Menu

حكومة لفتح و"فخ العسل" لحماس

د.عاطف سلامة

د.عاطف سلامة

تشهد الساحة السياسية الفلسطينية فصلا جديدا من كسر العظم بين (فتح وحماس) وكلاهما يستعد لجولة حامية الوطيس ، المستفيد الوحيد منها دولة الاحتلال ، والخاسر الأكبر الشعب الفلسطيني.

فأهل القطاع ينتظرون إدارة محلية في غزة ستحمل وزر الكثافة السكانية ومشاكلها وستكون دولة الاحتلال في غاية السعادة وفي حل من أمرها تجاه القطاع ،كون حركة حماس مستعدة لحمل العبء وحدها، وما يترتب عليه من حفظ الأمن و(..) ، وفي الجهة الأخرى تجري الاستعدادات لتشكيل حكومة جديدة..

ومن هنا يبدو أن الفصل الختامي لإنهاء تمثيل "م.ت.ف" للفلسطينيين قد بات أمرا واقعا ، سواء فكر الرئيس ابو مازن بحل السلطة ،أم لم يفكر، سواء أشرك حماس بـ (حكومة وحدة) أم لم يشركها ، وسواء أعلن موافقته على المبادرة الفرنسية أم لم يعلن، والتي أعلنت "حماس" رفضها بالقول:"عودة المبادرة الفرنسية للتداول ووجود وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فى المنطقة ليس له إلا معنى واحد هو العودة لمجلس الأمن الدولي وبمستوى سياسي متدنٍ أكثر".

فحماس المتشبثة بالحكم في القطاع ، ستأخذ نصيبها على حساب المشروع الوطني الفلسطيني ، وهي مستعدة بكل ما أوتيت من قوة ، وعليه ، يرى (الطباخون) أنه بالضرورة تقديم شيء لحماس ,كونها القوة الأكبر على الأرض في غزة

وسرعان ما بدأت النتائج تترجم على الأرض ، وما إطلاق سراح "السلفيتي" أحد قتلة الصحفي الايطالي "اريغوني" ليغادر غزة للقتال مع (داعش) ، إلا جزءا بسيطا من تغييرات سنشهدها قريبا ، وفتح خطوط جديدة مع مصر يجعلنا نطرح سؤالا :هل هناك اتفاقا مع مصر بهذا الشأن ، أم أن "السلفيتي"دخل وغادر مصر دون علمها؟ وهل يعني هذا مصالحة حماس مع "السلفية الجهادية ؟وهل يا ترى ما يجري يعتبر استحقاقا للهدوء في غزة وسيناء؟ (المنطقة الجغرافية التي تخشاها كل من مصر ودولة الاحتلال)؟

يبدو أن هناك أدوارا توزع لكل طرف، خاصة وأننا لم نستمع إلى أي ضجيج في غزة بعد حكم الإعدام في مصر  لقادة جماعة الإخوان المسلمين "مرسي ورفاقه"؟

وما الزيارات المتتالية لغزة ، إلا ذا كان هناك "طبخة سياسية جديدة" فبدءا من بلير الذي زار غزة في الأشهر الستة الماضية ، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون،و محمد العمادي، رئيس اللجنة الوطنية ال قطر ية لإعادة إعمار غزة، وبول غارنييه، السفير السويسري لدى السلطة الفلسطينية، وفرانك فالتر وزير الخارجية الألماني، أكدوا جميعاً على خطورة الوضع المعاش في قطاع غزة ، وحذروا من الانفجار الصعب الذي من الممكن أن يشهده القطاع .

علاوة عما صدر عن موقع "واللا" الإخباريّ العبري ،على لسان المحلل آفي أيسخاروف، عن أنّه في الأسابيع الأخيرة يقوم العديد من الوسطاء بالعمل الحثيث والمُكثّف من أجل التوصّل إلى تفاهمات بين إسرائيل وبين حماس فيما يتعلّق بإعادة ترميم قطاع غزّة، الذي دمرّته آلة الحرب الإسرائيليّة في العدوان الأخير عليه صيف العام 2014، علاوة على ذلك، أضاف المُحلل أنّ الوسطاء، وهم عرب وأيضًا من الغرب، يعملون على تهدئة طويلة الأمد بين (إسرائيل) وحماس.

الرئيس عباس لا زال يبدي رغبته بالوصول مع حماس إلى  اتفاق بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن حماس لا تزال تشكك في "النوايا " ونجاح هذه الخطوة.

وفي نفس الوقت فتح وفصائل "م.ت.ف" قلقة من إبرام حماس اتفاقاً دولياً يكون هدفه فصل قطاع غزة عن باقي فلسطين ،في حين تقول حماس أن الاتفاق الدولي يهتم  فقط بوقف إطلاق النار ، وإنهاء الحصار.

وما فجر الخلاف القديم الجديد بين "فتح وحماس" بشكل كبير هو تصريحات وزير الخارجية رياض المالكي، الذي قال :ستشكل حكومة الوحدة بعيدا عن حركة حماس، وأن هذه الحكومة ستعترف بشروط الرباعية الدولية ، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الفرنسي حيث قال أن الحكومة الفلسطينية الجديدة لن تتضمن إلا أطرافا تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف وتوافق على مبادئ الرباعية وبالتالي فهي لن تضم حركة حماس.

حماس على الفور رفضت اعتراف أي حكومة فلسطينية بشروط اللجنة الرباعية وقالت:" أن أي حكومة فلسطينية تلتزم بأي برامج سياسية غير توافقية يعني أنها ستكون حكومة فتحاوية فقط، وأنه لن يكون لها علاقة باتفاق المصالحة، وأن قيادة فتح تتحمل مسؤولية التداعيات المترتبة على ذلك.

لذا ، شرع الإطار القيادي في حركة حماس في الخارج والداخل بدراسة جميع الخيارات المتاحة أمام الحركة، لدراسة كل الخيارات المتاحة وآثارها مستقبلا على علاقة الحركة بالفصائل، وعلى علاقة الخيار المنوي اتخاذه للرد على خطوة حكومة الوحدة حال لم تضم حماس، على المستوى الداخلي.
ومن أبرز خيارات حماس في هذا التوقيت، حسب ما يدور من اتصالات بين قادة الداخل والخارج ، يرفع شعار"حكومة غزة"، وهو عبارة عن تشكيل حكومة جديدة تدعو إليها حماس لتشارك فيها الفصائل، غير تلك التي تدعو إليها حركة فتح ومنظمة التحرير في الضفة الغربية، توكل لها مهام إدارة غزة، كما كان الأمر قائما قبل تشكيل حكومة الوفاق

طريقة تشكيل حكومة حماس بغزة ستختلف عن أسلوب التشكيل الذي تتبعه حركة فتح في الضفة الغربية، فحماس ستعقد على الأغلب اجتماع للمجلس التشريعي في غزة، يحضره نوابها، و يصدر قرار ، يعتبر خطوات تشكيل حكومة الضفة باطلة، ومن ثم يطلب زعيم كتلة نواب حماس تشكيل حكومة لإدارة غزة باعتبارها الكتلة الأكبر برلمانيا ، وستكون حركة فتح في هذا التوقيت قد شكلت حكومة من خلال منظمة التحرير، تتبنى برنامج المنظمة السياسي الذي يعترف بإسرائيل وبالمفاوضات، وتلتزم بشروط اللجنة الرباعية.

وبهذا الخصوص فقد التقى توني بلير خالد مشعل، زعيم حركة حماس للتفاوض على خطة لإنهاء حصار غزة الذي استمر لأكثر من ثماني سنوات. مقابل وقف إطلاق النار، و الحصول على الميناء البحري، وربما المطار.

هذه اللقاءات ولأول مرة أعطت حماس وليس السلطة الفلسطينية، الدور الرئيسي في المفاوضات حول غزة. كما أنها تؤيد محاولات الاتحاد الأوروبي المستمر  لرفع حماس من  قائمة المنظمات الإرهابية. وهنا اعتراف دولي واضح للتسليم بسيطرة حماس على قطاع غزة .  

و يقدم هذا العرض فرصة لحماس وغزة بتحسين علاقاتها بمصر، خاصة بعد التوتر الكبير بين الطرفين ، وقرار الرئيس السيسي بهدم وإغلاق الأنفاق الحدودية و معبر رفح الحدودي .

اتضحت النتائج فورا ، ففي الآونة الأخيرة،حيث تم فتح المعبر الحدودي و السماح للاسمنت  المصري بالدخول لقطاع غزة ، لإعادة الإعمار ، و تم شطب حماس كمنظمة إرهابية من قبل محكمة مصرية.

وقال بلير: "لن يكون هناك تدمير لحماس ، لأن  تدمير حماس ككيان سياسي ، لن يكون في مصلحة الشعب ، وأن الوصول معها إلى اتفاق سلام ، سيكون أفضل الطرق ، لأنها تملك قوة على الأرض ، ولديها إرادة شعبية في قطاع غزة .

ويمكن اعتبار "فخ العسل" لحماس عرضا من بلير، الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع الإمارات والسيسي - وكلاهما يعملان بنشاط على تعزيز القيادي الفتحاوي محمد دحلان.

حماس من جهتها ، قلقة وتخشى من إتباع نفس المسار التفاوضي الذي خاضته حركة فتح في المفاوضات الفاشلة مع(إسرائيل).

وهنا ، وإن كان لا مناص من تشكيل حكومتين ، فإننا، ولتفويت الفرصة على الطرفين نقترح على الفصائل الأخرى أن تقبل الشراكة في الحكومتين (الضفة وغزة) ، لسببين ، أولهما :أن الفصائل الأخرى غير قادرة ولا هي مؤثرة في الحالة السياسية الفلسطينية ، وثانيا: كي تبقي المجال مفتوحا للإبقاء والحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني و على الوطن موحدا (إن استطاعت)،قبل أن نصل إلى القطيعة الكاملة بين كيانين منفصلين ، وبالتالي ،عليها أن تبقي شعرة معاوية كصلة وصل بين حكومتين ستؤديان بالتأكيد إلى الانفصال التام .

والسؤال هنا :هل ستكون حماس قادرة على عدم تكرار ما فعلته فتح ؟ وما هو الثمن الذي ستدفعه حال تم الانفصال ؟