Menu

عصام أبو دقة يكتب للهدف: القيادة الوطنية الموحدة رافعة نضالية وكفاحية

عصام أبو دقة

قبل اندلاع الانتفاضة لم يتوفر إطار تنسيقي مركزي موحد بين الفصائل الفلسطينية داخل الوطن ، ولم يغير من هذا الواقع وجود تنسيق ثنائي وأحيانا أكثر وعند الضرورة ، كان التنسيق غير منتظم ويعتمد على مبادرة وينحصر في بعض الأماكن كمدينة القدس مثلا. 

وقد شهد العام 1986-1987 حالة متسارعة ومتزايدة من الانقسامات النقابية في الحركة العمالية ، حيث تكرس وجود ثلاثة اتحادات عمالية تابعة لكل من حركة فتح والجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي، وبدورها باشرت الجبهة الشعبية بإنشاء نقابات عمالية خاصة. العمل غير الموحد انسحب على المنظمات النسوية والشباب وطغى العمل الجماهيري الفئوي على العمل الوطني والجماهيري الموحد.

جاء حادث الدهس الإسرائيلي الذي أدى إلى استشهاد العمال (الأربعة) في مخيم جباليا ليكون الشرارة التي أشعلت حريقا عم الوطن وكان على شكل انتفاضة عفوية شاملة ، أحدثت أكبر زلزال ضد الاحتلال ، وأحدثت أكبر تحد للتنظيمات وقياداتها. وأدى انخراط قواعد التنظيمات في الانتفاضة وكأنها جزء من الحركة العفوية، ليزيد في حرج التنظيمات التي حاولت منفردة التقاط زمام المبادرة لتنظيم وقيادة الانتفاضة.

في الأيام الأولى للانتفاضة كان الظن أنها مجرد مظاهرات ومواجهات محدودة مرتبطة بموسم المدارس والجامعات ستنتهي بعد أيام، إلا أنه سرعان ما تبين أننا نتكلم عن مواجهات دائمة، وفشل الاحتلال بخنق الانتفاضة عبر إغلاق الجامعات والمدارس (كونها المحرك الأول للمواجهات).

كانت الانتفاضة الأولى بمثابة مؤشر على تغير قناعات المجتمع داخل الضفة الغربية وقطاع غزة حول قضية تحرير فلسطين وتعبير عن اليأس من أي حلول تأتي من خارج فلسطين، بالتالي كان محركها هو محاربة المشروع الصهيوني، وإن كانت المهمة (وما زالت) أكبر من قدرة الجماهير والتنظيمات.

فالكيان الصهيوني طوال عقود كان يتمدد ويتجذر ويبني قوة عسكرية واقتصادية هائلة، وأكثر من ذلك تمادى في الاستيطان وتهويد الضفة وغزة، بحيث لم يعد ممكنًا القضاء على الاحتلال بالضربة القاضية سواء في الأراضي المحتلة عام 1967م أو المحتلة عام 1948م.

كانت معركة الانتفاضة الأولى هي وقف التدخل الصهيوني بالحياة اليومية للمواطن الفلسطيني وإثبات الهوية الوطنية الفلسطينية، لذا اتخذت طابعًا شعبيًا ركز على مواجهة الاحتلال داخل المدن، والعصيان المدني وعدم التعامل مع مؤسسات الاحتلال، ورفع العلم الفلسطيني وكتابة الشعارات الوطنية.

وجاء الإعلان عن «القيادة الوطنية الموحدة» التي نقلت الانتفاضة من حالتها العفوية إلى فعل شعبي منظم، لتغدو الانتفاضة حدث تاريخي هز دولة الاحتلال وأهال التراب على مقولتها الاستعمارية الزاعمة بأن الشعب الفلسطيني يتعايش مع احتلالها المستنير. ومنذ اندلاعها تفاعل هذا الحدث التاريخي مع شعوب ودول عربية وعالمية، فقد حاك العديد من الحركات الاجتماعية والشبابية تجربة الفعل الريادي للمنتفضين، واستلهمت شعوب عربية التجربة في انتفاضاتها السلمية الديمقراطية، لكنها أجهضت لأسباب عديدة.

وكان تشكيل القيادة الموحدة كإطار جامع للانتفاضة بعد البيان الثالث، حيث أصبحت القيادة اليومية للفعل الكفاحي الشعبي، وقيادة سياسية عبرت عن حالة التوافق بين القوى السياسية المشكلة لها والحالة الجماهيرية الفاعلة في الميدان ، مما يؤكد أن الفعل النضالي الموحد بقيادة موحدة يستطيع استنهاض الحالة الجماهيرية وتوسيع قاعدتها الشعبية، انطلاقا من إيمان شعبنا بأهمية العمل الموحد والمشترك بين كافة القوى السياسية، وتكون ثمار الفعل السياسي والاشتباك اليومي مع الاحتلال أكثر فاعلية وأقرب إلى تحقيق الانجازات بدلا من البرامج التنظيمية الخاصة التي يمكن أن تساهم في بعثرت الحالة الجماهيرية، وربما تكون في تعارض مع بعضها البعض، وهذا ما يمثل إشكالية أمام وحدة الحركة الجماهيرية، وإضعاف المشاركة الواسعة، أو ربما عدم انضمام قطاعات جديدة، أو تراجع في عملية استنهاض الحالة الكفاحية. واستمر الفعل الجماهيري بخطى متسارعة إلى أن بدأت بعض الفصائل بتشكيل أجنحة عسكرية لها، مما تسبب في فتح المجال أمام الفعل المنفرد للتنظيمات والتأثير على الحركة الجماهيرية حيث ساهم في إضعافها ، وفقدان سيطرة القيادة الموحدة على القرار ، لكنها كانت ماتزال تسيطر على الأرض. وعليه أوصلت الانتفاضة الأولى الاحتلال إلى نتيجة مفادها، إنه لا يستطيع السيطرة على الشعب الفلسطيني، مما أجبره للدخول في عملية التسوية من خلال مؤتمر مدريد، وتدحرجت الأمور باتجاه عملية تفاوضية سرية نتج عنها اتفاق أوسلو، الذي وأد الانتفاضة وهي في وهجها، حيث كان يريد ياسر عرفات إنشاء دولة فلسطينية تكون موطئ قدم للمشروع الوطني والمقاومة، بينما كان يريد الاحتلال ورئيس وزرائه آنذاك رابين، أن تكون عملية تدجين للمقاومة الفلسطينية، وإنهاء القضية الفلسطينية، مقابل حكم إداري ذاتي موسع.