كما هو الحال في كل انتخابات صهيونية تظهر على السطح ظواهر غريبة وقد تعتبر شاذة، وتكون حظوظها مرتبطة بالثغرات التي تنشأ أثناء المعركة الانتخابية وأوضاع الأحزاب الراسخة ومشاكلها وقدرتها على منع هدر الأصوات.
ولكن ظاهرة "الليكوديون الجدد" تعطي الانطباع بشذوذ مركب، عندما يدور الحديث عن جماعة سياسية تعمل كحزب داخل حزب تاريخي قائم، حزب تحدى التوقعات ويواصل تقدمه في استطلاعات الرأي.
فيما يلي محاولة لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة-المجموعة، التي بدأ يعلو صوتها مؤخرا مع ترشيحها ستة من أعضائها لخوض الانتخابات التمهيدية في اليكود، في مواجهة تجاهل وتقليل من أهميتها عند الليكوديين "الأصليين" إن صح التعبير.
يجؤري التطرق إلى "الليكوديين الجدد" باعتبارهم جماعة سياسية تعمل ك"حزب" ليبرالي داخل الليكود، وهي جماعة قديمة، تأسست منذ 2011 مع نهاية الاحتجاج الاجتماعي الذي أنتج عددا من النشطاء السياسيين انضموا إلى مختلف الأحزاب وشكل بعضهم مؤخرا ما يعرف ب/ "حزب الاحتجاج".
كان المؤسسون الأوائل لهذه المجموعة من نشطاء احتجاجات 2011 وأبرزهم ليور ميري، وكان زعمهم الأساسي هو استعادة قيم الليكود الأصلية و التي يرون أن نتنياهو وجماعته أهدروها.
وقد شاركت المجموعة في الانتخابات التمهيدية في 2014 للكنيست العشرين، وكان عددهم حينها يبلغ أكثر من ألفين من الأعضاء الليكوديين الذين اجتزوا الفترة القانونية التي تبلغ 16 شهرا للأعضاء الجدد، ولكن حسب احصائياتهم ارتفع عددهم في شباط/فبراير 2017 إلى حوالي 6000، وفي حزيران/يونيو 12000، ولكن تحقيقا قامت به مكور ريشون اليمينية زعم أن عددهم لم يتجاوز 2000 شخص في 2017 وإنهم عام 2011 لم يتجاوزاوا بضع مئات.
والمفاجأة أنه وفي السعي نحو الكنيست 21 أصدر الليكوديون الجدد قائمتهم الخاصة للانتخابات التمهيدية الليكودية، رغم الشكوك التي تدور حول تأثيرهم ومدى نجاحهح في إحداث أي اختراق في الليكود، بعد أن تعرض الكثير منهم للإزالة من لوائح الليكود بسبب عدم قبولهم العلني ببرنامجه أو بحجة عدم استكمال التسجيل القانوني الشخصي، وليس التسجيل فقط عبر الإنترنت.
ولكن هؤلاء حققوا انتصارا كبيرا على الليكود في كانون أول / ديسمبر بعد أن رفعوا الكثير من الالتماسات إلى المحكمة العليا التي أجبرت الليكود على قبول عضويتهم.
سياسيا، تتهم المجموعة بأنها نوع من الهجوم على الليكود، الهجوم اليساري بالطبع "لهدم القلعة من داخلها" بسبب طبيعة القيم التي يروجون لها، وطبيعة الإصلاحات التي يريدون إحداثها في الليكود.
فهي في النهاية مجموعة ليبرالية-صهيونية تركز اقتصاديا على تعزيز الطبقة الوسطى وتنادي بحماية الديمقراطية الليبرالية وترفض ما تسميه "الهجوم المسموم" لنتنياهو واليمني على المحكمة العليا والشرطة والنائب العام، وتزعم أنها متوافقة مع روح "إعلان الاستقلال" ودستور الليكود وفكر مناحيم بيغن وزئيف جابوتنسي (الذي يعتبر للمفارقة نوعا من أب روحي لبنيامين نتنياهو).
تؤيد المجموعة، قيم المساواة وترفض الاضطهاد الديني ولاتتردد بالقول إنها تعارض الاضطهاد اليهودي للآخرين وتؤيد حقوق المثليين، وقيم السماواة وتدعو لفصل الدين عن الدولة والحد من قوة النقابات وتطالب أساسا بوضع دستور نهائي لـ"إسرائيل".
في موقفها من الصراع الصهيوني-الفلسطيني، جاء على موقع الامجموعة على الإنترنت " نحن لا نتعامل مع القضايا السياسية (مستقبل يهودا والسامرة ، المفاوضات مع الفلسطينيين ، إلخ). في رأينا ، في هذا السياق ، فإن الفصل بين اليمين واليسار هو في الغالب مصطنع. وبسبب هذا الجدل الرئيسي ، لم يتم التطرق إلى القضايا المهمة في السنوات الأخيرة ، ويهمل إهمالها السماء. علاوة على ذلك ، نعتقد أن الليكود لديه أساس شرعي للآراء حول هذه المسألة ، خاصة بالنظر إلى المواقف التي كان رئيس الوزراء يقوم بها في السنوات الأخيرة. بطريقة أو بأخرى ، نعتقد أنه طالما كان الحل لهذه القضية قابلاً للتحقيق ، فإن حكومة مركزية صهيونية ليبرالية فقط هي التي يمكنها تحقيق إجماع وطني واسع يمكّن من تنفيذ مثل هذا الحل.
وترى المجموعة أن القضية السياسية والقضايا الأمنية تسبب انقساما غير ضروري وتعتقد إنه يجب بناء مركز صهيوني ليبرالي يركز على إيجاد القاسم المشترك بين الأحزاب الصهيونية، من شأنه أن يشكل إجماعا قوميا يسهل حل القضايا الأخرى.
مقاومة الليكود:
تصدرت الاتهامات اليمينية للجماعة عناوين الصحف اليمينية الصهيونية، التي ركزت على إنه بالرغم من انتمائهم لليكود إلا أن هؤلاء لايتماهون مع القيم الوطنية للحزب وإنهم في الواقع ينتمون إلى الجناح اليساري في الخريطة السياسية ما دفع وزيرة الثقافة الليكودية لوصفهم بأنهم "حصان طروادة" داخل الحزب.
في مساعي الحزب لمقاومة هذه المجموعة أيضا وبعد أن أصدرت المجموعة الاتهامات لنتنياهو في القضيتين 1000 و2000 طالب نشطاء ليكوديون محكمة الاحزب بطرد المجموعة من صفوفه، وبعدها قرر الحزب إلغاء التسجيل عبر موقعه الالكتروني ليصعب عملية الانضمام أمامهم، وهو ما وصفه مراقب الليكود بأنه تجاوز للسلطة من قبل نتنياهو ومساعديه، ما دفع الليكود للإعلان عن عدم أهلية الكثيرين وبلغ عددهم 2500 شخص بينهم قيادات إقليمية محلية بتهمة العضوية المزدوجة وكان السبب مشاركة قادتهم في المظاهرات ضد نتيناهو وأمام منزله وفي مظاهرة مضادة ضد اليمين الذي تظاهر أمام منزل النائب العام.
كانت قيادة الليكود قد نشرت رأيها في "الليكوديون الجدد" وقال البيان أن "من حق حزب الليكود على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتجنب التلاعب في الستجيل وفي حركة الأعضاء الجدد الذين لا يتعاطفون مع أهداف حزب الليكود. وهذا التلاعب يشكل انتهاكا للقوانين الأحزاب، وقانون العقوبات ويتناقض مع دستور الليكود." وقال الليكود إن عملية التسجيل شابها الاحتيال على حق التصويت والترشح لمؤسسات الليكود واختيار المرشحين للكنسيت، و إنها " محاولة للسيطرة على الليكود بشكل غير قانوني ".
و 24 آب/ أغسطس 2017 قال بنيامين نتنياهو في مقابلة في مقابلة مع القناة 20 "الليكوديين جديدة ليسوا ليكوديين وليسوا جددا فهم يساريون قدامى يريدون دخول الليكود والسيطرة عليه واستخدام ديمقراطيته لتدميره وكل ما يمثله ونحن سندافع عن أنفسنا ضدهم".
ولكن الحركة لم تعدم بعض المؤيدين المهمين في الليكود حيث قال دان ميردور إنه "يتمنى النجاح للحركة في محاولة لإعادة الليكود إلى أيام الماضي" وأضاف "أنا ما زلت عضوًا في الليكود ، لكنني أشعر أنني لا أستطيع دعم الليكود" وكذلك جاء رأي الوزيرة جيلا غمليل التي وصفته بأنهم " منظمة أصيلة وأن حزب الليكود لديه مجال لطائفة واسعة من الآراء طالما أنهم يفهمون أساس حركة الليكود".
وكذلك كان موقف الوزير تساهي هنغبي الذي أنكر أن يكونوا يساريين أو أنهم يخوضون محاولة عدائية للاستيلاء على الليكود، وإن أشار إلى أن عددا قليلا منهم يحاولون " استغلال ديمقراطيتنا ..هم قليلون ، قليلون ، ودستورنا يسمح لهم بذلك ، لكن الغالبية العظمى من الليكوديين الجدد ليسوا كذلك". ويزعم هنغبي أن 905 من اليكوديين الجدد هم ليكوديون يسعون لإصلاح الحزب.
مرشحون يساريون لليكود:
تشير بعض التقارير أن بعض المرشحين للانتخابات التمهيدية كانوا فعليا أعضاء في ميرتس أوالعمل وعبروا علنا عن مواقف معارضة لقيم الليكود.
وحاليا تعكف المجموعة على جمع مليوني شيكل لدعم الانتخابات سيتم توزيعها على المرشحين الستة للانتخابات التمهيدية وهم ليور ميري ودان كلارمان وهدار ويسمان سيموني وعساف روتيم ويانيف تيرمان ونير هيرشمان.
المشكلة الأساسية أن أربعة من المرشحين الستة وهم ميري وتوبرمان وكلارمان وروتيم ليسوا أعضاء معترف بهم في الليكود، وبالتالي يتهمون بأنهم يخدعون المتبرعين، وزيعم النقاد اليمينون أن ملارمان هو عضو في حزب العمل وروتيم عضو في ميرتس،.
لايوجد شكليا مشكلة لدى الليكود في وجود وقدرتهم التي أثبتوها في التأثير على الأعضاء الهشين في الليكود والذين ينقادون لطروحاتهم، أو ما يسمى يسار الليكود، وبالتالي الخشية من أن هؤلاء لايمثلون تعزيزا لجدول أعمال الليكود.
القلق الأخر من النوايا المعلنة لهؤلاء فقد صرح ميري أنه إذا وصل إلى الكنيست فإن أول شيء سيفعله العمل على إسقاط ما سماه القوانين المسمومة مثل "قانون القومية" الذي وصفه بأنه عنصري و"قذارة كبيرة".
من جهته عساف روتم يتهمه اليمينيون بأن تصريحاته أكثر ملاءمة للطرف الآخر وقد انضم إلى الليكود عام 2011 وبعدها بوقت قصير نشر مقالا بعنوان "أنا ليكودي يساري" ثم غير العنوان وأوضح روتيم "إبقاء الليكود بعيدًا عن الشركاء الطبيعيين - المستوطنين اليهود والمتدينين الأرثوذكس". وقام روتيم بإجراء مقارنة ضمنية بين نتنياهو وهتلر.
وكان في منشورات أخرى سخر من القائمة التمهيدية السابقة لليكود عام 2013 ووصفها بأنها "حلم الشيطان وقد تحقق"، وأمل أن الليكود سينتهي ويتم القضاء عليه، واعترف حينها إنه سيصوت لقائمة أخرى رغم إنه عضو في الليكود.
وعلى خلاف تردد الحركة سياسيا في مواقها على صفحتها على الإنترنت، يواصل روتيم مهاجمة المستوطنين، وعندما أعلن الاتحاد الأوروبي عن نيته مقاطعة المنتجات من الضفة الغربية ، كتب " فخور بجواز سفري الألماني ، إشارة إلى الأوروبيين ".
بالنسبة للمرشحة الأخرى هدار وايسمان سيموني فقد أعربت بعد الانتخابات الأخيرة ، وفوز الليكود واليمين عن خيبة أملها المريرة لانتصار الحزب . وهي يستمر بعد انضمامه إلى الليكود بمهاجمة نتنياهو.
وينطبق الشيء نفسه على المرشح يانيف تويرمان الذي اعترف في مقال صهيون نانوس على القناة الثانية بأنه لم يصوت لصالح الليكود في الانتخابات الأخيرة.