Menu

سر الاعتراض الأمريكي: لماذا فشلت خطة باراك في قصف إيران؟

بوابة الهدف - إعلام العدو/ترجمة خاصة

ما هي الظروف التي أحاطت بتخطيط إيهاد بارك وتصميمه على توجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني، ولماذا أحبطت هذه الضربة ولم يتمكن باراك من لإضافتها كاإنجاز له يف سيرته الذاتي، في معركة انتخابية محتدمة يحتاج فيها كل الأطراف الصهاينة إلى إظهار مدى العنف الذي يستطيعون توجيهه إلى "العدو" فلسطينيا كان أو إيرانيا في هذه الحالة.

هذا المقال المترجم، يستعرض تفاصيل المسألة النووية الإيرانية كما ظهرت في كتاب السيرة الذاتية للإيهاد باراك المنشور مؤخرا، والكاتب هو شموئيل مئير محلل سابق في جيش الدفاع الإسرائيلي وباحث مشارك في مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، وقد ظهر المقال بالعبرية أول مرة في هآرتس ثم أعيد نشره بالإنكليزية في موقع مجلة 972، ويستند النص المترجم إلى النسخة الأخيرة.

يشير المقال إلى أن إيهود باراك كان مصمما أثناء توليه وزارة الحرب على القيام بضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيران، وفي كتابه يوفر الأدوات اللازمة لفحص حدود العلاقة الأمريكية "الإسرائيلية" والاعتبارات التي وضعها القادة الصهاينة في قرار الذهاب إلى الحرب.

السيرة الذاتية لباراك نشرت مؤخرا تحت عنوان " بلدي، حياتي" يزعم المحلل إنه كتاب ليس فقط عن سيرة حياة بل عن أهم الحظات في التاريخ "الإسرائيلي" فهو لايروي فقط الإنجازات بل الإخفاقات أيضا والفرص الضائعة من وجهة نظر أعلى ضابط عسكري صهيوني.

يناقش باراك بإسهاب حروب "إسرائيل"، والانسحاب من لبنان، والفرص التي فاتها في عملية السلام مع سوريا ومع الفلسطينيين، غير أن القضية النووية الإيرانية تكتسي أهمية خاصة في الكتاب، يقدم باراك ما يوصف بأنه وجهة نظر مهمة وثنائية: أولاً، منظور الحكومة الأمنية وتفاعلها مع كبار المسؤولين العسكريين، وثانيا، مفاضوات الكيان مع الأمريكيين - من المستويات العسكرية والسياسية وصولا إلى الرئيسين بوش وأوباما.

حيث يقد باراك رغم غموضه فرصة لدراسة عدد من الأسئلة التي لم يتم الرد عليها" ماذا كان تقييمه للبرنامج النووي الإيراني؟ هل يقدم الصورة الكاملة أم أنه ترك مراحل مهمة في الأزمة النووية الإيرانية، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟والسؤال الأهم: هل كان إيهود باراك يروج بجدية لهجوم "إسرائيلي" على إيران؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يحدث ذلك؟

بحسب سيرته الذاتية، كانت القضية النووية الإيرانية هي السبب في قرار باراك العمل كوزير للحرب في حكومتي أولمرت ونتنياهو من عام 2007 إلى عام 2013 ويذكر إنه منذ اللحظة التي دخل فيها حكومة إيهود أمر رئيس الأركان جابي أشكينازي بإعداد خطة "لضربة جراحية" لتدمير معظم المنشآت النووية الإيرانية، عندما أدرك باراك أن "إسرائيل" لم تكن لديها القدرة على القيام بمثل هذا الهجوم (كانت تفتقر إلى طائرات الجو لإعادة التزود بالوقود والقنابل اللازمة للتدمير)، قال: "كنت مصمماً على بذل كل ما في وسعي لتغيير ذلك".

رغم هذا الإصرار يقود تحليل باراك إلى أنه لا يتفق مع تأكيد نتنياهو بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل "تهديدًا وجوديًا" للكيان، وكانت القضية الرئيسية في نظر باراك تغير محتمل في توازن القوى الإقليمي إذا ما حصلت إيران على أسلحة نووية، الأمر الذي قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي وظهور دول نووية جديدة، ونتيجة لذلك - بدون قول ذلك صراحة - فقدان احتكار "إسرائيل" للسلاح النووي.

زادت الاستعدادات "للهجوم الجراحي" المزعوم خلال 2011-2012 حيث اعتقد باراك أن جهود الرئيس أوباما في تفكيك البرنامج النووي الإيراني وفق "النموذج الليبي" - من خلال الأساليب السلمية، بما في ذلك الضغط والحوافز - لن تنجح ويقول إنه من خلال محادثاته مع كبار المسؤولين الأمريكيين، أصبح واضحا له أكثر أن الأمريكيين لا ينوون مهاجمة إيران بأنفسهم، وقال "كان علينا أن نتخذ إجراءً عسكريًا ضد إيران ... وكان ذلك لضمان امتلاكنا للقدرة العسكرية بالفعل قبل أن يدخل الإيرانيون مرحلة تنشيط قوتهم النووية" وذلك مسحب البساط من تحت أقدامهم.

كانت الأأهداف تتركز بإلحاق ضرر كبير بالبرنامج النووي الإيراني في موقع الطرد المركزي المحصن تحت الأرض في فوردو وذلك كان تفكير أوباما، و لم يشر باراك في الكتاب إلى هذا المرفق الذي كان في قلب الاستعدادات العملية "لضربة جراحية". كان فوردو هو المكان الوحيد الذي تم فيه تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20٪، مما جعله أخطر مكون في البرنامج النووي الإيراني و كانت مؤسسة فوردو، حتى خطة العمل المشتركة المشتركة، هي مسار إيران السريع الذي يمكن من تخصيب اليورانيوم إلى المستويات العسكرية العالية اللازمة لصنع مادة انشطارية لصنع قنبلة.

يقدم باراك أيضاً وصفاً مفصلاً لجهوده في إقناع الحكومة الأمنية (الكابينت) بتفويض هجوم على إيران وكان هذا ذروة الجهود السرية نهاية عام 2010 حتى خريف عام 2012 بعد أن اعتبر باراك الاستعدادات كاملة واعتقد أن القدرة العسكرية قد تم التوصل إليها، طلب من الحكومة أن تأذن لهجوم فوري (أي قبل دخول الإيرانيين "منطقة الحصانة "لم يكن يريد أن يدمر البرنامج النووي الإيراني بالكامل، بل أن يلحق الضرر ببعض المرافق الحيوية، ويقدر أن ذلك من شأنه أن يجعل الإيرانيين يفهمون أنه "يمكننا دائما الهجوم مرة أخرى" وأنه لن يكون من المفيد إعادة بناء منشآتهم النووية.

من أجل تهدئة مخاوف وزراء الحكومة المتعارضة (الكتاب يقدم سرد كامل لمعارضي الخطة) حول مخاطر هجوم إيراني مضاد، كتب باراك أنه قال إن هجومًا إيرانيًا مضادًا سيكون بسيطًا نسبيًا: "كان بعض الانتقام الإيراني أمرًا حتميًا لكن الخيارات ستكون محدودة. وربما تشمل، في أسوأ الأحوال، فترة من الاستخدام المتصاعد لسلاحين مألوفين: عمليات إرهابية في الخارج وهجمات صاروخية من قبل وكيلها اللبناني، حزب الله، في جنوب لبنان".

وفي تعليق غير معتاد عبر الإذاعة أواخر عام 2011، وردا على تصريحات مدير الموساد مئير داغان، الذي عارض الهجوم على إيران، ذهب باراك إلى أبعد من ذلك واستهزأ بما أسماه "مهرجان الذعر" وقال "الحرب ليست نزهة، لا يوجد سيناريو سيكون فيه 50000 أو 5000 ولا حتى 500 قتيل. "

ومع ذلك، لا يوجد في الكتاب أي شيء حول مخاطر المضاعفات التي قد تنشأ نتيجة إعلان الحرب على إيران، أو عن النتائج المحتملة غير المتوقعة وغير المرغوب فيها للحرب الوقائية، و الطريقة التي اختار بها باراك أن يقلل من قدرته على التقليل من المخاطر، هي إشارة إلى أنه أسس تفكيره الخاص في أبحاث العمليات والحسابات المجردة الكمية، بينما الاستخبارات العسكرية التقليدية ليست قادرة على تقديم مثل هذه الإجابات، و المثال الأبرز للسياسي الذي أسس قراراته لإدارة الحرب على حسابات مماثلة كان روبرت ماكنمارا خلال حرب فيتنام.

الاعتراض الأمريكي

كان الرأي السائد في الكيان هو أن الخيار العسكري ضد إيران لم يتم تنفيذه لأن قرار الأغلبية لم يتم التوصل إليه في الحكومة الأمنية، ووفقاً لهذه الرواية، كانت هناك معارضة من قبل كبار المسؤولين العسكريين، بقيادة رئيس الأركان جابي أشكنازي، الذي جادل بأنه على الرغم من التخطيط التحضيري والتدريب والاستخبارات العسكرية، فإنهم "لم يعبروا بعد عتبة القدرة التشغيلية". ورغم غضب باراك إلا أنه كان يعرف من تجربته كرئيس للأركان في التسعينيات أن الكابينت لن يصل إلى قرار الأغلبية بشأن هجوم استراتيجي بدون موافقة رئيس الأركانوهكذا أطاح باراك بأشكنازي، لتحييد تلك المعارضة عن طريق تنصيب رئيس جديد للأركان، وهو بيني غانز، الذي أيد، حسب الكتاب، الخيار العسكري.

من الناحية النظرية، مع غانتز إلى جانبه، كان كل ما يحتاجه مجلس الوزراء للتصديق على ضربة عسكرية قد تم، لكن لا تزال هناك عقبة لا يمكن تجاوزها: حكومة الولايات المتحدة، وليس فقط، مثلما يظن "الإسرائيليون"، الرئيس أوباما، ومنذ البداية، كان الشرط لهجوم "إسرائيلي" هو ضمان الموافقة الأمريكية.

وفقا لباراك، أعطى الأمريكيين فقط فهمًا عامًا للخطط العسكرية "الإسرائيلية"، لكنهم لم يفهموا ذلك، وكتب باراك أن الرئيس جورج دبليو بوش أخبره وأولمرت في اجتماع مغلق عقد في القدس عام 2008 أنه كطيار لـ طراز F16 يمكنه الربط بين النقاط: "أريد أن أخبركما الآن، كرئيس، الموقف الرسمي للولايات المتحدة. الحكومة: نحن ضد أي عمل (إسرائيلي) لشن هجوم على المنشآت النووية" ولتفادي أي شكوك ومنع أي سوء فهم، أكد الرئيس أنه يتوقع من "إسرائيل" عدم الهجوم، وقال "نحن لن نفعل ذلك، طالما أنا رئيس." وعندما حاول باراك في وقت لاحق الحصول على موافقة أمريكية لهجوم "إسرائيلي" مرة أخرى، هذه المرة من الرئيس أوباما، حصل على نفس الرفض.

من تصوير باراك لاجتماعاته مع كبار المسؤولين الأمريكيين ومع الرئيسين بوش وأوباما، من الواضح أنه تحدث معهم عن خطط ملموسة لمهاجمة إيران، وهذا يتناقض مع الرأي السائد بأن هدف باراك كان اتباع نهج غير مباشر: إقناع الأمريكيين والتأثير عليهم - مع تلميحات مصحوبة باستعدادات عسكرية حقيقية لشن هجوم - حتى تقوم الولايات المتحدة بعملها من أجلهم، وقد فهم الأمريكيون، وأجابوه بوضوح أنهم يعارضون هجومًا أمريكيًا أو هجومًا "إسرائيليًا".

ولذلك خلص باراك إلى أن الدبلوماسية الأمريكية قد استنفدت وأن الوقت قد حان للقيام بعمل "إسرائيلي"، وكان آخر موعد محتمل لهجوم قبل دخول إيران "منطقة الحصانة" هو صيف عام 2012، و يوضح باراك في الكتاب أن المعارضة الأمريكية للهجوم هي ما أخرج الموضوع في نهاية المطاف في تشرين أول/ أكتوبر من ذلك العام.

ومن تحليل وثيق للنص، يبدو أن "إسرائيل" لم تكن لديها فرصة في الحصول على "الضوء الأخضر" من الأمريكيين، ولكن بعيداً عن الخوف من أن هجومًا "إسرائيليًا" قد يجرف الولايات المتحدة إلى حرب شاملة، كان لدى واشنطن سببين للاعتراض. الأول، التقييمات الاستخباراتية، التي غابت تماماً عن كتاب باراك، وهي ضرورية لفهم لماذا لم يحدث الهجوم، والثاني، دبلوماسية واشنطن السرية، لم تكن معروفة لدى شخصيات "إسرائيلية" في الوقت الحقيقي.، وهم ا سببان مستمران حتى في عهد ترامب.

السبب الأول وراء وقوف الولايات المتحدة في طريق الهجوم "الإسرائيلي"، الذي كان باراك على علم به، لكنه اختار أن يتجاهل في كتابه، كان القدير الأمريكي للاستخبارات القومية الصادر في تشرين ثاني/ نوفمبر 2007 . وفقاً للتقرير التكاملي لوكالات الاستخبارات الأمريكية البالغ عددها 16، فإن المخابرات الأمريكية حكمت "بثقة عالية بأنه في خريف عام 2003، "أوقفت طهران برنامجها للأسلحة النووية". وقد سقطت هذه المعلومات الصادرة عن أعلى مركز استخباري أمريكي على القادة في "إسرائيل" كالرعد في يوم صاف، واختاروا تجاهلها، لكن الرئيسين بوش وأوباما، من ناحية أخرى، كانا ملزمين بها.

حيث لا يمكن لرؤساء الولايات المتحدة تجاهل تقديراتهم الخاصة للاستخبارات القومية، خاصة بعد الحرب الفاشلة ضد العراق في عام 2003، والتي كانت مبررة بتضليل المعلومات الاستخبارية وافتراض وجود أسلحة نووية، وقد واجه باراك ومعظم صانعي القرار "الإسرائيليين" صعوبة في فهم أن رئيس الولايات المتحدة لا يستطيع مهاجمة دولة عضو في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وهي تخضع بالفعل لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لقد أعلن مجتمع الاستخبارات الأمريكية برمته أنه على يقين من أن إيران لا تطور أسلحة نووية.

في ظل هذه الظروف، لم تكن الولايات المتحدة قادرة على السماح لحليف بالهجوم، وتجدر الإشارة إلى أن التقرير النهائي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي نشر قبل بدء نفاذ خطة العمل المشتركة الدولية أكد على النتائج التي توصل إليها تقرير الاستخبارات الوطنية لعام 2007، ووفقاً لجميع التقارير الفصلية للوكالة منذ ذلك الحين، فإن إيران تمتثل للاتفاق.

السبب الثاني لمعارضة واشنطن لهجوم إسرائيلي في عام 2012 ("العام الحاسم" من وجهة نظر باراك)، والذي لم تكن معروفة على ما يبدو للحكومة "الإسرائيلية" في الوقت الحقيقي، هي المحادثات السرية الاتي جرت في سلطنة عمان، حيث لم يستطع الرئيس الأمريكي شن حرب مع إيران أو منح الضوء الأخضر لهجوم "إسرائيلي" عندما كان ممثلوه يقومون بمحادثات مكثفة مع إيران حول القضية النووية، والتي ظلت سرية حتى تم التوصل إلى اتفاقية الطاقة النووية المؤقتة مع إيران في تشرين ثاني/ نوفمبرعام 2013 (كان الاتفاق الانتقالي هو الأساس الذي تم التوصل إليه في نهاية المطاف لاتفاق JCPOA إيران في فيينا بعد عامين)، ويبدو أنه على الرغم من التعاوين الاستخباري الحميم مع الولايات المتحدة، لم تكن وكالات الاستخبارات "الإسرائيلية" ووزير الحرب على علم بذلك المسار العماني وحتى الآن لا تزال هناك أسرار تحتفظ بها الولايات المتحدة لنفسها.