ما يحتاجه الوضع الفلسطيني الآن، حيث المرحلة الراهنة تشهد مخططا أمريكيا صهيونيا رجعيا غير مسبوق لتصفية القضية الفلسطينية، تصفية نهائية هو الاهتمام بموضوع الوحدة الوطنية الكاملة غير المنقوصة التي توحد البرنامج السياسي الفلسطيني على ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية، وتصيغ استراتيجية وطنية واحدة للمشروع الوطني الفلسطيني بأهم مكوناته السياسية. إذ لا يعقل بعد سبعين عاما من الاغتصاب وإقامة الكيان الصهيوني وبعد أكثر من خمسين عاما من احتلال باقي فلسطين التاريخية الضفة والقطاع، أن تعاني الحركة الوطنية الفلسطينية من الخلافات السياسية بين مكوناتها في كيفية ممارسة النضال الفلسطيني في مواجهة الكيان الصهيوني، وأيهما أكثر جدوى خيار المقاومة بكل أشكالها وفي مقدمتها المسلحة أم العمل السياسي والدبلوماسي الذي يقوم أساسا على خيار المفاوضات السياسية وحده؟
الانقسام السياسي الذي هو المظهر الرئيسي لغياب الوحدة الوطنية هو دليل على عمق الأزمة التي تعاني منها الحركة الوطنية الفلسطينية، و الذي يعتبر عدم إنهائه والتخلص من تداعياته هو أخطر على القضية الفلسطينية من آثار هزيمة يونيو حزيران 1967 التي كانت صدمة كبرى أبرزت على نحو مأساوي عجز الأمة عن مواجهة التحالف الإمبريالي الصهيوني، بل إن هزيمة يونيو وحدت الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة وأراضي 1948، في مواجهة الاحتلال وسياساته العدوانية، بينما الانقسام السياسي المتواصل منذ أكثر من اثني عشر عاما، قسم الشعب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وعمل على تأهيل الحالة الفلسطينية إلى انفصال كياني خطير بين ما يسمى حسب اتفاقية أوسلو "بجناحي الوطن".
الوحدة الوطنية لها الأولوية على غيرها من القضايا الأخرى سواء أكانت سياسية أو إنسانية. كان وجود حكومة الوفاق الوطني بعد اتفاق الشاطيء شكليا بسبب عدم تفعيلها في ما يتعلق بإدارة القطاع، الذي ظل على حاله من استمرار سيطرة حركة حماس، لذا فإن إنهاء الحصار ما كان له أن يتم مما حول جانب من القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية في ظل العطف العربي (المساعدات ال قطر ية) والدولي، وبفعل ذلك مارس الكيان الصهيوني شروطه على إدخال "المساهمة الإنسانية"، وهو ما يعتبر خروجا عن شعار خيار المقاومة.
حقيقة أن الوضع السياسي الداخلي الفلسطيني وصل إلى حالة معقدة لم تعد تجدي في تصحيحه مباحثات وحوارات المصالحة، ولا أيضا التوصل إلى اتفاقياتها التي تبقى حبرا على ورق بدون تطبيق ما دام إطار الوحدة الوطنية ناقصا لا يمثل الكل الفلسطيني، حيث القوى الإسلامية خارج هذا الإطار. إذ لا بد من إعطاء الأولوية الآن في العمل السياسي الوطني الداخلي لإنضواء هذه القوى في منظمة التحرير الفلسطينية، فالمشاركة السياسية الإسلامية في إطار الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني هي التي تحقق الوحدة الوطنية الكاملة، وهي المدخل لإنهاء الانقسام السياسي من خلال الانتخابات التي على إثر نتائجها يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية للكل الفلسطيني .
لقد آن الأوان لإعادة تشكيل الحركة الوطنية الفلسطينية على قاعدة الوحدة الوطنية الكاملة، وبدون ذلك سيشهد النظام السياسي الفلسطيني تشكيل حكومات متعددة في ظل بقاء الانقسام السياسي كشرخ يقصم ظهر وحدة الشعب الفلسطيني الوطنية.