حين انطلق المشروع الوطني الفلسطيني كان الأمر استجابة لتحدي النكبة وأثرها المزلزل على المجتمع الفلسطيني، ومعالجة للعجز والفشل العربي الرسمي عن مواجهة المشروع الصهيوني والذي تجلى بوضوح مع نكسة العام 1967.
لقد حملت هذه الثورة آنذاك أكثر القيم طليعية وتقدمية وإبداع وهو ما مكّنها من صد محاولات تصفية القضية الفلسطينية لسنوات طوال، ونقل الفعل والتأثير الفلسطيني لمواقع وأنماط جديدة .
ما يحدث للفلسطينيين اليوم من تصفية لحقوقهم الفردية والجماعية، هو بمثابة نكبة جديدة يتم إلحاقها بهم، في ظل ظروف عربية تحمل ملامح نكسة جديدة تتمظهر في تهافت الموقف العربي الرسمي نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وصوغ السياسات المتعاونة معه ضد الحقوق الفلسطينية، وهذا بالأساس يحتاج لمنظومة مواجهة فلسطينية كالتي مثلتها الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لسنوات طوال، قبل أن تصبح الأخيرة جزءًا من منهج التسوية ومفاوضاته بنتائجها الكارثية.
الانزلاق في مسار أوسلو أعاق الجهد الفلسطيني وسنوات التفاوض العجاف فككت كثيرًا من قدرات الفلسطينيين في المواجهة، وأضرّ الانقسام بهذه القدرات بشكل كارثي، وترك الفلسطينيين في حالة من التشظي والصراع الداخلي، ضخّم أوهام وتطلعات العدو لتصفية القضية.
اليوم وبما شكلته وتشكله النضالات الشعبية وتجارب المقاومة في فلسطين، تبدو ملامح انطلاقة جديدة للطاقات الشعبية، وإن كانت تغيب عنها إنطلاقة مماثلة على مستوى بنى المشروع الوطني الفلسطيني وأدوات عمله.
هذا يضع الفصائل والأطر الرسمية الفلسطينية، أمام تحدي تجديد ذاتها وبناها الوحدوية، وتحمل مسؤلياتها الوطنية، أو إعلان إسدال الستار تدريجيًا على دور هذه البنى التي تكونت بتضحيات جسيمة قدمها هذا الشعب، والخشية الحقيقية هي المجهول الذي قد يمسك الناصية الفلسطينية ويقودها لما هو أكثر ظلمة وكارثية.