في ختام جولة التصعيد الأخيرة، ومع إعلان دخول وقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة والعدو الصهيوني حيز التنفيذ، ثمنت فصائل عدة "الجهود المقدرة" وخاصة الدور المصري الدؤوب، والجهود الأممية والدور النرويجي وال قطر ي"، للتوصل إلى إيقاف التصعيد الذي استهدف قطاع غزة، واذا ما انتبهنا لعدد الأطراف والدول التي دخلت على خط "وقف التصعيد"، ربما كان ذلك مدعاة للاستغراب من هذا الاهتمام الدولي المكثف. هذا بجانب ظهور ملامح عدة للمواقف الدولية من جولة التصعيد العدواني، قد لا تشكل هذه المواقف إزاحات بارزة في سياسات هذه الدول، ولكنها بالتأكيد تحمل جملة من التغييرات المهمة التي يجب الانتباه لها.
عودة النرويج .. وقصص أخرى..
النرويج ذلك البلد الاسكندنافي الذي لعب دور الراعي الرسمي للمفاوضات السرية التي أدت لاتفاقية أوسلو التي حملت اسم العاصمة النرويجية، ها هو يعود من جديد لمثل هذه "الأدوار السرية الحساسة"، بعد غياب لسنوات عن لعب أدوار بارزة في ملفات الصراع، مكتفيًا بدعمه الرسمي والشعبي لمالية السلطة الوطنية الفلسطينية، هذه العودة من النرويج لها معاني مختلفة لعل أبرزها على الإطلاق هو كون هذه العودة تعبيرًا عن رغبة دولية متزايدة بتثبيت نوع من الهدوء في قطاع غزة.
دخول هذه الأطراف هو ترجمة فعلية لاهتمام المجتمع الدولي الذي استثمر جهود مجموعة من المؤسسات والوسطاء الدوليين والجهات المعنية لمدة تزيد على عام كامل للوصول للهدوء الذي تنشده هذه الأطراف، حتى أن أطراف متنافرة وتسود بينها درجة كبيرة من الخصومة والاشتباك السياسي قد عملت بشكل مشترك في هذه القضية، وهو ما يثير كثيرًا من الاستغراب إذا ما تجاهلنا العامل الأساسي، وهو وجود رغبة أمريكية واضحة في تثبيت الهدوء في قطاع غزة وعزل القطاع وقوى المقاومة فيه عن التأثير على مسار الأحداث المرغوب أمريكيًا.
هذه الهمة الدولية المتزايدة في تثبيت وضع غزة، تشي بقرب إطلاق ما هو مبيت للفلسطينيين من خطط وإجراءات ترمي لتصفية قضيتهم بصمت، وما يضع القضية الفلسطينية أمام محك حقيقي يتعلق بضرورة الاستعداد لمواجهة ما هو قادم، فيما يقول الواقع أنهم أبعد ما يكون عن هذه الجاهزية على مستوى بنيتهم الداخلية التي يمزقها الانقسام.
لاعبون آخرون وإصرارٌ مصري
على غرار الوساطات السرية حملت قائمة المواقف وردود الأفعال المعلنة عودة لاهتمام مجموعة من الدول بالملف الفلسطيني والغزي تحديدًا.
الاهتمام الروسي ظهر من خلال سرعة صدور تصريح رسمي عن الخارجية الروسية، وصف التسلل الصهيوني لقطاع غزة بأنه استفزاز، وإن كان قد قارب اجمالي الحدث باللغة الروسية الدبلوماسية المعتادة الداعية لانهاء التصعيد والتحلي بضبط النفس من الطرفين، هذا وقد أعطى تصريح الخارجية الروسية اهتمامًا خاصًا بترتيب البيت الفلسطيني، مؤكدًا على ضرورة "إعادة وحدة الصفوف الفلسطينية"، مع اعتبار ذلك شرط أساسي لتحقيق الهدوء والاستقرار.
أمّا عربيًا، قدمت الكويت موقفًا متقدمًا ضد العدوان الصهيوني، سواء من خلال الإدانة المباشرة له، أو من خلال الطلب الذي تقدمت به برفقة بوليفيا لعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن لبحث الوضع في قطاع غزة، فيما اقتصرت معظم المواقف العربية الأخرى على الإدانات المعهودة، مع انفراد مصر بجهد خاص بذلته لأجل وقف العدوان واستعادة التهدئة، وهو ما حظي بتقدير فلسطيني وعربي كبير، عبرت عنه بيانات فصائل المقاومة الفلسطينية وغرفة عملياتها المشتركة، وكذلك عكسه موقف مجلس جامعة الدول العربية الذي قدّم الشكر لمصر على هذا الدور.
مما لا شك فيه أن هناك مزاحمة على "ورقة قطاع غزة"، ورغبة لدى عديد من الأطراف بالاستثمار فيها، بجانب وجود إدراك لخطورة الوضع الإنساني في القطاع وقابليته للانهيار، وإطلاق تداعيات سلبية قد تتجاوز حدود القطاع لتنال من العديد من الأطراف في المنطقة، ولكن المؤكد أن مصر استطاعت استثمار رصيدها الكبير لدى الفصائل الفلسطينية.
الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها حافظت على موقفها الداعم للعدو الصهيوني، معتبرة أن من حق الكيان "الدفاع عن نفسه"، وهو موقف لم تصدر مواقف غربية هامة مخالفة له.
المؤكد أكثر أن السلوك الدولي تجاه الملف الفلسطيني وإن حَمِلَ اهتمامًا أكبر، إلا انه لم يحمل الكثير من التأييد للموقف الفلسطيني، فلا زالت المواقف في معظمها شكلية وتميل للمساواة بين الضحية والجلاد، فيما اقتصرت المواقف الأكثر حدة في إدانتها للعدوان، على الأصدقاء التقليديين للشعب الفلسطيني، على غرار بوليفيا، والجمهورية الإيرانية، والموقف اللبناني المألوف في دعمه للحق الفلسطيني.