Menu

كيف تحول إسرائيل تقنيتها الفائقة إلى قوة سياسية عالمية: المحفزات والعقبات

بوابة الهدف - عن مجلة fathomjournal/ ترجمة خاصة

تبرز في السنوات الأخيرة القوة التكنولوجية لـ"إسرائيل" وبشكل مضطرد كأحد عناصر أصولها السياسية حول العالم، عبر ممارسات سبق تناولها بالتفصيل في أعمال العديد من المحللين والنقاد، خصوصا بسبب انتهاكها الواضح لمعايير حقوق الإنسان والمساهمة الفعالة التي تقدمها هذه التكنولوجيا في جرائم عديدة مرتبطة بخنق الحريات وملاحقة المعارضين واضطهادهم حول العالم.

هذا المقال لايناقش هذه المسألة بشكل مباشر، ولكنه يركز على قدرة "إسرائيل" الابتكارية" من منظور سياسي اقتصادي كمصدر للقوة السياسية العالمية التي لم تكن "إسرائيل" تحظى بها بأي شكل قبل عشرة أعوام على سبيل المثال.

تقدم الهدف ترجمة، بتصرف بسيط، لهذه المقالة المهمة التي كتبها ديفيد روزنبرغ، محرر الأعمال في صحيفة هآرتس ومؤلف كتاب 'اقتصاد التكنولوجيا لإسرائيل، الأصول والأثر" الذي سنعود لاحقا لعرض مراجعة معمقة له.

في هذا المقال، يصف روزنبرغ كيف تقوم "إسرائيل" بتسخير تقدمها التكنولوجية لبناء علاقات سياسية واقتصادية جديدة حول العالم، بمثالي الهند والصين ويشرح كيف يشكل النمو التكنولوجي والشراكات التي يبنيها الكيان الصهيوني عائقا أمام نشاط حركة المقاطعة، ويميز الكاتب بين العلاقات الاتي تبنيها دولة الاحتلال في آسيا والالم النامي، وكيف أن الشراكات التكنولوجية منحتها حصانة سياسية وأدت إلى تخلي بعض جاعمي الشعب الفلسطيني عنه، مقابل الأعطيات "غلإسرائيلية" وفي المقابل كيف أن النظرة للكيان في أوربا والغرب عموما تتحددد بالمكانة العسكرية والإقليمية وليس بالتفوق التقني، خصوصا أوربا، ولكن المقالة تحذر في النهاية من التحديات التي تواجهها "إسرائيل" لتظل في طليعة سباق التكنولوجيا.

المقدمة

اجتذبت صناعة التكنولوجيا في إسرائيل عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمارات الأجنبية بحيث أصبحت صناعة المستقبل التي لا تتمتع فيها إسرائيل بقدرتها على المنافسة العالمية فحسب، بل من حيث البراعة المبتكرة الخالصة التي لايمكن إنكارها.

وبينما لايلاحظ الرأي العام من الجمهور أهمية هذا المسار الصناعي كمصدر للقوة السياسية العالمية بطريقة لم يكن بالإمكان تصورها قبل عقد أو اثنين، فإن هذا يحظى بمزيد من الاهتمام والتركيز لدى قطاعات النخب السياسية والاقتصادية، والأمنية، ويتجلى بالتوسع المضطرد في علاقات إسرائيل مع دول ناشئة في هذا المجال بما في ذلك الصين والهند في الآونة الأخيرة.

العماد الأساسي لهذه "القوة" هو القدرات المتنامية في مجال البحث والتطوير، ووجود حوالي 300 شركة متعددة الجنسيات في إسرائيل، ما وضعها في موقع مركزي في سلسلة التوريد التكنولوجية العالمية، تخلق تحديات متنامية في وجه جهود حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات، كذلك فإن أصول التكنولوجيا القوية في إسرائيل تعبر عن نفسها من الناحية العسكرية –فدورها لن ينمو إلا عندما تصبح الحرب الإلكترونية عنصرًا أكبر وأكبر في قدرات "إسرائيل" الهجومية والدفاعية - وجمع المعلومات الاستخبارية.

التكنولوجيا والقوة

لعبت التكنولوجيا دورًا في علاقات القوة منذ فجر الحضارة لحظ هذا في قتل داود لجالوت، وكان الفلسطينيون قادرين على التغلب على القبائل الإسرائيلية لأنهم تمكنوا من الوصول إلى الأسلحة الحديدية.

ومع بداية الثورة الصناعية، كانت البلدان (ومعظمها أوروبية) التي لديها القدرة على الإنتاج الضخم قادرة على الهيمنة على المجتمعات التقليدية التي ما زالت تعتمد على الزراعة والحرف اليدوية.

لم تكن فقط قدرة البلدان الصناعية على نشر أسلحة أكثر فعالية ولكن لإنشاء ثقافة مادية وبنية أساسية ومستوى من الثروة التي طغت على المنافسين.

وبحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان دور التكنولوجيا - أو بشكل أدق الصناعة، كما رأينا في تلك الأيام - مفهوما جيدا من قبل زعماء العالم و من خلال فهم ضعفها الخطير في مواجهة العالم الغربي قامت امبراطورية ميجي اليابان بعملية تصنيع ضخمة بدءا من عام 1868.

سعت الإمبراطورية العثمانية في أيامها المتقلبة إلى القيام بنفس الشيء عن طريق استيراد الخبراء الغربيين والأسلحة والآلات - للأسف فقط مع فكرة تعزيز قواتها المسلحة بدلاً من تعزيز ثورة صناعية أو تكنولوجية.

وفي الأزمنة الأخيرة، كان العنصر الرئيسي في الحرب الباردة هو السباق نحو ميزة تكنولوجية - وهي عملية أدت في الولايات المتحدة إلى برنامج الفضاء والإنترنت، وعبر العقود الحكومية، إلى أول شركات في وادي السليكون.

دراسة حالة: صناعة السيارات العالمية

في القرن الواحد والعشرين، أصبحت التكنولوجيا أكثر أهمية وتغيرت بسرعة أكبر من أي وقت مضى، تاركة البلدان عرضة لخطر التراجع فقد اخترقت جميع جوانب الحياة الاقتصادية وفي عالم مترابط أصبح من المتعذر تفاديه على نحو متزايد، ومن بين الأمثلة الصغيرة على ذلك، صناعة السيارات، التي ركزت على التقنيات التي كان جوهرها محرك الاحتراق الداخلي، وهو تكنولوجيا من أواخر القرن التاسع عشر.

كانت التكنولوجيا الرقمية هامشية بالنسبة لعمل السياراتأما الآن وبارتفاع الطلب على السيارات الكهربائية وظهور السيارات المستقلة، أصبحت التكنولوجيا الرقمية محور التركيز الرئيسي لتطوير السيارات. وبينما لا يملك صانعي السيارات المخضرمين هذه الخبرة لذلك لجأوا إلى صناعة التكنولوجيا العالية لسد الفجوة في شكل الشراكات وعمليات الدمج والاستحواذ.

إن التكنولوجيا - وعلى وجه الخصوص قدرة بلد على الابتكار - هي، إذن، أساس اقتصاد القرن الحادي والعشرين. وبدون ذلك، لا يمكن لأي بلد أن يتطلع إلى أن يكون قوة رائدة أو يتمتع بمستوى معيشي مرتفع ومتزايد بدونها..

لا تحتاج الدول فقط إلى التكنولوجيا الأكثر تطوراً المتاحة لها ولكن القدرة على إنشاءها ونشرها بشكل فعال و توضح الحرب التجارية للرئيس دونالد ترامب مع الصين مدى أهمية التكنولوجيا من حيث القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، إن قلق الرئيس ترامب من الصين لا يتعلق فقط بفائضها التجاري الضخم مع الولايات المتحدة، بل حول طموحات الصين التكنولوجية كما يتضح من مشروع "صنع في الصين عام 2025"، وهو برنامج تقوده الحكومة لإعادة تنظيم صناعات البلاد للتنافس في مجالات مثل الأتمتة والرقائق الميكروية والسيارات ذاتية القيادة.

إسرائيل والتكنولوجيا

في نظام اقتصادي عالمي مدفوع بشكل متزايد بالتكنولوجيا، تبرز إسرائيل من بين القوى العظمى في العالم على الرغم من عدد سكانها الصغير واقتصادها، كما يظهر في مؤشر الابتكار العالمي (GII)، وهو المقياس المعترف به على نطاق واسع والذي يعتمد على مدخلات مثل الإنفاق على المدارس، ونوعية المؤسسات الحكومية وكثافة المنافسة في السوق (في معظمها تسجل إسرائيل بشكل ضعيف نسبيًا) ومخرجات مثل براءات الاختراع المقدمة، البحث والتطوير، الإنفاق مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي والصادرات التكنولوجية (حيث تسجل إسرائيل درجات عالية جداً، في كثير من الحالات رقم 1 في العالم).

إجمالاً، تحتل إسرائيل المرتبة الحادية عشرة في مؤشر GII لعام 2018، ولكن من وجهة نظر القوة، فإن المخرجات هي الحرجة وهي تحتل المرتبة الثالثة في العالم فيما يتعلق بقدرات البحث والتطوير، فهي الأولى في النسبة المئوية للباحثين في مؤسسات الأعمال، أولاً في نسبة الإنفاق على البحث والتطوير إلى الناتج المحلي الإجمالي، والثالثة في التعاون بين الجامعات والأعمال، والسابعة في براءات الاختراع للفرد وما إلى ذلك. كل هذه الأرقام تشهد على مستوى رائع من الابتكار. وحيث تكون إسرائيل أقل تطوراً على مستوى تحويل ثمار هذا الابتكار إلى أعمال مستدامة كبيرة. أسباب ذلك معقدة للغاية ولا يمكن معالجتها هنا، لكن ما يعنيه هو أن الابتكار الإسرائيلي متاح لاستغلاله. هناك مقياسان مهمان لهذه الظاهرة هما مدى البحث والتطوير الأجنبي في إسرائيل (حوالي نصف قيمة البحث والتطوير).

إن هذا المزيج من القدرة الإبداعية وعدم وجود صناعة تكنولوجية يضع إسرائيل ليس كقوة تكنولوجية فقط، ولكن القوة التي تثيرها القوى الاقتصادية المتصاعدة في التعامل معها، وهذا يميز إسرائيل عن معظم قادة التكنولوجيا العالميين الآخرين في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، الذين لا يسعون إلى أن يكونوا قادة في الابتكار فحسب، بل يسعون أيضاً إلى بناء ودعم الصناعات التي تستخدم هذا الابتكار. ومرة أخرى، توضح صناعة السيارات هذه النقطة: إن صناعة تكنولوجيا السيارات الإسرائيلية تدور حول الابتكار - فليس هناك صناعة سيارات محلية لتوظيفها، وليس للحكومة أي سبب لحمايتها من المنافسة الأجنبية .والنتيجة هي أن شركات صناعة السيارات في جميع أنحاء العالم تستثمر في الشراكات الإسرائيلية الناشئة أو تشتريها.

إسرائيل والصين

العلاقة المتنامية بين الصين وإسرائيل هي من أبرز مظاهر أهمية التكنولوجيا، على الرغم من أنها ليست الوحيدة على الإطلاق. فالصين هي قوة صناعية هائلة، ولكن كما تظهر مبادرة "صنع في الصين عام 2025"، تريد بكين أن ترتقي بسلسلة القيمة، حيث لم يعد راضيةعن كونها مجرد مصنع منخفض التكلفة في سلسلة توريد عالمية حيث ينتمي الابتكار والقيمة المضافة إلى الدول الغربية التي تعد موطناً لشركة أبل، وإنتل، وسامسونغ، وإريكسون وهناك منطق اقتصادي جيد تمامًا للحملة: لا يمكن للصين أن تصبح اقتصادًا ثريًا يوفر مستويات معيشة أعلى من أي وقت مضى ما لم تتمكن من تحقيق قفزة للأمام، وتعلمت الصين، التي تحتل المركز السابع عشر على قائمة معهد الدراسات الدولية، درسا مريرا في الربيع الماضي عن المدى الذي ما زالت تحتاج إليه لتطوير قدراتها التكنولوجية عندما حظرت الولايات المتحدة لفترة وجيزة صانع الهاتف المحمول زد تي إي من شراء المكونات الأمريكية بعد أن ثبتت إدانته. بالتهرب من العقوبات الأمريكية على إيران.

إن إحدى الطرق التي تستطيع بها بكين وضع نفسها على المسار السريع لتطورها التكنولوجي هي الشراكة مع الشركات الإسرائيلية وحتى الجامعات الإسرائيلية، وهذا بالضبط ما يحدث. في حين أن التعاون التكنولوجي يحدث على مستوى حكومي، على سبيل المثال من خلال اللجنة المشتركة بين الصين وإسرائيل حول التعاون الإبتكاري التي تشكلت في عام 2011، فإن الشراكة الحقيقية تجري بدعم من الحكومة على مستوى الأعمال. و برزت الشركات الصينية باعتبارها لاعباً رئيسياً في دولة إسرائيل الناشئة، حيث تستثمر وتشكل شراكات للوصول إلى الابتكارات الإسرائيلية. وعلى النقيض من معظم الدول المتقدمة الأخرى، فإن الحكومة الإسرائيلية تشجع هذه الروابط التكنولوجية على الصين حتى عندما تعرضت لضغوط من واشنطن لتهدئة العلاقات كما قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في زيارته للصين في آذار/مارس 2017.:

من غير المعروف مدى ضخامة هذا الاستثمار، وقالت إسرائيل فنتشر كابيتال ريسيرتش في تقرير لها في شباط/ فبراير الماضي إن الاستثمار الصيني في شركات التكنولوجيا العالية الإسرائيلية نما 2.4 مرة بين عامي 2013 و 2017، وإن كان يمثل 12 في المائة فقط من الإجمالي في 2015-17 أو 1.65 مليار دولار، لم تكد الشركات الصينية تتحلى بأي صبر على الإطلاق في الاستحواذ على شركات ناشئة إسرائيلية، ويقول يقول أمير Gal-Or، الشريك الإداري لصندوق الأسهم الصيني-الإسرائيلي إنفينيتي إن الأرقام المتداولة تقلل إلى حد كبير من المستوى الحقيقي للاستثمار الصيني، والذي يتم معظمه بعيدا عن أضواء وسائل الإعلام. على أي حال، فإن العلاقة بدأت للتو وأعيقت بفجوة ثقافية ضخمة ستحتاج إلى بعض الوقت للتغلب عليها.

وعلى المستوى الأكاديمي، فإن أكبر مظاهر التعاون هو معهد تكنولوجيا التخنيون في إسرائيل في غوانغدونغ، وهو معهد هندسي ومركز أبحاث مقرهما الصين، ترعاه مؤسسة التخنيون الإسرائيلية وجامعة شانتو في الصين، مع تسجيل أكثر من 5000 طالب. لا تقتصر الروابط الأكاديمية والتجارية على مساعدة الشركات الصينية على الارتقاء بسلامة التكنولوجيا فحسب، بل أيضًا في وضع الحلول التقنية للتحديات التي تواجهها الصين في قضايا البيئة والمياه والغذاء على سبيل المثال لا الحصر.

في زيارته للصين عام 2017، قام نتنياهو بإحضار 100 مدير تنفيذي تقني معه، واجتمع مع قادة الأعمال الصينيين، وحدد زيارته لحضور مؤتمر ابتكاري ثنائي. وكما قال ماتان فيلاني، سفير إسرائيل في بكين لرويترز في ذلك الوقت، فإن أهداف زيارة رئيس الوزراء "بسيطة للغاية: التكنولوجيا، التكنولوجيا، التكنولوجيا".

المثير للاهتمام في العلاقة الثنائية هو أنه من الناحية الاقتصادية التقليدية، فإن إسرائيل ليست شريكا هاما للصين ففي عام 2016، كانت التجارة البينية تساوي 11.35 مليار دولار، أو 0.3 في المائة فقط من إجمالي الصين وتشارك الصين في مشاريع البنية التحتية الإسرائيلية الرئيسية، وبناء الموانئ والسكك الحديدية، ولكن من وجهة نظر بكين هذه استثمارات صغيرة نسبيا، وقد اشترت الشركات الصينية حفنة من الشركات الإسرائيلية غير التكنولوجية، وأبرزها تنوفا أكبر شركة لإنتاج الطعام في إسرائيل، ولكن مرة أخرى بالمقاييس الصينية هذه صفقة صغيرة، من الناحية الاقتصادية القديمة، إنه "اقتصاد صغير" ومشاريع البنية التحتية صغيرة للغاية حسب المعايير العالمية - إنها فقط من حيث التكنولوجيا أن إسرائيل هي لاعب عالمي رئيسي.

تم تبسيط الشراكة بين إسرائيل والصين بجعلها على التكنولوجيا من خلال سياسة بكين التي تفصل بين مصالحها الاقتصادية والسياسية فيما وراء البحار، مع إعطاء الأولوية في المقام الأول للعالم النامي، يعني جدار الفصل هذا أن بكين لا تسمح بالفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة بأن تتدخل في التجارة والاستثمار، فيما يتعلق بإسرائيل، تحتفظ بكين بالعلاقات مع إسرائيل والفلسطينيين على مسارات منفصلة، وإن كانت تفضل إسرائيل بشكل فعال، وبالتالي، تدعم الصين في الأمم المتحدة القرارات المؤيدة للفلسطينيين (التي لها عواقب طويلة الأجل) أثناء القيام بأعمال تجارية مع إسرائيل (وهو أمر أكثر أهمية بكثير بالنسبة للبلدين).

إسرائيل والهند

إن إسرائيل تطور بسرعة نفس النوع من العلاقات القائمة على التكنولوجيا مع الهند، وهي القوة الآسيوية العظيمة الآخذة في الصعود ولسنوات عديدة، حافظت إسرائيل والهند على علاقات عسكرية قوية، لكنهما كانا هادئين في الوقت الذي تبنت فيه نيودلهي القضية الفلسطينية باسم تضامن العالم الثالث واسترضاء الأقلية المسلمة الكبيرة ولكن الأمور تغيرت مع وصول ناريندرا مودي إلى السلطة، من ناحية لأنه معجب شخصيا بالإسرائيليين ويتماثل مع القيم القومية في إسرائيل ومن ناحية أهم لأنه يرى التكنولوجيا الإسرائيلية كطريقة لدعم الصناعة الهندية ومساعدة بلاده على معالجة نفس أنواع تحديات البيئة و التحديات الزراعية التي تواجهها الصين، والعلاقة الثنائية أصبحت الآن في العلن، وقد برهنت على ذلك رحلة مودي إلى إسرائيل في تموز/ يوليو من العام الماضي والزيارة المتبادلة إلى الهند من قبل نتنياهو في كانون ثاني/ يناير الماضي.

وزادت العلاقات الدفاعية والاستخباراتية إلى درجة أن إسرائيل هي من بين أكبر ثلاثة أو أربعة مزودين للأسلحة في الهند، وهذا يعتبر إنجازا كبيرا لإسرائيل التي لا تصنع منصات مثل الطائرات المقاتلة أو السفن أو الدبابات التي تباع كل منها بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات، ولكن أسلحة عالية التقنية من أنظمة رادار فالكون، إلى الطائرات بدون طيار والقنابل الموجهة بالليزر، وفي الآونة الأخيرة، بدأت العلاقة الثنائية تتطور بعيدا عن تركيزها على الدفاع نحو التكنولوجيا والأعمال، ذلك لأن الهند مرت بتغير كبير في عقليتها، حيث نظرت إلى التكنولوجيا كحلٍّ للتحديات العديدة التي تواجهها البلاد في توفيرها لعدد سكانها الهائل والمتزايد والمحافظة على النمو الاقتصادي.

و. في إطار برامج مثل Digital India و Make in India و Startup India، تسعى البلاد إلى تسخير وتحسين قدرتها الإبداعية، التي ركزت حتى الآن على توفير تطوير البرمجيات والخدمات للشركات الغربية حيث يزداد الطلب الهندي على التكنولوجيا، وعلى الأخص من النمو الهائل في الإنترنت المحمول، والحكومة حريصة على شركات التكنولوجيا المحلية للوفاء بمتطلبات النمو.

ومع ذلك، لا يزال أمام الهند طريق طويل، الأمر الذي يتطلب من الشركاء الخارجيين تحقيق أهدافها، و نقاط القوة التكنولوجية في إسرائيل تكمن في العديد من المجالات التي تريد الهند تحقيقها - الزراعة، والمياه، والأمن السيبراني، والبيانات الضخمة و في مجال الدفاع، أبدت شركات إسرائيلية مثل إسرائيل إيروسبيس ورافاييل وإيليبيت سيستمز استعداداً أكبر بكثير من منافسيها في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا لتشكيل مشاريع مشتركة مع الشركات الهندية ومشاركة ملكيتها الفكرية وخلال زيارة نيتانياهو للهند في يناير، حث مودي الشركات المحلية على الاستفادة القصوى من التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات الحفاظ على المياه والزراعة والأمن السيبراني.

إن العلاقة القائمة على التكنولوجيا مهمة للغاية بحيث يكون لدى كلا الطرفين فهم أنها لن ترتبط بالفلسطينيين، فقد قامت نيودلهي بإزالة فلسطين كمعيار في العلاقة مع إسرائيل، وقد أوضحت إسرائيل أنها مستعدة للمضي قدمًا في مقابل الثمن الباهظ الذي تدفعه مقابل ازدهار التكنولوجيا والدفاع وعلاقات العمل مع الهند وكما قال نتنياهو نفسه بعد أن انضمت الهند إلى تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام الماضي بإدانة قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس "لا أعتقد أنه يغير بشكل كبير الإزهار الهائل للعلاقات بين الهند وإسرائيل "

إسرائيل والغرب و BDS

في مواجهة العالم الغربي، من الواضح أن دور إسرائيل كشريك للابتكار أقل أهمية، بالنسبة لكل من أوروبا والولايات المتحدة، حيث تدور العلاقات الدبلوماسية حول دور إسرائيل كقوة عسكرية إقليمية، والفلسطينيون، وخاصة بالنسبة لأوروبا، وهم قلقون بشأن احترام إسرائيل لحقوق الإنسان. على النقيض من القوى الآسيوية المتصاعدة، فإن الاقتصاد والتكنولوجيا يتخلفان عن الغرب في علاقاتهما مع إسرائيل ومع ذلك، تلعب التكنولوجيا دورا غير محسوس في الغالب ولكنه متزايد الأهمية من حيث رفع مكانة إسرائيل الدولية وقدرتها على مقاومة حركة المقاطعة وسائر الجهود الرامية إلى نزع الشرعية عنها.

السبب الرئيسي هو وجود العديد من شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات في إسرائيل، بما في ذلك جميع اللاعبين الأقوياء في الصناعة ووجودهم هو نتيجة قدرة إسرائيل غير العادية على توليد الكثير من الابتكارات في شكل شركات ناشئة.

في أي عام، يتم الحصول على عشرات الشركات من قبل الشركات متعددة الجنسيات ويتم تحويلها إلى مراكز بحث وتطوير مقرها إسرائيل للشركات المقتناة، والنتيجة هي أن إسرائيل اليوم تضم 300 مركز من مراكز البحث والتطوير هذه، وتوظف عشرات الآلاف وتلعب دورا حاسما في ما يمكن تسميته سلسلة الإمداد بالابتكار العالمي. لا تشترك صناعة التكنولوجيا العالمية في نفس النوع من الضغط الشديد الكثافة كما تفعل صناعة الطاقة على سبيل المثال.

الحرب الإلكترونية

كما يتم تعزيز مكانة إسرائيل العالمية في المجال العسكري من خلال الدور المتنامي للحرب السيبرانية اعتمدت إسرائيل لعقود من الزمن على تقنيتها من أجل منحها ميزة على أعدائها ومزاياهم الديموغرافية والإقليمية ولكن، كما نجحت تلك السياسة، لم تكن للتكنولوجيا سوى كسب مكان لإسرائيل كقوة إقليمية لأن الامتداد الجغرافي لأسلحة أكثر تقدمًا كان محدودًا ولم يكن لديها ما يكفي من الرجال أو العتاد لنشر القوات بعيدًا جدًا عن حدودها و في عصر الحرب السيبرانية، لا توجد حدود، وأكثر مما هي في الحرب التقليدية، التكنولوجيا هي التي تعطي دولة واحدة ميزة على بلد آخر، وهكذا، فإن جزءا أساسيا من حملة كبح طموحات إيران النووية شمل جهدا مشتركا بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتطوير ونشر Stuxnet لإتلاف البرنامج الإيراني.

BDS والتحدي الذي لا يمكن التغلب عليه

مكان إسرائيل الهام في التكنولوجيا العالية العالمية يضع حركة BDS مع تحدي لا يمكن التغلب عليه بشكل فعال. فإن مقاطعة الشركات التي تقوم بأعمال جوهرية مع إسرائيل يعني التخلص من المنتجات والخدمات التي تقدمها أبل وجوجل ومايكروسوفت وإنتل وأمازون، على سبيل المثال لا الحصر و التكنولوجيات التي تنتجها الشركات الإسرائيلية متجذرة بعمق في منتجات وخدمات الشركات الأخرى، بحيث يكون من المستحيل تحديدها واستهدافها والنتيجة هي أن BDS قد حدّت من مقاطعة أعمالها إلى عدد قليل من الشركات الاستهلاكية الصغيرة، التي كان تأثيرها الاقتصادي هامشيًا (وأكثر نجاحًا) على المقاطعات الأكاديمية الرمزية وفنون أخرى.

من المرجح أن تلعب التكنولوجيا دورا أكبر في العلاقات الدولية في السنوات المقبلة، إن الوتيرة السريعة التي تستمر بها التكنولوجيا في التطور ووجودها الذي لا مفر منه يعني أن المنافسة على المزايا الاقتصادية والعسكرية التي يجلبها الابتكارستصبح أكثر شراسة وبالنسبة لإسرائيل، فإن كونها قوة تكنولوجية مهمة تنطوي على مخاطر ومزايا لأن أفعالها لها عواقب بعيدة المدى محتملة وهكذا، بدأت العلاقات التكنولوجية المتنامية بين إسرائيل والصين تثير مخاوف واشنطن من أن ينتهي الأمر باستغلالها من قبل الجيش الصيني.، حيث " وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تشعر بالقلق من أن إسرائيل يمكن أن تصبح بوابة خلفية تستطيع الصين من خلالها الحصول على قدرات لا يمكن أن تحصل عليها في الولايات المتحدة بسبب التدقيق التنظيمي " ويحذر من أن الولايات المتحدة يمكن أن تفرض قيودًا على روابط التكنولوجيا لمنع ذلك.

ومع ذلك، ينشأ خطر أكبر بكثير من قدرة إسرائيل على البقاء في مقدمة سباق التكنولوجيا. أكثر من أي شيء آخر، من تحدي نقص الموارد البشرية وخاصة التحدي بالنسبة لبلد صغير يتعين عليه تخصيص حصة غير متناسبة من سكانه للتكنولوجيا أو فقدان الحد الأدنى الذي يحتاج إليه ليظل عاملاً عالمياً، وفي هذا الصدد، فإن الجمع بين المدارس الفقيرة وتزايد عدد السكان المتدينين هو تطورات مثيرة للقلق.