد، خاصة لليهود غير المعترف بيهوديتهم ويقيمون في «إسرائيل». يُعد هليفي من أبرز وأهم رؤساء جهاز الموساد، وما زال من الشخصيات البارزة التي يؤخذ برأيها في مؤسسات النظام. واستذكر هليفي الإحصائيات الجديدة التي وردت في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الشهر الماضي، وقالت إن عدد الفلسطينيين واليهود متساو في فلسطين التاريخية. وقال إنها إحصائيات دقيقة، لأنها تتطابق مع تقارير «إسرائيلية» وفلسطينية.

إن هذا الأمر سيسبب إرباكا لـ«إسرائيل» ومشروعها في المنطقة، إذ لم يدر في خلد هرتزل وغيره عند عقد مؤتمرهم الصهيوني الأول عام 1897، أن الفلسطينيين بعد سبعة عقود من إنشاء دولتهم عام 1948 سيتساوون في العدد مع اليهود في فلسطين التاريخية! هم اعتقدوا كما جابوتنسكي وبن غوريون فيما بعد أنه بعد ممارسة التطهير العرقي ضدّهم. وتهجير ما يقل عن مليون منهم قبيل وبعد إنشاء الدويلة وعلى مدى وجود «إسرائيل» في الخطة التي عرفت باسم «دالت»، اعتقدوا أنهم سيمحقون الفلسطينيين عن وجه الأرض، أما «من يتبقى منهم، فكبارهم سيموتون وصغارهم سينسون»! كما قالت غولدا مائير. ولكن ثبت خطأ مقولتهم تماماً، فأحفاد أحفاد المهجّرين من فلسطين يتمسكون بحق العودة أضعاف أضعاف أجدادهم، ورغم مرور ما يزيد على القرن لم ينس فلسطيني واحد حقّه في أرضه.ثم إن مبدأ القوة وارتكاب المذابح والعنف، أثبت فشله على مدى التاريخ، إذ ذهب المحتلون, وحملوا عصيّهم ورحلوا، وبقيت الحقيقة الخالدة أن أي استعمار مهما بلغت قوته سيضطر يوما للرحيل، و«إسرائيل» لن تكون استثناء من هذه القاعدة.حتى أن بعض اليهود ناشدوا زعماء اللوبي اليهودي في أمريكا والبیت الابیض بأن ينقذوا «إسرائیل» من نفسها.

ثمة كتاب صدر لمؤلف يهودي يدعى «بيتر بينارت» بعنوان «أزمة الصهيونية» يشدد فيه على أن القضية الحقيقية لليهود اليوم لا تكمن في ضعفهم وكيفية مواجهته بل في مقتضيات القوة، رافضاً في الوقت نفسه استغلال معاناة اليهود التاريخية كضحايا في الهيمنة على الفلسطينيين، ويضيف: «يطلبون منا تخليد قصة معاناة تتجنب القضية المركزية لليهود في عصرنا الحاضر ألا وهي كيف لنا أن نستخدم القوة اليهودية بشكل أخلاقي؟». ويعلق صحفي يهودي آخر هو روجر كوهين على كتاب بينارت قائلا في عموده الأسبوعي في صحيفة «نيويورك تايمز»، «إن اليهود ظلوا على مدار عقود طويلة من الآن يمارسون تلك القوة على ملايين الفلسطينيين المحرومين من أي حقوق للمواطنة والذين يعانون من كل أشكال الإذلال كشعب محتل». ويقتبس مؤلف الكتاب عبارة مدير الرابطة المناهضة للتشهير أبراهام فوكسمان التي قال فيها: إن الحكومة «الإسرائيلية» تقرر واليهود الأمريكيون يدعمون. من السهولة بمكان - يقول كوهين- «إلقاء اللوم على الفلسطينيين، وهي حيلة كان من شأنها أن تكون لها مصداقية أكبر لو أن حكومة بنيامين نتنياهو أظهرت قدراً ولو قليلاً من الاهتمام بإرساء السلام، لكنها لم ولن تفعل». يقول بينارت في كتابه: إن «إسرائيل» لا تعاني من مشكلة علاقات عامة بل من مشكلة سياسات، إذ لا يمكنك الترويج للاحتلال في حقبة ما بعد الاحتلال.

حتى اللحظة، تفتقد «إسرائيل» إلى وحدة التجانس بين اليهود: الأشكناز (الغربيون) والسفارديم (الشرقيون) والفالاشا (السود)! وهناك صراعات حقيقية وتناقضات خفيّة بينهم. «إسرائيل» ورغم مرور سبعة عقود على إنشائها تفتقد إلى تعريف موحّد ل «من هو اليهودي» كما أن الهجرة العكسية منها في ازدياد مستمر مقارنةً مع معدلات الهجرة إليها. نعم كثيرون من الكتّاب والاستراتيجيين اليهود في الداخل «الإسرائيلي» والخارج يتوقعون إزالة دولتهم، ويحذرّون من حربٍ أهلية مرشحة للحدوث فيها.