Menu

هل يُحرَر الفلسطينيون من المخيم؟!

المية ومية: الساخن على طريقة نهر البارد

الاشتباكات في مخيم المية ومية

بيروت_ بوابة الهدف_ انتصار الدنّان

انتهت اشتباكات مخيم المية ومية التي اندلعت، في 25 أكتوبر 2018، من دون أن ترجح الكفةُ لأحد الطرفين المتقاتلين (فتح) و(أنصار الله) التي يتزعّمها جمال سليمان، إذ توقف إطلاق النار بعد أن تم الاتفاق على وقفه عدة مرات سابقاً، وكان هذه المرة برعاية الرئيس نبيه بري. شهد الاتفاق خروقات عديدة، إلى أن تم لقاء "مصالحة" في مقر المجلس السياسي لحزب الله، في الضاحية الجنوبية. ثم آخَر في مقر السفارة الفلسطينية ببيروت، صدر عنه بيان "اتفاق المصالحة"، وكان من أهم أحد بنوده: تسهيل خروج المدنيين الذين كانوا بالمخيم إلى خارجه. وهذا البند أثار تساؤلات عديدة لدى الكثير من أهل المخيم، أهمها: هل ما يحدث هو خطة ممنهجة لتفريغ المخيم من أهله، وتهجيرهم، كما سبق وجرى في مخيم نهر البارد قبل عدة سنوات خلت بعد اشتباكات مماثلة، بين حركة فتح وما عرف بـ"فتح الإسلام" في حينه؟!

ترافق هذا الشرط الذي صدر في بيان القوى المجتمعة في السفارة، مع البيان الذي أصدرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، حيث أشارت إلى أن 80% من سكان مخيم المية ومية نزحوا عنه إلى أماكن أخرى، وأوضحت أنه اعتمدت خطة طوارئ في ما يختص بالطلاب المسجلين في مدرسة عسقلان البالغ عددهم 417 تلميذًا الذين لم يلتحقوا بالمدرسة منذ السادس عشر من أكتوبر 2018، أي منذ بدء الاشتباك الأول، وذلك بتوزيعهم والمعلمين إلى مدارس أخرى في منطقة صيدا، ومخيم عين الحلوة، والمدارس هي: دير القاسي، السموع، مرج بن عامر.

هذا الأمر أثار تساؤلات عديدة عند البعض أيضًا، ما لبثت بعده الوكالة أن نفت الأمر من خلال تصريح لمدير "الأونروا" في منطقة صيدا الدكتور إبراهيم الخطيب.

مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين: قرار الأونروا يعتبر رسالة إلى المتحاربين في المخيم بأن استمرار الاشتباكات المسلحة سيساهم في تهجير اللاجئين

وفي هذا يقول علي هويدي، مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين: "لا شك أن قرار إدارة وكالة الأونروا المؤقت والطارئ، بتوزيع الطلاب، وموظفي التعليم على بقية المدارس ينطلق من الحرص على مصلحة الطلاب التعليمية، ومواكبة العام الدراسي، خاصة وإن مدرسة عسقلان في المخيم، التي تستقبل 417 طالبًا وطالبة، متوقفة عن استقبال الطلاب من تاريخ 16/10/2018، وليس هناك من ضمانات لتوقف الاشتباكات بشكل نهائي، مع انهيار كل اتفاق لوقف إطلاق النار".

واعتبر هويدي، "بأن قرار الأونروا يعتبر رسالة إلى المتحاربين في المخيم بأن استمرار الاشتباكات المسلحة سيساهم في تهجير اللاجئين سواء إلى المخيمات والتجمعات والمناطق الأخرى في لبنان، أو التهجير إلى دول أوروبا وغيرها من الدول، وهذا سيكون له أثر سلبي على المستوى الإنساني المتعلق بالطلاب، أو الأهالي، وسنكون أمام مأساة إنسانية جديدة. والخطورة على المستوى السياسي  أن استمرار الاشتباكات سيهدد عمل الأونروا في المخيم من جهة، ومن جهة أخرى بأن عملية التهجير ستكرس عملية تفريغ المخيمات من أهلها، خدمة لمشروع تقليص عدد اللاجئين، وتوطينهم في لبنان، وشطب حق العودة، لذلك الحذر ثم الحذر".

وأكمل هويدي قائلاً، "إن تكرار تناوب الاشتباكات بين الفصائل تتكرر، وتتنقل من مخيم إلى مخيم، وعند تكرار هذه الاشتباكات تفرغ المخيمات من أهلها، وهذا الأمر مؤشر خطر يصب في إطار المشاريع الهادفة إلى القضاء على القضية الفلسطينية، وإلغاء حق العودة".

مخطط القضاء على المخيمات الفلسطينية بدأ مع تدمير مخيم النبطية في العام 1974، بعد تعرضه لهجمات عديدة من قبل العدو الصهيوني أدى إلى تهجير وتشريد أهله، تلاه مخيم جسر الباشا الذي تعرض لمجزرة ارتكبها بحقه اليمين المسيحي اللبناني، إلى تدمير مخيم تل الزعتر، ومن ثم محاولة تهجير أهالي مخيم نهر البارد بعد تدميره من قبل فتح الإسلام في العام 2007.

كل هذه المجازر وأعمال التدمير التي توالت على المخيمات الفلسطينية ليست محض صدفة، لكنها تقع ضمن مشروع يهدف إلى تهجير الفلسطينيين، على طريق إلغاء حقهم في العودة، وتصفية حقوقهم السياسية والإنسانية، وهذا ما يعمل عليه بشكل معلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من خلال إعلان صفقة القرن التي تهدف إلى إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية، وفي جوهرها قضية اللاجئين وحقهم في العودة، بعد ان حسم مسألة القدس ومصيرها بقرار نقل سفارة بلاده إليها، وتكريس الاستيطان وشرعنته، كل ذلك لصالح المشروع الأمريكي الصهيوني وأهدافه على صعيد الوطن العربي وعموم منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منه فلسطين المحتلة.

قائد الأمن الوطني في لبنان: من غير المسموح أن يعتدي أحد على مكاتبنا

قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان، اللواء صبحي أبو عرب، قال في هذا الصدد: "أؤكد أن ما حصل في مخيم المية ومية لن يتكرر، خاصة إن ما يحدث من اقتتال في المخيمات يصب في ضرب القضية الفلسطينية، وتهجير الناس من بيوتهم، إذ إن ما حصل في المخيم أدى إلى نزوح الناس عن المخيم، بحيث لا نعلم أين يقطنون حاليًا، لكنه في الوقت نفسه، أشار إلى أنه من غير المسموح أن يعتدي أي شخص على مكاتبنا".

وأكد أبو عرب بأن: "الاتفاق على وقف إطلاق النار، الذي تم بين مختلف الفصائل الفلسطينية وبرعاية لبنانية، يجب الالتزام به".

مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان: ما يجري هو تحرير المخيمات من الفلسطينيين

في مقابلة مع مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان، مروان عبد العال، قال: "إن ما يحدث من توترات أمنية في المخيمات ليس صدفة، ولا نستطيع تعليق ما يحصل وكأنه فعل من قبل بعض الأفراد، أو بعض ( الزعران)، او أنه بلطجة، بل ما يحدث هو سلسلة عامة يجب أن نقرأها، ولها سياقها التاريخي الذي تمر فيه، وأولى القراءات هي أننا أمام وضع مهترئ للاجئين الفلسطينيين في المخيمات بشكل عام، تم اللعب عليه بأكثر من مستوى، فالفلسطيني في لبنان يعيش حالة من الخنق، وهذا الموضوع يجب إيلاؤه أهمية كبرى، لأن ما يجري له مسببات ذات طابع اجتماعي، وتضع الفلسطيني أمام عبء لقمة عيشه، وأمام تنقله، ودخوله، وخروجه من المخيم، التي تضع أمامه الإجراءات الأمنية عند مداخل المخيمات، وأمام مستقبله، الذي بات مقلقاً بشكل كبير وبلا أفق".

أما على المستوى السياسي، فأوضح عبد العال: "إن يجري في مخيم المية ومية، يضعنا أمام  أسئلة ذات طابع سياسي كبير، لا نستطيع الإجابة عنها لوحدنا، فكما الفصائل معنية جميعها بالإجابة، فالدولة المضيفة ( لبنان) هي معنية بالإجابة عن تلك الأسئلة أيضاً".

وتابع قائلاً: "إن التوظيف السياسي الذي يحصل في المخيمات له دور كبير في مسألة تشويه العمل السياسي الفلسطيني، وتشويه القضية الفلسطينية، كما أنه لعب دورًا في كبح أية محاولات للتضامن اللبناني مع الشعب الفلسطيني، خاصة في ما يحاك للفلسطينيين تحت ما يسمى صفقة القرن وغيرها". وأكمل: " هناك وجود لجهات دولية لها هدفها في تفريغ المخيمات من مضمونها، من محتواها، من شبابها، من سكانها، وهذه الجهات تحول المخيمات إلى فزاعة، وهناك من هو جاهز لتسهيل هذه المهمة، حتى لو أخذ الاسم الفردي، أو الاسم المتنقل، وكذلك عن طريق الآفات الاجتماعية التي لا نراها مباشرة، وهي أكبر من قضية إطلاق النار، وهي المخدرات وغيرها، التي تنتشر بين شباب المخيمات، لذلك هناك استهداف شامل للجسد الفلسطيني، وهو جزء من استهداف قضية اللاجئين على وجه الخصوص".

وأضاف بأن: "التقليصات التي تقوم بها ( الأونروا) التي هي ليست من باب القضايا المالية فقط، بل إنها تأتي من باب الحماية المشكلة حول الفلسطيني التي ترفع عنه تدريجياً، مترافقاً ذلك مع الاختلال الأمني الموجود في المخيمات، حيث إن تنظيم السلاح الفلسطيني لم يتم في المخيمات حتى اللحظة، رغم كل اللقاءات والاتفاقات التي عقدت بهذا الخصوص".

وأكد مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان: "أن هناك مجموعات ما دون وطنية، ما دون سياسية، لها انتماءاتها المختلفة والمدمرة، وقد حاولت ونجحت للأسف في مخيم نهر البارد، مثل جماعة فتح الإسلام، وقد كان لها الدور التفجيري الذي استتبعه ما حصل في المخيم من تهجير وتدمير لا يزال شاهدًا لليوم، برغم مرور سنوات طويلة على ما جرى للمخيم، منذ عام 2007، كما أن مخيم عين الحلوة عانى ولا يزال يعاني من مجموعات متعددة، وقد قمنا بدور كبير لإبقاء الوضع تحت السيطرة، لكن إلى متى، وكيف ذلك؟".

وحول المطلوب من القوى والفصائل، قال عبد العال: " إن على القوى أن تكون جادة في هذا الموضوع، ومستوى خطورة أهدافه وأبعاده، وتعتبر أن المسألة ليست مسألة فرض سيطرة، وكسب رخيص، ومحاولة إثبات ذات على حساب المخيم ووجود سكانه، بل قضية وطنية وسياسية كبيرة، والتنافس يجب أن يكون في الصراع مع العدو الصهيوني ليس إلا".

وتابع عبد العال، موضحًا: "أنه على الرغم من تشكيل قوى مشتركة، وقوى أمنية، وغيرها، غير أن هناك اختلال بمسألة وجود مرجعيات سياسية باستطاعتها متابعة هذا الموضوع، نتيجة الانقسام الفلسطيني والخلاف الفلسطيني العام".

تزامنت الاشتباكات في مخيم المية ومية، مع بوادر تشكيل الحكومة اللبنانية، حيث قال عبد العال في ذلك: "إننا أمام مسألة جدية، وهي تشكيل حكومة لبنانية، وهناك عشرات التوصيات المرفوعة، وهناك قرارات متخذة بشأن الوضع الفلسطيني، نأمل أن يكون منها ما يعمل على تحسين الوضع الفلسطيني، ففي ضوء ما يجري في المخيمات، ما هي السياسة التي سينظر إليها إزاء الشعب الفلسطيني، سواء في البيان الحكومي أو ممارسة الحكومة فيما بعد، فالإبقاء على السياسات التمييزية بشكل أو بآخر ستؤدي إلى العنف، ودائمًا نُظر إلى العنف بأنه له أبعاده السياسية، والنفسية، والاجتماعية".

في ضوء خروج بعض الأصوات التي خرجت لتطالب بإزالة "التعديات" العمرانية الواقعة على الأملاك العائدة لأبناء بلدة المية ومية، من اللبنانيين، قال عبد العال: "هذا جزء من التوظيف السياسي، لكن يجب أن يكون هناك مساواة، وأنا مع إدخال الفلسطيني ضمن القانون، وأن يكون شاملًا، وهدفه العدل، لأن هناك حقوقًا للفلسطينيين، يجب أن يحصل عليها، ويعالج ملف الواقع الفلسطيني القائم بشكل كامل".

أمين عام التنظيم الشعبي الناصري: إن هذه الاشتباكات العبثية المدمرة تلحق الضرر بالأمن والاستقرار في لبنان، كما أنها تصب في مصلحة المتآمرين على القضية الفلسطينية والعاملين على تصفيتها

لكن، هل يتوقف الاقتتال في مخيم المية ومية، بحسب الاتفاقات التي تم التوصل إليها؟

في معرض إجابته على هذا السؤال، أكد أمين عام التنظيم الشعبي الناصري النائب الدكتور أسامة سعد، قائلاً:" إن هذه الاشتباكات العبثية المدمرة تلحق الضرر بالأمن والاستقرار في لبنان، كما أنها تصب في مصلحة المتآمرين على القضية الفلسطينية والعاملين على تصفيتها، وتدفع الشباب الفلسطيني إلى الإحباط، واليأس، وإلى البحث عن أي مكان في العالم يمكنهم اللجوء إليه".

وقال سعد: "سنبقى نطرح باستمرار مع السلطات اللبنانية موضوع الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني، التي تعتبر أساساً في تحصين الوضع الفلسطيني، ومواجهة كل محاولات التآمر على القضية الفلسطينية، وقضية اللاجئين، وقضية حق العودة، لأننا نريد للشعب الفلسطيني أن يحمل قضيته لا أن يهرب من هذه المنطقة نحو المهاجر، حيث إن المستفيد من هذا الأمر هو العدو الصهيوني، ومشروعه في تصفية القضية الفلسطينية، خاصة أننا نشهد تصعيدًا من قبل أميركا وإسرائيل يستهدف القضية الفلسطينية".

وعن كيفية تحصين المخيمات الفلسطينية، وحمايتها، أوضح قائلاً: "نحن في لبنان، فصائل فلسطينية وحركة فتح بشكل خاص، وقوى وطنية، وسلطة لبنانية معنيون بتحصين الوضع داخل المخيمات، ومعنيون بتطوير العلاقات اللبنانية الفلسطينية، بحيث تكون هذه العلاقات قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تستهدف لبنان وفلسطين".

وتابع سعد: "وهذا الاقتتال يتم منعه، من خلال تنظيم السلاح داخل المخيمات، وذلك في إطار العمل الفلسطيني المشترك، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، وهناك ضرورة لمتابعة هذا الموضوع، وضرورة لملاحقة كل مرتكبي الجرائم والاغتيالات، وتسليمهم إلى السلطة اللبنانية".

وأسف سعد لسقوط الضحايا، والأضرار المادية التي أصابت سكان المخيم والجوار، كما أسف لوقوع الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بمنطقة صيدا على مختلف الصعد، فضلًا عن تشريد سكان المخيم، وعن حالة الذعر والهلع التي تصيب الناس. 

ويبقى السؤال الساخن قائماً: هل سيحرر مخيم المية ومية من اللاجئين الفلسطينيين؟!

 خاصة وأن المعاناة تتكرس، والهجرة تتوسع، والموت بؤساً ومرضاً وإهمالاً يلتهم من في طريقه، والآفات الاجتماعية الخطيرة تسري من دون توقف، والمجموعات اللاوطنية تنبت كالعشب الحرام، وسلاح الفوضى يعم في كل مكان، وقصور الفصائل حاضر باستمرار، والجيش اللبناني يحاصر ويضيّق المساحة والمكان، وشظف العيش لا يُبقي أملاً أمام السكان، وتقليصات الأونروا تزحف لتزيد المعاناة والحرمان.. وأي بؤس ومعاناة  وحرمان وإجراءات وقصور وفوضى إن لم يكن في المآل النهائي المُستهدف بها الإنسان الفلسطيني وقضيته وحقوقه، لذلك فالخشية الكبرى أن يبقى مخيم المية ومية ساخناً على طريقة نهر البارد..!!.